لمحات عن إندونيسيا
تشكل جاوة وسومطرة جزيرتين اثنتين من الجزر ذات الجمال الطبيعي التي
تكون جمهورية إندونيسيا البالغ عددها (١٣٦٦٠) جزيرة (خمس جزر رئيسية،
وثلاثون أرخبيلا) ، ومساحتها (٢) مليون كيلو متر مربع، وفيها مائة بركان نشط
تخرج منها الأبخرة والغازات، ويبلغ عدد السكان (١٨٠) مليون، وبهذا التعداد
تمثل إندونيسيا خامس أكبر دولة في تعداد السكان في العالم بعد الصين والهند
والاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة.
وتمتد جزر إندونيسيا عبر (٣٢٠٠) ميلاً من المياه فاصلة المحيط الهندي عن
المحيط الهادي، وقد استغل المستعمرون الهولنديون إندونيسيا لمدة تقرب من
(٣٥٠) سنة، ولكنهم لم يوحدوا الجزر تحت إدارة مركزية مطلقاً، لذا فعندما نالت
إندونيسيا استقلالها سنة ١٩٤٩م لم ترث حكومة موحدة ولا هوية وطنية واحدة.
الشعار الوطني (الوحدة في الاختلاف) هو شعار صنع في القرن الخامس
عشر، يصف حالة البلد اليوم بشكل ملائم، وتحوي التشكيلة الإندونيسية:
الجاويبين شديدي التهذيب، والسندانيين عديمي الاهتمام، الباليين البوجيين
الملاحين، والمندانيين الصناعيين، وبقايا من البرتغاليين الذين احتلوا البلاد عام
١٥١٠ م.
بحلول سنة ١٩٦٥ كانت إندونيسيا الفتية تغرق بسبب التبذير الوطني
والإفراط السياسي من قبل الرئيس الأول (سوكارنو) وكانت البلاد تنجرف نحو
سيطرة الحزب الشيوعي الإندونيسي، أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الصين
والاتحاد السوفييتي، فتحرك (سوهارتو) بسرعة فنحى (سوكارنو) وسيطر على
مقاليد البلاد، وكان أول عمل قام به حل الحزب الشيوعي مما أدى إلى ملاحقة
الشيوعيين وقتلهم، وكان عدد كبير من القتلى من الصينيين، وبعد مضي أربع
وعشرين سنة مازالت المدارس الصينية والأحزاب الصينية محظورة، وقد جمع
حكم (سوهارتو) بين التهذيب والمكر والقبضة الحديدية. فقد حل الأحزاب العنيدة،
وفتح أبواب إندونيسيا للمعونة الخارجية والاستثمار، وفي السبعينات بدأ الانتعاش
بسبب البترول (يقدر احتياطي إندونيسيا المعروف من البترول تسعة ملايين برميل)
واليوم تلتف الطرق الحديثة حول الجبال وعبر الأدغال في سومطرة وسليبي، وفي
إيريان وتنتشر الآن حوالي ١٣٦ ألف مدرسة ابتدائية جديدة عبر القرى البعيدة،
وقد تضاعف إنتاج الأرز، وتوجد مشاريع صناعية ضخمة في البلاد، مثل منشآت
الغاز الطبيعي.
إن أربعاً وعشرين سنة تعتبر طويلة بالنسبة للتاريخ السياسي الساخن لآسيا
الاستوائية، ويتساءل الكثير: ماذا سيحدث بعد سوهارتو؟ في الانتخابات
الإندونيسية سنة ١٩٨٧ فاز حزب سوهارتو السياسي المدعوم من الجيش بـ ٧٣% من مقاعد مجلس الشيوخ ثم عين سوهارتو مائة ضابط في الجيش في ذلك المجلس، كما عين كل أعضاء مجلس الشورى الوطني الخمسمائة، ثم انتخبه المجلسان
للمرة الخامسة كرئيس لفترة خمس سنوات، ويعتبر الرئيس الحالي كبيراً جداً في
السن إلا أنه يواجه تحديات لم يواجهها من قبل فمعدل دخل الفرد بقي (٣٥٠)
دولارا في السنة، وهذا دون مستوى معدل دخل الفرد في الفلبين،. ويبلغ عدد
العمال في وظائف دون مستواهم ٤٠% وينضم إلى العمال سنويا مليونا عامل جديد، ومع زيادة عمليات الاقتراض زادت الديون وزاد الفساد من المشاكل الاقتصادية
حيث تنتشر الرشاوى والعمولات العالمية المعقدة، ومن خلال شبكة من الاحتكارات
يتحكم الإندونيسيون الصينيون باستيراد العديد من السلع الرئيسية، محققين مكاسب
كبيرة لأنفسهم وأنصارهم، وتعتبر عائلة سوهارتو وأقاربه المختلفين ومساعديه من
المستفيدين.
وفي نقاش لي مع الرئيس (سوهارتو) نفسه تحدثت فيه عن الفساد الموجود
وعن استفادة عائلته وأصدقائه من وجوده في الحكم رفض الاعتراف بشيء من هذا، وقال: إن من يقول هذا ينظر للأشياء بعين واحدة مغلقاً الأخرى. فأجبته:
بالطبع يا سيادة الرئيس لكنك كجندي سابق تعلم انك يجب أن تغلق عيناً عندما
تصوب على الهدف. فأجابني ببرود شديد: حتى لو أغلقت عيني الاثنتين فإني
مازلت أستطيع إصابة الهدف.
ويقطن العاصمة جاكرتا ثمانية ملايين شخص، وفيها المباني الحديثة والفنادق
والسفارات بالإضافة إلى الأعشاش والبيوت والأحياء القديمة الفقيرة.
وتعتبر جاوة من أكثر المناطق القروية كثافة سكانية في العالم، ويعمل حوالي
نصف سكان جاوة بالزراعة، حيث يمتلك ثمانون بالمائة منهم أرضاً لا تكاد تكفي
لسد رمقهم،. وقد أعادت الحكومة إسكان أكثر من ٧٠٠ ألف عائلة ضمن المشروع
الحكومي للهجرة - الداخلية من المناطق المكتظة بالسكان- إلى حوالي ٦٠٠
مستوطنة في الجزر البعيدة.
إن تسعين بالمائة من السكان مسلمين، وأشدهم تمسكاً بالإسلام (الأسهيون)
الذين يقطنون السهل الساحلي شمال سومطرة، فقد أعلنوا الجهاد ضد حكومة جاكرتا
عام ١٩٥٣ ولم تهداً الحرب إلا بعد أن اعترفت الحكومة بنوع من الاستقلال
الداخلي وتطبيق الشريعة الإسلامية، وأشد الأقوام بدائية يتواجدون في إقليم (دامينا)
وينتمون إلى قبيلة ماسكونا، وأرضهم عبارة عن أدغال لا يمكن عبورها تتخللها
محاجر كلسية، ووهاد ضيقة، وقد خاضت قبيلة (الماسكونا) لعشر سنوات خلت
حروباً قبلية عنيفة وقتلوا كل أجنبي تجرأ على تحدى حرمة أراضيهم، إن الطريق
الوحيد للوصول إلى هذه القبيلة هو عن طريق الجو، وهكذا جاء المبشرون
بالنصرانية، وقد وجدت هناك أمريكيين من الكنيسة الإنجيلية يدرسون اللغة القبلية، وعندما سألت شاباً من القبيلة: كيف تعرفت الدولة عليكم، أجابني بقوله: جاءوا
منذ ثلاث سنوات وأخبرونا ألا نستقبل المنصرين، وعندما سألته إن كان يعرف من
هو رئيس إندونيسيا، قال بسرعة (باك سوهارتو) و (باك) تعني الأب، ثم قال:
إنه الكبالا الكبير، والكبالا تعنى رئيس القبيلة.
عن مجلة ناشيونال جيوغرافيك يناير ١٩٨٩