من قضايا المنهج
[المنطق التبريري]
بقلم: محمد محمد بدري
حين نعاني مرضاً فكريّاً فرديّاً: قد يرى بعضهم الصمت حياله هو الواجب..
أمّا حين يكون المرض الفكري وباءً يشل فعالياتنا ويضيّع جهودنا: فلا تعطي ثماراً
بقدر الثمن المدفوع، فإن الكلام هنا يكون هو الواجب..
وهذا المقال محاولة للتوفيق بين واجب الصمت وواجب الكلام في علاج وباء
المنطق التبريري في عملنا الإسلامي، ليحل محله المنطق العملي الذي يدفعنا إلى
إتقان العمل بدلاً من تبرير الفشل.. ويعلّمنا ممارسة عبودية الأخذ بالأسباب التي
هي أحد مفردات عبودية التوكل.
لقد شاءت إرادة الله أن تحكم الكون سنن في غاية الدقة والعدل والثبات، لا
يجدي معها تعجل الأذكياء ولا أوهام الأصفياء، فهي لا تحابي أحداً من الخلق مهما
زعم لنفسه من مسوغات المحاباة..
ومن سنن الله الثابتة: أن لكل حادث سبباً، ومن وراء الأسباب تدبير اللطيف
الخبير.. فالنجاح في الوصول إلى الأهداف يرتبط بالوسائل الموصلة إليها، وليس
بأمور سحرية غامضة الأسباب، والمنتصر في أمور الدنيا هو من يأخذ بأسباب
النجاح سواء أكانت أهدافه سليمه أم لا [كُلاً نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا
كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً] [الإسراء: ٢٠] .
وقد كانت انتصارات المسلمين في (اليرموك) و (القادسية) و (عين جالوت)
وفق تلك السنن الثابتة.. وحين طرأ الخلل على سنن النصر الثابتة، كانت هزائم
المسلمين في أحد وحُنين والجسر.
بل إن ذاكرة تاريخ المسلمين تحفظ أن هزيمتي أحد وحنين كانتا والنبي-صلى
الله عليه وسلم-بين صفوف المسلمين يقودهم، ليعلم من سيرث الأرض من
المؤمنين: أن الخلل حين يقع في صفوف المسلمين تنطبق عليهم سنن الله.
ونحن نجزم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينهزم قط:
في أحد: رتّب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-الأمور، ورسم الخطة
العسكرية التي حقق الله بها النصر، ولكن الرماة الذين اجتهدوا فأخطؤوا هم الذين
أضاعوا النصر.. فكانت الهزيمة التي تعلمنا منها أن صلاح العقيدة أهم أسباب
النصر، وأن من صلاح العقيدة الأخذ بالأسباب وطاعة القائد.
وفي حُنين: لم ينهزم النبي-صلى الله عليه وسلم-، وإنما الذين انهزموا هم
حديثو العهد بالإسلام الذين أُعجبوا بكثرة العدد ورأوا فيه سبب النصر، وغفلوا عن
مُسبب النصر.. ومع ذلك: نصر الله نبيه ببقية من أصحابه المخلصين، لتعلم هذه
الأمة أن النصر لا يكون إلا بالصفوة المختارة التي بلغت قمة التجرد لله وغاية
الإخلاص لدينه.
وأمّا موقعة الجسر: فهي درس عظيم جدير بالتأمل والتدبر..
لقد خرج أبو عبيد بن مسعود الثقفي (رضي الله عنه) على رأس جيش لقتال
الفرس، فأرسل رستم إليه بهمن بن جازويه برسالة يقول فيها: إمّا أن تعبر النهر
(نهر الفرات) إلينا وندعكم والعبور، وإمّا أن تَدَعُونا نعبر إليكم،.. فنهى الناسُ
أبا عبيد عن العبور.. فلجّ وترك الرأي والمشورة، وقال: لا يكونون أجرأ منا
على الموت.. فعبر إليهم فضاقت الأرض بأهلها.. واشتد الأمر على المسلمين..
حتى إن أحد فيلة الفرس وطئ أبا عبيد فقُتل شهيداً.. وتتابع على أخذ اللواء سبعة
أنفس من ثقيف فقاتلوا حتى الشهادة، وذهبت ريح المسلمين وانكشف أمرهم،
وخسروا في هذه المعركة أربعة آلاف مقاتل.. وكانت خسارة كبيرة للمسلمين كلهم، أحس بعظمها خليفة المسلمين عمر بن الخطاب فقال: اللهم إن كل مسلم في حل
مني، أنا فئة كل مسلم، يرحم الله أبا عبيد لو كان عبر فاعتصم بالخيف، أو تحيز
إلينا، ولم يستقل (يعني برأيه) لكنا له فئة.
.. نعم لقد عبر أبو عبيد الجسر بشجاعة وإقدام وإيمان وحب للشهادة، لكنه
لم يحسب للمعركة حسابها، ولم يدرس أرض المعركة بشكل كاف، وزاد على ذلك
بمخالفته لمن معه من أركان الجيش الذين نهوه عن العبور، فلم ينته واستقل برأيه، فكانت هزيمة الجسر التي علمتنا أن النصر مع الإقدام يرافقه، ولكن مع التبصر
والأناة، وبعيداً عن الاندفاع الذي يهلك الجند ويأتي بالهزيمة، ذلك أن الحماس
لشيء ما لن يخدمه، ما لم يكن مشفوعاً بأسلوبه الفني الذي يحققه.
تلك بعض هزائم المسلمين، وهذه بعض أسبابها.. ونحن لا نريد هنا أن
نعرض لهزائم المسلمين بكلياتها وجزئياتها، فذلك موجود في مظانه من كتب السير
والمغازي، وإنما هي مواقف مختارة أردنا منها التأكيد على أن سنن الله التي تحكم
الحياة جارية لا تتخلف، وأن الأمور لا تمضي جزافاً، وإنما تخضع لعلاقة تلازم
بين الأسباب والنتائج، ولذلك فإن تخلف النتائج في أي أمر نُقدم عليه لابد أن يدفعنا
إلى خطوتين: الأولى: هو أن نفترض حدوث خطأ في عملنا.. والثانية: هو أن
نبحث بجد عن هذا الخطأ في أعمالنا لنصوبه.
تساؤل مهم وجوابه:
وفي ظلال هذا الفهم لطبيعة العلاقة بين الأسباب والنتائج، نخطو في مقالنا
هذا خطوة أخرى فنتساءل: ما هي الأسباب وراء انحسار عملنا الإسلامي، وعجزه
عن بلوغ أهدافه من عودة الإسلام إلى المجتمع وصبغه بصبغة الإسلام، ثم تتويج
ذلك بقيام النظام السياسي الإسلامي؟
سيرد البعض على الفور: علينا العمل، وليس علينا إدراك النتائج! !
وسيؤكد آخرون: لقد قمنا بكل ما نقدر عليه ولكن الظروف الاجتماعية والسياسية
والدولية لم تسمح بتحقيق النتائج! !
وأمّا الذين يدينون بالجبرية السياسية فيرددون القوت الذي يقتاتون به عند كل
فشل: إن مكر أعدائنا من القوى المحاربة للإسلام وأذنابهم من العملاء الذين
تحركهم الأيدي الخفية.. إن مكر هؤلاء قدر غالب ليس لنا وسائل لدفعه ولا أسباب
لرده! .
وأمّا الصنف الأخير فسيصحح بزعمه كلام هؤلاء كلهم: لا بل نحن في آخر
الزمان وهذه علاماته، فلا يمر يوم إلا والذي بعده أسوأ منه..! !
وهكذا يظل القوم يلهثون في البحث عن كبش الفداء لتبرير الفشل والانحسار
ويتفنون في اختراع الأسباب لزحزحة المسؤولية عن عواتقهم وإلقائها على عاتق
الغير من أعداء وظروف وغيرها، وهؤلاء هم الذين أصابهم وباء (المنطق
التبريري) .
لقد ضرب الله لنا مثلاً في القرآن لأناس أصابهم هذا المرض (المنطق
التبريري) ثم عافاهم الله منه بتوفيق أرشدهم وأعقلهم إلى الطريقة الصحيحة لعلاجه؛ فقال (عز وجل) : [إنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ] [القلم: ١٧ ١٨] .. لقد عزم هؤلاء على حرمان
المساكين من حقهم بقطف ثمار بستانهم في الصباح قبل أن يراهم أحد، فعاقبهم الله:
[فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ]
[القلم: ١٩، ٢٠] .. وفي الصبح: ذهب أصحاب البستان ليتموا ما اتفقوا عليه،
وفوجئوا بالمأساة.. مأساة استحالة النضارة في القطوف الدانية والثمار الزكية
الشهية إلى سواد مُدْلَهِم لا ينتفع بشيء منه، بل هو صورة غضب الله ومؤاخذته لهم
على كفران النعمة بما أقسموا على منع الخير وقبض أيديهم عن عطاء من هم أهل
للعطاء..
فماذا فعل أصحاب البستان؟ لقد كان بعضهم مصاباً بالمنطق التبريري فأخذوا
في تصيد كبش الفداء والبحث عن أمر خارج عنهم كان هو السبب في بلائهم،
فطمأنوا أنفسهم اطمئناناً خادعاً بأنه لم يحصل شيء، فليست هذه جنتنا وإنما نحن
ضللنا الطريق..
[فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إنَّا لَضَالُّونَ] .. وحينما تأكدوا أنها هي وليست غيرها،
كان التبرير الآخر الذي يقوم على تنزيه النفس وإلقاء التبعة على الظروف والقدر
[بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ] ..
وهنا بدأ أوسطهم وأعقلهم وأرشدهم في تعريفهم بالسبب الحقيقي لما هم فيه،
والطريقة الصحيحة في النظر إلى المحن والمصائب.. [أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ?] ،
إن المشكلة فيكم وليست خارجكم، وأنتم الذين أخطأتم..
هذا هو الطريق:
ولم يرتكب أصحاب الجنة حماقة التبرير للبقاء على الخطأ، بل بدؤوا في
عملية التصحيح على الفور.. [إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ] .. [إنَّا كُنَّا طَاغِينَ] إن الخطأ
عندنا، والمشكلة بدأت من عندنا وليس من عند غيرنا..
.. هذه الطريقة التي اتبعها أوسطهم هي ما يجب أن نسلكه في علاج تبريرنا
لعجزنا وانحسار عملنا الإسلامي، فنقول: إن التبريرات التي نسوقها لتبرير فشلنا
وعجزنا عن تحقيق أهدافنا ما هي في حقيقتها إلا نتائج للأسباب الحقيقية التي يغفلها
عمداً أو جهلاً من أصيبوا منا بوباء المنطق التبريري.. ذلك المنطق الذي يعفينا من
أدنى مسؤولية أو تقصير، ويفترض دائماً عدم وقوع أخطاء منا، كانت هي السبب
في تأخر قطفنا لثمار أعمالنا؟ ! .
.. ونحن نذكّر أنفسنا، ونذكّر من أصابهم المرض منا، فنقول: إذا كانت
الظروف هي سبب فشلنا في تحقيق أهدافنا، فإن معنى ذلك أن أعمالنا دون مستوى
عصرنا، لأننا لم نستعد لمواجهة تلك الظروف.
وإذا كانت خطط أعدائنا هي سبب فشلنا، فما الذي يجعلها تنجح؟
وإذا كان أذناب هؤلاء من العملاء الذين تحركهم الأيدي الخفية هم سبب فشلنا، فمن الذي تسبب في وجود الأذناب، وغطى الأيدي الخفية؟ ..
وإذا كان وجودنا في آخر الزمان هو سبب فشلنا لأن كل يوم يكون أسوأ مما
قبله فهل يعني هذا أن محاولات المصلحين وجهودهم لابد أن تضيع سدى؟ .
إن الحقيقة التي يجب أن ندين بها جميعاً: أننا نحن شئنا أم أبينا المسؤولون
عن فشلنا وهزائمنا، وكل من يحاول أن يزحزح هذه المسؤولية عن عاتقنا ليلقيها
على عاتق الغير، هو في الحقيقة يلحق بنا الضرر ويؤخر خروجنا مما نحن فيه.
إن من يعتقد أن مكر أعدائه هو القدر الغالب، أو أن الظروف فوق طاقته:
سيتحرك بنفسية المهزوم الذي يرى أنه لن يستطيع فعل شيء، وربما أسلمه ذلك
إلى الاستسلام للواقع على أنه التصرف الواقعي، فيتقوقع على نفسه وينسحب من
ميادين العمل ليشغل نفسه بقضايا هامشية، وإذا حاولت أن تشحذ همته للعمل على
التغيير، رد عليك بقوله: كنت أقوى عزيمة منك، كنت أحاول وأعمل وأجاهد،
وتبين لي بعد سنين من التجارب المرة أن الأمور ليست بهذه البساطة، وأن
محاولتي هذه كانت نوعاً من السذاجة والغفلة! .
ولا يقل هزيمة عن هذا من يرى أن التغيير لا يخضع لسنة ارتباط النتائج
بأسبابها، أو يرى أننا في آخر الزمان فيظل ساكناً في انتظار ظهور المهدي الذي
يصلح الدنيا دون جهود من أهلها، وكلما دعاه أحد إلى العمل والتضحية من أجل
الإصلاح أجاب لسان حاله: [فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] ،
ومهما كانت مرارة الفساد الذي يحيط به، فإنه يبقى في انتظار ظهور المهدي الذي
قد يمر ألف عام أو أقل من ذلك أو أكثر دون أن يظهر، بينما لو أخذ هذا وغيره
بالأسباب الموصلة إلى النصر وتغيير الواقع الفاسد لغيّر الله بهم هذا الواقع.
إن من يحاول التستر على أخطائنا وعدم الكشف عنها هو من يُسْلمنا إلى
المأساة الحقيقية تحت دعوى عدم التشهير بأنفسنا، أو كشف عيوبنا أمام أعدائنا..
ذلك أن هؤلاء يضعوننا في مرتبة أعلى من مرتبة أصحاب رسول الله-صلى الله
عليه وسلم-الذين بيّن الله في قرآنه أن ما وقعوا فيه من أخطاء كانت سبباً في
هزائمهم في أحد وحُنين.
قد يرد بعضهم بقوله: إن الابتلاء من سنن الدعوات، وقد جرت حكمة الله
وسنته في رسله وأتباعهم أن يُدال لهم مرة، وأن يُدال عليهم مرة أخرى، ليتميز
الصادق من غيره.
ونحن نقول: إن هذا الكلام حق وصدق لا مرية فيه، ونحن لا ننكر أن
الابتلاءات والمحن من سنن الدعوات.. بل هي طريق الرسل وأولياء الله..
وواجب الذين يصابون بها هو الثبات على ما هم عليه.
ولكن ما نريده: أن يكون لدينا ملكة الفرقان بين الابتلاء والفشل بسبب الخطأ
في العمل.. ذلك أن الموقف الصحيح في الأول هو الثبات والبقاء على ما نحن
عليه، أما الموقف الصحيح في الثاني فهو مراجعة الخطأ والتخلي عنه والبدء في
تدراكه بالسير في الطريق الصحيح.
إن التفكير بطريقة المنطق التبريري الذي يفصل النتائج عن أسبابها تحت
دعوى أن علينا أن نعمل، وليس علينا تحقيق النتائج هو في حقيقته مصيبة كبرى؛
لأن ذلك يعني مثلاً أن المهندس الذي يشيد عمارة فتنهار لا يحاسب! ! أو أن
الطبيب الذي يهمل في علاج مريض فيموت لا يكون مسؤولاً ومحاسباً! !
إن الذين يرددون: علينا أن نعمل وليس علينا تحقيق نتائج.. هؤلاء يغيب
عنهم أن الصواب في الأعمال أصل قبولها في الآخرة وشرط نجاحها في الدنيا..
وأن صواب الأعمال لا يتحقق إلا أن تكون أعمالنا وفق شروط الزمان والمكان،
فالقيام بالأعمال خارج وقتها غيرمقبول، كما أن إتيان النوافل بترك الواجبات من
ضعف الفقه.
إن أعمالنا من أجل التغيير لابد أن تكون في إطار أعظم أصل من أصول
التغيير وأصدقه في عالم الأنفس والمجتمعات، وهو قول ربنا (عز وجل) : [إنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] طبقاً لفهمها الصحيح حسب سنن الله
في الكون، وطبقاً للعلاقة بين ما هو في النفس وما هو خارج النفس من أوضاع
يطلب تغييرها، بمعنى أن كل شيء يتوصل إليه بأسبابه المؤدية إليه، فإذا كنا نريد
تغيير واقع منحرف، فإن طريقنا إلى ذلك أمران:
الأول: إثارة السخط على الواقع المنحرف، وإثارة الاهتمام بتغييره، وزيادة
الوعي بالبديل، والالتزام بهذا البديل.
الثاني: الإيمان بضرورة توفير القوة المؤيدة للتغيير التي تكفي لإزاحة القوة
الباغية المؤيدة للواقع المنحرف.
فإذا اقتصرنا على الأمر الأول من التغيير لما في النفس، وهو: تغيير الرضا
بالواقع إلى السخط عليه، والتطلع إلى إحلال بديله: سيحصل بإذن الله ما قابله فقط
من التغيير في الواقع.. أي سيحصل التغيير في الآراء والمطالب وسيلتزم الأفراد
بوصفهم أفراداً بما يمكنهم التزامه من الواقع المنشود.
فإذا ما حدث الأمر الثاني من التغيير لما في النفس، وهو الإيمان بضرورة
توفير القوة المؤيدة للتغيير الكافية لإزاحة القوة المعادية عن طريقها، وتوفرت
بالفعل تلك القوة.. حينئذ سيحصل التغيير الآخر.. وذلك:
إمّا بتخلي القوة المعادية عن المجابهة خوفاً من القوة الجديدة.
وإمّا أن تحصل المواجهة فيحكم الله بين الفريقين حسبما تقتضي حكمته
(سبحانه وتعالى) .. فإن كانت النتيجة نصراً لأصحاب الحق، فبحول الله وتوفيقه
واتباع ما أمر به: كتب الله لهم هذا النصر.
وإن كانت الأخرى، فلأمر يريده الله كان تأخير النصر.. ومن لحق من أهل
الحق بربه فهو بالشهادة أسعد.. وعلى الباقين استئناف السير على الطريق
المشروع المبرور حتى يأذن الله بالنصر، ولكل أجل كتاب.
... تلك هي الطريقة الصحيحة في محاولة الخروج من الانحسار والفشل.
... وهذه هي الطريقة الصحيحة في تفسير الهزيمة بعد إتقان العمل..
وبعد.. فإن (المنطق التبريري) يمثل أخطبوطاً يمد سيقانه إلى جل مجالات
أعمالنا الإسلامية، ويشكل قيوداً وأغلالاً تنمو في ظلالها قابليتنا للهزيمة، وتُقْتل
بسببها همتنا للتغيير ... ونحن ندرك أننا لن نقدر على علاج وباء المنطق التبريري
بمقالة تكتب عنه، فذلك نوع من تسطيح الأمور والتفاؤل المفرط الذي يفقدنا الرؤية
الصحيحة.
ولكننا في الوقت ذاته لا نعتقد أنه لا علاج لهذا الوباء، أو نقول كما يقول
لسان حال بعضهم: أقام العباد فيما أراد.. لن يكون إلا ما قد كان.. رفعت الأقلام
وجفت الصحف ... وغيرها من الأدلة السائرة التي يسوقها في غير موضعها
أصحاب (المنطق التبريري) .
وفقنا الله جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح.