المسلمون والعالم
الإسلامفوبيا والعدالة الأمريكية
(تساؤلات حول الحقيقة المحترقة)
خالد محمد حامد
وسط الغبار المتصاعد من الركام الناتج عن انهيار مبنى التجارة العالمي
بنيويورك وجناح مقر البنتاجون بواشنطن يوم ١١/٩/٢٠٠١م.. تصاعدت
تساؤلات عديدة، وبرزت علامات الدهشة والتعجب حول أكثر من نقطة:
- من وراء هذه التفجيرات؟
- ما أهدافهم منها؟
- كيف نفذوا هذه العمليات بهذه الدقة والكفاءة؟
- هل بهذه السهولة يمكن تهديد أمن أمريكا؟
- أين كانت أجهزة الأمن الأمريكية المتعددة المدربة على أعلى مستوى والتي
أنفق عليها مليارات الدولارات؟
- هل حدث اختراق لمؤسسات رسمية أمريكية؟
- كيف ستعيد أمريكا هيبتها أمام شعبها أولاً، ثم أمام حلفائها وأصدقائها ثانياً،
ثم أمام أعدائها ثالثاً وليس أخيراً؟
تساؤلات كثيرة ومعقدة وخيوط كثيرة ومتشابكة، من المفترض أن حل
ألغازها والوصول إلى إجابات صحيحة لها قد يستغرق شهوراً وربما سنوات
وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن حادث تفجير مبنى أوكلاهوما سنة (١٩٩٥م)
وهو أقل تعقيداً بكثير استغرقت التحقيقات والمحاكمات فيه زهاء ست سنوات،
وتكلفت ١٨٠ مليون دولار.
ولكن المراقبين المحايدين فوجئوا أنه في سرعة مدهشة وربما قبل اكتمال
وصول المحققين إلى أماكن الحوادث أشار المسؤولون الأمريكيون بأصابع الاتهام
وإن أسموه اشتباهاً تجملاً للعدالة إلى جهة محددة ذات صفة معينة، بل إن ذلك قيل
بثقة من الرئيس الأمريكي أو مساعد بارز له وهم على طائرة الرئاسة عقب
التفجيرات مباشرة يوم الثلاثاء، بحسب رواية النائب الجمهوري دان ميلر الذي كان
مرافقاً للرئيس.
ونحن وإن لم نجزم بأنهم بهذه التصريحات أثروا على (اتجاه التحقيق) ، إلا
أنهم بلا شك أطلقوا بتلك الإشارات العنان للآلة الإعلامية ذات النفوذ الواسع على
الرأي العام للتهويل والتحذير مما دعوه (الإرهاب الإسلامي) وحده وإلصاق التهمة
به قبل التثبت من ذلك، ولأجل إحكام إلصاق التهمة وإغلاقه أشاعت وسائل الإعلام
عن أجهزة التحقيق ما قالت عنه إنه أدلة تصب في هذا الاتجاه.
وإذا استطعنا الخروج من تأثير الإرهاب الإعلامي الواسع والناشط باسم
محاربة الإرهاب، والذي يهدف إلى تعطيل أو التأثير على تعقل الأمور، ومن ثم:
الاندفاع خلف عاطفة غوغائية غير متزنة وقائمة على حجب الحقائق لتصب في
تحقيق أهداف معدة سلفاً ... إذا استطعنا الخروج من تأثير هذا الإرهاب فإن المنطق
يقتضي أن نمحص الأدلة التي راجت في وسائل الإعلام لاتهام إسلاميين بهذه
العمليات، وأن نبحث عن احتمالات منفذين آخرين لها، وأن ننقب وراء دوافع
أمريكا أو أهدافها، أو مصالحها من التسارع في إلصاق التهمة بهذه الجهة والتحرك
نحو (المواجهة) بهذه السرعة
ونحن حين نقوم بذلك لا نقوم به من منطلق عاطفة الدفاع عن إسلاميين بحق
أو بباطل بقدر ما نقوم به بحثاً عن حقيقة قد تغيب وسط التراشق الإعلامي
والألاعيب السياسية.
(سيناريو) مضطرب لحوادث غير خيالية:
إن أي منصف ومتابع للأحداث و (التسريبات) التي أعلنتها وسائل الإعلام
على شكل سيل من الأخبار والمعلومات: يدرك أن الغموض يكتنف كثيراً من
جوانب هذه الحوادث، ويدرك أيضاً أن لائحة الاشتباه والأدلة التي قدمت على
تورط الجهة التي حددتها السلطات الأمريكية.. إنما هي أدلة من الناحية القضائية
العدلية من الدرجة الثالثة يستطيع أي محام تحت التدريب أن يفندها بسهولة؛ فهي
في حقيقتها ليست أدلة للإثبات بقدر ما هي أدلة للإقناع.. إقناع الرأي العام
الأمريكي أولاً، والعالمي ثانياً.. بخطر الإسلام (الأصولي) على المدنية
والحضارة، وإقناعه بأن مجريات الأمور رغم كل ما حدث ما زالت تحت سيطرة
أجهزة الأمن والتحقيق الأمريكية، وإقناعه بأن تحركات أمريكا التالية لهذه الحوادث
تحركات مبنية على (العدالة المطلقة) ، ولتثبت أدلة هذه العدالة فيما بعد!
فالشكوك تبدأ من أول نقطة في (السيناريو) المحكي عن الحادث، من كونها
حوادث اختطاف طائرات أصلاً، ومن أن خاطفيها عرب مسلمون، وقد شكك
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج شولتز في هذه النقطة متسائلاً: «منذ
عشر سنوات لم يتم اختطاف طائرة أمريكية؛ فكيف يتم اختطاف (٥) طائرات
خلال ساعة واحدة؟ !» .
- فهناك شكوك في كون تفجير مبنى البنتاجون تم باستخدام طائرة سقطت
عليه، حيث بينت صحيفة (كيهان) الإيرانية - كما ذكر موقع الجزيرة نت -
«أنه وبعد تفجير مبنى البنتاجون ذكر صحفيون أنه لا يوجد أي أثر لحطام طائرة
في الموقع، وشككوا في كون الانفجار ناجماً عن ارتطام طائرة، وخاصة أن
شبكة التلفزة الأمريكية لم توفر حتى الآن أي صورة لحطام الطائرة في مبنى
البنتاجون كما هو الحال في نيويورك» .
- وإذا كان الانفجار حدث بسبب طائرة مختطفة كما قيل فإن هناك تساؤلات
حول الأسباب التي دعت خاطفي تلك الطائرة إلى (التلكؤ) في ضرب المبنى لمدة
٦٠ دقيقة وقد كانوا قرب الهدف المقصود من البداية، وحول كيفية معرفة هؤلاء
الخاطفين بالجناح الذي يضم موظفي عمليات الجيش والبحرية دون الأجنحة الثانوية
الأخرى، رغم أن مبنى البنتاجون ليس مزاراً سياحياً - خصوصاً للعرب
والمسلمين -، وعن السر في عدم أخذ البنتاجون الاحتياطات الأمنية اللازمة رغم
وجود فارق زمني يقدر بـ (٥٥) دقيقة بين انفجار الطائرة الأولى في نيويورك
وانفجار البنتاجون الذي يقال عنه إنه أحصن قلعة في العالم!
- كما أن الطائرة الرابعة التي قيل إنها سقطت بعد شجار مع الخاطفين،
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنها لم تسقط ولكن أسقطت بواسطة مقاتلات أمريكية،
ويؤيد ذلك ما أكدته قناة (TN) من أن إحدى قطع الطائرة المذكورة عثر عليها
على بعد مسافة أربعة أميال من القطع الأخرى للطائرة، وهذا ما يثبت فرضية
إسقاط الطائرة بحسب المصدر السابق ويشكك في رواية الخطف.
- ثم إن منطقة مثلث بوسطن نيويورك واشنطن التي وقعت فيها حوادث
(الاختطاف) والتفجيرات تعد من أكثر الأجواء ازدحاماً، ومن أكثر المناطق في
العالم حماية ومراقبة، ومن الصعب جداً خروج طائرة عن مسارها وقطعها
للاتصالات مع أبراج المراقبة من غير رصد وتتبع لها واستنفار ضدها.
- وتدور علامات استفهام كثيرة حول (عملية الاختطاف) ذاتها؛ فكيف
استطاع عدة أشخاص لا يملكون سوى المدى السيطرة على عشرات الأشخاص بمن
فيهم طاقم الطائرة الذي يفترض أنه مدرب لمواجهة مثل هذا (الشغب) ؟ ولماذا لم
يستخدم الطيارون الأربعة أزرار إعلان حالة الخطر عند إحساسهم بما يدور؟ كما
أن المهارات المهنية التي تتطلبها قيادة طائرات ركاب تجارية كبيرة كالتي نفذت بها
التفجيرات، والتنفيذ الفائق الدقة والكفاءة في إصابة الأهداف وخاصة ما ذكر عن
طائرة البنتاجون؛ حيث أدار قائدها الطائرة بزاوية ٢٧٠ درجة نحو اليمين
وانخفض بها إلى مستوى متدن لا يسمح لأجهزة الرادار برصده وليكون في مستوى
المبنى المنخفض (خمسة أدوار) مما لا يستطيعه سوى الطيارين الحربيين، بل
يصعب على كثير منهم تنفيذه بواسطة طائرة مدنية، على حسب ما ذكره أحد
مدرسي الطيران ... كل ذلك يثير الشك الكبير في الرواية الرسمية عن خاطفين
قادوا الطائرات رغم أنهم من عينة التلميذ بليد الفهم الذي أخذ معه كتاب تعليم قيادة
الطائرات (باللغة العربية) إلى المطار ليراجع دروسه ويتذكر معلوماته قبل دخوله
(الامتحان) ، ثم يتركه في سيارته في مرآب المطار، أو أن يكونوا تدربوا على
قيادة الطائرات باستخدام إحدى ألعاب الفيديوجيم كما افترض بعض الصحفيين.
- وأيضاً من هم الذين يستطيعون معرفة واستخدام «شيفرة أمريكية خاصة،
كما كانوا على علم بمكان الرئيس بوش وبتحديد مكانه، وهو الأمر الذي جعل
السلطات الأمريكية تعلن فيما بعد أن طائرة الرئاسة كانت مستهدفة. وحسب
المعلومات الجديدة فإن معاوني الرئيس ورجال الاستخبارات شعروا بالقلق الشديد
بعدما تبين لهم أن منفذي العمليات كانوا على علم بالشيفرة الخاصة وبمكان وجود
الرئيس ... وأشارت المعلومات إلى أن رجال الأمن المرافقين للرئيس في طائرته
تلقوا رسالة استخدمت فيها الشيفرة الخاصة - ومصدرها من منفذي العمليات! -
بأن طائرة الرئيس ستكون الهدف التالي» (الشرق الأوسط، ١٦/٩/٢٠٠١م) .
خاطفون أم مخطوفون؟
وما سبق يجرنا إلى الحديث عن قائمة أسماء المختطفين الأولى التي أعلنت
سلطات التحقيق الأمريكية أنها لأشخاص عرب على صلة بتنظيم القاعدة وأسامة بن
لادن، لنجد أن إعلان هذه القائمة يمثل إخفاقاً ذريعاً لـ (FBI) مثلما كان الحدث
نفسه سقوطاً مدوياً لـ (CIA) .
فقد ذكرت صحفية (كيهان) الإيرانية «أن الركاب العرب لم يرد لهم أي
ذكر في قائمة أسماء الركاب التي نشرتها شركتا الخطوط الجوية الأمريكيتان،
ويبدو من خلال هذه الشواهد كما أشارت إلى ذلك صحيفة نيويورك تايمز أن
موضوع الاختطاف لم يكن سوى سيناريو غير حقيقي يهدف إلى إخفاء حقيقة كون
الحادث قضية داخلية» .
- ورغم ذلك أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أسماء خاطفين
مزعومين، وذكر حينها روبرت مولر مدير (FBI) أن المكتب «على ثقة كبيرة»
بأن أسماء الخاطفين التي أذاعها ليست أسماء حركية، ولا ندري ما الذي يدعو
(إرهابيين) يملكون كل هذه الإمكانات ويتقنون فنون التزوير والاحتيال وسرقة
الهويات كما يذكر عنهم إلى استخدام أسمائهم الحقيقية وهم يقدمون على عمل بهذا
الحجم، مما يعرضهم للخطر قبل العملية وخاصة أن فيهم من هم على قائمة
المطلوبين من الشرطة الأمريكية ويعرض شبكتهم للملاحقة بعد العملية؟ !
- وبعد ذلك بقليل تهاوت مصداقية هذه الأسماء، عندما ظهر أن أحدها لطيار
مات منذ سنتين (أمير بخاري) ، وبعضها لأناس أحياء يعيشون خارج أمريكا،
وهم: عبد العزيز العمري (مهندس كهربائي بالرياض، وذكر في اللائحة تاريخ
ميلاده بدقة) ، عامر كنفر (مهندس طيار موجود في مكة المكرمة) ، عبد الرحمن
سعيد العمري (طيار موجود في جدة) ، عدنان بخاري (طيار موجود في جدة) ،
أحمد حيدر محمد النعمي (مشرف طاقم ملاحين بالخطوط السعودية بالرياض) ،
سعيد حسين الغامدي (طيار سعودي موجود في تونس، وكانت الصورة المنشورة
له حقيقية، وأعلن أنه لم يفقد جواز سفره سابقاً) ، وممن أعلن اسمه ضمن قائمة
المشتبه في ضلوعهم بالتفجيرات أيضاً الطيار السعودي (وليد أحمد الشهري) الذي
نشرت صورته (صورة حقيقية له بالفعل) ، ثم تبين عدم صلته بالهجمات وأنه
مقيم في المغرب حيث يعمل في الخطوط المغربية، وقد تم تقديم اعتذار أمريكي
رسمي له فيما بعد!
- وهذا مما يشكك ليس في هذه الأسماء فحسب، بل في حقيقة جميع الأسماء
المعلنة للخاطفين، ويطرح تساؤلات قوية ومشروعة حول الأساس والمصدر الذي
تم بناءً عليه إعلان هذه الأسماء، كما إن هذه الشكوك تزيد الغموض حول الهوية
الحقيقية للخاطفين (أيكونون عرباً ومسلمين أم غير ذلك؟) وتعيد الافتراضات مرة
أخرى إلى نقطة الصفر.
- كما أن السيرة الشخصية التي ذكرتها أجهزة الإعلام لبعض هذه الأسماء لا
تتناسب أبداً مع الاتجاه الفكري والأخلاقي الذي يُزعَم انتماؤهم إليه؛ فليس معروفاً
في أوساط الإسلاميين أن من بينهم من يشرب الخمور ويرتاد ملاهي ليلية ويراقص
النساء ويحتفظ بصورة (زعيمه) على سبيل الذكرى، إنما يوجد ذلك فقط في
مخيلة من اعتادوا رؤيته في أوساط (المنظمات النضالية) العلمانية والميكيافيللية،
ومن أجل ترقيع هذه الثغرة ودرء هذا التعارض خرج بعض المحللين والكتَّاب
بتفسير سمج يدَّعي أن مثل هؤلاء يعيشون بشخصيتين في الحياة: شخصية
المتكيف مع الحياة الأمريكية، وشخصية الورع صاحب المبدأ، وهو افتراض قائم
على محض التخمين؛ حيث لم يعايش من يذكر ذلك هؤلاء الأشخاص ويطلع على
الجانب الآخر من حياتهم الذي يدَّعي وجوده، وهذا التفسير فوق خياليته يجعل كل
منتسب إلى الإسلام إرهابياً افتراضياً حتى ولو كان من أفسق الناس.
- ولو افترضنا جدلاً أنه كان على الطائرات المتفجرة أشخاص عرب
ومسلمون بالفعل؛ فما الذي يثبت أن هذه الطائرات تم اختطافها؟ وإذا ثبت ذلك فما
الذي يثبت أن هؤلاء العرب والمسلمين هم الذين اختطفوها، فحتى لو زعم أنه
ظهرت تسجيلات شجار دار بين أصوات عربية وأخرى في غرفة القيادة: فلماذا
يستبعد احتمال أن هؤلاء العرب كانوا هم الذين يقاومون مختطفين آخرين؟ وإذا
ثبت جدلاً أن هؤلاء العرب هم الخاطفون فهل يعني ذلك تلقائياً أنهم ينتمون إلى
جماعات وتنظيمات إسلامية؟ ، ألا يمكن أن يكونوا عملاء لجهة غير عربية؟ ثم:
أليس في العرب من يعادي أمريكا غير هذه الجماعات؟ وخاصة في ضوء عدم
صدقية الأسماء المعلنة وذوبان الجثث مما يصعب إن لم ينف إمكانية التعرف على
حقيقة انتماء هؤلاء الأشخاص، وإذا افترضنا أن هؤلاء الخاطفين ينتمون إلى
جماعة أو أخرى فهل يعني ذلك بالضرورة أنهم نفذوا تلك العمليات بناء على
مخططات تلك الجماعة وأوامر قائدها؟ ألا يمكن أن يكونوا تصرفوا بصورة فردية؟
إننا هنا في معرض اتهام ينبني عليه إدانة أو براءة، ليس لأشخاص، بل
لجماعات وربما لشعوب ودول، بمعنى أننا في معرض تحقيق (عدالة) لا يكفي
فيها مجرد الزعم بحدوث اتصال هاتفي (يتطور مضمونه حسب معطيات ما بعد
الحادث) بين راكب وأحد أقربائه أو أصدقائه، ولا يكفي فيها أيضاً مجرد وجود
اسم عربي في سجلات معاهد الطيران؛ فهناك المئات من العرب والمسلمين
وأصحاب الجنسيات والديانات الأخرى الذين يتدربون في مدارس عديدة للطيران
في أنحاء أمريكا.. ولا بد قبل إعلان اسم مشتبه فيه أن تتوفر قرائن أو أدلة قوية
تؤكد ذلك، وهذا ما دعا بعض المسؤولين في (FBI) إلى الإقرار بأن عدداً من
أسماء قائمة التسعة عشر المعلنة أولاً ربما يكون الخاطفون استخدموها بعد سرقة
هوياتهم، وأن أسماءهم الحقيقية قد تظل مجهولة.
ومع ذلك فإن السياسيين والعسكريين مصحوبين بتظاهرات إعلامية كبيرة لا
ينتظرون حتى انتهاء التحقيقات، وتتسارع جهودهم لتوجيه الضربات للجهة التي
حددوها من قبل بدء التحقيقات.. غير معتبرين بتجربة حادث أوكلاهوما عندما
أشارت أصابع الاتهام بتلقائية إلى المسلمين، بل تبارى (الخبراء) في تقديم الأدلة
على ذلك، ثم اتضح بعد ذلك أن الجاني أمريكي (مسيحي) (أبيض) ، وبعد
القبض على الجاني الحقيقي (مصادفة) وإجراء تحقيقات ومحاكمات استمرت ٦
سنوات، وقبيل تنفيذ حكم الإعدام في المدان (تيموثي ماكفي) اعترف مدير
(FBI) وقتها لويس فريه بارتكاب مكتبه أخطاء كبيرة لعدم تقديم جميع مستندات
الأدلة (والتي تقدر بالآلاف) إلى محامي المتهم المدان!
ويشار أيضاً إلى قضية العالم الصيني الأصل (وين هو لي) الذي اتهمه
(FBI) بالتجسس وتسريب التصاميم النووية إلى الصين، فأودع السجن لمدة
تناهز العام، ثم أخلي سبيله بعد أن تبين للقاضي أن الإفادات التي تقدم بها بعض
رجال (FBI) كاذبة.
ولم يعتبر السياسيون والعسكريون - ومعهم جوقة الإعلاميين - من تجربة
قصف مصنع أدوية الشفاء بالسودان عقب تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا،
حيث أكدوا وقتها أن لديهم (أدلة قاطعة) على أنه مصنع أسلحة كيماوية، وأن
صاحبه على علاقة بابن لادن، وبعد قصفه اعترفوا بخطأ أدلتهم واعتذروا عن
قصفه ودفعوا تعويضات لصاحبه.
ولكن يبدو أن الأمر يتجاوز هدف الوصول إلى الحقيقة، فبحسب الخبراء فإن
الكشف عن الفاعل الحقيقي سيستغرق وقتاً طويلاً، وبعد هذا الوقت أيضاً لن
تستطيع الأجهزة الأمنية أن تجزم واثقة بأن هذه الجهة بعينها أو غيرها هي التي
نفذت أو خططت للعملية.
ولكن في الوقت نفسه لا بد من استعادة هيبة أمريكا في العالم واستعادة إحساس
المواطن الأمريكي بالأمان وبقوة دولته.. في أسرع وقت.. لذا: كان لا بد من
تحديد جهة ما تفرغ فيها طاقة الغضب والثأر الأمريكي، ثم: ليكن إثبات مسؤولية
هذه الجهة فيما بعد.
من أحرق أمريكا:
ما ذكرناه سابقاً عن (السيناريو) المضطرب والأدلة المتهافتة يشير إلى أن
رواية الاختطاف قد تكون غير صحيحة، وأنها ذكرت لعدة أهداف: منها: ما ذكر
سابقاً من استعجال إرسال ضربة تعيد هيبة أمريكا وتطمئن مواطنيها، ومنها: ما
ذكره بعض المراقبين من أنه قد تكون للتغطية على احتمالات أخطر بكثير من
(سيناريو الاختطاف) ، كمحاولة انقلاب، أو حدوث انشقاقات وصراعات داخل
أجنحة السلطة والأجهزة الأمنية الأمريكية ذاتها، أو ضلوع جهات أجنبية أخرى لا
يسمح بالكشف عنها الآن.
وعموماً فإننا إذا قلنا إن تورط جهات إسلامية في هذه الأحداث احتمال وارد
فإننا نستطيع القول أيضاً إنه ليس الاحتمال الوحيد وليس هو الاحتمال الذي يحتل
رأس القائمة؛ فكون بن لادن أو غيره لهم دوافع للقيام بمثل هذه الحوادث أو أنهم
توعدوا أمريكا قبلها وابتهجوا بفاجعتها بعدها.. لا يعد ذلك مسوغاً كافياً لاتهامهم بها،
ولا لحشد عاطفة الغرب ضدهم، ثم حشد جيوشه لحربهم؛ فليس بن لادن ولا
العرب أو الإسلاميون وحدهم الذين لهم دوافع عداء مع أمريكا، فأعداء أمريكا
وخصومها كثر داخلها وخارجها، ومن توعدوا بإحراق أمريكا كثر أيضاً ومن
مشارب وأديان شتى، ومن ابتهج بهذه الحوادث متنوعون: صينيون وعرب ويهود!
وحدهم الإسلاميون والعرب الذين سلطت عليهم الأضواء وأشارت إليهم الأصابع
من أول يوم، وهذا يجعلنا نعيد إضاءة الاحتمالات الأخرى التي حجب عنها الضوء
وصرفت عنها الأنظار عمداً؛ لأن المنطق والتحليل السياسي يفترض طرحها ضمن
الجهات المحتمل وقوفها وراء الهجوم، مع ملاحظة أن ترتيب الاحتمالات التالية لا
يعني ترتيبها حسب قوتها:
أولاً: فأولى هذه الاحتمالات: أن يكون الطيارون أنفسهم هم الذين قاموا بهذه
التفجيرات، حيث يجمع الطيارين الأربعة (تشارلز برلينجيم، وجو أجوتاوسكي،
وفيكتور ساراسيني، وجيسون داهل) كونهم ضباطاً سابقين في سلاح الجو
الأمريكي (طيارين مقاتلين) ، ثلاثة منهم شاركوا في حرب فيتنام، والرابع قتل
أخوه في الحرب نفسها، مع ملاحظة حدوث تناقض في المعلومات بشأنهم بين تلك
التي نشرتها عنهم شركتا الطيران اللتان كانوا يعملون فيهما وبين المعلومات التي
نشرتها الشرطة الفيدرالية الأمريكية، وهذا يفسر المهارة (القتالية) التي نفذت بها
العمليات، كما يفسر عدم استخدامهم لأزرار حالة الخطر أو الطيران الآلي، كما
يفسر ما ذكر عن أن (الخاطفين) استطاعوا فك واستخدام الشيفرة الأمريكية
الخاصة، وهو ما لا يستطيعه إلا أشخاص نافذون على مستوى عال في الأجهزة
الأمريكية، وهو اختراق يصعب جداً إن لم يكن مستحيلاً أن يقوم به خاطفون
(أجانب) أو شركاء لهم أجانب أيضاً.
أما دوافع هؤلاء الطيارين وهوية الشبكة التي تقف وراءهم ويعملون فيها،
فهي احتمالات متعددة أيضاً:
أ - فقد يكونون طليعة الانقلاب العسكري (المفترض) أو أحد أدوات
الصراع بين أجنحة السلطة أو أجهزة الأمن المتنافسة التي تريد بسط نفوذها أو
إحراج خصومها بتحدي السلطة الأمريكية؛ لإثبات أن هذا الجناح هو الذي يملك
السلطة الحقيقية في أمريكا.
ب - وقد يكونون أعضاء في مجموعات ومنظمات معارضة داخلية، كمنظمة
(الجنود المعارضين لحرب فيتنام) ومنظمة (أعداء الإمبريالية) .
ج - وذكرت صحيفة الوطن القطرية (١٧/٩/٢٠٠١) أن مصادر غربية
مطلعة (جداً) سربت لمراسلها في لندن «أنباء عن توفر معلومات دقيقة لدى
القيادة الأمريكية بأن طيارين من الصرب من الموالين للرئيس اليوغسلافي السابق
سلوبودان ميلوسوفيتش هم الذين نفذوا العمليات الانتحارية الأخيرة انتقاماً من
الولايات المتحدة لدورها في حرب البلقان أولاً، وأيضاً لإجبارها الإدارة
اليوغسلافية الحالية على تسليم الرئيس السابق لمحكمة مجرمي الحرب في لاهاي.
ووفقاً لمصادر عليا فإن الطيارين الصرب يحملون الجنسيات الأمريكية، وأن الأمر
أعد ورتب بالاتفاق مع أطراف داخلية مهمة تدين بالولاء لميلوسوفيتش الذي يقال:
إنه أقسم على أن يجعل الولايات المتحدة تدفع ثمن كل يوم يمضيه في السجن
بلاهاي» .. لماذا يفترض الأمريكان أن الطيار المصري جميل البطوطي الذي
سقطت أو أسقطت طائرته قبالة الساحل الأمريكي الشرقي.. هو وحده الذي يمكن
أن ينتحر، رغم أن جيمع المعطيات لا تشير إلى هذا الاحتمال سوى ما ذكره
الأمريكان من أنه قال: (توكلت على الله) ؟ !
- وقد يكون الطيارون أعضاء في إحدى المنظمات اليمينية المتطرفة، وهي
منظمات متعددة ومتشعبة ومسلحة تسليحاً جيداً، ويتغلغل أعضاؤها المقدرون
بالآلاف في مؤسسات المجتمع الأمريكي، ولأهمية هذا الاحتمال نفرده بحديث
خاص.
ثانياً: فاحتمال أن يكون أعضاء في هذه الجماعات قاموا بهذه العمليات
(سواء كانوا طيارين أم خاطفين) احتمال لا يمكن تجاهله، فهذه الجماعات تضم
آلاف المنظمات التي تتعدد في أشكالها وخطاباتها السياسية وحركاتها، وفوق أن هذه
المنظمات تضم عشرات الآلاف من الأمريكيين فإنها تشكل ميليشيات مسلحة،
وتقوم بتدريب أعضائها على استعمال السلاح والمتفجرات الحية في معسكرات أو
مزارع خاصة أو غابات.
وبحسب كتاب (جنود الله - اليمين العنصري والديني المتطرف في أمريكا)
فإن هذه الجماعات تجمعها مبادئ مشتركة، أهمها:
أ - سمو العرق الآري الأبيض (الأنجلوساكسون الجرمان الغال
الإسكندنافيون، التيتونيون) باعتبارهم وحدهم أبناء آدم (عليه السلام) ؛ ومن ثم:
فإنهم يعدون العرق الأبيض هو شعب الله المختار، ويعدون أمريكا هي إسرائيل
البيضاء، وعلى ذلك فهم يقاومون اختلاط الأعراق الذي تسوغه التعددية الثقافية
وعملية الصهر داخل المجتمع الأمريكي.
ب - الهوية المسيحية هوية دينية، بمعنى أن أمريكا المسيحية هي إسرائيل
الحقيقية وريثة مملكة يهوه إله الكتاب المقدس التي تطبق قوانين يهوه.
ج - الهوية القومية الأمريكانية: لتكون أمريكا أمة آرية بيضاء مسيحية
خالصة: لا بد من تحريرها من جميع الأعراق والأديان الأخرى؛ ولذا: فهم
يشعرون بفخر وطني شاذ، وأن لديهم تفويضاً إلهياً بهذا التحرير.
د - تقديس الحريات الفردية، وعلى رأسها: الحرية الدينية، وحرية التعبير،
وحرية حمل السلاح، وحق الدفاع عن النفس، وحق تقرير المصير، ويرون أن
هامش الحريات في مجتمعهم خاضع لأهواء الحكومة الفيدرالية.
ومن تفاعل المبادئ السابقة لدى تلك الجماعات فإن أفرادها يعتقدون أنهم
مستعمرون في ظل حكومة شيطانية ماسونية صهيونية تصادر حرياتهم وتحكمهم
بأسلوب ديكتاتوري بهدف السيطرة على أمريكا لصالح اليهود، ضمن مخطط عالمي
تديره الأمم المتحدة يهدف إلى القضاء على الجنس الآري أو إخضاعه على الأقل.
لذا فهم يرون أنه: يجب الانفصال عن هذه الحكومة وعن غير البيض
ومقاومتهم والثورة عليهم ولو بالعنف المسلح وتشكيل مؤسسات حكومية خاصة،
فينص يمين الولاء الذي يقسمه أفرادها على الآتي: «نقسم بأن واجبنا المقدس هو
أن نقوم بكل ما هو ضروري لتحرير شعبنا من اليهود وتحقيق النصر الكامل للعرق
الآري.. إننا نتعهد بدمائنا ونعلن أننا في حالة حرب كاملة» .
ومن ثم: فقد شجعت هذه الجماعات العمل المسلح، وشاع فيها ثقافة العنف
والعنصرية والانتحار، بل إن بعض قادتهم أعلنوا مراراً أن الحرب الأهلية
الأمريكية لم تنته، وأن هناك ثورة أمريكية ثانية، وأنهم يعدون العدة للزحف نحو
واشنطن! وقد انخرطت هذه التنظيمات في عمليات عنف وقتل عديدة وخطيرة،
ليوجهوا الكراهية والعداء وأعمال العنف ضد رموز الحكومة الفيدرالية وضد
الأقليات العرقية والأجانب.
وهناك ثلاثة حوادث عنف كبرى تسجل في ملف هذه الجماعات:
الأول: عام ١٩٩٢م وعرف باسم حادث روبي ريدج وأسفر عن مقتل ثلاثة
أشخاص.
الثاني: عام ١٩٩٣م، وعرف باسم حريق مجمع الديفيديين في واكو بتكساس،
وأسفر عن مقتل أكثر من ثمانين شخصاً معظمهم من الديفيديين، الذين يقال إنهم
انتحروا حرقاً.
والثالث: انفجار المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما عام ١٩٩٥م، وأسفر عن
مقتل ١٦٨ شخصاً وجرح ٥٠٠ آخرين.
وقد اعترف (تيموثي ماكفي) مدبر انفجار أوكلاهوما بأنه قام بهذا العمل
انتقاماً وثأراً لمقتل الديفيديين في واكو (قام به في يوم ١٩/٤ يوم الذكرى الثانية
للحادث، وليلة ميلاد الزعيم النازي هتلر ٢٠/٤/١٨٨٩م) ، حيث كان عضواً في
ميليشيا ميتشجان، كما إنه أعلن مراراً حتى ساعة إعدامه: عدم إبدائه أي ندم أو
أسف على سقوط ضحايا، مبيناً أكثر من مرة أنه قام بهذا العمل «للحد من سوء
استغلال الحكومة للسلطة؛ إذ أخفق الآخرون في وقف القوة المتغطرسة التي تعربد
بلا حدود» ، وموضحاً أنه «قرر مخاطبة الحكومة بلهجتها» ، وأضاف قائلاً:
«قررت أن أبعث برسالة إلى حكومة تزداد عداء، بتفجير مبنى حكومي والموظفين
الذين يمثلون الحكومة بداخله!» .
ونأتي إلى حوادث تفجير نيويورك وواشنطن لنجد أنها ذات دلالات رمزية لا
تهمل:
أ - فالحوادث وقعت في أمريكا وحدها رغم اشتراك دول غربية أخرى وحلف
الأطلسي في مقومات العداء، وكان يمكن لمن في هذا المستوى من الدقة والتنسيق
من القيام بضربات في دول أخرى لإيصال رسالة أعمق.
ب - والحوادث من أكبر ما شهدته أمريكا لمناطحة غطرسة حكومتها وإسقاط
هيبتها، وطالت رموزاً واضحة لهذه الغطرسة وتلك الهيبة، عندما استهدفت مبنى
البنتاجون رمز القوة الأمريكية، واخترقت النظام الأمني الأمريكي.
ج - كما أنها دمرت مركز التجارة العالمي الذي يعد رمزاً للعولمية وذوبان
الجنسيات والقوميات في مكان واحد، ويعد أيضاً رمزاً للسيطرة اليهودية المالية.
د - كما أنه لم يعلن أحد مسؤوليته عن الهجوم مثلما لم يعلن ماكفي عن
مسؤوليته (إن كان وحده) عن تفجير أوكلاهوما.
هـ - ومن هنا: يمكن توزيع الاتهامات على (أجانب) أو (غير مسيحيين) ،
وشن حملات كراهية وعنف ضدهم لحملهم على الخروج من أمريكا وتطهيرها من
دنسهم!
و وأيضاً فإن هذه التفجيرات مدعاة إلى الدعوة إلى المحافظة على وإحياء
حق تسلح الأفراد، بدعوى وجود خطر عليهم وعلى حياتهم، وهو ما يشير إلى
التقاء مصالح اليمين الأمريكي مع مافيا السلاح القوية والنافذة.
ز - ونفذها انتحاريون مدعومون بقدرات وإمكانات واسعة ودعم لا ينقصه
التغلغل داخل المجتمع الأمريكي واختراق المؤسسات الرسمية.
ح - وقد جاءت التفجيرات بعد تنفيذ حكم الإعدام في ماكفي الذي فجر
أوكلاهوما ثأراً لحريق معسكر واكو.
وهذا الاحتمال ذهب إليه (توماس جرومكه) الخبير الألماني في شؤون
اليمين الأمريكي، حيث ذكر في حوار مع جريدة (ديرتاجيس شبيجل) نقل
ملخصه موقع محيط أن لديه معلومات بأن سلطات الأمن الأمريكية تقوي تحرياتها
في اتجاه مسؤولية اليمين المتطرف المعروف بالتعصب وبالأيديولوجية المتطرفة
اللازمة للقيام بمثل هذا الهجوم (الكاميكازي) ، ولديهم أيضاً الإمكانيات
الاستراتيجية الهائلة، مضيفاً أن الدقة غير العادية التي تم بها الهجوم تتجاوز قدرة
المنظمات الإرهابية العادية، كما أنها تشير إلى استحالة إتمام هذه العمليات بدون
مساعدة عديد من الأمريكيين الذين يشغلون مناصب حساسة في الأجهزة الأمنية
بصورة كاملة، وليس فقط عن طريق الدعم اللوجيستي الهائل الذي يمكن من خطف
عدة طائرات في وقت واحد، بل أيضاً الهروب من أجهزة الرادار، وهذا أمر غير
ممكن بدون خبرة تكنولوجية عالية من داخل المؤسسات الأمريكية نفسها ... مضيفاً
أنه لا يمكن المرور هكذا وبسهولة فوق البنتاجون بدون أن يشعر بك أحد! !
ويضيف جرومكه أن اليمين المتطرف متغلغل بالجيش بصورة كبيرة،
ويحصلون على تعاطف غير محدود؛ مما يمكنهم من الحصول على دعم لوجيستي
كبير، كما يستبعد وجود تعاون بين هذه المنظمات ومنظمات شرق أوسطية ...
ويضيف أن إليكس تورتس مؤسس جماعة (المراقب الوطني) كان قد عرض على
الإنترنت أدلة تشير إلى قدرته على إنتاج أسلحة بيولوجية، بينما تم القبض منذ
عامين على أحد أعضاء منظمة (أمة آريان) وهو ينقل فيروسات (الجمرة الخبيثة)
في سيارته.
والاحتمال نفسه رجحه جان فرانسوا جوزان أحد أبرز المتخصصين في
الإرهاب الدولي والخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس، وذلك في
حديث مع صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية.
ثالثاً: وليس اليمين الأمريكي وحده الذي يملك إمكانات القيام بمثل هذا العمل
ويتغلغل أفراده في نسيج المجتمع الأمريكي، فهناك أيضاً جهاز الموساد الإسرائيلي
واليهود الأمريكان؛ فمن المعروف أن الموساد متغلغل في الأجهزة الأمنية الأمريكية،
من خلال وجود اليهود باعتبارهم مواطنين أمريكيين في أعلى المناصب والمراكز
الأمريكية الحساسة، ويتيح لهم ذلك الوجود التحرك والتنسيق والعمل بهدوء ومن
غير إثارة شبهات.
ويشار هنا إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين ومنهم وزير الدفاع ألمحوا إلى
احتمال وجود دور لدولة ما في الاعتداءات؛ وإن كانوا بالطبع لا يقصدون إسرائيل
وفي الاتجاه ذاته أكد الخبير العسكري (الإسرائيلي) الذي تم تعريفه باسم
(ميراري) في حديث للإذاعة العبرية صباح يوم ١٢/٩ استحالة وقوف منظمة
لوحدها وراء تلك الهجمات، مشيراً إلى أن هناك دولاً تقف وتدعم تلك المنظمات
في تنفيذ عملياتها، ذاكراً العراق بالاسم، الذي أضاف إليه بعض المسؤولين
الآخرين: إيران وليبيا.
وتأكيد أن يكون لدولة ما دور في الأحداث يصاحبه تجاهل تام لاحتمال أن
تكون هذه الدولة هي (إسرائيل) باعتبار أن ذلك غير وارد (بداهة) لعلاقة
إسرائيل الخاصة والمعروفة بأمريكا، ولكن (سوابق) اليهود الإرهابية قبل قيام
(إسرائيل) وأثنائه وبعده، والتي تم فيها تصفية أصدقاء - بل يهود - بأيدي أجهزة
مخابراتهم لتحقيق مصالح محددة وأهداف بعيدة تجعلنا نقف أمام هذه (البداهة)
موقف الريبة والشك.
وإذا كان للمذكورين في الاحتمالات السابقة دوافع للقيام بمثل هذه التفجيرات
فإن لـ (إسرائيل) مصالح من ورائها، أهمها:
١ - تخفيف الضغط السياسي والإعلامي عن (إسرائيل) ، وصرف الأنظار
عن الممارسات الصهيونية في فلسطين، واستغلال الفرصة لتصفية الانتفاضة بلا
رحمة، بل لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
٢ - وضع الحركات الجهادية في فلسطين في مأزق عدم القيام بعمليات سوف
ينظر إليها العالم كله على أنها إرهاب مماثل لما تم في أمريكا، ومن ثم: يكون لدى
الصهاينة مسوغ أخلاقي وسياسي - من وجهة نظر غربية لتصفية الفلسطينيين
الناشطين بلا هوادة.
٣ - تجييش العالم - وخاصة الغربي ضد الحركات الإسلامية بزعم أنها
منظمات إرهابية يجب محاربتها؛ وبذا: يخسر العالم الإسلامي المقاوم الحقيقي
للخطر الصهيوني.
٤ - قطع الطريق على تحول الرأي العام الغربي نحو تفهم أفضل لمأساة
الفلسطينيين، وخاصة بعد ممارسات شارون الأخيرة، وذلك عن طريق تشويه
صورة العرب والمسلمين جميعاً.
٥ - تعضيد التيار الأصولي المسيحي في الإدارة الأمريكية الذي يرى
ضرورة دعم إسرائيل لإقامة إسرائيل الكبرى وإعادة بناء الهيكل المزعوم للتعجيل
بمجيء المسيح، وذلك بإشعال عدائه للإسلام والمسلمين أكثر مما هو مشتعل.
وهكذا انطلق القادة الصهاينة في يوم الحادث نفسه لاستغلال الحدث استغلالاً
سافراً، ولقطف ثمار هذه العمليات: ففي اليوم نفسه أعلن وزير دفاعهم أن
(الإرهاب الإسلامي) هو المسؤول عن هذه العمليات، وكأنه يريد صرف الأنظار
عمداً عن احتمال تورط يهود في التفجيرات ويسابق لإلصاقها بالمسلمين لتحقيق
الأهداف السابق ذكرها.. ثم رأينا اليهود ينطلقون عقب الحادث مباشرة على ثلاثة
محاور لاستثمار الحادث:
الأول: محور عسكري سياسي لاقتناص (الفرصة الذهبية) «للقضاء على
أوكار الإرهاب، عصاباتٍ ودولاً» على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق نتنياهو
الذي عددها قائلاً: «السلطة الفلسطينية أولاً، ثم حزب الله وإيران والعراق
وأفغانستان، وغيرها!» ، وفي إطار هذا التحرك علت أصوات سياسييهم
وعلى رأسهم شارون بالدعوة «لإقامة تحالف يضم كل الدول ذات الحضارة
الديمقراطية لمكافحة الإرهاب» ، وأضاف بعضهم كلمة الإرهاب العربي، وبعضهم
الآخر كلمة الإرهاب الإسلامي.
الثاني: محور إعلامي عالمي؛ حيث يملك اليهود معظم وسائل الإعلام،
نشطوا فيه لتشويه صورة المسلمين والعرب والطعن في دينهم وحضارتهم بكل
وسيلة، وتسعير حملة كراهية وعداء للمسلمين والعرب.
الثالث: إظهار التعاطف مع الشعب الأمريكي والألم لما حدث له بإرسال
المساعدات الإغاثية، وعرض خدماتهم الإنقاذية والأمنية التي استفادوها من مواجهة
(الإرهاب الإسلامي والعربي) ، والتركيز على أنهم والأمريكان ضحايا عدو واحد
ويقفون في خندق واحد، ضد ذلك الإرهاب.
وفي هذا الإطار تطرح عدة تساؤلات تثير الشكوك حول عدم نفي احتمال
تورط (إسرائيل) وجهاز (الموساد) في هذه الأحداث، ومن تلك التساؤلات:
١ - هل هناك علاقة لهذه التفجيرات بتهديد كان رئيس الوزراء الأسبق
نتنياهو قد أطلقه عام ١٩٩٨م بأنه سوف يشعل النار في قلب واشنطن لبيل كلينتون
إذا أجبرت الإدارة الأمريكية على ممارسة الضغوط على إسرائيل للقبول بمبادرتها
المتعلقة بالانسحاب من الضفة الغربية.
فما هي النار التي كان يقصدها نتيناهو؟ وهل يهدد رئيس وزراء دولة بما لا
يمكن لهذه الدولة فعله؟ ! ولماذا يهدد حليف حليفه؟
وجدير بالذكر أن بعض الأنباء الصحفية ذكرت أن مصادر في الإدارة
الأمريكية كشفت عن أن وزير الخارجية الأمريكي كان سيعلن في خطابه أمام الدورة
السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة سلام أمريكية ترتكز على تأييد فكرة قيام
دولة فلسطينية، لكن تفجيرات نيويورك وواشنطن حالت دون ذلك بعد أن ألغيت
الجلسات برمتها (الشرق الأوسط، ٣/١٠/٢٠٠١م) .
٢ - ومن هذه التساؤلات: ما ذكر عن علم أجهزة المخابرات الإسرائيلية
السابق بهذه التفجيرات، وتورَد حول هذه النقطة معلومتان:
الأولى: ما ذكرته صحيفة (معاريف) الإسرائيلية يوم ١٣/٩ من أن مصدراً
أمنياً إسرائيلياً نقل إلى جهات استخبارية أمريكية تحذيرات عن احتمال وقوع
عمليات تفجيرية قوية في الولايات المتحدة ضد أهداف أمريكية، ونقلت (معاريف)
عن صحيفة (إيل يوليو) الإيطالية الصادرة في اليوم السابق أن جهاز المخابرات
الخارجية الإسرائيلي (الموساد) كان أول من حذر الأسبوع الماضي من احتمال
انتقال ما وصفها بالأعمال الإرهابية من الشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية
والولايات المتحدة.
ومن الممكن جداً أن يكون نقل هذه التحذيرات إلى أمريكا دون تحديد دقيق لها
هو لمجرد (إيجاد يد) على أمريكا من غير تأثير على العمليات نفسها التي تم
تعميتها تماماً.
الثانية: ما نقلته صحيفة (الحياة) اللندنية يوم ١٥/ ٩ عن صحيفة (يديعوت
أحرونوت) الإسرائيلية من أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رفض قبل
أسبوع طلب رئيس الحكومة إرييل شارون السفر إلى نيويورك للمشاركة في
مهرجان تضامن مع إسرائيل أعدت له المنظمات اليهودية والوكالة اليهودية، وكان
مفروضاً أن يبدأ في ٢٣/٩، ويضيف المعلق (الإسرائيلي) برنياع: أن منظمي
المهرجان التضامني الذين سعوا إلى تجنيد الأموال لدعم الدولة العبرية من خلال
حضور مئة ألف يهودي من أرجاء الولايات المتحدة كافة، اتفقوا رسمياً مع رئيس
الحكومة أن يكون هو الخطيب في الافتتاح، وهو عبر عن غبطته ووقَّع شخصياً
بطاقة الدعوة.. ويضيف: أن قادة (الشاباك) فاجؤوا المنظمين بإبلاغهم رفضهم
ظهور شارون في اجتماع حاشد «لأن مكان عقده يشكل خطراً كبيراً على سلامته» ،
ولم تفلح محاولات شارون ورئيس الوكالة اليهودية في عدول قادة الشاباك عن رأيهم؛
مما حدا بسكرتيرة شارون إلى إبلاغ المنظمين إلغاء مشاركة شارون قبل يوم
واحد من وقوع التفجيرات.
٣ - ومن الحوادث التي تثير الاستغراب والتساؤل أيضاً: ما تناقلته الصحف
عن القبض على (٥) سياح إسرائيليين بعد استدعاء السكان للشرطة عندما
شاهدوهم وهم يصورون البرجين المهدومين وهم ينكتون ويتضاحكون ويسخرون
من الأمريكيين المفزوعين، ثم راحوا يصيحون ويغنون ويرقصون وهم يتفوهون
بكلمات ساخرة! والجدير بالذكر أن رئيس بلدية نيويورك (سامحهم) ولم يحاكمهم
وأفرج عنهم بعد أن كانت الشرطة تحقق معهم للاشتباه بانتمائهم للموساد بعد تدخل
القنصلية الإسرائيلية لديه ولدى حاكم الولاية وإقناعهما بأن هؤلاء مجرد شباب
طائشين!
٤ - ومن التساؤلات: ما ذكر عن حدوث تلاعب كبير وغير عادي في
مضاربات الأسهم عبر عمليات بيع على المكشوف في أسواق البورصات العالمية
خلال الأيام القليلة السابقة للتفجيرات؛ مما مكن هؤلاء المضاربين من جني أرباح
طائلة تقدر بمليارات الدولارات، وقد تركزت المضاربات المشبوهة حول ثلاث
شركات تأمين أوروبية، وشركتين للاستثمار في وول ستريت، وشركتي الطيران
يونايتد إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز دون غيرهما، وهما اللتان تم اختطاف طائرتين
من كل منهما واستخدمتا في التفجيرات.
وقد حاول بعض المسؤولين تركيز الاشتباه في هذه المعاملات على ما أسموه
بشبكة بن لادن، غير أنه من غير المعروف عن إسلاميين مشاركتهم في أنشطة
اقتصادية من هذه النوع ابتداءً، ويبقى ذلك الاحتمال تجاههم مجرد تخمين غير
مبني على دلائل أو قرائن، وخاصة أن خبراء ماليين يستبعدون تورط متعاملين
ماليين يعملون لحساب بن لادن؛ لأن ذلك يعد (انتحاراً) بسبب مخاطر هذه العملية
المالية وسهولة كشف مدبريها، ويبقى بعد ذلك الاحتمال الآخر، وهو: أن أطرافاً
مخابراتية تقف وراءها، ومن المعروف أن الدوائر المالية اليهودية من أكبر
المتعاملين في البورصات العالمية.
ويطرح مع هذا التساؤل تساؤل آخر حول إن كانت هناك علاقة أو دلالة لبيع
هيئة الموانئ وهي هيئة يسيطر عليها اليهود لبرجي التجارة العالمية بمبلغ ٣٠٧
مليار دولار قبل سبعة أشهر من وقوع التفجيرات!
٥ - ومن التساؤلات أيضاً: مدى وجود علاقة بين أحداث التفجيرات الأخيرة
ولغز الاختفاء الغامض للمتدربة اليهودية في الكونجرس الأمريكي شاندرا، حيث
كانت على علاقة سرية وغير مشروعة مع عضو الكونجرس الأمريكي كونديت
الذي هو في الوقت نفسه عضو لجنة الاستخبارات المسؤولة عن ثلاث عشرة وكالة
مخابرات، ويقال إن شاندرا حصلت من كونديت على أسرار خطيرة، سواء منه
مباشرة أو عن طريق قراءتها أو تصويرها لتقارير وكالة الاستخبارات المركزية
(CIA) ووكالة الأمن القومي (NSA) ، فهل تدخل هذه الأحداث وهذا الاختفاء
الغامض في إطار الحروب المخابراتية الخفية؟ .. يحتمل! .
أخيراً: نقول في هذا الاحتمال: إن صحيفة (نيوز امبرجو) الكندية كشفت
عن أن مصادر من الـ (CIA) أكدت لها أن لديها معلومات شبه أكيدة بتورط
جهاز الموساد في الهجمات الأخيرة على مبنيي مركز التجارة العالمي والبنتاجون،
وقد أكد المصدر ... أن هذه الاحتمالات واردة، وأن أجهزتهم كشفت وجود تهديد
(إسرائيلي) بضرب منشآت في الولايات المتحدة من أجل إثارة الرأي العام ضد
العرب ...
وقال المصدر: إن هذا الهجوم يتطلب دقة عسكرية عالية جداً في التنفيذ،
وأن العمل تم تنفيذه من قبل جيش أو جهة استخباراتية عالمية لا من قبل إرهابيين
لا يملكون ما تملكه الدول العظمى في هذا المجال.
رابعاً: وهناك عدة احتمالات أخرى متساوية في القوة أو في الضعف نوردها
في النقاط الآتية:
أ -أن يكون هناك دور لدول (شرق أوسطية) أخرى في هذه الأحداث،
وعلى رأسها العراق وإيران، وقد سربت بعض الأخبار عن التقاء المشتبه في
اتهامه محمد عطا بضابط مخابرات عراقي في أوروبا قبل أشهر، وأن بغداد تقوم
بتمويل إسلاميين متهمين بـ (الإرهاب) كالمصري أيمن الظواهري واللبناني
عمار مغنية، كما ألمحت مصادر أخرى إلى أن منشقاً إيرانياً كان قد أبلغ السلطات
الألمانية قبل أسبوع من التفجيرات عن معلومات لديه عن حدوث عمليات إرهابية
في واشنطن ونيويورك، وحاول تحذير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، إلا أن
السلطات لم تأخذ أقواله بجدية، ثم صرح بعض المسؤولين الأمريكيين باستبعاد
وجود دور لمثل هذه الدول في التفجيرات، وربما يكون هذا الاستبعاد وتلك
التسريبات بقصد إبقاء هذه الدول تحت حد السلاح الأمريكي المسلط لضربها إذا
استدعت الأحداث ذلك.
ب - أن يكون وراء هذه التفجيرات مافيا تهريب المخدرات، حيث جاءت
هذه التفجيرات بعد أسبوع واحد من تسليم (فابيو أشوا) أحد كبار مهربي
المخدرات الكولومبيين إلى السلطات الأمريكية، وكان أنصاره قد هددوا بـ
«تحويل أمريكا إلى جحيم» في حالة تسليمه، وبأنهم سيجعلون الحكومة الأمريكية
تندم على محاكمته، وقد تزامنت هذه التفجيرات مع زيارة كان وزير الخارجية
الأمريكي كولن باول في طريقه للقيام بها إلى كولومبيا في خطوة تأييد لمساعي
الحكومة الكولومبية لمحاربة عصابات تهريب المخدرات، ومن المعروف أن
شبكات هذه العصابات داخل أمريكا وخارجها ذات انتشار واسع ونفوذ قوي
وإمكانات كبيرة تمكنها من القيام بمثل هذا العمل، وإن افتقرت إلى دافع عقائدي
يدفع أفرادها للقيام بمثل هذه العمليات (الانتحارية) .
ج - كما يشار إلى احتمال وجود علاقة بين التفجيرات وموقف أمريكا من
مؤتمر مكافحة العنصرية في ديربان، وقد ثارت تكهنات صحفية بهذا الخصوص
عقب الحوادث مباشرة؛ مما دعا الوزير في رئاسة جمهورية جنوب أفريقيا
(إيسهوب بهاد) إلى رفض هذه التكهنات.
د - ومن هذه الاحتمالات: ما ذكره السياسي الروسي المعروف فلاديمير
جيرينوفسكي في مؤتمر صحفي عقده في موسكو، حيث اتهم ما أسماه (النخبة
المالية الدولية) بالتخطيط للهجمات ضد منشآت أمريكية وتنفيذها لإحداث صدام بين
الغرب والعالم الإسلامي، وقال: إن هذه العمليات الإرهابية «جرى التحضير لها
في أمريكا نفسها، ولا علاقة لأي دولة أخرى بها» ، وأكد أن «العديد من
المؤشرات» تدل على ذلك، واعتبر أن اتهام أسامة بن لادن بالوقوف خلف
التفجيرات أمر لا دليل عليه حتى الآن.
العدالة الأمريكية المحترقة والإسلامفوبيا:
لا يفهم من كلامنا السابق أننا ننفي وجود احتمال بأن يكون إسلاميون وراء
هذه التفجيرات، وقد كفتنا أجهزة الإعلام الأخرى والعديدة الخوض في الحديث عن
هذا الاحتمال، ولكن الذي نريد إضافته هو أن الاحتمالات حول هوية من قام بهذه
التفجيرات عديدة ومتقاربة القوة، ورغم ذلك فمن دون كل هذه الاحتمالات لم يرق
للأجهزة الأمريكية إلا اتهام الإسلاميين وحدهم وأفغانستان (ضمناً) ، حيث ركزت
الجهود، وسلطت الأضواء على هذا الاحتمال دون غيره، مع استبعاد جميع
الاحتمالات الأخرى رغم وجود قرائن قوية تجعلنا لا نستبعدها.
ويمكننا القول إنه - إذا كان هناك بقية من حرص وخوف على المصالح
الأمريكية والأمن القومي الأمريكي - فإن التحقيقات الحقيقية - غير المعلنة - ربما
لا يكون لها علاقة بكل ما هو معلن، وأن ما أعلن وما يعلن وما سوف يعلن يهدف
إلى أهداف أخرى لا علاقة لها بمعرفة حقيقة مدبر هذه الانفجارات، حتى وإن
صادف ذلك الإعلان الحقيقة في النهاية، لأن المستهدف هو استخدام ما يعلن
للتغطية على هذه الأهداف وترضية الرأي العام الأمريكي وإيجاد الذريعة أمام الرأي
العام العالمي.
وقد أعلن الرئيس بوش يوم ٢٥/٩/٢٠٠١م رفضه للكشف عن أدلة تورط بن
لادن وتنظيمه في التفجيرات، وفي الوقت نفسه ما زالت أمريكا تطالب العالم
بمشاركتها في حربها ضد ما تسميه الإرهاب، وإلا فإن الممتنع عن المشاركة في
هذا التحالف سيكون داعماً للإرهاب.
والحقيقة أن أمريكا لا تشعر بحاجتها إلى وجود أدلة؛ لأن حالة الخوف
المرضي من الإسلام (الإسلامفوبيا) التي تعيشها، والتي عبرت عنها بالإشارة إلى
ضلوع الإسلاميين في الحادث قبل انتهاء عمل ٧ آلاف محقق من البحث في ٢٥٠٠
خيط تحقيق كما أعلن؛ هذه الحالة تجعلها تسعى للقضاء على هذا الخطر سواء كان
وراء هذه الأحداث أو لم يكن.
كما أنها لا تشعر بحاجتها إلى تقديم أدلة إلى من تطالبهم بالتحالف معها؛ لأن
الغرور الأمريكي يفترض أن الآخرين يثقون بلا تحفظ في نزاهة العدالة الأمريكية،
ويفترض أن خوف أمريكا من عدو يشاركها فيه الآخرون أو هكذا ينبغي وأن
مصالح أمريكا هي نفسها مصالح العالم أجمع؛ وهكذا فهي تحسم خيارها وتريد من
العالم اتباعها عليه وهو مغمض العينين.
إننا في النهاية إذا لم نقل إن الأجهزة الأمريكية نفسها لها ضلع في هذه
الأحداث - وهذا غير وارد في ضوء المعطيات التي بين أيدينا -، وإذا لم نقل إن
بعض الأطراف والقوى داخل النظام الأمريكي متورط في الأحداث بنفسه أو عن
طريق أطراف أخرى وهذا غير مستبعد فإننا نستطيع القول باطمئنان: إن الإدارة
الأمريكية استغلت الحدث أياً كان فاعله - لتحقيق أهداف وتنفيذ مخططات معدة سلفاً
قبل الحوادث، وقد تكون هذه الحوادث عجلت بإخراج هذه المخططات التي قد
يستغرق تنفيذها سنوات، ولكنها ليست هي التي أوجدتها.
ويمكننا في عجالة تلخيص هذه الأهداف والمخططات كما ظهرت من الدوافع
والتحركات الأمريكية فيما يأتي:
١ - القضاء على قوة التيارات الإسلامية وخاصة الدعوية المتنامية في العالم
الإسلامي باسم محاربة الإرهاب، بما يفسح المجال لتوغل أمريكي وغربي
حضاري وسياسي واقتصادي وعسكري في هذا العالم؛ حيث إن هذه التيارات هي
المعارض الحقيقي لهذا التوغل.
٢ - إحداث اضطرابات وقلاقل داخل دول العالم الإسلامي عن طريق إقحام
حكوماتها في مواجهات عدائية شاملة وقاسية مع التيارات الإسلامية المعارضة، بما
يضعف هذه الحكومات ويجعلها رهينة للحماية الأمريكية المستمرة، ويقضي على
هذه التيارات في الوقت نفسه.
٣ - تهيئة الأجواء والتوطئة على أرض الواقع لإعادة رسم خارطة المنطقة،
وتعديل موازين القوى للوصول في المستقبل القريب إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى
وبناء هيكل سليمان، وهذا هدف ملح للتيار الأصولي في الإدارة الأمريكية.
٤ - القضاء على دولة أفغانستان الخارجة عن (الإجماع الدولي) وما تمثله
من خطر وجود قواعد آمنة لتفريخ مسلمين (خطرين) .
٥ - محاصرة إيران (القوة العسكرية المتنامية) من الشمال والشرق إلى
جانب القوات الموجودة في الغرب والجنوب.
٦ - استهداف باكستان وبرنامجها النووي خشية وقوعه في أيدي إسلاميين
(متطرفين) ، حيث لا يؤمَن عدم وقوع ذلك في ظل نظام حكم هش متقلب.
٧ - إكمال تطويق العالم الإسلامي بحلف هندي روسي (أو من الجمهوريات
السوفييتية السابقة) تركي إسرائيلي إثيوبي.
٨ - التواجد في منطقة آسيا الوسطى لمحاولة أن يكون لأمريكا نصيب في
كعكة ثروات بحر قزوين، الذي أسفرت التنقيبات فيه عن وجود احتياطات
استراتيجية ضخمة من النفط والغاز وثروات أخرى فاقت كل التصورات، ويتنافس
عليها - بحكم الموقع الجغرافي - خمس دول: روسيا، وإيران، وكازخستان،
وأذربيجان، وتركمانستان.
٩ - تعزيز أداء الاقتصاد الأمريكي؛ حيث يرى الخبراء أن الإنفاق الحكومي
في حرب - بشرط ألا تكون برية طويلة الأمد سيعطي على الأرجح دفعة قوية
لقطاعات من الاقتصاد، كما أن التركيز الجديد على الأمن ونشاطات الاستخبارات
قد يحوِّل جزءاً من هذه الفوائد إلى تكنولوجيا المعلومات، بحيث لا تقتصر على
العتاد التقليدي. ويقول أكاديميون: إن الحرب ساعدت في الماضي على انتشال
أمريكا من براثن الكساد بفضل الانتعاش الاقتصادي الناتج عن الإنفاق الحكومي
على الأسلحة والإمدادات.
هذه - بحسب ما أرى - هي أهم ملامح الأهداف والمخططات الأمريكية التي
يراد تحقيقها حتى ولو أدى ذلك إلى إحراق العالم الإسلامي مع العدالة الأمريكية.