قصة قصيرة
[جيل الضياع]
د. عمر عبد الله
رجع جمال إلى البيت منهكاً، كان يوماً طويلاً بدأ بصلاة الفجر وهاهو ينتهي
عند منتصف الليل ... فتح الباب فإذا بزوجة قلقة حائرة مرتبكة.
* جمال , لماذا تأخرت؟ .. لقد انشغلت عليك ...
مقاطعاً: كنت في الجامعة.. أعرف أنني لم أعطك مكالمة هاتفية لأخبرك
بذلك لكن ستعرفين العذر.
* ماذا حدث؟
- لقد كنت مدعواً لإلقاء محاضرة تعريفية بالإسلام انقلبت إلى معركة
* ولم؟
- بعد إلقاء المحاضرة أخذ بعض الطلبة المسيحيين استثارتي ولكني رددت
عليهم فما كان منهم إلا أن حاولوا الاعتداء علي.
* لماذا..؟
- لا أدري.. لكن الغريب أن وليم علي الذي حدثتك عنه هو الذي كان
يقودهم.
* هذا المرتد؟
- نعم إنه قائد المجموعة الصليبية في الجامعة التي تسمي نفسها المولودين من
جديد إنه حاقد على كل ما يمت للإسلام بصلة..
* وهل هناك سبب منطقي لذلك؟
- نعم فهمت منه أن أباه الذي ولد مسلماً قد أتى إلى هنا قبل أربعين سنة ثم
تعرف على أمه ليثمر هذا الزواج بهذا النتاج النكد..
* وهل كان أبوه نصرانياً مثله؟
- كلا كان شيوعياً.. يكره الأديان ويحاربها.. ولم تجد الأم حلاً سوى أن
تنفصل عنه وتأخذ ابنها إلى الكنيسة لترعاه فكراً ومعتقداً ... كان أبوه سيئاً سلوكياً
أيضا.
* إذن؟
- إذن وليم نشأ وهو يكره هذا الأب وصورة الإسلام متمثلة في ذهنه
بسلوكيات بشعة، وتصرفات مفزعة خصوصاً أن أباه قد قدم دعاوى حضانة للابن
اشترط فيها أن لا يمارس ابنه الصلوات الكنسية لأنه يريده أن يكون بلا دين ...
* فهمت ... مسكين ... إنه يستحق الشفقة!
- نعم إنه حقاً يستحق الشفقة والرحمة لاسيما وأنه مثال للذين ربطوا بسلاسل
في أعناقهم فهي إلى الأذقان ... صم، بكم، عمي، لا يستخدم أدوات الحس سوى
لمحاربة أي شخص أو فكرة تمس المجتمع المسيحي المثالي الذي يتحمس له!
* هل حاورته ... هل ناقشته؟ .
- تعرفين يا أسماء أن الحوار في منهجنا قضية أمر وواجب، ليست ترفاً ولا
مراوغة وهي أبعد عن أن تكون تكتيكاً كما يقولون ... إنها دعوة حوار قضى
المصطفى -صلى الله عليه وسلم- معظم وقته وهو يحاور أهل مكة ثم مطالباً أهل
الكتاب بالمثل دون جدوى ...، نعم لقد حاورته ...كثيراً.
* وماذا كان رد فعله؟
- تذكرين رد فعل ...
* نعم مسكينة هي الأخرى
- وليم لا يبتعد عنها كثيراً ... إنهما مثال لجيل الضياع والتشرد المنتشر ...
آباءهم حملوا أسماء إسلامية ولافتات تدل على ذلك.. كان آخر ما يفكرون
فيه أمر هذا الدين.. كان اللهاث وراء الرزق والشهادة والفرصة يتم بتصاعد وعلى
إيقاع أمريكي متسارع ومنهك...
- دخل جمال لينال قسطاً من الراحة ... ولكنه التفت إلى أسماء قائلاً:
تعرفين أني قابلت برهان اليوم ...
* هاه بشر ... ماذا دار بينكما؟
- لقد كان حواراً طويلاً وشاقاً ... تعرفين أن الرجل في هذه المرحلة يشعر
بجحيم الجريمة البشعة التي ارتكبها بحق نفسه أولاً ثم ابنته.. لكنه اليوم اعترف لي
بأنه عاجز ... عاجز حتى عن ممارسة الواجبات البسيطة ... خذي مثالاً لقد نسي
كيفية الوضوء ... ، وهيئة الصلاة ... ، آخر مرة صلى فيها عندما كان في الرابعة
عشرة.. مع أنه على استعداد لكي يتعلم من جديد..، تصدقين أنه مشتت تماماً بين
القلق الذي يعيشه والذكريات الغائمة لأبويه وهما يودعانه ويقول له أبوه جميل: الله
الله في ربك ... لقد حلت بنا النكبة لذنوبنا ... ، لقد قال لي اليوم أنه قرر أن يسافر
لرؤية أمه ... وأنه لم يتصل بهما منذ ثلاثين سنة ... تصوري..!
* وأبوه؟
- سحقته دبابة عسكرية عندما خرج ليتظاهر على خيانة نظام ثوري في ما
يسمى بالنكسة ... ، لقد قتل مع مئات غيره.. ولم يعرف هو ذلك إلا بعد سنوات
عن طريق صديق مشترك ...
* وماذا عن ابنه - لقد اقتنع أخيراً بأن الماسونية حالة ومؤسسة تخدم اليهود
ولكنه قال لي ان الواقع يضغط عليه فهو كحال المعدم الذي يصيح بمن يلومه بيتي
يبخل لا أنا. إنه يشعر أن عليه أن ينقذ نفسه أولاً.
* وأسرته؟
- مرحلة لاحقة ... لا يريد أن يفكر فيها الآن.. إنه مشغول بنفسه
* أخباره سارة.. ولا شك..