للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندوات ومحاضرات

مع الانتفاضة في عامها الأول

(٢ - ٢)

ضيوف الندوة:

* فضيلة الشيخ: حسن يوسف: من القيادات البارزة في حركة حماس في

الضفة الغربية رام الله.

* الدكتور: محمد صالح: عضو مؤسس في حركة حماس، ممن شهد النكبة

عام ١٩٤٨م.

* الأستاذ الدكتور: سيف عبد الفتاح: أستاذ العلوم السياسية، كلية الاقتصاد

والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

* الأستاذ الدكتور: عبد الستار فتح الله سعيد: أستاذ التفسير بجامعتي الأزهر

وأم القرى سابقاً.

في القسم الأول من هذه الندوة دار الحديث حول المحور الأول، وكان عن

المرحلة السابقة من العمل الإسلامي في فلسطين قبل الانتفاضة الأخيرة، أما

المحور الثاني فكان عن ملامح التعامل مع المرحلة الحالية في حال استمرار

الانتفاضة، وقد تقدم في القسم الأول جزء من الحديث عن المحور الثاني، وفي

هذه القسم تتمة للمحور الثاني؛ إضافة إلى المحور الثالث الذي يدور حول الآفاق

المستقبلية للأوضاع في فلسطين.

- البيان -

البيان: هل هناك تصور لتفادي خطف ثمرات الانتفاضة مرة أخرى أو

تحويل نتائجها لغير صالح الفلسطينيين عموماً والإسلاميين منهم خصوصاً؟

الدكتور محمد صالح:

لقد استفادت حركة حماس داخل فلسطين من تجربة الانتفاضة الأولى بشأن

خطف ثمرات الانتفاضة، واحتمال الانحراف بها عن أهدافها من خلال الإجراءات

الآتية:

أ - الحرص على تكوين قيادة وطنية إسلامية للانتفاضة تلتقي حول أهداف

محددة للانتفاضة.

ب - اتفاق القيادة الوطنية والإسلامية على أهداف الحد الأدنى للانتفاضة

وهي دحر الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية على المناطق المحتلة عام ١٩٦٧م،

وعاصمتها القدس لا يترك مجالاً للانحراف عن هذه الأهداف.

ج - حرصت الحركة على تكثيف تواصلها مع الشارع الفلسطيني من أجل

توعيته وتعبئته ضد الاحتلال؛ حتى تتحقق أهداف الانتفاضة من جانب، وتضمن

التعاطف مع الحركة ليحميها من عدوان السلطة عليها في حال توقف الانتفاضة من

جانب آخر.

د - تأكيد حركة حماس على تجنب أي مواجهة مباشرة مع السلطة، وأن

تكون المواجهة في حال حدوثها معارضة سياسية، ومن خلال موقف موحد بينها

وبين القوى الوطنية والإسلامية والشارع الفلسطيني.

وتدرك حركة حماس أن احتمال انحراف السلطة عن أهداف الانتفاضة وارد

في ظل المعطيات الحالية، وهو احتمال بعيد في عهد شارون الذي يرفض إعطاء

الفلسطينيين أي حقوق سياسية، ويرفض بشكل صريح قيام دولة فلسطينية مستقلة.

البيان: ماذا عن أموال الدعم، وهل من سبيل لطمأنة من يريدون تقديم الدعم

المالي من الخوف المزمن من عدم وصول هذا الدعم إلى من يخدمون القضية

بالفعل؟

الدكتور محمد صالح:

أموال الدعم التي تصل إلى السلطة الفلسطينية ظلت دوماً بعيدة عن الرقابة

الدقيقة، وفي مرحلة الانتفاضة أصبحت الضغوط المادية على السلطة كبيرة كما

زادت حاجات الناس.

أما أموال الدعم التي تصل عن طريق الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة في

الأراضي المحتلة فإنها مأمونة ولا مجال لسوء توزيعها أو عدم وصولها؛ لأن

القائمين عليها ثقات، وهم حريصون على أن تصل الأموال إلى من يقوم على

كاهلهم عبء الانتفاضة ومقاومة الاحتلال، وإلى الفقراء وأبناء الشهداء وعائلاتهم.

ويضيف الشيخ: حسن يوسف:

هناك بالتأكيد عناوين موثوقة تتولى شأن تلقي الاعتمادات والتبرعات المالية،

سواء كانت شخصيات معتبرة مشهود لها بالجهاد ونقاء اليد والصدق والإخلاص،

أو لمؤسسات إسلامية هي أصلاً تعمل في صلب الخدمة المجتمعية العامة.

البيان: ما مدى جدية اليهود في ضرب العناصر المنتسبة للسلطة والتي تريد

أن تظهر بمظهر المقاومة الحقيقية؟ وبماذا تفسرون ضرب مراكز السلطة؟

الشيخ حسن يوسف:

ضرب اليهود لمراكز السلطة الهدف منه واضح، وهو جعل السلطة عنواناً

وحيداً يتولى شؤون الفلسطينيين؛ ومن ثم فإن ضربه بالأساس هو لإحداث التأثير

عليه بالدرجة الأولى، وفي حال أفلح ضربه فإن إسكات بقية قطاعات الشعب

الفلسطيني تصبح أسهل، وهو الدور الذي لا يؤيد اليهود جميعهم أن يدخلوه،

ويتركوه للسلطة في الأيام المقبلة في حال حصول توافق بين السلطة والاحتلال،

على غرار ما حدث في السنوات الفائتة، وسيكون الحال أشد في هذه المرة

لاعتبارات كثيرة. على أنه من الملاحظ أن ضرب أهداف السلطة هو مقصور على

المقرات والمراكز الرئيسة للأجهزة الأمنية؛ وذلك من أجل إظهار الصراع وكأنه

بين طرفين عسكريين! ثم إن العناصر التي تطالها إسرائيل هي الجنود والعناصر

الفاعلة من شباب فتح وهم بالعادة يتخذون وقوداً لمثل هذه المعركة، ولغاية الآن لم

تستهدف إسرائيل باغتيالاتها أحداً من المستوى السياسي سوى الشهيد ثابت ثابت،

مسؤول تنظيم طولكرم.

البيان: ننتقل في الحوار إلى الأستاذ الدكتور سيف عبد الفتاح:

ما تقييمكم لما جرى في كامب ديفيد الثانية؟

حينما نتحدث عن كامب ديفيد الثانية فإنه ينبغي ألا نذكر إسرائيل فحسب؛

ولكن الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنها كانت برعاية أمريكية، مثلما كانت كامب

ديفيد الأولى، وبين الأولى والثانية صلات وثيقة وتشابه وتناغم؛ فبين تدشين

الأولى والثانية ضاعت الأهداف الامريكية.. لا بد أن نؤكد ذلك.. أن الانتفاضة

استطاعت أن تضع الأهداف الأمريكية الاستراتيجية موضع تساؤل، وهي التي

تتعلق بالنفط والأمن الإسرائيلي واستقرار منطقة الشرق الأوسط.

أما النفط فما زال الأمر بين شد وجذب؛ فالأوبك الآن استعادت دورها

لمصلحتها وإن صادف ذلك أن يكون مقترناً بعدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط،

وعدم الاستقرار في المنطقة هو السمة السائدة على عكس ما كانت ترغب

الولايات المتحدة.

أما أمن إسرائيل فلا أحد يستطيع أن يقول إن هناك أمناً.

آخر هذا الأمر ما تؤكده تصريحات شارون بأنه أعطى الضوء الأخضر

لبيريز أن يقوم بالتفاوض مع الفلسطينيين؛ ومعنى ذلك أنه اعتقد تماماً خطأ ما قام

به من أفعال سعياً وراء الأمن؛ لأنه عندما أراد أن يوجد الأمن إذا به يفقد الأمن من

أوسع الأبواب.

الأمن لا يأتي من الحرب.. التجارب تخبرنا بذلك.. إسرائيل دائماً تنتصر

في المفاوضات؛ لأن لديها لجاجة في المفاوضات.. لديها قدرة على الجدل

والالتفاف على مائدة المفاوضات، أما في الحرب فأستطيع أن أقول لك إن الحرب

لو تمت على شكل المواجهة كما تتم في العملية الانتفاضية فإن إسرائيل دائماً تخسر

على الرغم من أنها تستخدم قدرات قتالية وسلاحاً وعتاداً بشكل مركز ومكثف لا

يتناسب مع العتاد الموجود على الجانب الفلسطيني، لكن يظل هنا أن للقوة سقفاً

وللضعف قوة!

وهذه القضية غاية في الأهمية كما رأينا في المقاومة اللبنانية التي استطاعت

أن تفرض عناصر المعادلة الخاصة بها على إسرائيل؛ لأن إسرائيل لا تعرف إلا

هذه اللغة.. لا بد أن يألموا كما نألم ويتضرروا كما نتضرر، ومن يقل إن بين

هؤلاء مدنيين فهو واهم وتفكيره فاسد في حقيقة الأمر.

علينا أن نصحح للعالم المفاهيم. لماذا يموت المدنيون على الجانب الفلسطيني

بلا حساب؛ وحينما يموت مدني واحد لإسرائيل تقوم الدنيا؟

الولايات المتحدة تظل صامتة عندما تأخذ إسرائيل في تصفية العناصر النشطة

أو في تصفية البشر أو في ضرب المدنيين الفلسطينيين، لكنها خرجت عن صمتها

وتحاول أن تحتوي الموقف من أجل إسرائيل وبصراحة. إن دفع الولايات المتحدة

لاتخاذ موقف لا يتأتى إلا بمزيد من هذه العمليات؛ لأن مثل هذه العمليات هو الذي

سيجعل الولايات المتحدة تبعث مراقبين دوليين لا لحماية الفلسطينيين ولكن لحماية

اليهود.

البيان: هل يتوقع في المستقبل القريب أن يزج بحلفاء إسرائيل في الصراع

الدائر الآن؟

أ. د. سيف عبد الفتاح:

هذه المنطقة بحكم التاريخ وبحكم الجغرافيا منطقة مستهدفة؛ لأنها قلب الدنيا،

ليس نحن الذين نقول ذلك ولكن التاريخ والجغرافيا، ولذلك قال العلماء

الاستراتيجيون: إن من يريد السيطرة على الدنيا عليه أن يسيطر على هذه المنطقة،

وإن هذه المنطقة إذا قوي أهلها ملكوا الدنيا. هذه المسألة مسألة أصبحت من

الأمور المتعارف عليها، وفي هذا المقام لا نستطيع بأي حال من الأحوال إلا أن

نقول: إن هذه المنطقة بطبيعتها عقدة استراتيجية.

البيان: هناك تصور يفترض أن اليهود حريصون على استمرار التوتر وعدم

إيقاف الانتفاضة لاستغلالها لأغراض أخرى؛ فهل توافقون على هذا التصور؟

الدكتور محمد صالح:

إن استمرار التوتر وتصاعد العنف في ظل تخبط السلطة الفلسطينية وتذبذب

الموقف العربي الرسمي، وقدرة إسرائيل الفائقة على كسب الجولة إعلامياً على

المستوى العالمي من خلال تحميل الفلسطينيين بطريقة مباشرة وغير مباشرة

مسؤولية استمرار العنف، إلى جانب تغليب العامل الأمني على حساب السياسي

والإنساني إضافة إلى التعتيم الإعلامي على الأهداف السياسية للانتفاضة والضبابية

الكثيفة التي تحجب بها عن العالم رؤية الأحداث في الأراضي المحتلة وتطور

الانتفاضة ومستقبلها؛ كل ذلك قد أتاح لإسرائيل أن تجعل العالم ينظر للانتفاضة

على أنها عنف ضدها، وأن إجراءاتها تمثل رداً على العنف حماية لأمنها.

في ظل هذه السياقات الدولية غير المواتية بالنسبة للانتفاضة ومع استمرار

موقف السلطة الفلسطينية المتردد تجاه الانتفاضة، والذي بات يشكل عبئاً على

الانتفاضة؛ فإنه يبدو أن إسرائيل مستفيدة من الانتفاضة بما تتيحه لها من ذرائع

لتقطيع أوصال الضفة والقطاع وتصعيد عمليات الاغتيال للقيادات الفلسطينية،

كما يغطي على إجراءات الحصار الاقتصادي والضغط على الفلسطينيين، وهو

الأمر الذي سيؤدي لهجرة معاكسة إلى خارج فلسطين في نهاية المطاف.

وبالنسبة لشارون فإن الانتفاضة هي التي جاءت به إلى الحكم؛ فإن

استمرارها بوتيرة منخفضة يضمن له الاستمرار في الحكم؛ لأنه الأقدر في نظر

الإسرائيليين على تحقيق الأمن الشخصي لهم، وأما تصاعد العمل العسكري فيمثل

بالنسبة لشارون ذريعة أمام العالم وأمام قوى اليسار الإسرائيلي لاجتياح مناطق

السلطة الفلسطينية والقضاء على مؤسساتها، وهو هدف يسعى إليه شارون واليمين

الإسرائيلي المتطرف؛ لأن وجود مؤسسات السلطة بشكلها الحالي يعني استمرار

التواصل الدولي في الخارج ومع الفلسطينيين داخل فلسطين، وهو ما يعمل شارون

على إنهائه من أجل إعادة الأحوال إلى ما كانت عليه قبل عام ١٩٩٣م، أو إقامة

سلطة وطنية محدودة تنحصر مهمتها في إدارة الشؤون الفلسطينية المدنية وبدون أن

تكون لها أي صلاحيات سياسية.

أما في حال استمرار الانتفاضة مع تزايد آثارها الضارة على إسرائيل وعدم

القدرة على إخمادها فإن ذلك سيعطي ذريعة لشارون ودافعاً للإسرائيليين أن

يخوضوا حرباً إقليمية ضد سوريا ولبنان وربما العراق بدعم من أمريكا؛ لأن

تحقيق نصر حاسم على الجبهة الشرقية في رأي القيادة الإسرائيلية الحالية يصبح

هو الأسلوب الوحيد لتهديد النظام العربي بمجمله وفرض شروط إسرائيل على

العرب وعلى الفلسطينيين لإيقاف الانتفاضة، وهذا أمر يستبعد حدوثه قبل سنتين أو

ثلاثة.

يتبين مما سبق أن استمرار الانتفاضة دون تطوير لمواقف السلطة الفلسطينية

من الانتفاضة، ومواقف القوى الوطنية والإسلامية المشاركة في الانتفاضة، ومن

دون تطوير الموقف العربي والإسلامي نحو وضع برنامج وخطط عمل مرحلية أو

استراتيجية فإن النتائج الإيجابية للانتفاضة ستتآكل وتتراجع.

المحور الثالث: الآفاق المستقبلية للأوضاع في فلسطين:

البيان: هل هناك خطة أو تصور للانطلاق من المرحلة الحالية بطبيعتها إلى

مرحلة جديدة بطبيعة جديدة في التعامل مع اليهود؟ وهل سيظل طرح حماس هو

(المقاومة) ، أم يمكن أن يتطور إلى (التحرير) ؟

الدكتور محمد صالح:

الانتقال من مرحلة المقاومة إلى مرحلة التحرير يحتاج إلى مقومات ذاتية

وظروف إقليمية وعالمية، وأهم المتطلبات على المستوى الذاتي للبدء في مرحلة

التحرير هو:

- أن تتحقق الوحدة الوطنية الراسخة أولاً حول ميثاق تجمع عليه الأمة

وتلتزم به قيادة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهو ما حرصت عليه

وعملت من أجله حركة حماس منذ نشأتها.

- والأمر الثاني هو أن يكون هناك إجماع عربي وإسلامي على تقديم الدعم

اللوجستي للمقاومة، والإعداد والاستعداد لصد أي عدوان إسرائيلي على الأمة

العربية، وهو أمر يحتاج إلى بناء ثقافي وسياسي واقتصادي للأمة إلى جانب القوة

العسكرية.

- والأمر الثالث متعلق بالموقف الدولي ومدى تفهمه للمطالب الفلسطينية

وتخليه عن دعم موقف إسرائيل.

أمام هذا الواقع يتبين أن المرحلة ما زالت مرحلة مقاومة، وهذا لا يمنع من

رفع شعار التحرير سواء مرحلياً أو نهائياً؛ لأن ذلك يساهم في حشد العون والدعم

للمقاومة.

البيان: ما هي الاحتمالات أو السيناريوهات المتوقعة للأحداث في المنطقة،

وما هو التحرك المناسب لكل احتمال منها؟

أ. د. سيف عبد الفتاح:

السيناريوهات المتوقعة كثيرة بعضها سيئ، وبعضها أسوأ، وبعضها أفضل

بحكم تفضيلات معينة.. لكن أستطيع القول إن الانتفاضة أحدثت تطوراً نوعياً

وكيفياً وكمياً بحيث أصبحنا نبصر سنناً للعمل الانتفاضي وقواعد يستطيع من خلالها

المواطن الفلسطيني أن يقدم دوراً وشكلاً ونشاطاً وفاعلية رائدة في هذا المقام.

ومن ثم أنا لا أحب فكرة السيناريو؛ لأن هذه الفكرة مأخوذة من الجانب الفني

والتخيلي وربط الأمور بعضها ببعض بطريقة لا تصلح لتصور المستقبل.

وعموماً علينا دائماً أن نتصور الأمور ليس في إطار سيناريوهات ولكن في

إطارها السنني؛ أي أننا لو فعلنا كذا وكذا لوجدنا كذا وكذا؛ ومن ثم هناك احتمالان

لما يمكن أن تؤول إليه الأمور:

الأول: أن تستمر الانتفاضة وتتعاظم وتنضج، وأنا أظن أن هذا هو الطريق

إلى الحصول على بعض الحقوق.

الثاني: أن تحدث عملية التفافية حول الانتفاضة بل مؤامرة، ومن ثم تظل

هذه الانتفاضة موجودة، تخبو حين يجتمع عليها الأطراف في الداخل والخارج

بشكل من الأشكال في محاولة جديدة لوأدها، لكن يبقى أن هذه الانتفاضة لن

تموت.. ستسير.. ستنمو، وهذه طبيعة الصراع الذي يستمر أجيالاً.. يجب ألا

ننظر إلى الصراع على أنه معركة واحدة وتنتهي سواء بهزيمتنا أو بهزيمتهم.. لن

تنتهي هذه المعارك إلا بعد فناء طرف لحساب آخر؛ لأنه صراع وجود وما يحدث

اليوم هو مداولة بين الطرفين.

وأنا أحسب أن الانتفاضة تتحدث عن نفسها الآن باعتبارها الجولة الأكثر

فاعلية بالنسبة للعرب والمسلمين، نحن عرفنا الآن الطريق.. الطريق هو العقيدة

القتالية التي تحترق معها أمريكا قبل إسرائيل.

الدكتور محمد صالح:

في رأيي أنه في ظل العنجهية الإسرائيلية المستندة إلى التفوق في الإمكانات،

والاستناد إلى التأييد الأمريكي الاستراتيجي لها في مقابل ضعف فلسطيني وعربي،

إلى جانب تعدد القوى المؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر على الانتفاضة بشكل

خاص وعلى مجمل مسار القضية الفلسطينية بشكل عام؛ فإن هذا كله يفتح المجال

أمام عدة سيناريوهات محتملة تنتهي إليها الانتفاضة، نشير إليها فيما يلي:

١ - استمرار الانتفاضة على هذه الوتيرة لعدة سنوات إذا استمر موقف

السلطة السياسي يراوح مكانه، واستمر الدعم العربي للشعب الفلسطيني بصيغته

الحالية، وبقيت (إسرائيل) عاجزة عن حسم الموقف سلمياً بالتنازل للفلسطينيين

أو حربياً باجتياح مناطق السلطة الفلسطينية نتيجة لظروف دولية وضغوط أمريكية

تمنع ذلك الاجتياح.

٢ - تطوير الانتفاضة وتصاعدها في حال قيام وحدة وطنية إسلامية تقود

الانتفاضة لتصبح العنصر الأساسي في قيادة مسيرة الحرب والسلام مع (إسرائيل) ،

وإن إمكانية ظهور مثل تلك القيادة لا تحدث إلا في حال اجتياح الجيش الإسرائيلي

لمناطق السلطة وانهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية دون أن تتمكن إسرائيل من عقد

صفقة مع التيار الفلسطيني المتصهين في السلطة تتولى فيه تلك الشرذمة قيادة

الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال؛ وطبيعي ألا يحدث هذا إلا بعد تصفية عرفات

أو غيابه عن الساحة الفلسطينية.

٣ -أن تشن (إسرائيل) حرباً إقليمية تُخرِج سوريا من معادلة الصراع مع

(إسرائيل) ، وتحاصر حزب الله في لبنان، وتنتهي بإتمام تسوية إقليمية لا تترك

للفلسطينيين الخيار وتفرض عليهم الاستسلام، وهذا السيناريو يقتضي تقاطع الخطة

الإسرائيلية تجاه سوريا وحزب الله مع الخطة الأمريكية ضد العراق.

٤ - استئناف المفاوضات سواء كان ذلك في ظل استمرار الانتفاضة ولكن

بشرط توقف المقاومة المسلحة أو بشرط توقف الانتفاضة، وتعهد السلطة بالتصدي

للمقاومة المسلحة.

ويتحدد السيناريو بحسب معطيات الموقف الأمريكي والإسرائيلي وموقف

عرفات بشكل رئيسي، ومدى صمود الشعب الفلسطيني وإمكانية وحدة القوى

الفلسطينية المشاركة في الانتفاضة إلى جانب مواقف الدول العربية من السيناريو

المطروح.

وحيث إن التوجه الأساسي للرئيس الأمريكي الجديد (بوش) في المنطقة هو

الحفاظ على التوازن الإقليمي في المنطقة وضمان أمن إسرائيل وتفوقها؛ ولذلك فإن

السيناريو المفضل أمريكياً هو استئناف المفاوضات بشروط إسرائيل وبالشكل الذي

يقلل من العداء لأمريكا في المنطقة.

وبناءً على ذلك يصبح السيناريو المحتمل هو محصلة الاستراتيجيات الآتية:

الاستراتيجية الإسرائيلية وتوجهات شارون، والاستراتيجية الفلسطينية في حال قيام

قيادة وطنية موحدة، وتوجهات عرفات، إلى جانب موقف النظام العربي والمجتمع

الدولي خلال هذه المرحلة التي تمتد لعامين أي حتى موعد الانتخابات الإسرائيلية

القادمة.

وفي ظل المعطيات القائمة تظهر أهمية امتلاك رؤية لهذه المرحلة ابتداءً،

وهي استمرار المقاومة من أجل تكريس الرفض الشامل للاحتلال الإسرائيلي،

وتوحيد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتفعيل الدعم العربي والإسلامي

للانتفاضة والمقاومة، وعزل إسرائيل عربياً ودولياً، وإرهاقها سياسياً واقتصادياً.

وانطلاقاً من مثل هذه الرؤية يصبح التحرك المناسب على المستوى الفلسطيني هو

الوحدة الوطنية، واستمرار الانتفاضة، وتهديف المقاومة المسلحة وتصعيدها بشكل

مدروس ما أمكن.

أما على المستوى العربي فهو الإعداد والاستعداد لمواجهة عدوان إسرائيلي

محتمل إلى جانب إعداد الشعوب وتوعيتها بمثل هذا الاحتمال.

ولا بد من العمل بقوة وفاعلية على المستوى الدولي من أجل لجم إسرائيل عن

تصعيد عدوانها على الشعب الفلسطيني وتحذيرها من العدوان على الدول العربية.

البيان: متى ينتقل العمل الإسلامي في فلسطين وغير فلسطين من دائرة رد

الفعل إلى دائرة الفعل؟

الشيخ: حسن يوسف:

عندما تتجه قدرات الإسلاميين إلى تنظيم وتطوير واقعهم وتنمية هذا التطوير

بشكل علمي راشد؛ بحيث يتجاوزون مرحلة الخطاب، والارتفاع إلى مستوى

العصر واحتياجاته بما هو منسجم مع عقيدتنا، وبلورة أهداف واضحة، ووضع

وسائل مناسبة لبلوغها، والسير نحو تحقيق الأهداف بثبات ولو كان ذلك بطيئاً،

وأن نحترم هذه الأهداف ونكون أرضاً لها، ثم أن يتميز أداؤنا بالجدية والالتزام.

الدكتور محمد صالح:

سيحدث الانتقال إن شاء الله حين يصلح حال الشعوب ثقافة ووعياً، ويصلح

حال الأنظمة تطوراً وتتخلص من هيمنة الغرب عليها، وتتحقق لشعوبها الحرية

السياسية والاقتصادية، وتكون هناك شفافية تحول دون الاستبداد والفساد.

أ. د. سيف عبد الفتاح:

الذي أراه أن الظاهرة الإسلامية الآن هي في طريقها لأن تكون أكثر نضوجاً،

وأكثر فاعلية، وأكثر رسوخاً على الأرض؛ بمعنى أنها تقدم اليوم أطروحات،

ليس فقط حركية وإنما أطروحات فكرية، وأنا أظن أن الأطروحات الفكرية في هذا

الوقت لها أهميتها؛ لأن حركة بلا فكر لا يمكنها الوصول إلى مقصدها النهائي،

وفكر من غير حركة لا يمكنه أن ينشط ويحيا طويلاً في هذا السياق؛ ومن ثم على

ما أعتقد أن الحركة الإسلامية الآن تمر بمرحلة أكثر نضجاً، ودليلي على ذلك ما

يحدث للانتفاضة. إن خطاب القوى الإسلامية في الانتفاضة أصبح أكثر نضجاً؛

والقوى الإسلامية أصبحت تتعامل مع القوى الوطنية والقوى الوطنية، أصبحت

تعترف بالقوى الإسلامية وبفاعليتها على الأرض بحيث أصبحنا في سفينة واحدة.

البيان: لكن أما ترى في التجارب السابقة أنه في أوقات الأزمات دائماً

تُستخدم القوى الإسلامية وقوداً وعنصر دفاع حتى إذا ما انتهت الأزمة يلقى

الإسلاميون المصير المكرور؛ فما هي الضمانة لجدوى الوثوق في القوى الوطنية

إلى هذا الحد؟

أ. د. سيف عبد الفتاح:

القوى الإسلامية لها فضل دائماً على أن تظهر في الفترات التي تَهِنُ فيها الأمة،

فتكون الصورة التي تحمل لواء المقاومة في وقت ساد فيه الوهن، لكن لا ينبغي

للقوى الإسلامية أن تدخل في نزاع جانبي الآن مع القوى الوطنية؛ لأن الإسلاميين

رواد أمة.. ومن هنا كان ابن تيمية حريصاً على وحدة الصف إلى جانب السلطان

في حال وجود العدو الخارجي، وأنا أعلم أن الحركة الإسلامية على أرض فلسطين

تعرف كيف تواجه عدوها الخارجي وهو عدو استئصالي.. استيطاني، ولهذا فلنا

الفخر أن يحمل هؤلاء لواء الجهاد والمقاومة حينما تضعف وتخبو الأمة، وهذه

سلطة ما بعدها سلطة، سلطة في التاريخ قبل أن تكون سلطة بالمفهوم السائد اليوم.

البيان: هل يمكن التحكم من قبل الأعداء في رد فعل الأمة الإسلامية، إذا ما

تعرضت المقدسات في فلسطين لاعتداء تخريبي مباشر؟

الأستاذ الدكتور عبد الستار سعيد:

حين يكون الكلام عن المسجد الأقصى فحينئذ يستفز الناس ويستنفرون من كل

مكان في غضبة لا يستطيع أحد أن يقف أمامها، ومع ذلك حتى لا نخادع أنفسنا فإن

اليهود يستطيعون مع الأسف الشديد أن يفعلوا أشياء كثيرة في المسجد الأقصى ولا

يمنعهم من ذلك إلا أنهم يحسبون ألف حساب للرد الفعلي الفوري للأمة الإسلامية،

وهذا ما ينبغي أن تعلمه كافة الدوائر على المستوى الدولي وعلى المستوى الغربي

والعربي رسمياً وشعبياً؛ وهو أن المسألة إذا مست الأوتار الدينية فلا يستطيع أحد

أن يتنبأ على الإطلاق بما سيكون عليه الناس تلقائياً، بل قد يهدد هذا الدول التي

ستمنع رعاياها من مناصرة الفلسطينيين. ثم ينبغي أن يكون مفهوماً أيضاً للجميع

مسبقاً أن الأمة لن تستكين أبداً إذا ووجهت بخطر ديني.. قد تستدرج للَّهو واللعب؛

أما إذا هددت في دينها فالانتفاضة هي النموذج الحي، والحسابات الغربية لردود

الأفعال ثبت خطؤها مراراً؛ لأن العقول القابعة خلف أجهزة التكييف والحواسب

الإلكترونية لا يمكنها أن تحسب أثر العواطف الدينية.. سيظل الناس يقاتلون ولو

لألف سنة من أجل المسجد الأقصى، وهذه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم ماثلة

أمامنا: «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال؛ لا يبطله

جور جائر، ولا عدل عادل» [١] ، والبشارات على أن العالم الإسلامي سيؤوب

إلى الله كثيرة؛ ولعل إرهاصات ذلك قد بدت، وجيل صلاح الدين غالباً سيتكرر

بإذن الله.


(١) أخرجه أبو داود، رقم ٢١٧٠.