الافتتاحية
[سلام الانتقام!]
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومن والاه، وبعد:
فقد درج الناصحون لهذه الأمة على وصف ما يسمى بـ (عمليات السلام)
منذ بدأت مع اليهود منذ خمسة وعشرين عاماً، بأنها سراب وأوهام، وخيالات،
وهذا جزء مهم من الحقيقة، ولكن الجزء الأهم منها؛ أن ذلك الوصف ينطبق فقط
على النتائج المتعلقة بالجانب العربي والفلسطيني، أما الجانب المتعلق باليهود؛ فإن
متابعة سريعة لنتائج رحلات (قطار السلام) ، ثبت أنها لم تكن كلها مجرد أوهام،
بل كان جلها بلاء وانتقاماً، وقد كان هذا القطار يتنقل بهم بين محطات الإنجازات
المنتظمة، والنجاحات المتتابعة، تنفيذاً لبرامجهم التسلطية التي تستخدم (السلام)
سلاحاً أمضى من الحرب في كثير من الأحيان، وكل ذلك بإشراف أمريكي مباشر
يرعى مصلحة اليهود، منذ كامب ديفيد الأولى، وحتى قمة العقبة الأخيرة.
لقد كانت نتائج هذه العمليات وخيمة في صورتها الإجمالية، وبشعة في
صورها التفصيلية؛ فمن الناحية الإجمالية تسببت اتفاقيات السلام في اختلاف
المواقف السياسية للأنظمة العربية حيال (إسرائيل) ، وأدت إلى تفكك الروابط
العسكرية والدفاعية، حتى إن آخر اجتماع لمجلس الدفاع العربي كان عام
١٤٠١هـ / ١٩٨١م، وكان من نتائج تلك الاتفاقيات أيضاً خروج مصر
من ساحة الصراع بتعهدات إلزامية دولية، جعلت من حرب ١٩٧٣م آخر الحروب
بين مصر و (إسرائيل) ، ثم خرجت الأردن أيضاً بعد اتفاق (وادي عربة) . وكان
أعجب أشكال الخروج من الصراع بعد ذلك، هو خروج الزعامة الفلسطينية نفسها
من المعركة وتعهدها بـ (سلام الشجعان) .
لنعد الآن إلى استعراض وقائع عملية السلام في محطاتها البارزة، لنرى كيف
أن اليهود حققوا بالعمليات السلمية ما لا يقل خطراً عما أنجزوه بالعمليات العسكرية،
وهذه أبرز المحطات، مع أبرز نتائجها:
* في سبتمبر / أيلول عام ١٩٧٨م:
وافق الرئيس المصري السابق على إطار لعملية سلام، مع رئيس وزراء
(إسرائيل) الأسبق (مناحيم بيجن) ، وكان من رموز التشدد الليكودي اليهودي،
وما كان لبيجن أن يقبل التحول من نهج الحرب الذي تربى عليه في عصابات
(الهاجاناه) و (شتيرن) اليهودية إلى نهج «السلام» إلا وهو يعلم أن لتلك المسالمة
ثمناً سيقبضه اليهود غالياً وافياً.
* وفي مارس آذار من العام التالي ١٩٧٩م:
وقَّع الطرفان السابقان بالفعل معاهدة «سلام» ثنائية، برعاية أمريكية،
وافقت (إسرائيل) بموجبها على أن تعيد لمصر أرض سيناء، منزوعة السلاح،
ولكنها مزروعة بالألغام ومحتكرة البترول، في مقابل أن تتخلى مصر نهائياً عن
الدخول في أي حرب ضد اليهود، مهما كانت الظروف، وأبقت إسرائيل على
احتلال مدينة غزة التي كانت تابعة من الناحية الإدارية لمصر، لتدخر تلك المدينة
للمساومة عليها في مرحلة لاحقة.
* في ٥ يونيو ١٩٨١م (ذكرى نكسة يونيو ١٩٦٧م) :
بدأت الدولة العبرية تمهد لأول حرب عربية إسرائيلية بدون مصر، فهاجمت
قوات منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية في لبنان، واضطرت مصر
للسكوت وعدم التدخل تطبيقاً لأول (معاهدة) مع اليهود!
* في ٧/٦/١٩٨١م:
يجري اختبار آخر لمصر تقوم به (إسرائيل) وهو اختراق أجواء دولة
عربية وهي العراق، لضرب المفاعل النووي العراقي، وتضطر مصر أيضاً
للسكوت، رغم ذلك الاعتداء على دولة عربية مستقلة تربطها مع بقية العرب
اتفاقيات الدفاع العربي المشترك.
* في ٦/١٠/١٩٨١م:
تجني (إسرائيل) ثمرة أخرى من ثمرات سلام كامب ديفيد؛ إذ يُغتال
الرئيس المصري أنور السادات في نفس اليوم الذي انتصر فيه العرب على اليهود
لأول مرة، ولتتحول ذكرى النصر إلى ذكرى كارثة بمقتل الرجل الذي دفعه بيجن
إلى جمع جميع معارضي السلام في غياهب السجون وأقبية الزنازين، ولينفتح في
مصر باب من العنف والعنف المضاد، استمر بعد ذلك نحو عقدين من الزمان.
* في ٤/١٢/١٩٨١م:
تُقدِم (إسرائيل) على خطوة أخرى لاختبار نوايا الحكومة المصرية بعد
السادات في (احترام) كامب ديفيد، فتقرر ضم مرتفعات الجولان السورية،
وإخضاعها للقوانين والإدارة الإسرائيلية، دون أن يكون لذلك أثر على العلاقات
المتبادلة بين مصر وإسرائيل، والمكبلة باتفاقية (كامب ديفيد) .
* ويشجع ذلك الموقف الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريجان) :
فيطلق في العام نفسه مبادرة أمريكية، عرفت بـ (مبادرة ريجان) يدعو
فيها كل العرب أن يحذوا حذو مصر في الصلح مع دولة (إسرائيل) بعد الاعتراف
بها.
* في يونيو أغسطس ١٩٨٢م، (في ذكرى النكسة أيضاً) :
تزيد دولة اليهود الموقف في لبنان اشتغالاً، مستغلة محاولة اغتيال سفيرها
في لندن، فيهاجم الجيش الإسرائيلي القوات السورية وقوات منظمة التحرير في
جنوب لبنان، ويجتاح السفاح شارون (بيروت) ويقتل ما لا يقل عن ٢٥ ألف
مدني من الفلسطينيين واللبنانيين، ثم يجبر ياسر عرفات وأتباعه في منظمة
التحرير على إخلاء مواقعهم في لبنان، ومغادرة المنطقة نهائياً للاستقرار بعيداً،
في تونس!
* في ٦/٩/١٩٨٢م:
تلقى مبادرة (ريجان) استجابة عربية تجيء على استحياء، بعد الصراخ
والضجيج الذي أحدثه العرب نواحاً من كامب ديفيد، فينعقد مؤتمر القمة العربي في
مدينة فاس بالمغرب، وتصدر عنه المبادرة التي عرفت بمبادرة فاس، داعية
الإسرائيليين إلى قبول سلام (عادل وشامل) ، شريطة أن ينسحبوا (فقط) من
الأراضي التي احتلوها عام ١٩٦٧م.
وترفض إسرائيل المبادرة في الشهر نفسه، وترد بإطلاق أيدي الميلشيات
النصرانية التابعة لحزب الكتائب اللبناني النصراني لقتل المدنيين الفلسطينيين،
ويقتل في ٢٤ ساعة ما لا يقل عن ألف من سكان مخيمي صبرا وشاتيلا، ويكون
هذا أقسى اختبار للنوايا المصرية، بعد التعهد في كامب ديفيد بألا تدخل مصر في
أي حرب ضد (إسرائيل) مهما كانت الظروف.
* في أكتوبر ١٩٨٣م:
يبدأ الشيعة اللبنانيون بدعم من إيران في أخذ مواقع الفلسطينيين الراحلين من
جنوب لبنان، ليترك الإسرائيليون لهم ذلك الجنوب بعد القضاء النهائي على
المنظمة الفلسطينية عسكرياً مكتفين بشريط أمني حدودي.
* في سبتمبر ١٩٨٤م، وبعد فراغ الساحة من المقاومة الفلسطينية، وفي ظل
أمن جانب مصر:
يدعو حزب العمل الإسرائيلي الأردنيين لكي يحذوا حذو المصريين في
الدخول في عملية سلام منفرد مع (إسرائيل) ولكن الاعتراض لا يأتي من الأردن
بل يأتي من حزب الليكود الإسرائيلي المعارض، بدعوى عدم الاحتياج إلى ذلك
السلام الآن.
* وفي سبتمبر ١٩٨٦م، وبعد وصول الإرهابي (إسحاق شامير) إلى رئاسة
الوزراء في إسرائيل:
تطلق الأردن إشارات الرغبة في سلام مع الإسرائيليين أسوة بمصر، ويتوج
الأردنيون هذا التوجه بمقاطعة ياسر عرفات لرفضه عملية السلام (المنفرد) مع
الأردن!
* في ديسمبر ١٩٨٧م:
تندلع الانتفاضة الأولى، بعد أن يستفرد اليهود بالفلسطينيين في الأراضي
المحتلة، ويبدأ فصل جديد في تاريخ الصراع بدخول الإسلاميين الفلسطينيين بعد
طول غياب إلى ساحة المعركة مع اليهود، بوسائل في غاية التواضع، كان الحجر
رمزاً لها.
* في أواخر ١٩٨٨م:
يبدأ عرفات في التحول عن مبدأ الرفض التقليدي للحل السلمي، فيطلب من
المجلس الوطني الفلسطيني أن يوافق على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم
١٨١، والذي كان يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب والإسرائيليين، ويوافق أيضاً
على ما أسماه (حق إسرائيل في الوجود) كدولة مستقلة ذات سيادة على معظم
أراضي فلسطين التاريخية، ويوافق أيضاً على قراري ٢٢٤، ٣٣٨ الداعيين إلى
إقامة دولتين على أرض فلسطين، إحداهما للعرب والأخرى لليهود، وتفتح أمريكا
بذلك حواراً لأول مرة مع منظمة التحرير لإدخالها في (عملية السلام) !
* في عام ١٩٨٨م نفسه:
الأردن يعتبر التوجه الفلسطيني الجديد كافياً لأن يتخلى عن دوره إلى جانب
الفلسطينيين ومنظمتهم، طالباً من المنظمة أن تدير شؤونها بنفسها مع إسرائيل
وأمريكا، ويعلن الأردن أيضاً تخليه عن إدارة الضفة الغربية التي كانت خاضعة له
من الناحية الإدارية.
* في ديسمبر ١٩٨٩م:
سوريا تشعر ألاَّ جدوى من بقاء جبهة الصمود والتصدي التي أنشأتها مع
العراق ودول أخرى احتجاجاً على كامب ديفيد الأولى فتعيد العلاقات الدبلوماسية مع
مصر بعد عشر سنوات من انقطاعها، ليبدأ التصدع في تلك الجبهة التي لم تصمد
ولم تتصدَّ لعدم قدرتها على ذلك بخروج مصر من المعركة.
* في ٢/٨/١٩٩٠م:
النظام العربي يتعرض لزلزال مدمر، بسبب غزو العراق للكويت، الذي
تحول بعد الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي عربي، يفتت ما تبقى من
(إرادة) عربية في استمرار المواجهة للعدو الإسرائيلي، وينفتح باب واسع جديد
لعملية (الاستسلام الجماعي العربي) .
* في مارس ١٩٩١م:
جورج بوش (الأب) يعلن بعد انتصاره في حرب (تحرير) الكويت عن
الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في مدينة مدريد بأسبانيا (في ذكرى مرور ٥٠٠
عام على سقوط الأندلس) ليكون تدشيناً لعملية سلام شامل بين العرب
و (إسرائيل) ، وذلك استغلالاً لظرف الوهن العربي الشديد الذي أعقب حرب
الخليج الثانية.
* مؤتمر مدريد:
يسفر عن توجه نحو حلول منفردة، ومسارات متعددة تسمح لإسرائيل،
بالتفرد بكل دولة عربية معينة على حدة، وبوش يدعو الدول العربية إلى
تخصيص ميزانياتها العسكرية لصالح التعايش السلمي (!) في الوقت الذي يغدق
فيه على (إسرائيل) كميات من الأسلحة، لم تسبق في عهد رئيس أمريكي آخر.
* في ١٣/٩/١٩٩٣م:
يتم في واشنطن التوقيع على (إعلان المبادئ) بين رئيس الوزراء
الإسرائيلي إسحاق رابين، وياسر عرفات، ويكون تتويجاً لسياسة المسارات
المنفردة التي انتهت فلسطينياً بكارثة (أوسلو) .
* في أكتوبر ١٩٩٤م:
الأردن ترى أنها لن تكون أحرص على الفلسطينيين من ياسر عرفات بعد
توقيعه اتفاق سلام منفرد مع (إسرائيل) ، ثم تعقد الأردن أيضاً اتفاقاً منفرداً عُرف
باتفاق وادي عربة في العام نفسه، وبعدها رابين يدعو سورية للدخول هي الأخرى
في عملية السلام والاعتراف بإسرائيل مقابل الانسحاب من الجولان.
* في ٤/١١/١٩٩٥م:
الإرهاب الإسرائيلي، يضرب في الدولة العبرية، ويغتال (رابين) الذي
وقع اتفاقية السلام مع الفلسطينيين ظناً من المتطرفين اليهود بأن رابين خان الشعب
الإسرائيلي عندما صافح ياسر عرفات، ويتجه الشعب اليهودي كله بعد ذلك إلى
مزيد من التشدد، فينتخب بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء، منقلباً بذلك على (عملية
السلام) التي لم تكتمل، وتتوقف العملية لمدة عام كامل بسبب إصرار الإسرائيليين
على فرض السيادة على كافة أرجاء القدس الشرقية.
* في ١٢/٣/١٩٩٦م:
الحكومة المصرية تستضيف في شرم الشيخ قمة (مواجهة الإرهاب) التي
سميت بعد ذلك: (قمة صانعي السلام) ! وكانت مناسبتها تنفيذ عملية فدائية
فلسطينية كبيرة ضد الإسرائيليين، وإسرائيل تستغل المؤتمر، لتوقع بعده بشهر
اتفاقاً استراتيجياً مع الولايات الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
* في ٣١/١/١٩٩٦م، وانسجاماً مع توجه أمريكا نحو محاربة (الإرهاب) :
ياسر عرفات يلغي الفقرات التي تدعو إلى تحرير فلسطين وتدمير إسرائيل
من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، ويسلم مادلين أولبرايت نسخة من الميثاق
خالياً من تلك الفقرات.
* في نوفمبر ١٩٩٨م:
الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) يرعى في منتجع (وادي ريفر)
بولاية مريلاند، مؤتمراً للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يثمر اتفاقاً على
مذكرة (وادي ريفر) الذي يدعو إلى حل أمني للأوضاع في الأراضي المحتلة
بالقضاء على (الإرهاب) قبل العودة للمفاوضات.
* في ١٢ - ١٥/١٩٩٨م:
الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) يلقي خطاباً في المجلس التشريعي
الفلسطيني في غزة ويحضر الاجتماع الذي عقد في ذلك المجلس للتصويت على
قرار يرفض «كلياً» ، وإلى «الأبد» المواجهة ضد إسرائيل، ويلغي من
الميثاق الفلسطيني (بعد ميثاق المنظمة) المواد التي تدعو إلى القضاء على
إسرائيل.
* في ١١/٧/٢٠٠٠م:
الرئيس الأمريكي يفتتح قمة كامب ديفيد الثانية، من أجل توصل الفلسطينيين
والإسرائيليين لحل نهائي للقضايا المعلقة. ولكن القمة تتعثر، وكلينتون يحاول
إنقاذها فيقدم اقتراحاً بأن يقتسم الفلسطينيون والإسرائيليون السيادة على أجزاء من
القدس القديمة، ويقترح أن تكون أرض ساحة المسجد الأقصى للإسرائيليين،
والبناء فوقها للفلسطينيين ولكن ينتهي المؤتمر إلى الإخفاق ويكون الخلاف على
ملكية أرض المسجد الأقصى أبرز الأسباب في ذلك الإخفاق.
* في ٢٩/٩/٢٠٠٠م:
تندلع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بعد زيارة السفاح شارون الاستفزازية
للمسجد الأقصى، وتبدأ الانتفاضة بعد وقوع مصادمات بين الفلسطينيين والجنود
الإسرائيليين في ساحة المسجد الأقصى، وشارون يتعهد علناً بالقضاء على
الانتفاضة، مقدماً أكثر من خطة لذلك، ولكنه في الوقت نفسه يبدو حريصاً على
استمرار التوتر، لاستثماره من أجل مخططات أخرى.
* في منتصف شهر يونيو ٢٠٠٠م: (ذكرى النكسة) :
(جورج تينت) مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يطرح ورقة
أمنية لتجديد التعاون الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين للقضاء على الانتفاضة،
وورقة تينت تتحول بعد ذلك إلى تقرير (ميتشيل) نسبة إلى (جورج ميتشيل)
السينتاتور الأمريكي السابق وهي تشمل أيضاً رؤية لحل أمني يفرضه الأمريكيون
والإسرائيليون، وينفذه الفلسطينيون السلطويون وبهذا يحوِّل «الجروج» الثلاثة:
جورج بوش، وجورج تينت، وجورج ميتشيل، القضية الفلسطينية إلى (مسألة
أمنية) .
* في شهر مارس ٢٠٠٢م:
الجامعة العربية تتبنى مبادرة عربية جديدة تدعو إلى تسوية سلمية تقوم على
وجود دولتين، عربية وإسرائيلية على أرض فلسطين مقابل اعتراف شامل من
العرب بدولة إسرائيل، وشارون يرد على المبادرة في اليوم التالي بمجزرة بشعة
ضد الفلسطينيين.
* في إبريل ٢٠٠٢م:
الرئيس الأمريكي جورج بوش، يصدر بياناً في البيت الأبيض يدعو فيه
إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يكون تمهيداً لما عُرف بعد ذلك بـ
(خارطة الطريق) .
* في يونيو ٢٠٠٢م:
الرئيس الأمريكي بوش يدعو الفلسطينيين إلى انتخاب قيادة جديدة غير
عرفات، ويدعو الدول العربية كلها للاعتراف بـ (إسرائيل) وبمحاربة الإرهاب،
وأمريكا تنشر نص مشروع خارطة الطريق في ١٥/١٠/٢٠٠٢م.
* في بداية يناير ٢٠٠٣م:
الولايات المتحدة تستكمل استعدادها لخوض حرب ضد العراق، وتندلع
الحرب في ٢١ مارس ٢٠٠٣م، لتنتهي بهزيمة العراق بعد أقل من عشرين يوماً،
وليعود الحديث بعدها مباشرة عن استئناف عملية السلام لإنهاء الصراع (الفلسطيني
الإسرائيلي) وفق خارطة الطريق الأمنية الأمريكية.
* في ٥ يونيو في ذكرى جديدة لنكسة ١٩٦٧م: التي نسيها العرب بعد كارثة
العراق:
الرئيس الأمريكي بوش يجمع قادة كل من الأردن وإسرائيل وفلسطين،
للتشاور في تنفيذ مشروع خارطة الطريق الداعية إلى تعهد السلطة الفلسطينية تحت
قيادة محمود عباس (أبو مازن) بالقضاء على ما أسمته أمريكا بـ (الإرهاب
الفلسطيني) ممثلاً في حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا حماس
والجهاد الإسلامي في مقابل تعهد أمريكي بإقامة دولة للفسطينيين عام ٢٠٠٥م.
* بعد المؤتمر:
المنظمات الفلسطينية المقاومة ترفض نتائج المؤتمر التي دعت فيها أمريكا
إلى الاعتراف بإسرائيل (دولة يهودية) بمعنى: لا حق للاجئين بالعودة، ولا حق
لعرب ١٩٤٨م بالاستقرار، ولا حق للفلسطينيين في الأراضي المحتلة في مقاومة
الاحتلال، ويتوج شارون هذا الإجرام، بإصدار الأوامر باغتيال الدكتور عبد
العزيز الرنتيسي أحد كبار قادة منظمة حماس ولكن المحاولة تخفق، وحماس ترد
بعملية استشهادية نوعية في القدس المحتلة تسفر عن قتل ١٦ إسرائيلياً وجرح نحو
ثمانين آخرين.
* ويستمر قطار الفتن:
إن أبرز معالم المحطة الأخيرة في (قطار السلام) هي أن مشروع خارطة
الطريق الذي اخترعته أمريكا، قد وصل بذلك الطريق إلى نهاية حافته المسدودة؛
فآخر ما وصلت إليه مشاريع (سلام الانتقام) الصهيوأمريكي بعد مؤتمر العقبة،
هو أن القيادة الفلسطينية الجديدة تنازلت بالفعل عن أرض فلسطين باعتبارها أرضاً
عربية إسلامية، وأقرت ضمناً بدعوة بوش إلى اعتبار (إسرائيل) أرضاً يهودية،
وتحدث أبو مازن كذلك عن معاناة اليهود، موافقاً لشارون وبوش في ذلك، ولكنه لم
يشر إلى إرهاب هؤلاء اليهود ضد الفلسطينيين، ولم يتطرق أبداً لقضية اللاجئين
الفلسطينيين، مما جعل شارون يتعهد بعد المؤتمر بأيام قلائل بعدم عودة أي لاجئ
إلى أرض فلسطين، ولم يتكلم أبو مازن كذلك عن القدس ولا عن الاستيطان، إلا
أن شيئاً واحداً تكلم عنه بصراحة وفصاحة، وهو التعهد بمحاربة (الإرهاب
الفلسطيني) ... والعالم كله يسمع، بما في ذلك عالم العرب وعالم المسلمين.
وبذلك تكون العملية السلمية قد دخلت مرحلة الذروة في سلام الانتقام الإسرائيلي في
ظل حرب الإرهاب الأمريكية العالمية.
* ولكن ... هل يفلحون؟!
لا؛ وحق الذي قال: [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ] (إبراهيم: ٤٦) .
نعم أيها المسلم الصادق في فلسطين وغيرها من أوطان المسلمين تمسك بدينك
... تشبث بيقينك.. [فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ]
(إبراهيم: ٤٧) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.