للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصطلحات وتعريفات

عثمان جمعة ضميرية

يتردد في كتب العقيدة الإسلامية، بعض الألفاظ والمصطلحات، ينبغي أن

نحدد معناها، وأن نتعرف عليها، لأن ذلك أمر ضروري، منعاً للالتباس واختلاط

المفاهيم، وسنشير فيما يلي إلى ثلاثة مصطلحات هي: أهل السنة والجماعة،

والسلف، وأهل الحديث.

١ - أهل السنة والجماعة:

ويجمع هذا المصطلح وصفين اثنين لأصحابه، وهما: السنة والجماعة. قد

تقدم فيما سبق شرح معنى السنة في اللغة العربية وفي الاصطلاح الشرعي العام،

وفيما يراد بها في كتب العقيدة. ولذا نشير هنا إلى معنى الجماعة، ومن ثم نجمع

بين هذين الوصفين فيتضح لنا عندئذ معنى هذا المصطلح المركب منهما.

الجماعة في اللغة: مأخوذة من الجمع، وهو ضم الشيء بتقريب بعضه من

بعض. يقال: جمعته فاجتمع [١] .

قال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة» [٢] :

«الجيم والميم والعين أصل واحد، يدل على تضامّ الشيء. يقال: جمعت

الشيء جمعاً: والجُمَّاع: الأُشابة من قبائل شتى.. وقدر جماع وجامعة، وهي

القدر العظيمة..» .

والجميع: ضد المتفرق، والمجموع: الذي جمع من هنا وهنا، وإن لم يجعل

كالشيء الواحد.

وفلاة مجمعة: يجتمع القوم فيها ولا يتفرقون، خوف الضلال ونحوه، كأنها

هي التي جمعتهم. وكلمة جامعة: كثيرة المعاني على إيجازها، وجمعها: جوامع،

كما في الحديث: «أوتيت جوامع الكلم» [٣] .

والجماعة: العدد الكبير من الناس.. وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها

غرض واحد [٤] .

والجماعة هي الاجتماع، وضدها: الفرقة.. وصار لفظ الجماعة اسماً لنفس

القوم المجتمعين [٥] .

ومن هذه النصوص اللغوية وأمثالها نلاحظ أن الجماعة تتكون من جملة

عناصر هي: الضم والتقريب بين أناس من هنا وهناك، أي من جماعات شتى،

وفيها معنى العظمة والكثرة، وأن الاجتماع وعدم التفرق يهدف إلى عدم الضلال

والضياع، وللجماعة الكثيرة هذه هدف وغرض واحد تلتقي عليه، فهي تسير على

منهج واحد لتصل إلى غرضها وغايتها. ولعل هذه الصفات والأمور كلها لا تخرج

عن المفهوم العام والمعنى الذي يريده العلماء من هذا المصطلح «أهل السنة

والجماعة» .

وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة،

والاختلاف فقال: [واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا] [آل عمران: ١٠٣] ، [ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ

عَظِيمٌ] [آل عمران: ١٠٥] .

وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر بملازمة الجماعة

والتحذير من مفارقتها، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -

رضي الله عنه-: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة

جاهلية» [٦] .

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله

عليه وسلم-: «من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد،

وهو من الاثنين أبعد» [٧] .

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله

عليه وسلم-: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب» [٨] ٠٠ الخ.

واختلف العلماء في المراد بهذه الجماعة التي أمر النبي -صلى الله عليه

وسلم- في هذه الأحاديث وما في معناها - بملازمتها.

وقد أجمل الشاطبي - رحمه الله - ذلك في خمسة أقوال:

١ - أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، فالسواد الأعظم هم الناجون من

الفرق، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية

سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق.

٢- أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات

ميتة جاهلية، لأن جماعة الله هي العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم

المعنيون بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لن يجمع أمتي على

ضلالة» [٩] ، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع عند النوازل، وهي تبع لها. فمعنى قوله «لن تجتمع أمتي» : لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة.

فعلى هذا القول: لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد، لأنه داخل في

أهل التقليد، فمن عمل منهم بما يخالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية. ولا يدخل

أيضاً أحد من المبتدعين.

٣- أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين

وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً، وقد يقع من سواهم فيها. ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس [١٠] .

٤ - أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام، إذا اجتمعوا على أمر، فواجب

على غيرهم من أهل الملل اتباعهم، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام

أن لا يجمعهم على ضلالة، فإن وقع بينهم اختلاف، فواجبٌ تعرُّف الصواب فيما

اختلفوا فيه.

قال الشافعي: الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله وسنةٍ ولا قياسٍ، وإنما تكون الغفلة في الفُرقة.

وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني، وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه، أو يرجع

إلى القول الأول وهو الأظهر.

وفيه من المعنى ما في الأول: من أنه لا بد من كون المجتهدين فيهم، وعند

ذلك لا يكون مع اجتماعهم على هذا القول بدعة أصلاً، فهم - إذاً - الفرقة الناجية.

٥- ما اختاره الإمام الطبري من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا

على أمير. فأمرَ عليه الصلاة والسلام بلزومه، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا

عليه من تقديمه عليهم.

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:» من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم

فاضربوا عنقه كائناً من كان « [١١] .

وحاصله: أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام والموافق للكتاب

والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنَّةٍ خارج عن معنى الجماعة

المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم [١٢] .

وما ننتهي إليه في معنى أهل السنة والجماعة: أنها الفرقة التي وعدها النبي

-صلى الله عليه وسلم- بالنجاة من بين سائر الفرق. ومدار هذا الوصف على اتباع

سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وموافقة ما جاء به من الاعتقاد والعبادة والهدي

والسلوك، وملازمة جماعة المسلمين، وهو الحق الذي ينبغي التمسك به.

فعن عمرو بن ميمون قال: قدم علينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- فوقع حبه في قلبي، فلزمته حتى واريته في التراب بالشام،

ثم لزمت أفقه الناس بعده: عبد الله بن مسعود، فذكر يوماً عنده تأخير الصلاة عن

وقتها، فقال: صلُّوها في بيوتكم واجعلوا صلاتكم معهم سُبْحة. قال عمرو بن

ميمون: فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة؟ فقال لي: يا عمرو بن

ميمون، إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة. إنما الجماعة ما وافق طاعة

الله وإن كنت وحدك [١٣] .

وقد سُمِّيَتْ بأهل السنة والجماعة لتمسكهم بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بها، واتباعهم لما جاء به؟ ولأنهم يعتصمون بالحق وما عليه جماعة

المسلمين فلا يفترقون في الدين، وبذلك يكونون على الصراط المستقيم الذي هو

دين الإسلام المحض الخالص، وهو ما في كتاب الله تعالى، فهو السنة والجماعة،

فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض [١٤] .

وأهل السنة والجماعة ليسوا محصورين في جماعة معينة أو فئة أو بلد أو

زمن دون الآخر، إذ كل من اتصف بسمات أهل السنة وكان على منهجهم فهو

داخل في دائرة أهل السنة والجماعة. وبهذا يلتقي مفهوم أهل السنة مع مفهوم

السلف -الأتي-.

-يتبع -


(١) مفردات القرآن للراغب ص (٩٦) .
(٢) ١ /٤٧٩.
(٣) الصحاح للجوهري: ٣/١١٩٩ - ١٢٠٠، وانظر: لسان العرب، القاموس المحيط مادة جمع.
(٤) المعجم الوسيط: ١/١٣٥.
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية: ٣/١٥٧.
(٦) رواه مسلم في الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين برقم ١٨٤٨: ٣/١٤٧٦.
(٧) أخرجه الترمذي في الفتن، باب في لزوم الجماعة: ٦/١٨٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه، وصححه الحاكم: ١/١١٤.
(٨) أخرجه الإمام أحمد: ٤/٢٧٨، وذكره الألباني في الصحيحة: ٢/٢٧٦.
(٩) روى هذا الحديث من طرقٍ، عن أبي مالك الأشعري وابن عمر وابن عباس وأنس وسمرة وأبي نضرة وأبي أمامة وأبي مسعود، بألفاظ كثيرة، عند أبي داود والترمذي والحاكم وابن أبي عاصم في السنة قال الزركشي بعد أن ساق رواياته كلها وطرقه: واعلم أن طرق هذا الحديث كثيرة، ولا يخلو من علة وإنما أوردت منها ذلك ليتقوى بعضها ببعض، ومن شواهده ما في الصحيحين عن أنس: قال مُرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت فقيل: يا رسول الله: لم قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت؟ قال: شهادة القوم، والمؤمنون شهداء الله الأرض وفي لفظ مسلم من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض -ثلاثاً- انظر المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للإمام بدر الدين الزركشي ص (٥٧- ٦٢) بتحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي.
(١٠) أخرجه مسلم في الفتن، باب قرب الساعة برقم (٢٩٤٩) : ٤/٢٢٦٨.
(١١) انظر صحيح مسلم، كتاب الإمارة: ٣/١٤٨٠.
(١٢) الاعتصام للشاطبى: ٣/ ٢٦٠ - ٢٦٥ باختصار يسير، وانظر: فتح الباري: ١٣ /٣٧.
(١٣) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: ١٣/١٧٩، شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ١/١٠٨ -١٠٩.
(١٤) انظر الفَرْق لين الفِرَق للبغدادي ص (٣١٨- ٣٦١) .