للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة أولية

في حرب الخليج

هناك نظرية في التاريخ تقول: «إن وقوع الأحداث الكبيرة أمر محتم عندما

تتفاعل الظروف الموضوعية والأسباب المؤثرة» . ولكنها نظرية مرجوحة؛ لأن

الإنسان أولاً وأخيراً هو المسؤول عن أعماله في الخير والشر، فلو لم يتصرف

فلان كذا، أو يفعل فلان كذا لما وقع كثير من الحروب.

والكوارث العظام التي تصيب البشرية إنما هي نتيجة الظلم والفساد في

الأرض قال تعالى: [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن

تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ

لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ] [الأنعام ٦٥] .

إن قراءة أولية في هذه الحرب تؤكد لنا:

أولاً: عند نزول الكوارث العظام لابد من الرجوع إلى القرآن الكريم الذي

يقول لنا: [قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ] ، وإذا رجعنا إلى التاريخ الحديث سيتبين لنا

كيف هو من عند أنفسنا.

لقد وقعت الكارثة الأولى للمسلمين في هذه المنطقة عندما استطاع أعداء

الإسلام هدم الخلافة الإسلامية عام ١٩٢٣، وقد ساعد فريق من العرب الإنكليز في

الحرب العالمية الأولى، ساعدوهم على ضرب الأتراك طمعاً في دولة عربية،

فكانت العقوبة أن عاش العرب تحت حكم الإنكليز والفرنسيين عشرات السنين.

وجاءت الكارثة الثانية عام ١٩٤٨ بإنشاء دولة (إسرائيل) على أرض

فلسطين، فقامت على إثر ذلك انقلابات وثلت عروش، ولكن الناس اتجهوا إلى ... القومية والوطنية والاشتراكية، وما زالوا في هذا التخبط إلى أن جاءت الكارثة الثالثة عام ١٩٦٧ حين احتلت إسرائيل سيناء والضفة الغربية والجولان، في الساعات الأولى من الحرب. وكانت صدمة عنيفة للناس، اتجه كثير من بعدها إلى الدين، وامتلأت المساجد وخاصة من الشباب المسلم، وأصبحت ظاهرة واضحة في كل أنحاء العالم الإسلامي، وأعجبت المسلمين كثرتهم، فتعجلوا قطف الثمرة، وأصيبت الدعوة الإسلامية بنكسات هنا وهناك، فهل جاءت هذه الحرب لتهز العالم العربي والإسلامي هزة أقوى من سابقاتها، ليعود مثخناً بالجراح متأملاً: ما هي الأسباب، وما هو السبيل وكيف، نتعامل في السياسة، وكيف يفكر الغرب، ولماذا وصل إلى ما وصل إليه؟

ثانياً: من أخطر ما ابتلي به المسلمون طوال حقب طويلة من تاريخهم،

وخاصة في هذا العصر هو داء الاستبداد والدكتاتورية، وما يعقب هذا من الذل

والهوان اللذين يمارسان على الشعوب، ففي هذه الأنظمة الفرد هو الذي. يستطيع

أن يورط أمة بكاملها في حرب لا تبقي ولا تذر، وما على كبار القوم والعلماء

والمثقفين إلا السكوت أو التصفيق لهذا القرار أو ذاك.

إنها مصيبة المصائب هذه التي ابتلي بها المسلمون وأهل الشرق عامة، حتى

سرى الداء إلى العلماء والدعاة، بينما نجد أن الشورى أصل أصيل في السياسة

الشرعية الإسلامية، وأعتقد أننا إذا لم نرجع إلى هذا الأصل في كل شؤوننا، فلن

يكون هناك أمل بالنجاح، وقد كتب علماؤنا السابقون حول هذا الموضوع وهم

مدركون لخطورته، وكانوا يعانون مثل ما نعاني نحن الآن، كتب الإمام

الطرطوشي عن الشورى وذكر مثالاً فقال: ألا ترى أن إبراهيم -عليه السلام- أمر

بذبح ابنه عزمة لا مشورة فيها، فيحمله حسن الأدب على الاستشارة فيه فقال: [يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى] ، فإذا كان هذا في أمر

إلهي فكيف في غيره؟ !

ثالثاً: لماذا يخاف قومي من اليهود، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أنهم أضعف

مما نتصور، ورغم امتلاكهم للأسلحة المتطورة فإن عنصر الإنسان يبقى له دور

مهم، وهؤلاء يعتمدون على التكنولوجيا، لأنهم لا يملكون الإنسان الجاد، وهذا

يؤكد لنا مرة أخرى أن المشكلة ليست في صعوبة مواجهة الكيان الصهيوني، بل

في النية أصلاً لمواجهته، حتى لاسترجاع الأراضي التي فقدت عام ١٩٦٧ على

الأقل، وحتى لتأييد الانتفاضة التي تقاتل بالحجارة، فلماذا مؤتمرات السلام

والحرص عليها، ولماذا لا يبحثون هم عن السلام.

رابعاً: أظهرت هذه الحرب خفايا الدول والمجتمعات الغربية، وانكشف ما

كان مستوراً، كان التعصب وكره الإسلام والمسلمين مغطى بقشرة رقيقة من الحرية

والديمقراطية. لقد تعرض المسلمون الذين يعيشون في الغرب في هذه الأيام

للاستهزاء والسخرية، ثم الشتائم والضرب، وقد وقع في الولايات المتحدة أكثر من

مائة اعتداء على المسلمين من شتى الجنسيات، وفي بريطانيا تعرض مسجد في

مدينة (ووكنج) لحرق أبوابه، كما تعرض مسجد في مدينة (باتلي) لاعتداء مماثل،

وفرنسا أشد من بريطانيا في هذا المجال، والكتاب الأكثر مبيعاً الآن في ألمانيا هو

كتاب (سيف الإسلام) وأنه الخطر القادم.

وفي ندوة تلفزيونية في بريطانيا قال أستاذ جامعي قادم من إسرائيل: «أنتم

تتحدثون عن عاصفة الصحراء، وتنسون عاصفة أشد وهي عاصفة الإسلام» .

لقد ظهرت الفجوة العميقة بين ما يعلنه الغرب، وما يريده فعلاً، هذا مع أنه

لم يقع منهم ضحايا كثيرة فكيف لو وقع!

خامساً: سيكون من نتائج هذه الحرب ظهور أصناف من الناس، منهم

المتشائمون الذين سيقولون (ما في فائدة) ، العرب كذا، والمسلمون كذا ... ودعنا

نبحث عن جهة في العالم نعمل ونعيش، ويكون بعضهم متديناً فيقول: نعبد الله

لوحدنا ولا نتدخل في شيء، وهؤلاء رغم إخلاصهم ولكن تصرفهم يدل على

ضعفهم، وعدم قدرتهم على الصبر والاستفادة من النتائج.

ومنهم الذين يضخمون المشكلة ودور الغرب وأننا لا نستطيع الوقوف في

وجههم، وأن العالم كله ضدنا، وهذا الصنف قريب من الأول، وهؤلاء وأولئك

ممن لم يرسخوا بعد.

والصنف الثالث هم الذين تهب عليهم العواصف فلا تبددهم، ويتابعون الجهد

وعملية الإنقاذ، ويعلمون أنه لا ينجي من النوائب إلا الإخلاص والوعي والعمل

الدءوب.

سادساً: أثبتت هذه الحرب أن العرب إذا لم يهتدوا بهدي الإسلام، الذي يغير

من تركيبتهم الداخلية ويصوغهم صياغة جديدة فإنهم سيعيدون حرب (البسوس)

و (داحس والغبراء) التي يفنى فيها المال والأهل والولد.

لقد قامت حرب البسوس بين ربيعة وبكر لأسباب تافهة، من أجل ناقة جرباء

ولم تنته إلا بعد أربعين عاماً.

إن الذين يراهنون على المد القومي يثبتون أنهم أغبياء للمرة الثانية، فليس

هناك إلا (الله أو الدمار) .