[صفوان.. يطارد الجراد]
عبد الغني محمود عبد الهادي
اعتاد صفوان حياة حرّة كريمة على تُراب وطنه، حيث عاشَ حالماً كفراشة نيسان. وكان دَخْلُ والده يكفل له من العيش أحسنه.
فقد كان لوالده حقل مزروع بالأشجار المثمرة؛ من برتقال وإجَّاص وليمون وتفاح وغيرها ... ذات يوم رأى صفوان في الحلم أن الجراد يغطي أرض مزرعته، فقام مذعوراً بعينين مفتوحتين متوقّدتين، يحدّث والديه بما رأى.
طمأنه والده وهو يرى في ولده معاني الرّجولة والانتماء، وطلب منه أن يرافقه حيث مخزن الحبوب التابع لهم.
هناك أطلعه أبوه على كافّة الاحتياطات، التي اتّخذها لمواجهة مثل هذه الحالة من غزو جراد وحشرات وغيرها، قد تزحفُ إلى الحقل.
كان أبو صفوان قد اشترى أصنافاً عدّة من المبيدات والرشاشات ليضمن سلامة حقله. كبرت الدَّهشة في عيني صفوان مما قاله أبوه، وبحماس الرجال طلب من والده أن يدرّبه على كيفية استعمال المبيدات وإعدادها لرشّ النبات، وبعد أن اطمأن لمعرفة ابنه بالطريقة أثنى عليه وراح يُعدّه ليومٍ لا بُد منه!
في أحد الأىام، قام صفوان مع أصدقائه برحلةٍ مدرسيةٍ إلى أحد المروج المترامية فوق جبل الكرمل ... هذا الجبل الفلسطيني الذي يقف بشموخ وإباء في شمال الوطن الفلسطيني، مثل شعبه النبيل الأبي منذ أن خلقه الله.
هُناك وعلى ربوع هذا الجبل، وفي شعاب مروجه الوسيعة، جال صفوان وهام وكاد أن ينسى نفسه بين أزهار الكرمل ونوّاره، أخذته الدّهشة والإعجاب وجعلته يُطرِق مليّاً لجمالِ هذا الجزء العزيز من بلاده الحبيبة، وراح يحدّث أصدقاءه كمحاضر بهم عن ضرورة الحفاظ على هذا التّراب الذهبي، وتلك الرائحة التي تفوحُ بالأريج الزَّاكي.
قام صفوان مع رفاقه فرِحين جذلين يمرحون طوال اليوم، حيث عاد مع رفاقه الأتراب، ومنافذ إحساسه قد ازدادت شرعةً وانفتاحاً.
في المساء جلس صفوان يُحدّث أهله بما رآه وشاهده خلال رحلته ... كان يتحدّث بفرح طُفوليّ عذب، نقل لهم الصُّور الرائعة التي أحضرها في نفسه، وراحَ يُمنّي نفسه ببقاء هذه المناظر، وهذه المروج التي سرحت بخاطره الصّغير المفعم بكلّ جميل ساحر.
وفي صباح يوم آخر، صحا صفوان على حقيقة مُرّة مؤلمة! فقد وجد نفسه مع أسرته خلف أسوار ذلك الوطن الذي طالما جرى لسانه وصدقت أحاسيسه في الحديث عنه، وبات صفوان الآن في مشكلة من نوع آخر.
لقد أصبح يتحدّث عن موجة غزو جديد من موجات الجراد الزّاحف؛ إنها أسرابُ الطامعين غزت حقله، لا لتأكله فحسب؛ بل لتجتثّه من أصوله ... فتبقيه أثراً بعد عين، ولكنَّ السؤال الذي ما زال يبحث له عن جواب هو:
إلى متى يظلّ صفوان يحلم بمطاردة جراد العصر؟!
(*) عضو رابطة الأدب الإسلامي