أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن خطَّة أمنيَّة جديدة في العراق، بالتعاون مع أصدقائه الأمريكان، والتي يُظهِر فيها تواطؤاً كبيراً مع الأمريكان ضدَّ فصائل المقاومة الجهاديَّة في العراق بشتَّى أشكالها وأطيافها، ومن هذا المنطلق أحببنا أن نستطلع رأي عضو مهمّ في هيئة علماء المسلمين في العراق، وأحد قادة جبهة التوافق العراقيَّة فكان معنا: الدكتور عبد السلام الكبيسي (عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق) ، والدكتور عدنان الدليمي (رئيس جبهة التوافق العراقيَّة) ، حيث أدليا برأييهما تجاه هذه الخطَّة الأمنيَّة الجديدة في العراق، فقال الشيخ الدكتور عبد السلام الكبيسي:
إذا ما أردنا أن نقوِّم الخطة الأمنية نجاحاً أو فشلاً فلا بد من أن نبحث عن مفهوم النجاح في ذهن القائمين عليها، وهنا لا بد من الوقوف على المعادلة في طرفيها:(المقاومة، والاحتلال) فإن السجال الحقيقي هو بين الطرفين؛ غير أن الفرق في هذا السجال أن المقاومة صادقة في توجهاتها وفي بيان أهدافها؛ فهي لا تبتغي مكسباً غير شرعي لها، ولا تسلك إلا الوسيلة الشريفة لتحقيق غايتها المشروعة. أما الاحتلال فهو مراوغ في بيان أهدافه الحقيقية من غزوه لبلدنا وسلاحه، وذلك لعدَّة أمور، منها:
أولاً: قوته الغاشمة التي تجسد أطماعه بحيث تفرض أجندة شريعة الغاب. وثانياً: المتعاونون معه مع الاختلاف في نسب كبيرة بين هدف المحتل وهدف المتعاونين معه؛ فهدف الأول بسط نفوذه كاملاً بعد ترميم منصة الإطلاق لعولمته الاستعمارية التي قضمتها المقاومة عبر الخطة الأمنية لينفرد بالحرث والنسل العراقيين. أما المتعاونون معه فيقايضون هذا التعاون لفرض واقع طائفي عجزوا عنه طوال المدة المنصرمة من زمن الاحتلال مع كل ما اقترفوه من مجازر على الهوية وتهجير وتغيير في المناهج وإقصاء من الحياة العامة والخاصة؛ وهنا لا بد من أن نوضح الآتي:
أولاً: لم تعترف الحكومات المتعاقبة في زمن الاحتلال بوجود مقاومة في العراق، وما اعترفت به أخيراً هو وجود مسلحين يحاربون الحكومة، وفي الوقت ذاته سمحت حكومة الجعفري والمالكي للميليشيات بتنفيذ كل ما تريده من أعمال إجرامية من قتل وتمثيل لم يشهد له التأريخ مثيلاً دون أن تعلن عن إلقاء القبض على فرد واحد من هؤلاء القتلة مع أنهم يفعلون هذا آناء الليل وأطراف النهار. وبالنسبة للتيار الصدري فقد منحته في السابق السلاح والأرض لتحقيق الأهداف الطائفية المشتركة أولاً؛ ولمحاصرته بما يفعله من جرائم من خلال رفع كل القيود عن تحركاته ليلاً ونهاراً دون توجيه أي نصيحة له ثانياً؛ لتتسلم في الخطوة الثالثة قياده وليس القضاء عليه ومن ثم يكون احتواؤه ليبقى بمثابة بندقية للإيجار لصالح أطراف داخلية وخارجية؛ وهذا ما يفسر إخفاء قادة الميليشيات من قِبَل أطراف معلومة في الحكومة.
وفي الجانب الأمريكي فإن الذي أفشل مشروعه الاستعماري في المنطقة والعالم ونقل المعركة إلى داخل البيت الأبيض والشارع الأمريكي هي المقاومة وليس جيش المهدي؛ وما زُوِّد به من سلاح تقليدي فهو موجه ضد الرافضين للاحتلال وحاضنهم؛ وذلك يصب في نجاح المشروع الأمريكي. وحديث السلاح المتطور يأتي من قناعة المحتل بأن هذا السلاح سيوجه ضده في حالة حدوث صِدام مع إيران لكي لا يتكرر الدرس اللبناني في العراق.
ثانياً: لا يمكن أن نفصل بين الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي والأمن العسكري؛ فهي حلقات متصلة واجبة الترتيب والموالاة؛ فالأمن الاقتصادي والعسكري يجب أن يحتل المرتبة الأولى؛ فبدون أمن اقتصادي وعسكري لا ينبغي لأحد أن يحلم بأمن اجتماعي. وبالنسبة للأمن الاقتصادي اليوم لا وجود له؛ فثروات البلد منهوبة بالكامل، فضاع الأمر، ولك أن تعلم أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن الخطة الأمنية تحيل فيه ما يسمى قانون النفط إلى ما يسمى بمجلس النواب لكي يقر في ١٥/٣ في محاولة لذبح صِمَام الأمن الاقتصادي وهو النفط العراقي. وأما بالنسبة للأمن العسكري فإن المفاصل الرئيسة لعسكرة اليوم في جانبيها: الجيش، والقوى الأمنية؛ قد صُنعت على عين المحتل وعين المكونات السياسية الحاكمة بأمر المحتل وهي تحمل كل بذور الحقد والدرن الطائفي، وهل يصح فرض حالة أمنية بأدوات هي ذاتها التي مارست التعذيب الوحشي والقتل على الهوية؟ وكيف يتصور عاقل أن هذه الأدوات قادرة على فرض قانون عدل؟ ثم هل من القانون في شيء أن يوكل لمسؤولي المناطق حرية ذبح من يشاؤون دون أي مساءلة؟ وهذا ما جرى في شارع حيفا والعامرية ومناطق أخرى وما يجري الآن في عرب جبور والدورة. أما بالنسبة للأمن الاجتماعي فقد أُسِّس على لَبِنات لا تصلح لبناء أمن اجتماعي بدءاً من قانون الدولة المؤقت، ومروراً بالانتخابات ونسبها المزورة، وبالدستور الذي هو عبارة عن ألغام قابلة للتفجر والتفجير في أية لحظة؛ لذلك فإن الحديث عن الأمن عبارة عن شبكة صيادين يختبئ أصحابها خلف مسميات قد تنطلي على من يُؤْثرون سلامتهم على سلامة الوطن من الكيانات الحاكمة ليكون الانقضاض أسهل والغنيمة أكبر، وما حدث من اعتقال وقتل لأهلنا في شارع حيفا بعد أن غُرِّر بهم ورجعوا مثال مبسط لذلك، وما قد يحدث من دعوة من بقي حياً على قيد الحياة من الجيش العراقي البطل للرجوع إلى أماكن معلومة بعد أن منَّ الله عليهم بالنجاة من بطش الحكومة والاحتلال قتلاً أو اعتقالاً، ولأن قوام نجاح الخطة أن تقدم الورود للمحتلين ولو بعد فوات الأوان، ويهتف الحجر والمدر بحياة الاحتلال والمؤازرين لهم. ولكن:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف: ٢١] .
أما الدكتور عدنان الدليمي (رئيس جبهة التوافق العراقيَّة) و (رئيس مؤتمر أهل السنَّة في العراق) فقد تحدَّث إلينا موضحاً وجهة نظره في هذه الخطَّة بقوله: جبهة التوافق العراقية حريصة على استتباب الأمن؛ لأن ذلك من مصلحة أهل السنة؛ فالقتل والتهجير والخطف قد وقع عليهم بصور كارثية؛ فآلاف العراقيين السنة قد نالهم القتل، وعشرات آلاف من الأسر السنية قد نالها التهجير، وما يزيد عن المليونين من النخب المختارة منهم قد هَجروا العراق إلى دول الجوار وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً على التركيبة السكانية للبلاد وهو أمر خطير؛ لهذه الأسباب وافقنا على المبادئ العامة التي تضمنتها الخطة، ولما بدئ بتنفيذ هذه الخطة صاحبها اختراق كبير من عناصر الشرطة والجيش التي بيدها تطبيق هذه الخطة، وهذا أمر يخلق الفزع والخوف في أبناء السنة، وبدأنا نتابع هذه الخروقات ونخبر الحكومة عن طريق ممثلينا في غرفة العمليات التي تدير الخطة. نعم! إنَّ الشارع قد هدأ وقل فيه قتل المواطنين أو خطفهم أو سرقة أموالهم أو السطو على البنوك، وهذا جرى بسبب غير مباشر؛ وذلك لهروب قيادات الميليشيات إلى مناطق الجنوب وإلى إيران حسب المصادر الحكومية وغير الحكومية. إن من مصلحة السنَّة نجاح الخطة الأمنية؛ لأنها إن كانت صادقة فستصون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ومن هذا الجانب نحن في جبهة التوافق نرغب في نجاحها، ونحن على صلة بالحكومة ونضغط عليها لتوقف كل الخروقات التي يقع أذاها وضررها على أبناء السنة والمتمثلة بالاستفزازات الطائفية الصادرة من العناصر التي تنفذ هذه الخطة، وبالاعتقالات العشوائية والمداهمات التي تستهدف أبناء السنة وبالعقاب الجماعي وباستخدام القوة المفرطة وسنعمل بكل ما أوتينا من شجاعة وحكمة وعقل لنتدارك ذلك كله ونعمل على استقرار الأمن، ولنحافظ على وجود أهل السنة وحمايتهم والحفاظ على كيانهم والعمل على إطلاق سراح المعتقلين منهم سواء أكانوا عند الحكومة أو عند الأمريكيين. إن الوضع المتردي قد أثَّر على الأعمال التجارية لا سيما في المناطق السنية، فأغلقت المحلات التجارية، وتوقف العمل؛ أضف إلى ذلك ما قامت به الميليشيات من استهداف تجار السنة ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات والأطباء، وهذا كله سنعمل على إيقافه وردعه والحيلولة دون وقوعه؛ فضلاً عن سعينا الحثيث إلى إعادة المساجد المغتصبة وفتح المساجد المغلقة وإعادتها إلى ممارسة عملها في توعية الناس وتربيتهم، وقد تجاوز عدد هذه المساجد المئات في جميع أنحاء العراق. لقد عاهدنا الله على خدمة العراقيين عامة وأبناء السنة خاصة؛ والله يتولانا برحمته وتأييده.