[السودان بين قلق الحاضر وغموض المستقبل]
الأمين الأحيمر
حدث كبير له ما بعده في مستقبل السودان، وهو توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية ومتمردي الجنوب بقيادة (جون قرنق) .
اختلفت آراء المتابعين والمحللين في داخل السودان وخارجه في قراءة الاتفاقية، واستشراف أبعادها. المتفائلون والمتشائمون على حد سواء لا يخفون قلقهم من المستقبل، ولا يخفون قلقهم من الضغوط الأمريكية التي كان لها تأثير كبير في إدارة الاتفاقية.
المشكلة معقدة جداً، ومتعددة المحاور، ويسعدنا في مجلة البيان أن نلتقي عدداً من الفضلاء من أهل الشأن والمتابعة علّنا نقرأ الأحداث معهم برؤى متنوعة؛ متكاملة أحياناً، ومتباينة أحياناً أخرى، ربما في الحصول على تقويم أقرب ما يكون للموضوعية وضيوفنا هم:
الأستاذ الدكتور: الطيب زين العابدين: أستاذ العلوم السياسية، جامعة الخرطوم.
الأستاذ: كمال عثمان حسن رزق: مدير إدارة البعثات الخارجية بمنظمة الدعوة الإسلامية، والمشرف العام على مركز تدريبات الداعيات بالخرطوم.
الدكتور: يوناس بول ديمانيال: أستاذ مشارك في كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري بالسودان، وزير ولائي، نائب
^: كيف ترون تداعيات الاتفاقية وظلالها على السودان ودول الجوار، وعلى العالم الإسلامي سلباً وإيجاباً؟
د: يوناس بول: الحرب لم يتضرر منها إلا السودان، وكذلك دول الجوار من الناحية الاقتصادية والأمنية؛ لأن الحرب كانت توجِد أعباء داخل هذه الدول سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أما تأثيرها على الدول الإسلامية فهذه الاتفاقية تمت رعايتها إقليمياً ودولياً، وللأسف الحضور الإسلامي فيها غائب تماماً، وخاصة أن هذه المنطقة استراتيجية، ويعتبر ذلك مؤشراً سالباً بالنسبة للمسلمين والعالم الاسلامي لا يهتم بجنوب السودان بصورة مباشرة، وإهمال هذه المنطقة سيؤثر على القضايا الإسلامية، ولا بد من الاهتمام بهذه المنطقة أسوة بغيرها من المناطق المتأزمة.
د. علاء الدين الزاكي: أنا أرى أن الاتفاقية لها تداعيات عظيمة؛ فعلى المستوى الداخلي فتحت شهية المناطق الطرفية للتمرد على المركز بدعوى التهميش؛ فهناك البجة، وهناك الأسود الحرة في الشرق ودارفور وكردفان، بل وأخيراً الشمالية بدأت تنادي بدولة النوبة، وهناك عمل منظم ومخطط له؛ وذلك لأن الاتفاقية أعطت الجنوبيين وحرمت غيرهم، وأن السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق هو السلاح، وهناك من يؤيد ويدعم. أما على مستوى دول الجوار فمنهم من شعر بالراحة: كدولة كينيا، وأوغندا؛ وذلك لأن مكاتب الحركة الموجودة فيها تشكل حرجاً شديداً لهما مع السودان، وهو الأمر الذي جعل السودان يتبنى جيش الرب المتمرد على أوغندا، وكذا أرتيريا التي تخشى من تكرار ما فعله السودان عندما أوصل قادتها إلى السلطة، ولربما تمت مقايضة بين الحكومة وأرتيريا بحركة الجهاد الأرتيري الموجودة في السودان، وبعض دول الجوار كمصر التي تخشى من أن الاتفاقية تقضي بالانفصال؛ مما يشكل تهديداً كبيراً على أمنها القومي المتمثل في (النيل) ، وخاصة بعد الكتاب الذي صدر مؤخراً، والملف الذي قدمه السودان لجامعة الدول العربية يشير فيه إلى علاقات قرنق مع (إسرائيل) ؛ فتظل مصر خائفة تترقب ما الذي يكون بعد السنوات الست؛ فمصر لن ترضى بالانفصال و (قرنق) رئيساً للسودان، وأهون عليها الانفصال ـ إذا خيرت ـ من حكم (قرنق) للسودان كله للسبب المذكور. أما الدول الإسلامية التي تفرجت على السودان، وهو يستعمَر بهذه الاتفاقية فستجني ثمرة سكوتها؛ لأن الدور القادم ربما يأتي عليها.
^: ما هي طبيعة بروتوكولات نيفاشا بين الإيجابيات والسلبيات بالنسبة للشمال والجنوب والسودان عموماً خلال فترة السنوات الست القادمة من توقيع الاتفاقية؟
د. يوناس بول: الاتفاقية مربوطة بزمن، وهي تُعتبر اجتهاداً بشرىاً. بالتأكيد هناك جوانب قصور، ولكننا لا نسلط الأضواء على القصور فقط بقدر ما نسلط الأضواء على الإيجابيات حتى تنجح هذه الاتفاقية، حتى نتجاوز مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام، ونتعامل معها كما هي لإنهاء فترة مؤقتة، وإيجابيات الاتفاقية أعطت البروتوكولات حقوقاً لم تكن موجودة للجنوب بالذات وبقية المناطق الأخرى في السودان مثل: جبال النوبة، آبيي، الانقسنا.
الأستاذ كمال رزق: الذي أراه مكسباً عظيماً في هذه البروتوكولات هو تثبيت مبدأ حكم الشمال بشرع الله وحرية الحركة بالدعوة في طول البلاد وعرضها، وإذا استغل أهل الشمال هذين الأمرين بكفاءة عالية، فإني أحسب أنه لن تكون هناك سلبيات بإذن الله.
^: مستقبل السودان عامة والعمل الإسلامى بصورة، خاصة في ظل هذه الاتفاقية مشوب بالغموض؛ فكيف تقرؤون هذا المستقبل؟
د. الطيب زين العابدين: تعتمد الرؤية المستقبلية على وضع السودان في تطبيق بنود هذه الاتفاقية على أرض الواقع بصورة عادلة.
د. يوناس بول: مستقبل السودان مرهون بالاستفتاء بعد ست سنوات، وهو يتم حسب سلوك الأطراف الرئيسة إذا كان إيجابياً، وتغيير المفاهيم وتواصل جديد؛ فإن السودان بالتأكيد سيكون له دور كبير في المنطقة، وفترة السلام هي أحسن فترة لإنعاش السلام في الجنوب، وجنوب السودان لم ينتعش إلا في السبعينيات من القرن الماضي.
الأستاذ كمال رزق: في ظل هذه الاتفاقية التي تمثل وسيلة في طريق الوصول إلى الهدف، وفي ظل غير هذه الاتفاقية من الظروف العالمية التي تحيط بالمسلمين فإني أرى أن المستقبل لهذا الدين، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله لا يصلح عمل المفسدين.
د. علاء الدين: هذه الاتفاقية نصت على التحول الديمقراطي والحريات المطلقة وسيادة القانون، وأن الأساس في الحقوق والواجبات هو المواطنة، وهذا معناه أن العمل مكفول للجميع؛ للخير والشر، والحق والباطل، والقوي والضعيف، وصاحب الإمكانات هو الذي يكسب، ولو أن الإنسان اطلع على الفقرة الخاصة بالدين والدولة فإنه يرى العلمانية ابتداءً من فقرة (١ـ ٦) إلى فقرة (٦ـ ٦) ، والتأكيد على أن الدين لا يستعمل عاملاً للفرقة، ويتفق الطرفان على كفالة حريات المعتقد والعمل والدعوة والتبشير والعبادة والنشر والتدريس والتجمع لأداء العبادة وتولي جميع المناصب؛ بما في ذلك رئاسة الجمهورية والتمتع بجميع الحقوق والواجبات على أساس المواطنة؛ وليس على أساس الدين؛ فكل العداوات ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين.
والمطلوب استغلال مناخ الاتفاق لنشر الإسلام واستغلال كل ثغرة فتحت، وديننا دين الفطرة.
^: يرى كثير من المراقبين داخلياً وخارجياً أن الاتفاقية فرضت فرضاً على حكومة السودان بكل بنودها بما فيها تمويل جيش الحركة بجزء من خزينة الدولة، مع أن في ظل قسمة الثروة خصصت حصة للحركة من الثروة والسلطة ما رأيك في ذلك؟
الأستاذ كمال رزق: إذا كانت الاتفاقية قد فرضت على الحكومة فرضاً فلماذا استغرقت كل هذا الوقت الطويل؟ أليس يكفي الحكومة أن يقال لها افعلي، وتقول سمعنا وأطعنا، ويتم التوقيع بعد ذلك؟
إن الحديث بهذه الطريقة استخفاف بعقول الناس وسذاجة لا تخطئها العين.
د. الطيب زين العابدين: المفاوضات يوجد فيها تدخل إقليمي ودولي مكثف وظاهر من (دول الإيقاد) وشركائها من الدول الغربية كأمريكا، وإيطاليا، وبريطانيا، والنرويج، والتي شكلت حضوراً مستمراً في المفاوضات، تمثلت في كبار المسؤولين واتصالات بعض رؤساء هذه الدول، إضافة إلى الدعم المادي للمفاوضات، وفيما يتعلق بمشكلة (أبيي) قامت الحكومة الأمريكية بالمزاوجة بين مقترح الحكومة والحركة، وحقيقة أن الدور الخارجي له دفع وتشجيع لبنود الاتفاقية. وفيما يتعلق بتمويل جيش الحركة الشعبية أعطت الحركة نصيباً من الثروة بتفصيل دقيق، وعدم موافقة الحكومة على ذلك جاء بحجة أن الجيش تابع للحركة والتمويل جزء من الثروة، ومن هنا تم الاتفاق على تمويل الجيش من الحكومة الإقليمية لجنوب السودان بدعم دولي، وأتوقع أن هذا الدعم سيغطي كل تكاليف الحركة خلال الفترة الانتقالية، أو جزءاً كبيراً منها.
د. يوناس بول: الاتفاقية تفرض على حكومة السودان التي بادرت بطلب إلى (الإيقاد) للتدخل في حل مشكلة السودان. والتدخل الإقليمي صار واضحاً لمدير منظمة (الإيقاد) ، واستعانت بدول أخرى لها أغراض خاصة بهم، وهذه المصالح تتحقق وتتضرر بالحرب. وقضية الجيش تم تقسيمه إلى ثلاثة جيوش؛ الأول: الحكومة، والثاني: الحركة، والثالث: مشترك. والحكومة ترى أن جيش الحركة تموله حكومة الجنوب من ميزانيتها، وتدخَّل الوسطاء لحل هذه المشكلة، وتم التوصل إلى صيغة وفاقية.
د. علاء الدين: إن المعروف الذي لا تنكره حتى الحكومة أن هذه الاتفاقية بذاتها عرضت عليها فرفضتها، وتم بعد رفضها ممارسة ضغوط عليها حتى قبلت، ولكن بصورة أسوأ مما كانت عليه سابقاً، واستخدمت أمريكا عدة أساليب منها: إصدار قانون سلام السودان، والتلويح بعصا العقوبات، والتهديد بمحاكمة من شارك في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، كانت مسألة واضحة، كلما تعثرت المفاوضات لوَّح الكونغرس بهذه الأشياء، وهو الأمر الذي وضع الحكومة بين أمرين أحلاهما مر: إما العقوبات، وإما السلام المفروض.
^: تشير بعض الدوائر إلى أن الاتفاقية خطوة في طريق تقسيم السودان إلى دويلات في الجنوب، والغرب، والشرق، والشمال والوسط. وما هي مقومات الوحدة وإرهاصات تحقق سناريو انفصال الجنوب بعد السنوات الست المنصوص عليها في الاتفاقية؟
د. يوناس بول: الاتفاقية لم تصمم لفصل السودان، لكنها تسعى لوحدة السودان، وهنالك موضوع لوحدة السودان من ضمن بنود الاتفاقية. ووحدة السودان تعتمد على البرامج التي تجذب الجنوبيين للوحدة من خلال السنوات الست، وهي ليست ضماناً إلا إذا تم الاتفاق على الوحدة في هذه الفترة، ووحدة السودان مهددة حقيقة، وليس هنالك ضمان لوحدة السودان.
الأستاذ كمال رزق: تقسيم السودان إلى دويلات أمر مستحيل؛ فالسودان بلد مسلم يعتصم أهله بكتاب الله، ولما أراد الجنوب أن ينفصل قاتله كل أهل الشمال، ومسلمو الجنوب كذلك، والحركات التي في الغرب والشرق والوسط حركات مطلبية فقط، وبعضها يتدثر بدثار العنصرية، ولكن في حقيقة أمرها حركات مطلبية، ودعوى العنصرية إنما هو سلاح ليحرك به عاطفة الشعوب الغربية، لكي يعضد موقفها في تحقيق أهدافها المطلبية.
أما الجنوب فإني أؤكد بأن خيار الوحدة عند أهله أكبر من خيار الانفصال، والجنوب اليوم معظم سكانه من المسلمين، وفي إحصاءات سابقة لمجلس الكنائس؛ فإن عدد المسيحيين ١٧%، وعدد المسلمين ١٨%، والباقي من الوثنيين؛ فكيف بالحال اليوم وأهل الجنوب يدخلون في دين الله أفواجاً؛ فأنا على ما يشبه اليقين بأن عدد المسلمين الآن في الجنوب لا يقل عن ٤٥% من جملة السكان.
د. علاء الدين: رؤيتي التي لا أتفق فيها مع كثير من المراقبين ممن قال بأن الاتفاقية تكرس للانفصال لبعض المعطيات الموجودة في الاتفاق، لكني أقول بأن الاتفاقية تضع السودان كله في يد (قرنق) ؛ وذلك لنقاط مهمة، وهي:
١ - لو كان (قرنق) يريد الجنوب لما كان حريصاً عليه، خاصة وأن تقرير المصير كان مطروحاً من قبل.
٢ - أن فصل الجنوب يعني إعطاء الشمال حرية إقامة دولة إسلامية، وهذا هو الذي جعل أمريكا تتدخل بقوة في السودان.
٣ - ظل (قرنق) يطرح مشروع السودان الجديد بالمواصفات التي نصت عليها الاتفاقية الآن، ويمكن الإشارة هنا إلى الندوة التي قدمها (قرنق) بأمريكا في عام ٢٠٠٢م، وكانت تحت عنوان (رؤية الحركة للسودان الجديد) ، وقامت وكالة السودان للأنباء بنشرها بتاريخ ٧/٥/٢٠٠٤م، حدد فيها (قرنق) رؤية الحركة للسلام، واستراتيجية التفاوض، فقال: لا بد من تفكيك النموذج الإسلامي العربي، وإعادة تشكيل السودان وفق (أفريقانية الهوية وعلمانية الدولة) ، وقال: على حكومة الخرطوم إما أن تختار وحدة الدين أو الوطن، لذلك كفلت لـ (قرنق) بنود الاتفاقية إمكانية حكم السودان، وأعطته الاتفاقية هيئة السودان الجديد الذي يريده بكامله كما في بروتوكول مشاكوس من فقرة (١ ـ ٦) إلى (٦ ـ ٦) الخاصة بالدين والدولة؛ فالانفصال خيار آخر أو أضعف ما يلجأ إليه (قرنق) إذا وجدت صلابة من الشمال وقوة من أهل الإسلام.
^: إذاً ما هي متطلبات المحافظة على الهوية الإسلامية في ظل التزاوج بين مشروع السودان الجديد الذي يطرحه (قرنق) والمشروع الحضاري الذي تتبناه الحكومة؟
د. يوناس بول: للمحافظة على هذه الاتفاقية أرى أن على حكومة الشمال، لكي تحافظ على المشروع الحضاري أن تطبق الشريعة الإسلامية، والجنوب يكون مستثنى، وتطبق عليه قوانين تختارها حكومة الجنوب وحدها، ومشروع الحركة يتحقق من خلال البروتوكولات، وأول مرة في تاريخ السودان يكون نائب رئيس جمهورية السودان جنوبياً، وكذلك وزارة سيادية، أما الإسلام السياسي في السودان الذي طرح بتجربة الإنقاذ فأحسب أنه لم يكن موفقاً في كثير من الجوانب السياسية والفكرية، وهنالك إخفاقات أضرت بالمشروع نفسه.
الأستاذ كمال رزق: بدل كلمة المشروع الحضاري يمكن أن تضع كلمة المشروع الإسلامي؛ لأن كلمة حضاري كلمة هلامية، وهي قاصرة لا تغطي كل المعاني التي يحققها حكم الله في الأرض؛ فالحضارة جزء يسير من المكاسب التي يحققها تحكيم الشريعة الإسلامية في البشرية. ومشروع السودان الجديد الذي يطرحه (قرنق) ما هو إلا وجه سافر للعلمانية التي يريدها قرنق ولن تصمد أمام الإسلام طويلاً بإذن الله.
د. علاء الدين: لا يمكن أبداً الجمع بين مشروع (قرنق) للسودان الجديد والمشروع الحضاري الإسلامي، هما على طرفي نقيض؛ فقرنق يدعو إلى مشروع علماني، والحكومة تسعى لتطبيق نموذج إسلامي؛ فليس أمام الحكومة إلا الإحلال والإبدال. قال (قرنق) في الندوة التي أشرت إليها قبل قليل: «الهدف الرئيس للحركة هو إنشاء السودان الجديد، وهو يعني انتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم الآن، وإعادة بناء السودان وفق رؤية السودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال بين النموذجين» ، وتم تفصيل الاتفاقية على هذه الطريقة؛ لذلك وافقت كل الأحزاب العلمانية عليها، وأعطيت الاتفاقية التدويل، وانعقد مجلس الأمن لأجلها في نيروبي، وحدّد موعداً للتوقيع، واعتمدت الاتفاقية بنيويورك وظل (قرنق) يهدد الحكومة كلما سنحت له الفرصة إن هي نقضت ما اتفقت عليه، فقال في رومبيك كما في جريدة الاتحاد ٣/١٠/٢٠٠٣م في اجتماعه مع القادة العسكريين: «إن الضمانات لالتزام حكومة البشير بما وقعت عليه هو حشد المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن» ، وقد فعل. ثم قال: وأكبر ضمان هو احتفاظ الحركة بنحو (١٠٠ ألف مقاتل بكامل استعدادهم العسكري) ، وقال قبل أيام بمجلس الأمن: إني أحذر الحكومة من نقض الاتفاق!
^: انطلاقاً من هذا الواقع ما رؤيتكم لمستقبل الحكم الجنوبي في ظل الاتفاقية مع وجود تباين عرقي وثقافي بين قبائل الجنوب، تصل في كثير من الأحيان إلى العداوات المسلحة؟
د. يوناس بول: تجربة اتفاقية (أديس أبابا) ناجحة، تؤكد قدرة الجنوبيين على حل مشكلاتهم بالطرق السلمية، والسبب في انهيار اتفاقية (أديس أبابا) الخوف من تمكن الجنوبيين من إدارة حكم السودان. في الوقت الحالي حدث تطور كبير في عقلية الجنوبيين من خلال الانفتاح على العالم، ونتوقعهم أن يستفيدوا من الدروس السابقة، ويستطيعون إدارة الحكم في الجنوب أفضل من أي وقت مضى في السودان.
الأستاذ كمال رزق: قبائل الجنوب لا يربطها توجه واحد ولا أهداف مشتركة ولا عقيدة مشتركة، وإنما هو تقاسم للسلطة وتقسيم لموارد، واسترداد للحقوق، والتباين العرقي والثقافي سيكون عقبة كؤوداً أمام تحقيق هذه الأهداف التي ذكرتها.
^: ما هي إسقاطات نيفاشا على مشكلات السودان الداخلية كقضية دارفور والشرق وغيرها من المناطق المرشحة للمشكلات وعلى أحزاب المعارضة بما فيها حزب الدكتور الترابى؟
د. الطيب زين العابدين: من أكبر نقاط ضعف هذه الاتفاقية أنها حددت حقوق جنوب السودان في السلطة والثروة، لكنها أهملت أقاليم شمال السودان، ومن ثَمَّ تم فتح الباب أمام أقاليم شمال السودان لحمل السلاح، والاحتجاج الذي ظهرت بوادره في دارفور وشرق السودان.
د. يوناس بول: من الجوانب الإيجابية في هذه الاتفاقية أنه سيتم رفع قانون الطوارئ وإطلاق السجناء بما فيهم الترابي، وسيفتح المجال لكل الأفراد للعمل بحرية.
^: إذاً ما هي التحديات القادمة التي تواجة حكومة السودان في ظل الاتفاقية؟
د. يوناس بول: أهم التحديات التي تواجهها في الفترة القادمة هي تطبيق الاتفاقية نفسها والجوانب التنموية والتعمير.
الأستاذ كمال رزق: أول التحديات التي تواجهها حكومة السودان هو النجاح في إطفاء الحرائق التي أشعلتها هذه الاتفاقية في بعض أطراف البلاد، وكما ذكرت فإنها حركات مطلبية فقط، والأمر الثاني هو ضبط الأمن في البلاد، وتوخي الحذر، والعمل على تطبيق الشريعة بالشمال.
^: في حالة اختيار الجنوب خيار الانفصال بعد السنوات الست القادمة ما هي الأخطار المتوقعة لدولة الشمال؟
د. يوناس بول: في حالة الانفصال سيكون هناك عداء؛ لأن الانفصال لم يتم باتفاق، وخير مثال لذلك أن باكستان والهند ما زالت المشكلات قائمة بينهما حتى الآن.
الأستاذ كمال رزق: إذا حدث الانفصال فإن الجنوب سيكون قاعدة لأمريكا ومرتعاً خصباً لـ (إسرائيل) ومورداً عذباً للمياه، وسيبدأ في التهام الشمال رويداً رويداً، وكل ذلك لن يتحقق بإذن الله إن خلصت النوايا، وعرف المسلمون واجبهم في هذه المرحلة.
د. علاء الدين الزاكي: إن أعظم الأخطار في حالة الانفصال هو إسرائيل؛ لأن العلاقة بينها وبين الحركة قديمة، وهنالك عدة أدلة على رأسها كتاب (إسرائيل وحركة تحرير السودان) للكاتب (موشي فرجي) وهو ضابط متقاعد بالموساد وحدد الاستراتيجية الإسرائيلية في ذلك، وقال هي سياسة (شد الأطراف ثم بترها) لتفتيت العالم العربي، وتهديد مصالحه الاستراتيجية. وقال الكاتب: (واهتمت إسرائيل بجنوب السودان؛ لأنه يمثل عمقاً استراتيجياً لمصر أكبر دولة عربية وهي العدو الأخطر بعد زوال صدام) ، وقد قدمت حكومة السودان ملفاً كاملاً للجامعة العربية بوثائق دامغة تظهر علاقة (قرنق) مع (إسرائيل) .
^: الاتفاقية وفرت ضمانات للجنوبيين الذين يعيشون في الشمال كاستثنائهم من تطبيق الشريعة. مثلاً ما هي الضمانات التي وفرتها الاتفاقية لمسلمي الجنوب الذين يعيشون بالجنوب في ظل دستور علماني واقتصاد ربوي وغير ذلك؟
د. الطيب زين العابدين: هنالك إحصائية قديمة سنة ١٩٥٤م هي التي حددت أن المسلمين ١٨% والمسيحيين ١٧% ونتيجة لبعض التغيرات مثل الحرب التي أضرت بالدعوة جعلت في رأيي الشخصي أن النصارى هم الأكثر ثم الديانات التقليدية الإفريقية، وأخيراً المسلمين؛ ونرى أن المنظمات التي عملت وسط الجنوبيين لها تأثير في الشمال، فنجد حول العاصمة الخرطوم الكنيسة الكاثولوكية وحدها لديها ٨٣ مدرسة والحكومة لا تملك هذا العدد.
د. يوناس بول: ليس هنالك ضمان للجنوبيين الذين يعيشون في الشمال لتطبيق الشريعة الإسلامية، والاتفاقية ركزت الحديث على العاصمة وهي التي تم استثناؤها؛ لأنها محل الحكم، وكل فرد يتقيد بالقانون الذي يسري في المنطقة التي هو فيها، والشمال كله فيه شريعة، وليست هنالك شريعة في الجنوب.
الأستاذ كمال رزق: المسلمون في الجنوب ما عادوا ذلك الكيان الضعيف الهزيل الذي يسهل ابتلاعه، وهضمه. المسلمون في الجنوب اليوم كيان قوي متماسك له مؤسساته الدعوية وبرامجه ووسائله المشروعة في الحفاظ على كيانه والدفاع عن نفسه، وهم ـ كما ذكرت لك ـ يمثلون الأغلبية من سكان الجنوب، ولا بد أن يعملوا لتحويل هذه السلبيات التي ذكرتها إلى إيجابيات تصب في مصلحة الإسلام إن شاء الله.
د. علاء الدين الزاكي: أهملت الاتفاقية تماماً مسلمي الجنوب باعتبارهم أقلية، ولم تحرص على إيجاد وضع لهم في ظل انفراد (قرنق) بالجنوب في حالة الانفصال، ونسيت من وقف معها: كالسلطان إسماعيل سلطان المورلي وغيرهم.
^: ما هو وضع الفصائل الجنوبية خارج الحركة والحكومة التي لم تشملها قسمة السلطة والثروة، وهل ذلك يهدد بتمرد محتمل من هذه الفصائل على حكومة الجنوب أو على السودان عامة؟
د. يوناس بول: الحركة والحكومة هم أصحاب الاتفاق، وبعد أربع سنوات ستكون هنالك انتخابات على كل المستويات، وهي التي تحدد من يحكم السودان في الفترات القادمة، ولهذا أعطي هامش لبقية الأطراف.
الأستاذ كمال رزق: إن الضابط الحقيقي لسلوك الإنسان هو الدين؛ فإذا انعدم هذا الضابط فلك أن تتوقع حدوث كل شيء.
د. علاء الدين الزاكي: أن احتمال التمرد وارد حتى من داخل الحركة؛ لأنها ليست على قلب رجل واحد، حتى ولو تم الانفصال؛ فاحتمال التمرد على سلطة الجنوب وارد لتركيبة الجنوب التي لا يمكن جمعها في كيان واحد.
^: كيف تكون قرارات الرئاسة في ظل الاتفاقية التي تعطي النائب الأول حق النقد لقرارات الرئيس مع صلاحيات متساوية مع الرئيس في اتخاذ القرارات إذا وضعنا في الاعتبار التبيان الثقافي بين الرئيس ونائبه الأول، وكيف يتم تجاوز مثل هذه المعضلات إذا حدثت؟
د. الطيب زين العابدين: الصلاحيات بين الرئيس والنائب الأول ليست متساوية؛ لأنها في أمور محددة نصت عليها الاتفاقية كحالة الطوارئ التي أسيء استعمالها في تقييد الحريات واعتقال الناس دون توجيه تهم أو محاكمة كحالة د. الترابي مثلاً من عام ٢٠٠١م؛ ولهذا من الأفضل ألا يولى هذا القانون لشخص واحد؛ حيث (قرنق) يخاف من استعمال هذا القانون ضده، وكذلك إعلان الحرب؛ لأنها تهم الجنوب، وحل البرلمان الجديد، ومن هذا المنطلق الصلاحيات التي أعطيت إلى النائب الأول لها منطق يسوغها لكن هنالك صلاحيات أخرى لرئيس الجمهورية ليست مقيدة بالنائب الأول.
د. يوناس بول: هذا الجانب مفصل في الاتفاقية وخاص بالقضايا المتعلقة بالاتفاقية، ولا يستطيع الرئيس اتخاذ قرارت بالحذف أو التعديل وإعلان الطوارئ والبرلمان، وهنالك قضايا خاصة بالرئيس تضمن في الدستور الذي يتم مناقشته في الفترة القادمة، والرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يحق للحكومة التدخل في الشأن الجنوبي، باعتبار إدارته تابعة لإدارة الجنوب.
الأستاذ كمال رزق: نرجو أن لا تحدث هذه المعضلات، ويكون هناك توافق في كل شيء، وإذا حدثت فإن لكل حادثة حديثاً.
د. علاء الدين الزاكي: الاتفاقية تنص على وجود مؤسسة الرئاسة ليست رئيساً ونائبه، وهي المعبر عنها بكلمة (presidency) وهذا معناه أن القرار لا يخرج إلا باتفاق الثلاثة، وليس للرئيس وحده الحق في إصدار قرار، وهذا تعزيز لدور (قرنق) .
^: الحكومة تقود مفاوضات على عدة أصعدة مع المعارضين وخاصة الأحزاب الشمالية فأين موقع مجموعة حزب الترابي من ذلك بعد اتهامهم بالمحاولة التخريبية التي خطط لها في نهاية العام الماضى (٢٠٠٤م) ، والتي لا زال بعض المتهمين فيها تحت المحاكمة؟
د. يوناس بول: هذا يعتبر عملاً سياسياً ينتهي مع تطبيق اتفاقية السلام.
الأستاذ كمال رزق: أحزاب المعارضة بما فيها حزب الترابي لهم أجندة خاصة، ولن تستطيع الحكومة أن تلبي مطالب المعارضة مهما بذلت من الجهد؛ لأن المسافات متباعدة جداً فيها.
^: ما هو وضع القوات المسلحة السودانية في ظل الاتفاقية؟ وكيف تقابل حكومة السودان الاعتداءات والتهديدات الداخلية والخارجية للسودان، والجيش السوداني ستكون حاله غير ما عرف عنه قبل اتفاقية السلام من قوه وتدريب وتعداد وتجارب اكتسبها خلال السنين الطويلة في الحروب بجانب الاهتمام الذي وجده في ظل حكومتين عسكريتين (هما: حكومة نميري والبشير) والتي حكمت كل منهما السودان لفترة تصل إلى (١٥سنة) أو أكثر؟
د. الطيب زين العابدين: الاتفاقية أتت ببدعة غير معهودة في جانب القوات المسلحة، فحددت ثلاثة جيوش: الأول: للقوات المسلحة القديمة المعروفة، وحصرت في الشمال، والثاني: قوات (قرنق) في الجنوب، والثالث: قوات مشتركة تقدر بحوالي (٤٠.٠٠٠) أربعين ألف مناصفةً بين الحكومة والحركة ووجودهم في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق والعاصمة، وهذا وضع غريب وقبول الحكومة به غير موفق، ولكن (قرنق) يريد ضمانات لحراسة هذه الاتفاقية.
د. يوناس بول: على حسب الترتيبات يعتبر جيش الحكومة والحركه جيشاً وطنياً، وتنحصر مهمته في التصدي للتدخلات.
الأستاذ كمال رزق: القوات المسلحة السودانية لن تتبدل نظرتها تجاه واجباتها بسبب هذه الاتفاقية، وأحسب أن واجباتها هي حماية الوطن والدين وتدريبها وتأهيلها ينبغي أن يزداد، وأن يتسع ويأخذ بكل ما أنتجته القضية الحديثة، والجيش السوداني لا يقبل الهوان بأي حال من الأحوال، ولا يأكل من الفتات، ولا يحني رأسه للأعاصير والعواصف كما يفعل كثير من طلاب الدنيا.
د. علاء الدين الزاكي: إن اتفاقية الترتيبات الأمنية تعتبر من أخطر الاتفاقيات الموقع عليها، وأخطر ما فيها ما يلي:
١ - احتفاظ الحركة بكامل جيشها، وقد استفادت الحركة مما حدث مع حركة الأنانيا لما سرحت جيشها؛ فقد قال (قرنق) في (رومبيك) عقب التوقيع على اتفاقية الترتيبات الأمنية، كما جاء بصحيفة الاتحاد بتاريخ ٣/١٠/٢٠٠٣م: (إن الحركة الشعبية لن تكرر الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الأنانيا عندما حلت جيشها بعد اتفاقية (أديس أبابا) للسلام؛ مما أعطى الرئيس (نميري) الفرصة لعدم احترام الاتفاق) ، وقال: (إن أكبر إنجاز حققه اتفاق (نيفاشا) للترتيبات الأمنية هو وضع جيش الحركة في مصاف الجيش القومي) ؛ أي أن الحركة سيكون لها جناح سياسي وجناح عسكري.
٢ - والخطر الأكبر هو وضع (١٥٠٠) جندي بالعاصمة فرغت الحركة بعد شهر ونصف من اختيارهم، وهذا يعني أنه تم انتقاء أكثر أعضاء الحركة تأهيلاً وتدريباً ليكونوا قرب الحدث.
٣ - تسريح القوات المسلحة السودانية والتفكير في جيش السودان الجديد مع احتفاظ الحركة بكامل قواتها.
٤ - سحب القوات السودانية التي يبلغ قوامها الآن أكثر من ١٠٠ ألف مقاتل من جنوب السودان إلى حدود ١٩٥٦م، والإبقاء على (١٢ ألفاً) فقط بالجنوب إن شئت قلت رهينة، وهذا كله يعني إضعاف الحكومة وتقوية الحركة، والتمهيد لعمليات خاطفة ربما أوصلت الحركة إلى الحكم وبمعاونة من شارك في وضع هذه الاتفاقية.
^: المناطق الثلاثة، آبيي، جبال النوبة، والنيل الأزرق ما وضعيتها في ظل الاتفاقية؟ وما مستقبلها في حالة تبني الحركة الشعبية خيار الانفصال وهي مناطق إسلامية أو تتجذر فيها الثقافة الإسلامية؟
د. الطيب زين العابدين: منطقة (آبيي) هنالك خلاف حولها منذ الاستقلال، والحكومة قبلت أن يحصل فيها استفتاء بعد ست سنوات، وتمت معاملتها بوصفها وحدة إدارية لها حكم ذاتي تحت إشراف رئاسة الجمهورية، أما جبال النوبة، أو (جنوب كردفان) في التسمية الجديدة، وجنوب النيل الأزرق فليس هنالك خلاف حول تبعيتها لشمال السودان، لكن الحجة أن أبناء هاتين المنطقتين حاربوا مع الحركة لذلك تريد أن تحفظ لهم حقوقهم، وتم معالجة ذلك بإدارة مشتركة. الحكومة لديها النصيب الأكبر، ولكنه شبه استقلال من ولايات الشمال الأخرى، وفي حالة الانفصال أتوقع أن تكون (آبيي) تابعة لجنوب السودان.
د. يوناس بول: هي جغرافياً أو سياسياً تتبع الشمال، وتم حلّ هذه الإشكالية من خلال تعيين الوزراء والولاة في هذه المناطق، يكون بالمناصفة. بمعنى إذا كان الوالي من الحكومة فينبغي أن يكون نائبه من الحركة، وهكذا الاستفتاء ينحصر في منطقة آبيي.
الأستاذ كمال رزق: المناطق الثلاث هذه مناطق إسلامية تماماً، والحَكَم هو التاريخ لمن أراد اليقين، وهي أول من يلتئم مع جسم السودان الموحد، إذا أرادت الحركة الشعبية خيار الانفصال.
^: تناولت الصحف السودانية مؤخراً خلافات في داخل قيادات الحركة الشعبية، ما مدى تاثير ذلك على مسارات الاتفاقية؟
د. الطيب زين العابدين: الصحافة السودانية تشير إلى اجتماع قادة الجيش الشعبي الذي عقد في (رومبيك) بحضور عدد كبير من قوات الجيش الشعبي تقدر بحوالى (١٠٠) مائة من القيادات، ووُجِّه فيه نقد شديد لقرنق لم يتعرض له رئيس حزب سوداني، ويمثل ظاهرة طيبة لما هو موجود في أحزابنا السودانية، ويعكس أن هنالك هلهلة في الحركة الشعبية، وهنالك شعور كأنما قيادات الجيش أقرب لتأييد (سلفاكير) منها لقرنق، وهذه ظاهرة خطيرة، قد تؤدي إلى انشقاقات في الحركة في المستقبل؛ مما يكون له التأثير على تعامل الحكومة في هذه الحالة؛ لأن من مصلحة الحكومة عدم وجود هذه الانشقاقات، وأن لا تتعامل بالانتهازية السياسية والنظرة السياسية الضيقة.
د. يوناس بول: الخلاف شيء طبيعي بين كل الجماعات والأحزاب السياسية، ويكون الخلاف في القضايا التقديرية والسياسية.
الأستاذ كمال رزق: لا شك أن الخلافات داخل القيادة لها أثر سلبي ربما يطيح بكل هذه المكاسب، ويحدث انتكاسة خطيرة.
^: ختاماً: ما الوضع الذي تريده أمريكا وإسرائيل للسودان بعد اتفاقية السلام؟
الأستاذ كمال رزق: أن ينفصل الجنوب فيما أظن.
د. الطيب زين العابدين: من ناحية عامة أمريكا تريد تحقيق قدر من الاستقرار في السودان، حتى لا يكون له تأثير على دول الجوار؛ لأهميتها لأمريكا، وخوفاً من تفريخ جماعات مناهضة لأمريكا، وتقليل مصادر الأصولية الإسلامية، كذلك تريد إرضاء مصر التي لا ترغب في انفصال الجنوب لمصالحها في مياه النيل ودخول سوق النفط السوداني، وسيكون إنجازاً للحكومة الأمريكية أنها استطاعت تحقيق السلام، وإيقاف أطول حرب في أفريقيا، وهذا الظاهر في الأجندة الأمريكية. أما إسرائيل فأجندتها تخريبية، ويمكن أن يكون هنالك اتفاق مع أمريكا في تخفيف الأصولية الإسلامية في السودان.
د. يوناس بول: (إسرائيل) تعتبر عدو العرب والمسلمين، وإهمالهم للجنوب لصالح (إسرائيل) ؛ لأن انفصال الجنوب يصب لصالح إسرائيل، خاصة وأن الجنوب يعتبر منطقة استراتيجية، ولا بد من الوجود الفاعل للجماعات العربية والإسلامية.
د. علاء الدين الزاكي: الواضح من البروتوكولات الموقعة أن أمريكا تريد إقامة دولة علمانية على أنقاض الحكومة الحالية، وتفكيك نظام الإنقاذ الحالي، بفتح ملفات المحاسبة لما سبق خاصة قضايا تملك هذه الدول عليها وثائق، وكان لها الأثر المباشر على هذا الاتفاق: كقضية مبارك، ودارفور، وشرق السودان؛ لأن (نظام الانقاذ) يقوم على أعمدة قوية يصعب مواجهتها إلا بالتفكيك السلمي، كما عبروا عنه؛ فما أن انتهى السلام حتى برزت محاكمة المتورطين في دارفور بأسماء معنية. وبالجملة فإن مباركة أمريكا لهذا الاتفاق يظهر نيتها الواضحة والمشبوهة في السودان، وما لم يحقق بالحرب يحقق بالسلام.
(*) مدير مكتب مجلة البيان في السودان.