للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون في أوربا

المسلمون في «ويلز» بين الأمس واليوم

ب. م. ناصر

يرمز ميناء كرديف في ويلز إلى فترة ذهبية تاريخها كان ينبض خلالها بالنشاط والحركة، وقد لفت انتباهي في أحد الأيام جماعة من الرجال يشقون

طريقهم نحو منطقة الشحن في الميناء وعلى رؤوسهم طاقيات بيضاء مزركشة،

توجهت نحوهم، بدأتهم بالسلام، فردوا علي التحية، وعرفت من الحديث إليهم

أنهم من اليمن، وأنهم جاءوا إلى ويلز بعد الحرب العالمية الثانية، فاستثار ذلك فيّ

رغبة شديدة للتحري عن وجود المسلمين في ويلز عموماً وكارديف خاصة باعتبار

أنها تحتوي أكبر تجمع للمسلمين.

نبذة عن بلاد الغال «ويلز» :

تشكل ويلز حوالي ثمن مساحة المملكة المتحدة ويصل عدد سكانها حسب

إحصائيات عام ١٩٩٠ إلى ثلاثة ملايين. ويعتمد السكان عموماً على الزراعة في

المناطق الداخلية والصيد البحري والتجارة على ضفاف المناطق الساحلية. وأهم

الصناعات المنتشرة في ويلز هي الصناعات الميكانيكية من سيارات وغيرها،

وصناعات الكترونية، وصناعات الحديد والصلب.. وتدر الصناعة على الإقليم

أرباحاً طائلة خاصة بعد تركز عدد كبير من الشركات اليابانية في المنطقة.

نبذة تاريخية عن المسلمين في ويلز:

مع دخول العقد الثاني للقرن العشرين بدأ وصول الأعداد الأولى من المسلمين

من موطنهم الأصلي اليمن كبحارة في الأسطول الملكي البريطاني، ثم توالى

مجيئهم بأعداد غفيرة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد رافق دخول

اليمنيين إلى بريطانيا عموماً وموانئ ويلز خصوصاً الهجرات الأولى من الصومال

في الثلاثينيات من القرن الجاري.

وبعد الحرب العالمية الثانية توافدت إلى بريطانيا أعداد غفيرة من المسلمين

الباكستانيين والهنود والبنغاليين حتى أصبحوا في مطلع الستينيات يعادلون مع

الجالية اليمينة ثم تجاوزوها مع انتهاء السبعينيات.

يبلغ عدد المسلمين في ويلز ما يقارب على اثني عشر ألف نسمة أكثر من ٧٠ % منهم في مدينة كارديف، ويتوزع الباقي على مدن نيوبورت بنسبة حوالي ١٥%، وسوانزي ١٠%، ويتوزع الباقي على مدن ويلز الأخرى.. ويتوزع المسلمون

في مدينة كارديف في المناطق الداخلية ويشكل المسلمون الباكستانيون والبنغاليون ما

يقرب من ٥٥%، واليمنيون حوالي ٣٥%، والصوماليون حوالي ٧%، كما يوجد

عدد لا بأس به من الطلبة المسلمين من المملكة العربية السعودية وماليزيا وليبيا.

أهم المرافق والمؤسسات الدينية:

يوجد في ويلز ما يزيد عن ١٥ مسجداً، عشرة منها في مدينة كارديف، منها

مسجدان للطلبة، ومسجدان لجماعة التبليغ، ومسجدان للبنغاليين، ومسجد للطائفة

البهائية المنحرفة، وآخر للقاديانية، ومسجد لليمنيين ومسجد آخر هو من أقدم

المساجد في ويلز وثاني مسجد في بريطانيا وهو تحت الترميم. وفي مدينة

نيوبورت يوجد مسجد لأهل السنة وآخر للشيعة، وكذلك في مدينة سوانزي يوجد

مسجد لأهل السنة وآخر للشيعة. ويرجع أول مسجد من حيث النشأة إلى زاوية

على الطريقة الصوفية أنشأها اليمنيون الأوائل لدى وصولهم إلى بريطانيا يمارسون

فيها شعائرهم التعبدية ونمو وتزايد الحاجة تم إنشاء مسجد جامع هو أول مسجد في

ويلز والثاني في بريطانيا وذلك عام ١٩٣١، وعندما قدم الباكستانيون والبنغاليون

أنشؤوا بدورهم مساجد صغيرة في مختلف مناطق ويلز التي تركزوا بها.

الإمكانيات الاقتصادية للمسلمين في ويلز:

إذا تتبعنا الأصول العرقية التي جاء منها المسلمون في ويلز أمكننا أن نعدد

مصادر الحياة الاقتصادية التي يرتزقون منها، فمنذ بدايات القرن الجاري كان

المسلمون الأوائل الذين استقروا بمدينة كارديف وغيرها يمتهنون إما الصيد

البحري، أو العمل على متن سفن الأسطول التجاري البريطاني، مع وجود أقليات قليلة كانت تعمل في المناجم.

أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد توافد المسلمون الباكستانيون والبنغاليون

والهنود وغيرهم واستقر هؤلاء في المدن الكبرى، حيث اشتغل أغلبهم في مصانع

النسيج والحديد والصلب ومناجم الفحم التي كانت تشتهر بها ويلز كبعض المدن

البريطانية الأخرى.

وقد عرفت فترة الستينيات والسبعينيات في بريطانيا عموماً اتجاهاً حكومياً

قوياً نحو التخلص أو التقليل من خطر مراكز الصناعة الكبرى التي تعتبر معاقل

للاتحادات النقابية، شمل ذلك الاتجاه مناجم الفحم وصناعات الحديد والصلب

والمرافئ البحرية، وعلى أثر ذلك وجد الكثير من المسلمين أنفسهم بدون عمل،

وكان عليهم أن يجدوا مخرجاً لأنفسهم وإيجاد مصادر جديدة للرزق. وبذلك تنوعت

اتجاهات المسلمين في هذا الشأن، حيث نجد أن المسلمين الباكستانيين اتجهوا نحو

الاتجار في العقارات والبيوت، أو تسيير معاملات البقالة، ثم اتجه نشاط كثير منهم

فأصبحوا يمتلكون الكثير من محلات الاتجار بالجملة.

أما المسلمون البنغاليون فقد تركز نشاط أغلبهم في فتح مطاعم عبر أنحاء ويلز

خاصة المدن الكبرى ككارديف ونيوبورت وسوانزي.. حيث لا تكاد شوارع

كارديف مثلاً تخلو من مطعمين أو أكثر من مطاعم البنغاليين، أما الجالية اليمنية

والصومالية فقد بقي أغلبهم يعتمدون على ما يقدمه الضمان الاجتماعي مع

استثناءات هنا وهناك، واحتفظ بعضهم بمناصبهم في الموانئ، أما البعض الآخر

فيعمل إما في مصالح البلدية المختلفة أو قطاع الخدمات العامة.

الأنشطة الثقافية التي تقوم بها المساجد والمراكز الإسلامية:

على الرغم من حالة المسلمين الاقتصادية في ويلز إلا أنهم ساهموا في شراء

وبناء المساجد. فقبل عام ١٩٨٠ لم يكن هناك سوى أربعة أو خمسة مساجد، ارتفع

هذا العدد خلال اثنتا عشرة سنة إلى حوالي عشرة مساجد أو أكثر وهذا في مدينة

كارديف فقط.

والدور الذي تقوم به بعض المراكز الإسلامية ينحصر أساساً في تنظيم

الحلقات والدروس العلمية أسبوعياً، وبعض المحاضرات الشهرية التي تتناول

قضايا ومواضيع شرعية، أو لتوعية المسلمين بواقعهم في مختلف أنحاء العالم زيادة

على بعض الرحلات الثقافية والرياضية التي تنظم بين الفينة والأخرى، وإذا أردنا

أن نتحدث بصراحة أكثر فإن أغلب الجالية المسلمة في ويلز عموماً وكارديف

خاصة لم يجدوا من يوجههم ويحرك نوازع الخير في أنفسهم، وأن يجندوا نحو

نشاط أفضل مما هم فيه من الخمول، نستثني من ذلك الجهد الذي يقوم به الإخوة

الصوماليون كتكملة للجهود التي يقوم بها الطلاب المبتعثون للدراسة.

وضعية التعليم والتربية الإسلامية:

كما ذكرنا فإن الجالية الإسلامية بشكل عام تعيش في حالة جهل وعدم اكتراث

ولذلك أهملوا تربية أبنائهم وقد قال لي أحد الشيوخ اليمنيين المسنين إن عدداً كبيراً

من أبناء المسلمين المولودين في هذه البلاد ضاعوا في غمرة ودوامة الحضارة

الغربية، وقطعت كل الأواصر والروابط التي تربط بينهم وبين الثقافة الإسلامية.

وإذا علمنا أن نسبة نمو المسلمين السكاني يبلغ حوالي ٤. ٥% سنوياً وهي

نسبة عالية جداً ومع مطلع سنة ٢٠٠٠ سيزيد عدد سكان المسلمين في ويلز إذا

استمر على معدله الحالي بحوالي ٥٠٠٠ نسمة وأن نسبة الشباب ما بين ١٨-٢١

سنة تصل إلى ٤٠%، وهو يثير علامة استفهام كبيرة حول تربية هؤلاء تربية

إسلامية، وتعليمها تعليماً إسلامياً يحول بينهم والانجراف وراء مغريات الحياة

الغربية، بل وتجعل منهم نماذج حية عن التربية الإسلامية الصحيحة القويمة.

الشيء الموجود في الوقت الحالي هي مدراس تعليم قراءة القرآن الكريم،

ولكن أي تعليم، ومن يعلم من؟ إن هذه المدارس تقليدية في كل شيء وجامدة لا

تريد تحديث أساليبها، والتعليم الذي تقدمه تجعل الشاب فيها يقرأ القرآن الكريم لا

يفهم منه حرفاً، وكأن هؤلاء لم يمروا أبداً بقوله تعالى: [ولَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ

فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ] ، غير أنه هناك محاولات مشاريع لعلها بواكير خير في هذا الشأن

ونذكر منها مؤسسة أمانة التربية والتعليم لجنوب ويلز التي أنشئت في الآونة

الأخيرة، وتنوي فتح مدارس دائمة للأطفال متى سمحت بذلك الإمكانات المالية

والتأهيل التربوي.

إن وجود مؤسسة تتولى تعليم أبناء المسلمين في ويلز أمر لا بد منه وإلا فاتنا

الأمر قبل أن نتداركه، ويضيع أبناء المسلمين وهم في غياهب المدارس

والمؤسسات التعليمية الإنجليزية، التي تسعى إلى تنصيرهم أو تلحيدهم كما فعلت

بالكثيرين.

واقع الدعوة الإسلامية:

إن الجهد الدعوي في أوساط غير المسلمين يكاد يكون منعدماً، عدا بعض

المحاولات التي لا تزال في البداية من قبل أحد المراكز الإسلامية، وهي على

ندرتها لا تلبي الطلب ولا تعفي الجميع من تحمل أعباء المسؤولية مع أن المسلمين

هم أحوج الناس إلى الدعوة قبل غيرهم، إنهم في حاجة إلى أن تعمق صلتهم

بالإسلام، وأن يفهموه كما فهمه السلف الصالح -عليهم رضوان الله-، وهم في

حاجة قبل ذلك إلى أن يتعلموا الإسلام كما يتعلم الصبيان القراءة والكتاب والحساب، وليس هذا بالعجيب لمن عرف المستوى الذي وصل إليه المسلمون..

غير أن هذا لا يجب أن يؤول بنا إلى اليأس، بل أن نعقد النية على العمل

لإصلاح المسلمين وتفقيههم بعون الله، ودعوة أهل هذه البلاد ولعلنا نقصر خلاصة

ذلك في النقاط التالية:

١- العمل على إيجاد مؤسسة تتكفل بالنشاط الدعوي وتضع لذلك خطة دقيقة

تشمل الجاليات المسلمة وغير المسلمين من أهل هذه البلاد.

٢- السعي نحو إعداد الدعاة المؤهلين بالعلم الشرعي الصحيح والقادرين على

مخاطبة أهل البلاد بلسانهم.

٣- إعداد مطبوعات ومنشورات ... وتوزيعها على غير المسلمين والعمل

على أن يكون المسلم محل انتباه هؤلاء بسلوكه الإسلامي وأخلاقه القويمة.

٤ - تنظيم المحاضرات والندوات خاصة في الوسط الطلابي وإثارة

المواضيع حتى يصبح حديث العام والخاص ومحل الاهتمام.

خلاصة عامة:

إن ما نخلص إليه عقب هذا العرض هو أن الطلبة المسلمين المبتعثين إلى

ويلز عليهم أن يقوموا بمسؤولياتهم وأن لا تكون دراستهم هي همهم فقط، ولكن أن

يضحوا ببعض أوقاتهم وأموالهم في سبيل إحياء هذا الدين في قلوب المسلمين أولاً

وبثه كنور يشع في قلوب أهل البلاد من غير المسلمين، وأن يعتبروا أنفسهم امتداداً

للإسلام في أوطانهم، وهداة لكل تائه ونوراً لكل حائر.

المراجع:

١- British Review of Statistic , Soutwales , ١٩٩٠ , British

Statistic Board.

٢- The New Islamic Presence in Britain , by T. Gerham

& Y. G. Litham.

٣- Muslims in Britain , by Dr. Darsh.

٤- Wales Geography , by T. Care.