[حاجتنا إلى علم الإدارة]
سامي سلمان
أصبحت الحاجة إلى الاستعانة بالجوانب الإدارية في كثير من جوانب الحياة
أمراً أساسياً ومهماً؛ إذ إن الأمور لم تعد من البساطة بحيث يستطيع الفرد أن
يعالجها بالطرق التقليدية المعتادة.
وقد أصبح الفرد يعيش في خلايا من العلاقات المتشابكة على كل صعيد،
والتي تشمل جوانب الحياة الفردية والاجتماعية، أو على مستوى العلاقات المحلية
والعالمية للهيئات والمنظمات، ويشتمل كل جانب من هذه الجوانب على جزئيات
من الخلايا تشكل - بحد ذاتها - دائرة من العلاقات المتشابكة بحيث أصبح جانب
معالجة الأمور وإدارتها، ومتابعتها متأثراً في غالب الأحيان بنسبة كبيرة من هذه
العلاقات، وهنا تظهر الحاجة إلى الجانب الإداري الذي يطرح طرق الحل بشكل
منظم ومبرمج ومتكامل، ويلفت الانتباه إلى مسلّمات من نتاج تجارب الآخرين
تختصر الوقت وتوفر الجهد، وتعطي نتائج مثمرة وتساعد على تحقيق الأهداف
بشكل أفضل.
ولكى يتضح هذا الأمر لابد من تحديد معنى الإدارة بمفهومها البسيط.
فالإدارة عبارة عن: عملية اجتماعية مستمرة، تعمل على استغلال الموارد
المتاحة استغلالاً أمثل عن طريق التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة للوصول إلى
هدف محدد. وبهذا فإن الإدارة بمفهومها الشامل لسلوك الفرد تشمل جوانب
التصرف السلوكية له في بيته وعمله ودعوته وتجارته، مما يتيح له الاستفادة من
الإمكانيات المختلفة أفضل استفادة باستخدام أفضل وسيلة لتحقيق أفضل هدف. فإذا
اتضح لك هذا علمت مدى الخسارة التي يتحملها الفرد والجماعة والمؤسسات والدول
عند إدارتهم لأمورهم بالطرق التقليدية التي لا تأخذ باعتبارها مثل هذا المفهوم، أو
قد تأخذ بجوانب منه دون الجوانب الأخرى، وقد خسر المسلمون كثيراً من
مواردهم وطاقاتهم واستخدمت وسائل تقليدية سطحية في إدارة شؤونهم، وتبع ذلك
قصور واضح في تحقيق الأهداف المرجوة ... هذا إن كانوا قد وضعوا لأنفسهم
أهدافاً عند ممارستهم لأي عمل.
والمثل كفيل بجعل الأمر أكثر وضوحاً، ولك أن تقيس عليه أي واقع تشاء
على مستوى أسرتك ودعوتك وعملك. وليكن هذا المثل مأخوذاً من مجال الدعوة،
فإن استفادتك من تفهمك واستخدامك لمفاهيم الإدارة يعينك في أمور عدة، فإن من
مستلزمات الإدارة الناجحة ما يذكره أحدهم في سطور قليلة فيقول: " إن قدرة
المسؤولين وأرباب الأعمال على تأمين مناخ عمل ملائم لمساعديهم ومن يعمل تحت
إشرافهم للعمل بإخلاص وكفاية عالية - تعد من مؤشرات النجاح في الإدارة. فمناخ
العمل الملائم هو المناخ الذي يقود العاملين إلى جعل أهدافهم كأفراد متناسقة مع
هدف المجموعة بحيث تكون حصيلة تحقيق أهداف المجموعة أكبر من مجموع
الجهود الفردية لهؤلاء العاملين وبالتالي هذا يعني تحقيق أهداف المؤسسة أو الشركة
التي تعمل بها المجموعة ".
وعليه فإن من مستلزمات جعْل العاملين من الدعاة في الوسط الدعوي الواحد
أن يهيَّأ لهم المناخ المناسب للدعوة مما يجعلهم يوحدون جهودهم ويخلصون في
تحقيق الهدف، والعكس الصحيح، فإن عدم وجود مناخ صحي يثبط العاملين،
ويساعد على نمو الفردية في تحقيق الأهداف، مما يؤدي إلى عدم تضافر الجهود،
والتأخر في تحقيق الهدف، وقس على ذلك كثيراً من مفاهيم الإدارة التي تفيدك
وتعينك على السير في أمورك بصورة واضحة ومنظمة، فإنك لو عدت إلى تعريفنا
الذي ذكرناه آنفاً سوف تجد أننا اعتبرنا التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة دعائم
الإدارة المتكاملة، وأستطيع أن أقرّب لك الصورة لو توسعت في الحديث عن كل
جانب وربطه بالأمثلة المختلفة من واقع حياة الأفراد، وسيظهر لك كم نحن بحاجة
إلى القيادات التي تخطط وتنظم مسبقاً لتحقيق أهداف مرسومة ثم تقود الجهود
بمهارة إدارية متقنة مع وجود الرقابة الدائمة للتأكد من صحة منهج السير رجاء
تحقيق الهدف.
وكم عانت الدعوة الإسلامية من إهمال هذا الأمر الذي يبدو بدهياً ولك أن
تسأل نفسك هذه الأسئلة:
ألم تعانِ الدعوة من عدم وضوح الهدف؟
ألم تعانِ الدعوة من عدم التخطيط والتنظيم؟
ألم تعانِ الدعوة من فقدان القيادة القادرة على الاستفادة من المصادر المتاحة،
ومن ضعف قدرتها على مراقبة نفسها ومحاسبتها عندما تحيد عن الطريق؟
لقد عكف الكثيرون من علماء الإدارة على رسم خطوط عريضة لجوانب
الإدارة المهمة كي يستفيد منها من يتحملون عبء المسؤولية في حياة الأمم،
واستطاعوا من خلال التجربة أن يضعوا نظماً دقيقة مبرمجة لها أثرها الكبير في
تسيير الأمور بحكمة وروية، وإدراك عميق للنتائج ونسوق مثلاً شائعاً في علم
الإدارة وهو " اتخاذ القرار " الذي يصفه أحد الكُتاب بقوله: " يعتبر اتخاذ القرار
بشكل عام من أهم العناصر وأكثرها أثراً في حياة الأفراد وحياة المنظمات الإدارية،
وحتى في حياة الدول، وتنبع أهمية هذا الموضوع من ارتباطه بعمل الإنسان
اليومي أو حياته العائلية أو أي مجال من مجالات النشاط الإنساني ".
فالأفراد هم محور هذا الموضوع الأساسي، سواء بالنسبة للقيادات الإدارية
التي تتخذ القرارات لتوجيه أعمالها ونشاطاتها، أو بالنسبة للمرؤوسين الذين
يشاركون في صنع القرارات، أو في تنفيذها، أو يكونون هدفاً لها، كما تنبع
أهمية هذا الموضوع من ناحية أخرى من ارتباطه بتحقيق الأهداف على اختلاف
أنواعها؛ إذ طالما هناك مجال للاختيار بين أكثر من بديل للوصول إلى هدف ما
كان هناك اتخاذ قرار وذلك باختيار البديل الأفضل، وهكذا تستمر عملية اتخاذ
القرارات طالما هناك عمل ونشاط لتحقيق أهداف مطلوبة (١) .
وتتضح لك أهمية هذا الجانب إذا نظرت إلى الطريقة المثلى في اتخاذ القرار
، وإن اختلفت المدارس الإدارية في عرضها، فإن من أساسياتها مراحل متتابعة
لضمان السلوك الأمثل في الوصول إلى القرار الأمثل كذلك، وهذه المراحل هي:
١- تشخيص الأمر محل القرار.
٢- تحليله ودراسة الجوانب المتعلقة به.
٣- طرح البدائل المتاحة لاتخاذ القرار.
٤- تقويم البدائل بذكر سلبياتها وإيجابياتها ووزن كل منها على حدة.
٥- اختيار القرار الملائم لهذا الأمر.
ولا تتوقف هذه العملية عند هذا الحد، بل لابد من متابعة تنفيذ القرار لمعرفة
مدى النجاح الذي حققه هذا القرار في تحقيق الهدف أو حل المشكلة المعنية، وقد
أوردنا هذا المثل في سياق الحديث عن الحاجة إلى الجانب الإداري في الحياة، فلو
عدنا إلى مثالنا السابق في (مجال الدعوة) لوجدنا أن اتخاذ القرار بعفوية وارتجالية
شائع اتخاذ القرار ويكاد يكون هو القاعدة وما عداه هو الشاذ، مع عظم شأن مثل
هذه القرارات في حياة ومسيرة الدعوة؛ مما قد يؤخر مسيرة الدعوة الإسلامية
مراحل ومراحل، مع أنه لو اُستُعين بالمدرسة الإدارية الآنفة الذكر لكان أجدر؛ فإن
مما يعيب قراراتنا أنها لا تنظر إلى الأمور بشمولية وسعة أفق، ولا تبحث عن
البدائل المطروحة قبل اتخاذ القرار، ولا ينظر إلى الآثار التي يتركها تنفيذ القرار
في الواقع.
وإن المتمعن في نصوص الكتاب والسنة ليلمس وبوضوح أمثلة عديدة لما
ندعو إليه، وإن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أمثلة كثيرة نرجو أن نوفق
إلى عرضها، والإشارة إليها في المستقبل القريب إن شاء الله.
(١) اتخاذ القرارات الإدارية، د نواف كنعان، الطبعة الثانية، عام ١٩٨٥ م، ص٧.