الحضارة المعاصرة.. الوجه الآخر
[مشاهداتي في بريطانيا]
«إنها ملكة! !»
د. عبد الله مبارك الخاطر
كانت جارتنا عجوزاً يزيد عمرها على سبعين عاماً.. وكانت تستثير الشفقة
حين تشاهَد وهي تدخل وتخرج وليس معها من يساعدها من أهلها وذويها.. كانت
تبتاع طعامها ولباسها بنفسها.. كان منزلها هادئاً ليس فيه أحد غيرها ولا يقرع بابها
أحد.
وذات يوم قمت نحوها بواجب من الواجبات التي أوجبها الإسلام علينا نحو
جيراننا، فدهشت أشد الدهشة لما رأت، مع أننى لم أصنع شيئاً ذا بال، ولكنها
تعيش في مجتمع ليس فيه عمل خير ولا يعرف الرحمة والشفقة، وعلاقة الجار
بجاره لا تعدو - في أحسن الحالات - تحية الصباح والمساء! .
جاءت في اليوم الثاني إلى منزلنا بشيء من الحلوى للأطفال، وأحضرت
معها بطاقة من البطاقات التي يقدمونها في المناسبات، وكتبت على البطاقة عبارات
الشكر والتقدير لما قدمناه نحوها.
وشجعتها على زيارة زوجتي، فكانت تزورها بين الحين والآخر، وخلال
تردادها على بيتنا علمت بأن الرجل في بلادنا مسؤول عن بيته وأهله، يعمل من
أجلهم، ويبتاع لهم الطعام واللباس، كما علمت مدى احترام المسلمين للمرأة -
سواء كانت بنتاً أو زوجة أو أماً، وبشكل أخص عندما يتقدم سنها حيث يتسابق
ويتنافس أولادها وأبناء أولادها على خدمتها وتقديرها.. ومن أعرض عن خدمة
والديه وتقديم العون لهما كان منبوذاً عند الناس.
كانت المرأة المسنة تلاحظ عن كثب تماسك العائلة المسلمة. كيف يعامل
الوالد أبناءه، وكيف يلتفون حوله إذا دخل البيت، وكيف تتفانى المرأة في خدمة
زوجها. وكانت المسكينة تقارن بما هي عليه وما نحن عليه.. كانت تذكر أن لها
أولاداً وأحفاداً لا تعرف أين هم، ولا يزورها منهم أحد، قد تموت وتدفن أو تحرق
وهم لا يعلمون، ولا قيمة لهذا الأمر عندهم! ، أما منزلها فهو حصيلة عملها
وكدحها طوال عمرها.. وكانت تذكر لزوجتي الصعوبات التي تواجه المرأة الغربية
في العمل وابتياع حاجيات المنزل ثم أنهت حديثها قائلة:
إن المرأة في بلادكم (ملكة) ولولا أن الوقت متأخر جداً لتزوجت رجلاً مثل
زوجك، ولعشت كما تعيشون!
ومثل هذه الظاهرة يدركها كل من يدرس أو يعمل في ديار الغرب، ومع ذلك
فلا يزال في بلادنا من لا يخجل من تقليد الغربيين في كل أمر من أمور حياته، ولا
تزال في بلدان العالم الإسلامي صحف ومجلات تتحدث بإعجاب عن لباس المرأة
الغربية، وعمل المرأة الغربية والأزياء الغربية، والحرية التي تعيش في ظلها
المرأة الغربية!
اللهم لك الحمد أن أنعمت علينا بنعمة الإسلام.
قال - تعالى -: [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ
يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ] [الحجرات: ١٧] .