للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندوات ومحاضرات

العلمانية والفن

(٢ - ٢)

وائل عبد الغني

في الحلقة السابقة تحدث ضيوف الندوة عن جوانب من مسألة العلمانية والفن،

فبينوا ماهية العلمانية وأنها نتاج المجتمعات الأوروبية، وأن الفن جزء من ثقافة

أي أمة، ويتوقف أثره على هدف من يستعمله، وأن الفنان المسلم يهدف إلى قيمه

بالدرجة الأولى، ولو نظرنا إلى فلسفة الفن خلال نصف القرن الماضي لتبين لنا

مدى التجني والخبث العلماني، وفي هذه الحلقة نمضي مع ضيوفنا نتلمس أبعاد

المسألة وأطوارها.

- البيان -

* أ - محمود خليل:

هذه السقطة التي سقطها نجيب محفوظ.. سقطها جيل كامل من الروائيين

السوريين والمغاربة والمصريين؛ ف (أولاد حارتنا) .. هي (قنديل أم هاشم)

ليحيى حقي، و (انتصار العلم على العقيدة) .. هي (نهر الجنون) لتوفيق

الحكيم.. هي (محمد رسول الحرية الثائر على العبيد) .. وهي (الحسين شهيداً

والحسين ثائراً) ... ، كان سقوطاً لجيل كامل؛ لأن تلك الفترة كانت فترة مد

ماركسي، وكان الدافع الأول كما قال أستاذنا هو التشويش والشغب على العقيدة

ليصبح بعد ذلك ما ينادون به واقعاً.

لكن أريد أن أنقل الكلام إلى الفنون المرئية باعتبارها صناعة تكنولوجية

معقدة، وإذا كانت الأقصوصة والرواية المسرحية والعمل الملحمي لها أصول

عربية وأصول إسلامية.. فهذا لا نقاش فيه، لكن الآن أصبحت هذه كمالئات

الفراغ، كالمحتوى للكمبيوتر.. مع دخول الآلة الجهنمية.. ومع دخول رأس المال

القوي جداً.. ومع دخول الأيديولوجيات العالمية المنظمة لمثل هذه الألعاب

الشيطانية العالمية.. ومع وجود الحكومات الخفية في العالم أصبح الأمر أعقد

وأكثر تركيباً وغموضاً مما نظن.

نعم الرواية فن عربي، والحكاية فن عربي. نحن أمة حكاءة وأمة تتلقى

وتحفظ.. وأمة ذاكرتها في التلقي والإمتاع، والاستماع فن أصيل عندنا، لكن

التوظيف المعاصر والتركيب الذي دخلت فيه هذه الفنون أصبح فناً لا يمكن أن نقول

إن لنا فيه ناقة أو جملاً، نحن نتلقى، وللأسف نتلقى، ونعرف أننا نتلقى..

ونعرف أننا ضمن دائرة المؤامرة، ونحسن التفسير التآمري لهذه الأحداث ولا

نصنع شيئاً؛ لأننا لا نملك أن ندخل الملعب الجهنمي العالمي الذي خطط ووزعت

أدواره بعيداً عنا، ولا نملك إلا أن نكون في مقاعد المشاهدين المهزومين، ليس هذا

إلغاءً لدورنا ولكنه توصيف لواقع نبحث له عن حل مستقبلي، والحل من وجهة

نظري ليس في الخصام؛ لأنه سيقتحم عليّ، وسيدخل على الرغم مني.. الآن تم

توزيع المناطق غزيرة الإشعاع في المنطقة الإسلامية، واحتُل الفضاء كما احتُلَّتِ

الأرض في اتفاقية: سايكس بيكو، وسيقتحم الإرسال علينا دون حاجة إلى أطباق.

لا بد أن نبحث عن الحل إذا كنا نريد أن نحيا هذا الواقع، وأن نعلن تحريراً

ولو جزئياً لمعنوياتنا وعقولنا وتربية أبنائنا، لا بد أن نكون شيئاً في عالم الكبار

الذي يرفض الصغار، ويرفض الأعمال الفردية مهما كانت همة أصحابها.. لا بد

من عمل إسلامي عالمي يمثل رأس المال الركيزة الأولى فيه، وأن تكون الأقمار

الصناعية الإسلامية ليس لنقل مباريات الكرة ولا مهرجانات السينما ولا السياحة

الترفيهية.

* د. عبد العظيم المطعني:

أتأذن لي بسؤال تجيب عليه؛ باعتبارك إعلامياً؟ قلتَ إنهم هم يملؤون الفراغ؛

ولو وجدوا فضاءنا مملوءاً لما ملؤوه ... باعتبارك إعلامياً قد يكون المنتج لنماذج

فن إسلامي موجود لكن هل تضمن له أن يملأ الفراغ أو يزاحم ما يسمى بالفن وهو

ليس فناً ولا أدباً..؟ هذه هي مشكلتنا.

* أ - محمود خليل:

الفنون العالمية تعاني من جدب في النتاج الإنساني الذي يرد الإنسان إلى

إنسانيته، الأفلام الإيرانية حققت نجاحات عالمية من باب التقييم البحت، وقد رأيت

عدداً منها ليس فيها ملاحظة عقدية واحدة، وهي تعرض لمتطلبات إنسانية بحتة

بصورة نظيفة بعيداً عن الإسفاف العلماني. الأفلام الهندية البوذية لأنها أفلام طبيعة

وأفلام انطلاق لا تتاجر بالجنس لها مكانتها في عالم الفن [*] . نحن لدينا انتاجنا

الأدبي الذي يمكن أن يمثل ذاتيتنا؛ فعلى سبيل المثال الأستاذ نجيب الكيلاني -

رحمه الله - وإن كان للبعض ملاحظات عليه كان يقول: سأموت محسوراً؛ لأن

عملي الذي أبدعته لم يجد تجسيداً إسلامياً يسد تصويرياً ما وقعت فيه إبداعياً، ولكن

للأسف.. رغم ما عرض عليَّ من عروض سخية جداً، لم أرد أن أقضي نصف

حياتي في السجن، ونصفها الآخر يعبث بها المنتجون غير المسلمين، أو أن أكون

كالجاحظ مع تلميذه؛ أُملي عليه ما أقرأ.. فيسمع غير ما يقول.. ثم يكتب غير ما

يسمع.. ثم يقرأ غير ما يكتب! فأترك أشياء منسوبة لي وما أنا في شيء منها!

وقد كان أمله قبل أن يموت أن يعد فيلماً سينمائياً يجسد جهاد الحركات الإسلامية

المعاصرة ويتركه كأنما هو عمل ملحمي.

البيان: مع الاعتراف بخطر هذه الإشكالية إلا أنه لا يمكن التغاضي عن

الأعراف العلمانية التي تفرض فرضاً سواء في مجال الإنتاج أو حتى في مجال

الترويج والتوزيع؛ لأن الحرمان العلماني الذي يقاسي منه الإسلاميون اليوم لا يكاد

يقاربه شيء إلا الحرمان الكنسي الذي عرفته القرون الوسطى، وهذا الأمر يشكل

هاجساً ملحاً إن لم يكن في مجال الإنتاج وهو حاضر ملحّ ففي مجال التسويق

والترويج والتوزيع.

* د. حلمي القاعود:

للأسف، فإن جهود الإسلاميين في مواجهة هذا الواقع الفني المتردي كانت

محدودة للغاية.

* أ - محمود خليل:

في مصر توجد ١٦ هيئة علمية لتدريس الفنون ليس بينها واحدة تتبنى النظرة

الإسلامية، إذا كنت أعتبر أن السينما يمكن أن تصبح وسيلة من وسائل الدعوة

المعاصرة؛ فعليَّ أن أشجع الإبداع الذي تحمله صناعة وعناصر موهوبة، وأن أقدم

سينما في مواجهة سينما.. ومسرح في مواجهة مسرح، ونحن لا نملك إلا ما نقوله!

* د. إبراهيم الخولي:

بداية ليسمح لي الأخ محمود أولاً بملاحظة جديرة بالانتباه؛ أقول: إن هناك

فرقاً مبدئياً بين موقفنا وموقف الغرب في المجتمع العلماني.

المجتمع العلماني نفض يده من الالتزام بحرام أو حلال نفضاً كاملاً من نقطة

البدء الأولى على مستوى النظم والشعوب؛ يقول بريجنسكي مستشار الأمن القوي

الأمريكي السابق في كتابه (الانهيار) : «نحن أصبحنا مجتمع إباحة الاستباحة؛

الفرد في الولايات المتحدة استباح كل شيء، ولم يعد في قاموسه كلمة حرام أو

محرم؛ وبهذا لا تستقيم حضارة ولا تستمر. السفينة كلها تغرق ولا يملك أحد

إنقاذها! وإنقاذها مرهون بالعودة إلى الدين والأخلاق!» .

أما نحن فللأسف الشديد في موقف التبعية ولا نستطيع أن نفطم أنفسنا عنه..

«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب

تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله! اليهودُ والنصارى؟ ! قال: فمن؟» [١] .

الإنسان في الغرب عبد نفسه وأحل نفسه محل الله، وأصبح هو مصدر كل

شيء ومحور كل شيء ومعيار كل شيء، دستوره من وضعه.. الأخلاق نسبية،

وهذا ما يردده بعض وزرائنا اليوم.

ثم الغاية تسوِّغ الوسيلة.. الإنسان حر في أن يعيش وجوده، وأن يعبر عن

هذا الوجود كما يريد دونما قيد عليه!

على هذا علينا أن ندقق فيما نقول.. فماذا نعني بسينما إسلامية؟ وهل يمكن

أن نواجه سينما بسينما؟ كيف يتم هذا دون اقتباس من المجتمع الغربي العلماني

الذي لا يصلح مطلقاً أن يكون نموذجاً ولا مصدراً للاقتباس أو المحاكاة لمجتمع مسلم

ما زال يلتزم بالإسلام شعباً وجماعة وإن انحرف النظام؟

هذا إلى جانب ما تتحدثون أنتم عنه كإعلاميين من أن العالم اليوم أصبح قرية

أو ربما غرفة، كيف لي أن أنافس في ظل عالم مفتوح؟

* أ - محمود خليل:

السينما الإيرانية - بغض النظر عن موقفنا من المذهب الشيعي - استطاعت

أن تقدم فناً راقياً دون أن يقع فيما يمارسه الفن العلماني بصورة نالت إعجاب الغرب

نفسه، ودون تلبُّس بما تعتقده من عقائد تخالفنا نحن أهل السنة، وهي في هذا مثال

يمكن احتذاؤه. الأفلام الهندية كذلك؛ لأنها أفلام طبيعة ولا تعرف العنف والابتذال

اللذين تعرفهما السينما الغربية.

وإذا كان الإنسان الغربي قد بدأ ينتابه الملل من هذا التكرار الشديد، والبعض

يعترف بأنها أزمة يحياها الفن الغربي باختلاف مدارسه وتياراته وهي ظل لأزمة

الفكر التي يحياها التيار العلماني بعامة اليوم؛ فإننا يمكننا بما نملكه من مقومات -

متاحة دون أن تستغل - أن ننافس وبقوة.

البيان: ربما نختلف معك فيما يتعلق بالأفلام الإيرانية والهندية، فهي إن

صحت سلامتها من الإسفاف الأخلاقي، إلا أنها لا تسلم من إشكالات عقدية

ومنهجية كثيرة.

* د. إبراهيم الخولي:

بالنسبة للأفلام الإيرانية لو اتفقنا على ما يقال حولها من انضباط؛ فإن مسألة

الاستمرار مسألة مشكوك فيها - وأنا أول الشاكين - في ظل التطور الذي طرأ على

المجتمع الإيراني من أيام الثورة ومروراً برفسنجاني وما بعد رفسنجاني، وبغض

النظر عن رأيي في إيران وتياريها، فإن تيار الإصلاح يمحو كل ضوابط الثورة.

إذن مسألة الاستمرار مسألة فيها نظر، وخاصة أن العوامل التي تأبى

الاستمرار أقوى من أن يقاومها المجتمع الإيراني وغير المجتمع الإيراني.

أما الفن الهندي فقد نشأ في أحضان الديانة الهندية التي لا تقبل هذا اللون من

الفجور الغربي ولا تعرفه، بل وليس ذلك من مطالب الإنسان الهندي وفلسفته في

الحياة.

وكيف لنا بإنجاح مبدأ سينما في مواجهة سينما مثل هوليود التي تنفق على

الفيلم قرابة نصف مليار دولار أو يزيد؟ ! المنافسة هنا أراها غير منطقية؛ لأن

هاجس الربح لا يزال ملحّاً لدينا!

عملية الغزو مستمرة وستستمر، ونحن في كل يوم نفقد من أدوات المواجهة

بقدر ما يزدادون هم في قدرة الهجوم، هذه المعادلة لا ينبغي أن نخطئها!

حين تنتشر الأوبئة وتعم حرب الميكروبات؛ فإن العلاج تحصين الناس في

وجه العدوى، والمشكلة الآن أننا لا نحصِّن المسلمين في بيئاتٍ الإنسان فيها

معرضٌ لأن يصاب بكل الأوبئة من حوله! الأوبئة الآن لا تأتي عفوية؛ وإنما

ترسل إلينا إرسالاً.

إذن القضية ليست أن أحاكي الغرب، وأن أستخدم أسلحته بنفس القوة التي

يستخدمها؛ لأن السلاح نفسه ذو حدين. القضية الآن أننا نواجه عدوى دون

تحصين، وهجوماً دون مقاومة؛ فقد أضحينا جسماً يتعرض لكل أسباب الإصابة

دون مناعة، فعلينا أن نفكر!

* د. المطعني:

كيف تكون المواجهة من هذه الزاوية وأنت ترفض بدائل الأستاذ محمود؟

* د. إبراهيم: نعم أرفضها.

* د. المطعني: ماذا نصنع في ظل الخطر القائم فعلاً مما سمي بالغزو

الفكري لهذه القضية ثم الغزو الأخلاقي ثم الغزو العقدي؟ وعلى حد تعبير الشيخ

الغزالي - رحمه الله -: «إن الغرب نظر إلى الشرق الإسلامي فاتخذ منه مثل ما

يتخذ من المصارف الصحية: يطرد من هناك النفايات والمياه العفنة لتتسرب فينا» .

نحن نملك وسائل المناعة نظرياً، ولكن لا نطبقها عملياً كما يقول الشاعر:

كالعيس في البيداء يهلكها الظمأ ... والماء فوق ظهورها محمول

والتطبيق العملي له منبعان:

الأول «الشعوب» : وتبدأ الشعوب بالأسرة.. وتبدأ الأسر بالآباء والأمهات،

ونحن ندرك للأسف الشديد أن كثيراً من هؤلاء يحاولون تربية أبنائهم تربية

إسلامية، ولولا هذا الصنف لأخذ الإسلام رحله وخرج من كثير من ديارنا.

المنبع الثاني «الدولة» : والمفترض في الدولة ألا تسمح بما يبدد عقائد الأمة

ويبدل أخلاقها، وكي نتجنب هذا الخطر فعلى الدولة أن تتبنى مشروعاً إسلامياً

أعلى بإخلاص، وتضع الخطط لرعاية هذا المشروع لتنميته؛ لا نطلب بأن تتحول

الدولة فجائياً وإن كنا نطمح إلى ذلك لتتبنى مشروعاً إسلامياً كاملاً يبنى من خلاله

المجتمع على منهج الإسلام، وعلى أقل تقدير ألا تسمح لنفسها أن ترى في المجتمع

ما يدمر شخصية المسلم، هذا بالدرجة الأولى، وأن تضرب على يد الذين يكرهون

ما أنزل الله، ولا تسمح لهم بأن يطلعوا شعوبنا الإسلامية صباح مساء على ما

يزهدهم في الإسلام ويبعدهم عنه.

هاتان خطوتان لا بد منهما.

وعموماً نحن علينا أن نهيئ الأرض ونضع البذرة؛ أما الإنبات فعلى الله

تعالى.

* أ - محمود خليل:

لعل الدكتور الخولي يرى أن المناعة هي الحل الوحيد.

* د. إبراهيم الخولي: لا بل هي الحل الأول.

* أ - محمود خليل:

المناعة والتحصين هذه ضرورة شرعية سواء كان هناك عدو منتظر أو غير

منتظر..

لكن ماذا نصنع إذا كان هذا العدو قد احتلنا على الرغم منا، ولا نملك مناعة

لا من فيروسات هذا العدو التي لا تقف عند طور، ولا تحدها حصانة أو مناعة

معينة، ولا يحدها الحجر أو العزل الصحي ونحن لا نملك حتى مفهوم: «فِرَّ من

المجذوم فرارَك من الأسد» ؟ ولو أن الفرار من هؤلاء يجدي فتيلاً لفررنا. الآن

يكاد ألاَّ يخلو بيت من جهاز استقبال في زمن احتلت فيه السماوات كما احتلت

الأرض.

والسينما باعتبارها من الوسائل العصرية تأتي ضمن هذا المسلسل لا نقول

الجهنمي إلا لملئه بمحتوى فاسد، وكون الحرام غلب عليها فحرمناها، هذا لا يعني

عدم إمكانية استغلالها كأداة من قِبَل المصلحين. ولعل هذه الحساسية من السينما

موروثة منذ أن جاءت السينما إلى بلادنا في عام ١٨٩٧م، وليس غريباً أن أول ما

قامت بتقديمه جماعة أجنبية في سينما بجوار حمام سباحة للعراة! يعني من أول يوم

يعلنون أن بضاعة العلمانية الجسد الرخيص! لكن تبقى الوسيلة بعد تصفيتها

وتحليتها وسيلة مشروعة.

البيان: هناك تعليق معبر للمنفلوطي - رحمه الله - في (نظراته) بمناسبة

أول عرض مسرحي قدم في القاهرة، وهو شهادة مهمة على عصره يقول: «كان

الشر مفرقاً في البلاد فجاء كشكش فجمعه في مكان واحد» .

* أ - محمود خليل:

نعم.. ولعل هذا الفساد بل الإفساد من أول يوم هو الذي أوجد هذه الحساسية

لدى الشباب المسلم، وحاول بعض المصلحين أن يرشِّدها ويستثمرها في إيجاد

نموذج للإبداع الصحيح. ويظل بعد ذلك السؤال المفتوح لنا: ما الحل؟

البيان: تبقى احترازات الدكتور الخولي لها وجاهتها وخاصة أن تجارب عدد

غير قليل من الذين اعتزلوا الفن قد انتهوا إلى غير ما بدؤوه حين اعتزلوا، وهو

أمر يدعو إلى التريث وإعادة تقويم الأمور.

* أ - محمود خليل: مسألة الحرام خارجة تماماً عما نطرحه من تصور

لعلاج هذه المشكلة.

البيان: لكن المشاكل تظهر دائماً في التطبيق ولم تنتف بعد؛ ولذا ينبغي

الحذر والاحتراز.

* د. عبد العظيم المطعني:

الدكتور إبراهيم يرى الاحتراز ليس حلاً، وإنما تجنباً للشر.. أما المناعة

فتنبت من داخل الإنسان نفسه، هناك فرق بين الأمرين.

هناك حلان: حل سريع وهو المنع من الخارج؛ والثاني أنه بعد منع الخطر

لا يمكن أن نترك الإنسان في حالة ضعف؛ إذ لا بد أن نمنحه قوة ليتقي بنفسه

الشرور.

البيان: لكن الفن وإن تزايدت الحاجة إليه باعتباره وسيلة من وسائل الحماية

والبناء يبقى الوضع القائم له كمؤشر عليه، إلى جانب الخلاف الفقهي في مسألة

التمثيل التي تجعل المرء أكثر حذراً في التعامل، بل ربما احتاجت ممارسة الفن

إلى مزيد من التحصين المسبق والمستمر، بحيث تبقى المعضلة الكبرى هي إيجاد

فن هادف ملتزم بالضوابط الشرعية التي تطلق الإبداع في مجال البناء وتكفه عن

مجال الهدم.

* د. إبراهيم الخولي:

دائما يجب أن يوضع في الاعتبار أننا حين نتحدث في ظل مجتمع يلتزم

بشريعة الإسلام، ويلتزم بالحكم فيه بهذه الشريعة يختلف عما إذا كان حديثنا عن

مجتمعٍ النظامُ فيه علماني والشريعة معطلة؛ لأن ضمانات ألوان النشاط في المجتمع

في مثل هذه الحالة أنت لا تملكها، ومن ثم يصبح التجريد كلاماً بغير إنتاج، أنت

ضربت مثلاً بإيران.. إيران بعد مرحلة من مد الثورة وعنفوان التشدد والحمية بدأ

التحلل من كثير من الضوابط بغض النظر عن رأينا فيها، وأنا أعتقد أنه لو استمر

الوضع في ظل الحكومة الحالية فإن المسألة ستختلف بعد ٥ سنوات اختلافاً كبيراً

جداً عن الصورة التي رآها الناس عندما كانت الثورة مهيمنة على كل شيء في

توجيه المجتمع الإيراني. هذا الأمر لا يخص إيران فقط وإنما يمتد لمجتمعات سُنِّية

عرفت بالمحافظة لفترات طويلة.

ولهذا أقول إن الفتوى مرتبطة بزمانها ومكانها وملابساتها، وليس يجوز أن

أحلل الفتوى من قيود الواقع؛ إذن وجود نظام بالمفهوم الصحيح وحكومة مسلمة

ملتزمة بشريعتها لا تعطلها ولا توقف جزئية منها هذا الأمر أو عدمه يضع قيوداً

عليَّ حين أعالج قضية كقضية الفن الإسلامي.

* أ - محمود خليل:

العمل على إيجاد النظام الإسلامي المتكامل يحتاج لجميع الوسائل المشروعة،

والتي منها الفن المنضبط بالضوابط الشرعية، والتي ما زلت أرى إمكانية بروزه

واكتساحه متى وجد.

* د. عبد العظيم المطعني:

بمناسبة ما يقال عن الفتوى فإن الفتوى الأخيرة التي أفتى بها البعض بجواز

ظهور الصحابة عدا العشرة المبشرين بالجنة على خشبة المسرح وفي التلفاز تطرح

إشكالين كبيرين:

الأول: حول الجهة التي أصدرت الفتوى وكون فتواها غير ملزمة لعدم

انضباط الحكم فيها؛ إذ لا فرق بين العشرة وغيرهم من هذه الجهة.

الأمر الثاني: وهو الإلحاح العلماني المتواصل في تكسير الثوابت الشرعية

وهزها، وقد نجح بعد حين في استصدار الفتوى ومن ثم توظيفها في إسقاط الضابط

الشرعي، ولكن هذه المرة تم اسقاط الضابط باسم الإسلام. وانظر كيف يأتون

بإنسان شرب الخمر ليمثل خالد بن الوليد أو ابن عباس - رضي الله عنهما -[**] ؟ !

الحصاد:

البيان: الناظر في أحوال المجتمعات الإسلامية لا يمكنه أن يغفل أثر الفن

المعلمن في عملية التفكيك سواء على مستوى الفرد الذي أصبح يحيا بين غريب

ومتغرب وازدواج، أو على مستوى المجتمع الذي بدأ بتغيير كبير في بعض أنحائه،

وبثنائية ثقافية أقرب إلى الصراع منها إلى التعايش.

* د. حلمي القاعود:

هكذا يبدو تشكيل الشخصية في المجتمع المسلم وفقاً للمفاهيم العلمانية يصب

في خانة سلبية، وفي السنوات الأخيرة، راح صناع السينما والمسرح يقلدون ما

يجري في أوروبا وأميركا تقليدًا شبه كامل، وينتجون أعمالاً مطابقة للأعمال

الأوروبية والأمريكية، مع تغيير الأسماء والأماكن فحسب، فحفلت أعمالهم بالعنف

والجنس والعبث والتفاهة واللهو بألوانه المختلفة، مما جعل شبابنا العربي المسلم

يقلد أبطال هذه الأعمال في الملبس والسلوك والفكر، ولأول مرة نواجه جيلاً لا

يشعر بالانتماء إلى وطن أو قومية أو دين.. شباب متغرِّب لا يجد غضاضة في

احتقار هويته والإشادة بالآخرين.

البيان: بشهادة إحدى ممثلات الإغراء؛ فإن حصيلة الأفلام السينمائية خلال

الخمسين عاماً الماضية بلغ ٣٠٠٠ فيلم؛ نصفها على الأقل أخذ السيناريو فيه كاملاً

بمشاهده وأحداثه من فيلم أجنبي، هذه الشهادة تجلي بمرارة قدراً من الجرم العلماني

في هذا المجال.

* د. حلمي القاعود:

ثم - وهو الأخطر - مدى التأثير الفادح الذي وقع على الأسرة المسلمة؛

حيث أخذ الشباب والفتيات يقلدون النماذج الدرامية في العلاقات والسلوك مما أدى

إلى شيوع العزوبة والعنوسة والتفكك الأسري.. صحيح أن المسألة لم تصل إلى

المستوى الذي يحدث في الغرب، ولكنها ستصل إذا لم تحدث مواجهة إسلامية جادة

وعاقلة.

لقد دخل إلى مجال الفن بعض الأفراد المدعومين غربياً، وخاصة من فرنسا،

مهمتهم الأساسية تشويه التاريخ الإسلامي، وتقطيع الروابط التي تربط بين الأمة

الإسلامية، وتجعل من المحتلين الغزاة أو المستعمرين الغربيين رسل حضارة

وتنوير وتقدم.. وقد أشرت في كتابي: «أهل الفن وتجارة الغرائز» إلى هذه

النقطة بتوسع، وسأكتفي هنا بضرب مثال حول صلاح الدين الأيوبي بطل تحرير

القدس وفلسطين فقد صوّره أحد الأفلام في صورة «الكاوبوي» ، و «زير

النساء» ، و «رجل الأعمال الغامضة» الذي يحقق انتصاراته بطريقة مريبة،

مع أن صلاح الدين كان رجلاً زاهداً عابداً فقيهاً بالشريعة مخلصاً لربه ودينه،

واضحاً كل الوضوح حتى مع أعدائه الذين حاربهم أو هادنهم، وكان مثالاً للخلق

الإسلامي الكريم في أرقى صوره ونماذجه، ولولا ذلك ما حقق انتصاره التاريخي

الذي أشاد به الأعداء قبل الأنصار!

ينبغي أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي دور الدراما، وخاصة المسرح في

نشر النظريات والدعوات المعادية للإسلام والتدين بصفة عامة؛ فقد استطاع

الماركسيون والوجوديون والعدميون والعبثيون أن يتخذوا من المسرح تكأة يروجون

من خلالها لأفكارهم وتصوراتهم، وفي الوقت ذاته كان هناك تعتيم أو إقصاء لكتَّاب

المسرح الذين يتبنون مواقف إسلامية أو قومية تنطلق من تصور إسلامي؛ كما

حدث مثلاً مع الكاتب الشهير الراحل «علي أحمد باكثير» الذي خصص معظم

إنتاجه المسرحي لمعالجة القضية الفلسطينية من منظور إسلامي، ولكنه للأسف تم

التعتيم على إنتاجه وإزاحته من خشبة المسرح، ليخلو المكان لدعاة الشيوعية

وأشباههم من العلمانيين.

ثمة ملامح عديدة يمكن الحديث عنها في إطار تناول الحصار الفني للدراما

على مدى نصف القرن الأخير، ولكننا سنكتفي بملمح واحد فقط يتناول الجانب

اللغوي.

ومن ناحية أخرى؛ فإن انتشار التليفزيون وتعدد قنوات الإرسال القُطْرية من

العواصم العربية، دعا هذه العواصم إلى محاولة إشاعة لهجاتها الإقليمية والمحلية،

مما كان له تأثير ما في تكريس الإقليمية، ووضع عقبة جديدة ضد التقارب القومي،

وهناك مسلسلات وتمثيليات يصعب فهمها؛ لأن لهجتها المحلية تستغلق على

المشاهد الذي لا ينتمي إليها.

ومهما يكن من أمر؛ فينبغي أن نشير إلى أن بعض شركات الإنتاج

ومؤسسات التليفزيون ذات التوجه الإسلامي أخذت على عاتقها إنتاج بعض الأعمال

الملائمة التي لا تتعارض مع التصور الإسلامي سواء كانت تاريخية أو واقعية..

وهذا يستدعي أن نشد من أزرها بالكتابات الدرامية الجيدة التي لا تتنافى مع قيمنا

وأخلاقنا، وأن نشجع على التوسع في إنتاج الأعمال المؤثرة والمفيدة والجذابة التي

تجمع بين صفاء التصور وقوة الأداء. والأعمال الجيدة قادرة بذاتها على الاستحواذ

على الجمهور الذي يسعى إلى المثل العليا والقيم الفاضلة والأخلاق الرفيعة.

إذا كانت الهيمنة الكنسية ومظالمها البشعة من الأسباب الرئيسة في ازدهار

العلمانية وانتشارها في أوروبا؛ فإن العلمانية لم تحقق للفرد الأوروبي أو

المجتمعات الأوروبية والأمريكية تبع لها الاستقرار النفسي أو الإشباع الروحي؛

ذلك أنها منحت الفرد والمجتمع على السواء الإشباع المادي وحده، ونتيجة لذلك

انهارت قيم المسيحية العليا، وسقطت المرجعية الدينية بالنسبة للسلوك الفردي أو

العلاقات الاجتماعية، ولعل هذا يفسر كثرة الحروب الطبقية والطائفية والقبلية في

أوروبا عقب العصور المظلمة، ناهيك عن الاستعمار العسكري المباشر، والثورات

الداخلية الدامية.

لقد انسحبت هناك مرجعية العلمانية إن صح التعبير على الفنون جميعاً، بما

فيها الفنون الدرامية؛ حيث انغمست في التعبير عن العري والانحلال والرذيلة

بصورة مكشوفة وسافرة، وكأنها تدعوه للإباحية والشر والعنف، وقد ضجت بعض

المجتمعات الأوروبية سخطاً وغضباً على بعض الكتَّاب والشعراء كما رأينا في

فرنسا حين ثارت الكنيسة على رواية «مدام بوفاري» ، وديوان «أزهار الشر»

لبودلير في القرن الماضي، ولكن المسألة اليوم تعدت الرواية والديوان المذكورين

إلى إنتاج الأفلام الإباحية الصريحة التي تسمى بالأفلام الزرقاء على نطاق واسع،

وأصبحت المرأة تظهر عارية تماماً في العديد من المسرحيات، كما أصبحت مشاهد

الجنس الكاملة موجودة في معظم المسلسلات التليفزيونية.

وقد انتقل إلى بلادنا العربية المسلمة شيء كثير من هذا، وصار الدفاع عنه

يرفع راية حرية الإبداع وحرية التعبير، وكأن حرية الإبداع أو حرية التعبير تعني

إسقاط كل القيم وثوابت المجتمع وعدم مراعاة خصائص الأمة وأخلاقها ومرجعيتها

الأساسية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة بعض الصراعات بين دعاة العلمانية والمدافعين

عن الإسلام حول قضية التعبير بالجسد؛ سواء في الفنون الدرامية أو الكتابية،

وذهب غلاة العلمانيين إلى ضرورة أن تتحرر الأمة من عقدة الجسد، وطالب أن

تدخل المرأة اللوحة كما تدخل الحمام!

كما انتشرت الكتابات الإباحية مؤخراً عبر الروايات والقصص القصيرة

والأشعار والمسرحيات؛ اختباراً لمدى قدرة المجتمع على تقبل هذه النماذج التي

ترتبط عادة بالتجديف والإساءة إلى الذات الإلهية والمقدسات.. وتبنى بعض

المسؤولين هذه النماذج وأعلن عن علمانية المجتمع الذي يضم مسلمين وغير

مسلمين.

ولكن الأمة في مجموعها عارضت هذا التوجه معارضة فعالة، ورفضت

العلمانية، وأعلنت تمسكها بدينها ومقدساتها.

إن الفنون الجميلة تهب الناس متعة الجمال والراحة النفسية حين تضع في

حسبانها أن تكون فنوناً رفيعة ترقى بالروح وتسمو بالوجدان وتغرس في النفس

البشرية قيمة إنسانية عليا، ولكنها تتحول إلى فن شيطاني خبيث حين تدعو إلى

الرذيلة والشر والعنف، أو تسلخ الإنسان عن هويته وقيمه وعقيدته وأخلاقه.

وللأسف الشديد؛ فإن معظم ما أوحت به العلمانية وما أنجزته كان مخاطبة

الجزء الأسفل من الإنسان، أي مخاطبة الغرائز دون مخاطبة القيم، وهي كارثة

بكل المقاييس.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* د. المطعني:

الحصاد له جملة وله تفاصيل.. جملته أنهم نجحوا في أن يجعلونا شعباً

أوروبياً يعيش على أرض إسلامية أو عربية، بمعنى أنهم نجحوا في اللعب في

تكويننا الثقافي، وانعكس هذا على السلوكيات حتى على الناس الذين صلتهم بدينهم

قوية تجد تأثير الفن عليهم من قريب أو من بعيد؛ وهذا ما يمكن أن نسميه علمانية

السلوك.

دائماً تبقى العقيدة هي الحصن المنيع. نعم قد ينجحون في المستقبل في

التأثير في قطاع واسع من الشباب غير المحصَّن؛ لكن الشباب المحصَّن بالعلم

والتنشئة الأسرية الطيبة لا يقع - بمشيئة الله - تحت تأثيرهم. ثم هناك علمانية

الأخلاق: التعامل بالربا في البنوك والاقتصاد، وما نسمع عنه اليوم من زنا

المحارم، والفساد الأسري، وانفلات المعايير الاجتماعية، كل هذا انعكاس للتسيب

العلماني الذي أوصلونا إليه؛ حتى أصبحنا اليوم نتصرف ونحن لا نشعر أننا نخدم

أعداءنا!

* أ - محمود خليل:

الحصاد على المستوى العقدي والفكري والاجتماعي والأخلاقي يلخصه قول

الله - عز وجل -: [وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ

نَكِداً] (الأعراف: ٥٨) .

إذا كانت العلمانية تتزيا بأثواب تجددها كل حين حتى لا تَخْلَق؛ فإن آخر

أثوابها الحداثة.. وإذا كانت الحداثة في مجملها: هي الخروج على ما تم تقعيده في

المجتمع من أطر عقدية وأخلاقية ولغوية؛ بمعنى أنها هي التطبيق الفلسفي لنظرية

النسبية التي تعني الوصول إلى نسبية الأشياء بحيث تنتفي أي مرجعية وهذا ما

تعنيه الحداثة، أما ما بعد الحداثة: فهي الهجوم على المقنن والمقدس وإنزاله منزلة

المدنس إلى الحد الذي وصل فيه التطبيق العملي أن تخرج إحدى المجلات التي

عرفت بعدائها للإسلام بملف خاص عنوانه: الله في السينما! وفي عدد آخر تحت

عنوان: حوريات الجنة! ويصورون أشكالهن وكيفية جلوس الشهيد وحوله اثنتان

وسبعون منهن، وجمالهن وعيونهن وعريهن! .. هذا هو التطبيق العملي لما بعد

الحداثة حتى ننتهي إلى ما قاله أستاذنا الدكتور الخولي ألا تكون هناك حصانة ذاتية

ولا مرجعية ذاتية ولا تمييز بين الصواب والخطأ في نفوس الناس؛ فتنتفي

الاستقلالية الذاتية والأهلية الذاتية الإسلامية الخاصة بحيث يصبح المسلم غير

مؤهل.

أما على المستوى الفكري والاجتماعي والأخلاقي فهذه تفريعات لشجرة تنبت

في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين؛ لأن الفكرة تنزل اجتماعياً وتؤثر

أخلاقياً، وهنا تحضرني كلمة للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - يقول فيها:

«إن السيل ربما ضرب القمة حيناً بأمواجه لكن في النهاية لا تظفر به إلا

الوهاد والمستنقعات» .

نجح العلمانيون عن عمد في استقطاب الموهوبين وأنصاف الموهوبين

وأعشار الموهوبين في ثلاثة عقود سابقة وعبؤوهم هذه التعبئة الفاسدة، فأصبح

النتاج الروائي والقصصي والمسرحي من فساد إلى فساد.

* د. إبراهيم الخولي:

النسبية التي تحدث عنها الأستاذ محمود معناها تحديداً أن الأخلاق ليس لها

أصل إلهي، ولا أصل ديني، وأن الأخلاق بالمواضعة؛ فما يكون فضيلة اليوم قد

يكون رذيلة في زمن.

الدور الذي يقوم به الفن لصالح الغزو العلماني يأتي متضافراً ومواكباً لغيره

من أدوات الغزو؛ وعلى سبيل المثال حين يقول محمد سعيد العشماوي: إن

اليهودي المؤمن بالتوراة والنصراني المؤمن بالإنجيل والمسلم كلهم على قدم المساواة

في صحة الاعتقاد وفي المصير المضمون أي النجاة ودخول الجنة! ويقال للشباب

المسلم: إن الإسلام لا يكفر أحداً على خلاف ما تنطق به الآيات.. حين يقرأ المسلم

هذا الكلام فما الذي يمنعه أن يقبل من منصِّر أن يتنصر؟ !

البيان: الفن يقدم مثل هذا وأخطر بأسلوب أعمق أثراً.

* د. إبراهيم الخولي:

هذا ما كنت أبغي الوصول إليه، نحن نعلم أن الإسلام ليس دين كهنوت،

لكن طبيعة الحياة اقتضت أن لكل شيء رمزياته وظواهره، ومن هنا نسأل: لماذا

شخصية العالم المسلم دائماً هي الشخصية المهينة في كل أجهزة الإعلام وفي كل

الفنون؟ وحين يريدون أن يسخروا من شخصية فإنهم لا يختارون إلا شخصية

دينية! .. ثم أخطر من هذا حين يصبح واعظ المجتمع أحد المهرجين! .. يسمعه

الناس في الصباح يتحدث عن القيم والمثل ثم يرونه في المساء مهرجاً، هنا تهتز

القيم!

في ظل هذا الخلط - وهذا جانب منه - كيف للشباب المسلم الذي لم تعلِّمه

مدرسة، ولم تربِّه أسرة، ولم تبرز أمامه قدوة صالحة وإن برزت تشوه كيف له في

ظل هذا التشتت الذي أنتجته العلمانية أن يقيس الأمور؟

المواجهة:

البيان: في ضوء هذا كيف تكون المواجهة؟

* أ - محمود خليل:

أولا: تهيئة عناصر فنية متعددة تنطلق من أرضية إسلامية عميقة وراسخة

وشاملة.

ثانياً: ضرورة الاقتناع أن التمويل المتكامل في مجال الفنون أصبح ضمن

عناصر التربية الإسلامية التي بدون العمل بها وشغل هذه المساحة ستظل مساحة

فارغة ضمن حقل التربية الإسلامية يتقدم غيرنا لملئه.

ثالثاً: ضرورة الإنفاق على مشروع إسلامي عالمي ضمن المنطقة غزيرة

الإشعاع لقمر إسلامي يضع له المتخصصون استراتيجية واسعة في العمل، وهذا

مشروع استثماري مادي في المقام الأول قبل أن يكون استثماراً في مجال التربية،

بعيداً عن الأطر الجغرافية والضغوط الحزبية والعصبيات السياسية.

رابعاً: تشجيع فنون الأدب الإسلامي بكاملها ليتوفر المكان الذي يمثل المادة

الخام لملء هذه الوسائل الإعلامية التي تحتاج إلى زاد يومي لا ينتهي.

خامساً: الاتفاق على بعض الوسائل اللازمة لنا بوصفنا مسلمين والتي تدخل

ضمن وسائل التعبير المباح، وعدم الانشغال بساحة الفن الواسعة التي لا تعرف

لانفلاتها حداً ولا قيداً؛ وعلى سبيل المثال: النحت والموسيقى لا حاجة لنا إليهما.

* د. عبد العظيم المطعني:

أركز مع هذا الكلام على التربية بأن نتوجه إلى الآباء لكي تنشأ المناعة مع

الطفل منذ نعومة أظفاره، ولا تعجز الأسرة عن تربية أبنائها تربية عملية.

البيان: لا بل قد عجزت في ظل موجة إفساد لم تعرفها الأمة من قبل ولا في

الأندلس.

* د. عبد العظيم المطعني:

السلوك الإسلامي بين الوالدين داخل الأسرة الملتزمة يمكن إلى حد كبير أن

يؤثر في سلوك أبنائها.

ثانياً: مهمة الدعاة أن يكونوا حكماء أشداء رحماء في آن واحد.

ثالثاً: فك الأسر الذي يقع فيه خطباء المساجد الآن في عدة بلاد إسلامية،

والحفاظ على المناهج الإسلامية نقية كاملة دون حذف أو تشويه، ومن أسف فإن

الخطباء الذين حققوا نجاحاً في المجتمع أغلبهم لم يتخرج من مؤسسات علمية

شرعية؛ ولهذا أقول إن هذه المؤسسات حتى في حال قوتها لا تعطي العلم وإنما

تعطي مفاتيح العلم؛ ولهذا فإن إعداد الدعاة لا يقف عند مجرد التعليم الجامعي،

وإنما يبدأ من انتقائهم من وسط أخلاقي طيب، وأن يكون الداعية مولعاً بمهمة

الدعوة وليس مرغماً أو مكلفاً بها، إلى جانب هذا لا بد من إعطاء الدعاة حصانة

كحصانة رجال القضاء ليؤدوا واجبهم بكفاءة؛ وأعني الحصانة عن المساءلة؛ لأن

الخطيب إذا اعتلى المنبر وأدرك أن قوة ما سوف تحاسبه فسيجبن، وربما رأى

الباطل حقاً والحق باطلاً، وفي مقابل هذا الحق أن يكونوا في أنفسهم موضوعيين

لا يتحاملون على أحد أو يجاملون أحداً لكي يكونوا أهلاً لهذه الحصانة.

وعلى الدول كذلك أن تحسّن من الحالة المادية للدعاة.. فهذه الدول عندما

أرادت نزاهة القضاء فإنها وضعت لرجاله مخصصات مالية لا يوقع عليها إضافة

إلى الراتب الذي يوقع عليه وأكثر منه؛ بحيث تضمن التفرغ التام للعدل والإنصاف

وتضمن له عيشة كريمة، والداعية حين يجد الكفاية فإن ذلك يعينه ولا شك على

القيام برسالته.

ثم علينا أن نعيد حق الشعب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في

الشارع؛ بحيث لا يصور هذا على أنه تطرف أو تدخل في حريات الناس؛ لأن

رجل الشرطة اليوم لم يعد يهمه منكر يكون حراماً، وإنما المنكر عنده ما تحظره

الدولة وإن كان واجباً دينياً، إضافة إلى كون رجال الشرطة غير متواجدين في

جميع الأماكن، هذه الشعيرة ليست حقاً بل هي واجب على جميع المكلفين، والدولة

حين تعترف للشعب بمزاولة هذا الحق فإنه يستطيع أن يقضي على ثلاثة أرباع

الفساد المنتشر في الشوارع.

* أ - محمود خليل:

ألفت النظر كذلك إلى ضرورة التنبيه الدائم على أخطار العلمانية؛ بحيث لا

يتسرب اليأس أو الفتور أو شعور العاملين في الحقل الإسلامي بطول المسافة وبُعد

الشقة؛ لأن التنبيه الدائم تتسلل من خلاله الحصانة الوقتية، والمواكبة للأطوار

الخبيثة للعلمانية.

البيان: نشكر الأساتذة الفضلاء، ونؤكد في الختام على أن الواجب علينا

جميعاً الاهتمام بضرورة التأصيل الشرعي العميق للعمل الإسلامي بكل مجالاته،

والانطلاق من الثوابت العلمية والمنهجية بكل تجرد واتزان، والحفاظ على الهوية

الإسلامية المتميزة المعتزة بدينها وعقيدتها.


(*) مع تقديرنا لرأي الأستاذ الفاضل، إلا أننا نرى أن الأفلام الإيرانية والهندية لا تخلو من إشكالات شرعية ومنهجية كثيرة، بل ولا يخلو بعضها من انحرافات عقدية خطيرة! ! .
(١) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، ح/ ٧٣٢٠، مسلم في كتاب العلم، ح/ ٢٦٦٩.
(**) للصحابة - رضي الله عنهم - منزلة جليلة، وحقهم هو الإجلال والتقدير، وتمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - لا يخلو من تعد على مكانتهم، وامتهان لقدرهم، ولذا يجب التوقي والحذر.