الصفحة الأخيرة
مفكرو الشوروقراطية!
جمال سلطان
نبتت في زماننا هذا، نابتة من هذه الأمة، لا تتكلم في شيء من أمر دينها أو
دنياها إلا بالقياس إلى الآخرين، والآخرون هم الغرب تحديداً، وبالتالي؛ فإن أية
نظرة إليهم في فقه الإسلام، أو مقتضيات شريعة؛ لا يمكن أن تفهم فهماً أصيلاً
ذاتياً منبثقاً من هدي كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومسترشداً
بالتجربة الفكرية والعملية التي مرت بها الأمة في قرونها السابقة، ولا سيما قرون
الرشاد والاستقامة والقوة.
فإذا أراد أحدهم أن يفهم «حقوق الإنسان» في دين الله، تراه يكتب حاشية
أو تذييلاً على «المتن الأوربي» لمقررات حقوق الإنسان، ثم يوشي هذا المتن
بآية أو حديث، لكي يضمن إضفاء وصف «إسلامي» على مؤلفه، ولا بأس -
لكي يرفع من شأن الإسلام أمام الحضارة المعاصرة! - أن يلوي أعناق النصوص، ويتلاعب ببعضها، ويرفض ما شاء من سنة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم -
لكي يضمن موافقة الإسلام و «توقيعه» على الوثائق الأوربية في هذا الشأن.
ومن طرائف هذا الفريق، ما ذهب إليه بعض «المغاربة» عندما أراد أن
يضع توقيع «الإسلام» على الديمقراطية الغربية، فرأى أن (الشورى) كمفهوم
إسلامي هو المكافئ «للديمقراطية» الغربية، مع بعض «التهذيبات» التي
نضعها هنا أو هناك لكي نزاوج بين الطرفين، وقد ولّد هؤلاء النفر مصطلحاً جديداً
ليعبر عن هذه «المزاوجة» بين الإسلام والغرب، وسموه «الشوروقراطية» .
هذا المصطلح في - تقديري - يصلح أن يكون علماً على منحى «السقوط»
و «التبعية» الفكرية لدى قطاع من المنتسبين إلى «الفكر المستنير، فعلى الرغم من
كثرة ضجيجهم حول الأصالة، والتجديد، والاجتهاد، والإبداع، إلا أن منطلقاتهم
الفكرية، ووعيهم المنهجي، ما زال يحيا في» مناخ المهزومين «، وعبودية
» الأتباع «، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا أداة بعث حضاري جديد، ولا ممثلين عدولاً لدين الله الحق، بل لا نغالي إن قلنا أنهم يعطلون مسيرة النهضة الإسلامية الجديدة، ويفتتون قواها بمثل ذلك التمييع الفكري، والارتباك المنهجي، والخواء النفسي.