خواطر في الدعوة
التوحيد أولاً وأخيراً
محمد العبدة
إن أساس الإصلاح الإسلامي هو التوحيد الخالص لله (تعالى) ، فهو الذي
يرتقي بالإنسان المكان اللائق به، وهو الذي ينقذه من رق العبودية لغير الله،
ويحرره من استعباد الإنسان، ومن استعباد الخرافة والأهواء، وهو الذي ينقذه من
المحتالين الدجالين أحبار السوء الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، وإذا لم يتعبد
الإنسان لله (تعالى) فسوف يقع في الوثنية - لا محالة - بشتى صورها وأشكالها؛
فإن الإنسان كما جاء في الحديث (حارثٌ وهمّام) ، فلا بد أن يمتلئ بشيء، فإذا لم
تكن العبودية لله فهي لغيره مهما تظاهر بأنه حر، فالعبودية هي عبودية القلب كما
يقول ابن تيمية (رحمه الله) ، فمن ركض وراء الشهوات فهو الأسير المملوك، ولو
كان حاكماً يستعبد الناس.
التوحيد الخالص لله (تعالى) هو الذي يجعل المسلم شخصية تستعصي على
الطغيان، ولا تخضع للملأ أو المال، كما استعصى الصحابي الجليل بلال بن رباح
حين قالها لملأ قريش: أحد أحد، والتوحيد هو الذي يحفظ الإنسان من الانفلات بلا
قيد أو ضابط، كما حُفظت الأفلاك بالجاذبية.
التوحيد الخالص لله (تعالى) هو الذي أنقذ العرب من وهدة النسيان والخمول،
وجعلهم أمة تحمل رسالة وتشعر بالمسؤولية، وتحول العربي إلى إنسان لا تأسره
الأوهام والتقاليد، ولا القبيلة والعشيرة، ولا الإقليمية والقومية.
إن من أصعب الأشياء على الإنسان الذي يحب الفساد في الأرض أن يسمع
كلمة التوحيد [أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهاً وَاحِداً إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] [ص: ٥] وكأنهم
يقولون: كيف يكون إله واحد ينظر في أمر الجميع؟ [وَإذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ
اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ... ] [الزمر: ٤٥] وقد خشي فرعون ... من هذا التوحيد الذي جاء به موسى (عليه السلام) فقال: [إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ... ] [غافر: ٢٦] والدين هنا يعني الحكم، وكأنه يقول: إن هذا النبي الذي جاء بالتوحيد خطير جدّاً؛ لأنه سيذهب بملككم وسيادتكم وطريقتكم في العيش. فلا مانع عند الطغاة أن يكون الدين حركة ثقافية أو حضارية تتكلم عن الزخرفة الإسلامية أو العمارة الإسلامية، وتذكر ما أنتجه العلماء القدامى في الطب، والهندسة، وعلم الفلك، ولا مانع من تشجيع الطرق الصوفية التي تربط الفرد بالشيخ والولي والأقطاب والأوتاد وما هنالك من خيالات وخرافات.
ومن المؤسف أن بعض الذين يوسمون أنفسهم بأنهم (مثقفون) ، أو بعض من
دخلت في قلوبهم شبه (علم الكلام) يأنفون من هذا التوحيد، فلا يدرسونه ولا
يُدرّسونه؛ لأن هذا عندهم أقرب أن يكون للعوام! ، أما هم فلا بد أن يخوضوا في
الذات الإلهية، وكيف ولماذا؟ ... ولا بد أن يذكروا أقوال الفلاسفة القدامى
والمعاصرين؛ فتراهم يلوكون الكلمات التي لا تقيم حقًّا ولا تهدم باطلاً، والتي هي
كلحم جمل غَثّ على رأس جبل وعر، ولا يكتفون بهذا، بل يُنفّرون الناس عن
هذا التوحيد باللمز والغمز لأهله الذين يقومون به ويعلمونه الناس.
إذا أردنا النهوض فلا بد أن نرتفع بمستوى الأمة كي تفهم وتمارس التوحيد
الخالص، وحتى لا تكون قطيعاً يُنادى من مكان بعيد، وتكون أمة تقوم بواجباتها
وتحمل الرسالة.