خواطر في الدعوة
مَنْ.. للمشاريع العلمية والدعوية؟
محمد العبدة
بعُد العهد بالمؤسسات، التي كانت من أقوى الأسباب في استمرار التعليم
الإسلامي والمدارس القائمة عليه، والتي استطاعت أن تمد المجتمع الإسلامي بطلبة
العلم والعلماء، حتى في عهود الانحدار السياسي، نسي الناس الأوقاف الإسلامية
التي كانت مؤسسة كبيرة ساعدت في الحفاظ على البعد الحضاري - الاجتماعي
للإسلام، وكان بإمكانها أن تستمر في أداء هذه المهمة لولا أن الدولة القُطْرية
الحديثة - وغالباً ما كانت عسكرية - ساءها أن يكون للمسلمين مثل هذا العمل
الاجتماعي فراحت تعيث فساداً بأوقاف المسلمين، ووجدتها فرصة لنهب الأراضي
والأموال وتلاشت الأوقاف شيئاً فشيئاً حتى لم يبق لها أثر. كانت المدارس
والجامعات العريقة في العالم الإسلامي تستفيد من هذه الأوقاف فيتوافد الطلبة إليها
من جميع الأقطار، وعندما دعم المسلمون هذه المؤسسات الكبيرة، إنما كانوا
يعوِّضون بالتقصير الواقع من جانب الدول التي كانت غارقة في المنازعات
والتهارش على الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدول لم تتجرأ على نهب الأوقاف كما
تجرأت الدول الحديثة. وكانت هذه الأوقاف تمثل نوعاً من الحماية للمجتمع
الإسلامي، ولذلك مرت على المسلمين قرون كان العالم فيها متقدماً، وقابل ذلك
تدهور سياسي عجيب، واستمر تدريس العلوم الشرعية من غير أن يخضع للأهواء
والأمزجة.
لم يقتصر نفع هذه الأوقاف على التعليم، بل تعداه إلى أمور كثيرة تتصل
بحياة الناس ومعاشهم، ومن يقرأ عن مصارف هذه المؤسسات سيأخذه العجب من
المدى الذي وصل إليه المسلمون في تقديم الخدمات الإنسانية.
إننا اليوم أشد حاجة مما مضى إلى مثل هذه الأعمال ذات النفع الدائم بإذن الله
وذلك حماية للدعوة وتشجيعاً للعلم والبحث العلمي، ويجب أن نتذكر أن دعم التبشير
النصراني والمؤسسات العلمية في أوربا إنما كان وراءه جمعيات كثيرة جداً، وكان
من أثر هذه الجمعيات ظهور جامعاتهم المشهورة. إن هذا الحديث عن وقف المال
لمشاريع دعوية وعلمية، وإن كان موجهاً إلى كل المسلمين الغيورين إلا أنه موجه
بشكل أخص إلى الدعاة الذين يتحملون عبء إيجاد مثل هذه الأعمال، وحتى لا
تبقى الدعوة أسيرة لأشخاص يجودون أو يبخلون.