للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزاوية الطبية

أمراض عصرية في الميزان

د. خالد الموسى

سنتناول في سلسله من الحلقات بإذن الله بعض الأمراض القديمة - الحديثة

من منظور عصري، ومن منظار إسلامي بنفس الوقت، وسواء كانت هذه

الأمراض عضوية أم نفسية أم اجتماعية وسلوكية أو بيئية.. لما لها من تأثير ضار

على الإنسان، سواء على صحته أو نفسيته وسلوكه، أو ما يفسد بيئته ومحيطه من

التأثيرات الضارة..

ونظراً لانتشار الكثير من هذه الأمراض في عصرنا، فإنه من الواجب علينا

توضيح هذه الأوبئة العصرية، بصورة مبسطة وعلمية، كخطوة أولية للحفاظ على

الصحة.. بل والوقاية من الأمراض أصلاً.. وذلك كضرورة دينية؛ لأن ذلك من

تحقيق مقاصد الشرع في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

التدخين ذاك السّم القتال

لقد عرف التدخين والتبغ عند الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية والمكسيك

وكوبا، ومن ثم انتقل إلى أرجاء العالم. لقد اعتاد كثير من الناس على تدخين

السجاير أو الغليون أو النرجيلة، وتفشت هذه العادة السيئة في كثير من المجتمعات

الإسلامية، بل والأسر المسلمة والبيوت المتدينة والمحافظة، وذلك نتيجة للاحتكاك

والاختلاط الاجتماعي والدولي والتجاري منذ القديم وإلى الآن بصورة أوسع وأسرع.

وللأسف لقد ساد مفهوم خاطئ عند البعض بأن التدخين يمثل وجهاً حضارياً

جديداً، ومعبراً عن الرقي والمكانة الاجتماعية، ودليلاً على المستوى الثقافي

والمركز العلمي.. بل اعتبره البعض دلالة على الرجولة وعلامة على القوة

والشباب، ودلالة على الفتوة والنشاط.

وقد تفشت هذه العادة حتى عند النساء والسيدات في مجتمعاتنا بدعوى التمدن

والتقدم والرفعة الاجتماعية ... ومع هذا برزت مغريات، وراجت دعايات خاطئة

بأنه يريح النفس، ويهدئ الأعصاب، ويساعد على قوة التركيز، وزيادة النشاط

الذهني.

ونسي أو تناسى أولئك أن هذا السلوك هو اتجاه خاطئ وعادة خطيرة.. سواء

على مستوى الفرد أو المجتمع، بل إنه انتحار بطيء مع سبق الإصرار والتصميم

وقتل النفس، وطريق للهلاك، والدمار. يقول تعالى: [ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى

التَّهْلُكَةِ] [البقرة: ١٩٥] .

ومن هذه التهلكة تأثير التدخين (بشتى أنواعه) على معظم أجهزة الجسم بشكل

تدريجي وبطيء.

ومنذ البدء نشير إلى أن التأثير الضار للتدخين يكون باتجاهين مهمين:

١ - تأثير ضار موضعي مباشر: عن طريق استنشاق أغبرة ودخان السجاير

أو الغليون والنرجيلة.

٢ - تأثير ضار عام: بما يحتويه من مواد كيماوية ضارة.. ومسرطنة:

كالنيوكوتين والقطران وتأثيراتها على الجسم وأجهزته.

ورغم انتشار التدخين في البلاد الغربية، فحملات التوعية ومكافحة التدخين

والمراقبة على شركات تصنيع السجاير لتنقيته من القطران والمواد المسرطنة،

وبالرغم من التوضيحات الضارة على علب السجاير، واتخاذ القوانين الصارمة

ببعض المجالات، ما زالت السجاير تشكل نسبة كبيرة من أسباب الوفيات في العالم

والتي تقدر بالملايين سنوياً، وللأسف ما زلنا نحن في مجتمعاتنا، كبقية بلدان

العالم الثالث نروج للسجاير بوسائل الإعلام المختلفة، فضلاً عن فقدان المراقبة لما

تحويه السجاير من المواد المسرطنة والضارة، ومن نسبة تركيزها في السجاير.

يسير العالم نحو حرب ضد السجاير والتدخين.. فحري بنا نحن المسلمين أن

نكون أول من يتخذ خطوات إيجابية للوقوف أمام تفشي هذه العادة السيئة والخطيرة.

وطبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن التدخين يعتبر أخطر وباء عرفه

الجنس البشري، والوفيات الناتجة عنه تعد أكثر الوفيات التي عرفها تاريخ الأوبئة، وخصوصاً في الدول الفقيرة، حيث تكثف شركات التدخين دعايتها، وتروج أردأ

أنواع الدخان وأخطرها ضمن خطة تستهدف الربح المادي أولاً وتدمير لبنية تلك

الشعوب ثانياً.

نسأل الله لكل مدخن أن يرزقه الإقلاع الفوري عن هذا الوباء القتال.