للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون في العالم

تفكك الاتحاد السوفييتي

ونظرية الصراع

عندما وقع الانقلاب الأخير في موسكو فرح بعض البائسين واليائسين من

العرب لأن هذا بظنهم سيعيد التوازن بين الشرق والغرب، وقالوا:

إن بقاء الاتحاد السوفييتي يتيح لنا المناورة، بينما نحن الآن تحت رحمة دولة

واحدة تتحكم في العالم، والحقيقة أن من يفكر هذا التفكير إنما ينطلق من فقره

الروحي والفكري ومن الفراغ الذي في نفسه، فحسب منطقه هذا لا بد أن نعيش

تحت حماية هذه الدولة أو تلك وأمريكا الآن هي الكل في الكل! وأمثال هؤلاء لا

يدركون سنن الله -سبحانه وتعالى- في حوادث التاريخ، وأن هذه الأرض لا تخلو

من صراع ليميز الله الخبيث من الطيب، وأن هذا السقوط المريع للشيوعية ولدولة

تبلغ مساحتها (٢٢ مليون كم ٢) إنما هو نتيجة ظلمها وقهرها لشعوب كثيرة منها

جزء كبير من العالم الإسلامي ابتلعه القياصرة ثم الشيوعيون الروس.

إن هذا السقوط يفتح آفاقاً لعودة المسلمين في تلك الديار إلى إسلامهم، ولعودة

الصلة بيننا وبينهم، ومهما كان ابتعاد هؤلاء المسلمين عن دينهم نتيجة الضغوط

والتربية الإلحادية لعشرات السنين، فلا شك أن ابتعادهم عن الهيمنة الروسية

الاستعمارية فيه خير، وهم على كل حال فيهم أمراض العالم الإسلامي الذي يظهر

لبادي الرأي أنه قد استقل من زمن عن الهيمنة الغربية. فالعشائرية والقومية

الضيقة موجودة عند هذه الشعوب، ولكن اتصال المسلمين بهم سيمكن من نشر

الثقافة الإسلامية وعودة الروح إليهم، إن الجمهوريات التي تسكنها غالبية مسلمة

وكانت سابقاً غير تابعة لروسيا تمر الآن بمرحلة عدم التوازن فيختلط التأثير الديني

مع القومي، والمحاربون القدماء من الشيوعيين لن يتنازلوا بسهولة مستغلين العرقية

والقبلية، فهم يمرون بمرحلة تشبه من بعض النواحي الفترة التي خرجت فيها

الشعوب الإسلامية من تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة.

إن سقوط الاتحاد السوفييتي لا يعني أن الطرف الآخر سينفرد بالعالم، لأنه ستبرز دول كثيرة - بأمر من الله - تكون عبئاً على أوربا والغرب بشكل عام وسيعود الصراع على الحدود وستستمر القوميات تفكك غير الاتحاد السوفيتي أيضاً (كما يقع الآن في يوغوسلافيا) وإذا كانت أمريكا سابقاً تخوف أوربا من الاتحاد السوفييتي فهل ستبقى أوربا تحت أسر هذا الخوف وتقبل بالزعامة الأمريكية بعد تلاشي الإمبراطورية الروسية.

لقد قاست اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من الضغوط والتقسيم،

والشروط القاسية، ولكنهما خرجتا بإنتاج علمي اقتصادي جعلهما تعودان لمركز

الصدارة في عالم السياسة، ونبقى نحن بحاجة إلى مظلة دولة كبرى حتى نستطيع

العيش مع أن موقف الاتحاد السوفييتي من قضايانا كان موقفاً سلبياً مصلحياً كأية

دولة كبرى، وقد تولى هو وأمريكا كبر تغذية إسرائيل بالمال والرجال.