في سوق مكتظ بالمتنافسين، يسيطر على ٨٠ % منه ثلاث شركات رئيسية، ويتنافس المئات من الشركات على بقية العشرين بالمئة. استطاعت «واحد» للمياه المعبأة أن تدخل سوق الماء البريطاني وتحتل مكانة وسمعة مرموقة بين شريحة كبيرة من الناس. لم تكن الرحلة سهلة؛ فقد عانى أصحابها من تصريف ١٢.٠٠٠ عبوة خلال الأشهر الستة الأولى، لكنهم الآن يبيعون ٢٠٠.٠٠٠ عبوة يومياً.
الجميل في هذه التجربة أن تعرف ـ أخي القارئ الكريم ـ أن «واحد» هذه هي منظمة خيرية بريطانية كان لنجاحها أسرار بعد مشيئة الله؛ وأبرز أسباب نجاحها أنها سوَّقت لمنتجها بفكرة جوهرية جذابة؛ فهي لم تطلب من الناس التبرع لها كما تفعل كثير من المنظمات الخيرية، بل لبت من خلال منتجها الذي تقدمه حاجة فعلية لدى الناس وهي الحاجة لشرب الماء، لكنها تميزت عن بقية الشركات التجارية التي تقدم المنتج ذاته بأنها تقيم مشاريع لتوفير المياه النقية في مناطق فقيرة متعددة من العالم؛ وذلك من كامل قيمة علب المياه التي تبيعها للناس، ملبية بذلك حاجة أخرى لدى الناس وهي الرغبة في مساعدة الآخرين والمشاركة في تغيير مستوى معيشة المحتاجين. كان المشتري يدرك أن لا فرق كبيراً بين الشركات المنتجة للماء، لكنه يدرك أن شراءه من «واحد» سوف يساعد أناساً محرومين وفقراء.
إن ارتباط المنتَج المسوَّق تجارياً بمجال المشروع الخيري نفسه وهو في هذا المثال: الماء ـ هذا الارتباط سرٌّ آخر في نجاح المشروع ورواجه بين الناس، والذي يدور في خلد المستهلكين أن حاجتهم للماء لا تزيد عن حاجة الفقراء للماء النقي، وأن شربهم من ماء هذه المنظمة سيسهم بشكل مباشر في توفير ماء نقي للمحتاجين.
ليس المستهلكون الأفراد مَنْ تستهويهم فكرة شراء منتج «واحد» فحسب، بل حتى الشركات التجارية والجهات الحكومية وجدت في شراء هذا المنتَج تحسيناً لسمعتها وتعزيزاً لمكانتها في أذهان الناس.
حالة هذه المنظمة، هي مثال على قدرة المنظمات الخيرية على تطوير منتجاتها ومشاريعها في جمع التبرعات والانتقال من السؤال التقليدي المباشر في الدعوة إلى التبرع إلى منافسة الشركات التجارية في تلبية حاجات ورغبات الناس غير الخيرية كالأكل والشرب واللبس وغيرها من الحاجات المتنوعة والمتجددة.
لقد ضربَتْ «واحد» بمشروعها هذا عصفورين بحجر (واحد) لكني لا أظن أن هذا سبب تسميتها!
(*) ماجستير في الإدارة، باحث في إدارة العمل الخيري.