المسلمون والعالم
مالي.. من يسبق إلى احتلال القلوب؟ !
بقلم: مندوب المجلة المتجول
تعتبر جمهورية مالي من كبريات دول غرب إفريقيا مساحة، حيث تبلغ
مساحتها ١.٢٤٠.٠٠٠ كم٢ تقريباً.
وتقع في الوسط الشمالي الغربي لإفريقيا، وتحدها شرقاً جمهورية النيجر،
وغرباً جمهوريتا السنغال وغينيا، وشمالاً جمهوريتا موريتانيا والجزائر، وجنوباً
جمهوريتا ساحل العاج وبوركينا فاسو.
تتألف جمهورية مالي من ثمانية أقاليم إدارية، هي: كاي، وكوليكورو،
وسيكاسو، وسيقو، وموبتي، وتبمكتو، وغاو، وكيدال، والعاصمة باماكو.
ويبلغ عدد السكان حوالي (٨) ملايين نسمة تقريباً، وتتكون أجناسهم من:
السود: وهم الأغلبية، منهم البامارا، والفلاتة، والسركولي، والصونغاي،
وسنيفو، وبوزو، والدغوني، والمالكي، وسومونوا، ومانيكا،.. وغيرهم..
والبيض: ومنهم البيضان والطوارق.
واللغات في مالي كثيرة جدّاً، ولكل جنس لغته ولهجته، أما اللغة الرسمية
فهي الفرنسية.
وتوزيع الأديان في مالي كالتالي:
١- الإسلام، ونسبة المسلمين ٩٥%.
٢- النصرانية، ويوجد من طوائفها: الكاثوليك، البروتستانت، شهود
... ... ... يهوه، الرسالة الجديدة، السبتية أو المجاتية.
٣- الوثنية.
مالي والإسلام:
تعتبر جهود بعض المنتسبين إلى الطرق الصوفية سبباً في انتشار الإسلام في
دولة مالي إن لم يكن في أغلب الدول الإفريقية، ولكن صاحب ذلك انتشار بعض
العقائد الفاسدة والعبادات البدعية، وبعد ظهور الدعوة الإصلاحية في نجد على يد
الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) (رحمه الله) وتوافد المسلمين إلى مكة في موسم الحج
ومكثهم هناك، وبرجوع هؤلاء من الحرمين الشريفين قبل تأسيس الجامعات: بدأت
الدعوة السلفية في مالي (مع العلم أن المنطقة لم تخل من أفراد أهل السنة) ، وفي
الخمسينيات من هذا القرن الميلادي بدأت بشائر الدعوة السلفية تظهر في الآفاق،
وفي عام ١٩٤٨م بدأت أولى المصادمات في باماكو بين رواد الدعوة السلفية وأهل
الطرق الصوفية، الأمر الذي تسبب في خسائر فادحة.
ومنذ وقت مبكر كان قد التحق عدد من أبناء مالي بالحرمين الشريفين
والأزهر قبل تأسيس الجامعات الحديثة؛ لطلب العلم ونشره في البلاد بعد عودتهم،
مثل: الشيخ (أحمد حماه الله) ، والشيخ (محمد عبد القادر ذكري) ، والشيخ (يعقوب
كمارا) ، والشيخ (محمد السنوسي) ، وعندما منّ الله على المسلمين بفتح الجامعات
بمختلف الدول العربية والإسلامية بادر عدد كبير من أبناء مالي بالالتحاق في تلك
الجامعات، ونال كثير منهم الألقاب العلمية المختلفة.
ويوجد في مالي عدد كبير من هؤلاء الخريجين الذين يقومون بخدمة الإسلام
والمسلمين في مجالات التدريس والخطابة والإمامة والوعظ والإرشاد والفتوى.
لكن الواقع الأليم الذي خلّفه النظام الغربي والعلماني والغزو الفكري قلل من
دور هؤلاء العاملين في الإصلاح الاجتماعي.
وفي العقد الأخير خاصة بدأت الصحوة الإسلامية الرشيدة تأخذ مجراها
الطبيعي في المفاهيم وتوضيح الأهداف وتصويب المسيرة، وذلك عن طريق:
١- دروس المساجد، وخطب الجمعة.
٢- توزيع المصاحف والكتب وخاصة المترجمة إلى اللغة الفرنسية
على المثقفين: طلبة وموظفين.
٣- توزيع الشريط الإسلامي الميسر.
٤- تسيير القوافل الدعوية والإغاثية.
٥- تنظيم الدورات والملتقيات.
٦- تنظيم المخيمات الطلابية والشبابية.
٧- التعليم في المدارس النظامية والكتاتيب.
وقد ركزت الدعوة السلفية جهودها في تأسيس المساجد والمدارس بشكل
واضح، وهي تعاني من مشكلة خطيرة للغاية، وهي عدم وجود مفتٍ عام أو إمام
موحد تجتمع عليه الكلمة ويرجع إليه، مع وجود أئمة للفتوى على مستوى العرف
العام، إلا أن كل تجمع قد يميل إلى هذا المفتي أو ذاك، وفي نظري: إن هذه
المشكلة جاءت نتيجة لعدم تمكن هذه الجماعات من نيل نصيبها من التربية
الإسلامية الجادة وخاصة باب الولاء والبراء، إضافة إلى أن السلطات لم تعط
فرصة لهذه الدعوة لتنمو وتؤدي واجبها على النحو المطلوب، بل كانت هناك
محاولات كثيرة لعرقلة هذه الدعوة، إضافة إلى جهل كثير من المستجيبين لها
لدورهم الذي يجب عليهم القيام به.
المؤسسات الدعوية في مالي:
مما سبق يتضح أن أهم المؤسسات الدعوية في مالي هي: المساجد،
والمدارس، والهيئات، والجمعيات.
١- المساجد:
دور المسجد في الدعوة إلى الله دور مهم ومعروف، وإمام المسجد في مالي له
مكانة كبيرة وعالية جدّاً، حتى أن الإمام يكون أحياناً هو القاضي أو المفتي في
شؤون الحياة كلها.
والمساجد السلفية في باماكو خاصة وفي مالي عامة لعبت دورها في تصحيح
المفاهيم، حيث تولى إمامتها مشايخ وشباب جامعيون، مما جعل المسجد يتمتع
بأعلى سلطة لتوجيه المسلمين وإرشادهم، ونسأل الله (عز وجل) دوام التوفيق
والسداد.
ولقد كان أهل السنة ممنوعين من بناء المساجد باسمهم، وكان أكثرهم يصلي
الجمعة مع أعضاء بعثة المهندسين المصريين الذين كانوا يشتغلون في بناء فندق
الصداقة في باماكو.
وكان الشيخ الحاج (موركي منغاني) قد تبرع بجزء من منزله، واتخذ أول
مسجد جامع لأهل السنة في باماكو في (باجالا) عام ١٩٦٨م، وهو المسجد الذي
يعرف الآن بمسجد النور، ومن ثم: توالى إنشاء المساجد في العاصمة (باماكو)
وخارجها بعد الانقلاب العسكري الذي تم بقيادة (موسى تراوري) .
ولا يوجد في الوقت الحاضر أي قيود على بناء المساجد طالما التزم المسلمون
الحكمة واتحدت كلمتهم وتواصوا على الحق والصبر، وبحمد الله يوجد في (باماكو)
العاصمة مئة مسجد لأهل السنة، غير تلك التي توجد في بقية الأقاليم والقرى
المجاورة.
٢- المدارس الإسلامية:
لا يخفى أن المدرسة دار تربية وتعليم، ومرعى للتكوين والإعداد، وكذا:
تعتبر المدارس من أهم المؤسسات الدعوية التي يجب على المسلمين الاعتناء بها
والحرص عليها.
وفي عام ١٩٤٦م، بدأ تأسيس المدارس الإسلامية في مالي على النمط
المعروف حالياً، فأسس الحاج (محمود باه) مدرسة في (كاي) ، و (سعد عمر
توري) في (سيقو) ، وتم تأسيس أول مدرسة سلفية في (باماكو) على يد جمعية
الشباب المسلمين، وتولى إدارة المدرسة الشيخ (أحمد حماه الله يتابري) .
ثم توالى إنشاء المدارس العربية والإسلامية على الرغم من المضايقات من
قبل السلطات الاستعمارية آنذاك.
وتوجد في مالي أكثر من (٣٠٠) مدرسة عربية إسلامية، وكلها أهلية، مما
يدعو أهل الخير والفضل والخبرة إلى الاهتمام والمبادرة بالمساهمة في تسيير هذه
المدارس، وتوجيهها وتزويدها بالمناهج والكتب والمدرسين.
ومن أهم المشاكل التي تواجهها المدارس الإسلامية ما يلي:
١- عدم وجود منهج متكامل يدرس فيها.
٢- الافتقار إلى معهد لتكوين أو تدريب المعلمين.
٣- ندرة الكتاب المدرسي.
٤- عشوائية نظام الامتحانات.
٥- غياب التنسيق بين المدارس والمسؤولين فيها.
أما المدارس الحكومية: فبعد استقلال مالي عام ١٩٦٠م كان المستعمرون قد
تمكنوا من تغيير لغة التعليم من العربية إلى الفرنسية، وصارت اللغة الفرنسية هي
اللغة الرسمية للبلاد، ومن ثم: اتجه الناس إلى تعلم اللغة الفرنسية حسب منهج
مرسوم من قبل المستعمر الفرنسي، وانتشرت المدارس الفرنسية في كل أنحاء
البلاد، وقصدها الطلاب والطالبات، إما رغبة أو رهبة، ومنذ وقت مبكر قامت
السلطات في مالي بافتتاح المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وكذلك بعض
المدارس المهنية والمعاهد العليا في العاصمة وفي المدن الرئيسة، كما تم إيفاد عدد
كبير إلى الخارج للدراسة الجامعية، وكان الاتحاد السوفييتي يحظى بنصيب الأسد،
كما أوفد إلى فرنسا والجزائر ودول أخرى حسب خطة مرسومة.
٣- الهيئات الإسلامية في مالي:
بدأ ظهور الهيئات الإسلامية في مالي منذ عشر سنوات تقريباً، وذلك عن
طريق فتح مكاتب تقوم بتسيير أعمال تلك الهيئات، أو اختيار مندوب يشرف على
الأعمال التي تتبناها.
وفيما يلي نذكر أسماء بعض الهيئات التي يوجد لها مكتب أو مندوب يقوم
بتسيير أعمالها:
١- المنتدى الإسلامي.
٢- مؤسسة الحرمين الخيرية.
٣- جمعية إحياء التراث الإسلامي.
٤- مكتب لجنة مسلمي إفريقيا.
٥- المركز الثقافي الإسلامي.
٦- مؤسسة إبراهيم البراهيم الخيرية.
٧- هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
٨- مكتب الوكالة الإسلامية الإفريقية للإغاثة.
٩- مكتب الجمعية الإسلامية العالمية للدعوة.
كما أن الرافضة افتتحوا منذ فترة مركزاً لبث مذهبهم من خلاله.
٤- الجمعيات الإسلامية في مالي:
منذ عام ١٩٧٩م تم تأسيس أول جمعية إسلامية في مالي، وهي: (جمعية
مالي للاتحاد وتقدم الإسلام) ، وهي الجمعية الوحيدة لعموم مسلمي مالي، وذلك
بتوجيه ومبادرة من الحكومة.
وكانت اجتماعات الجمعية تعقد بحضور مندوب الحكومة، وذلك حتى نهاية
حكم (موسى تراوري) للبلاد.
المرأة في مالي:
بالرجوع إلى عهد ما قبل الاستعمار نجد أن المرأة في مالي قد نالت حظها في
التربية الإسلامية الجادة، حيث شاركت بدور بارز في تربية النشء وملازمة بيت
الزوجية، وفي عهد الاستعمار ومع وجود عدد كبير من المنصرين بمفاهيمهم
المخالفة للإسلام وبسلوكهم وبدينهم وبقوانين معاملامتهم المنحرفة: تأثرت المرأة في
العالم بصفة عامة وفي مالي بصفة خاصة بهذه المؤثرات التي شكلت ظواهر
ومظاهر اجتماعية ذات أبعاد خطيرة، متأثرة بمنهج التعليم العلماني وبرامجه
وأدواته وأساليب التثقيف العام من الصحف والمجلات والسينما والمسرح والفن
والإعلام المقروء والمسموع والمرئي..
وتوجد في مالي أكثر من خمس منظمات نسائية غير حكومية، كلها تعمل في
خط لا تراعي فيه الحكم الشرعي في تصرفاتها ونشاطاتها، وأما التجمعات النسائية
الإسلامية في مالي فكثيرة أيضاً، يقودها في الغالب نساء متقاعدات تعودن القيادة
في عملهن الوظيفي، والغرض من هذه التجمعات: تعليم أحكام الصلاة والقراءة
والكتابة (مستوى محو الأمية) ، وبعضها لتعليم الخياطة والتطريز، وتخلو الساحة
من وجود مراكز نسائية متكاملة، إلا إن (الجمعية الإسلامية للإصلاح) و (جمعية
الشباب المسلم) استطاعتا تكوين فروع نسائية نشيطة على نطاق واسع في البلاد،
ومعظم رواد هذه الفروع من الشابات المتعلمات تعليماً عربيّاً وفرنسيّاً، وكذلك
(جمعية عباد الرحمن) و (جمعية ليما) اللتين تضمان عدداً كبيراً من النساء في
صفوفهما.
التنصير في مالي:
لا يمكن إغفال دور المنصرين الذي سبقت حركتهم تواجد الاستعمار في مالي، بل إن حركات التنصير هي التي مهدت الطريق للاستعمار.
وللتنصير في مالي تواجد كبير وإمكانات ضخمة، يعملون من خلالها في
المجتمع، ويعتبر إقليم (كاي) في منطقة (كيتا) كعبة المنصّرين التي يحجون إليها
كل عام، ويبرز وجودهم في المناطق التالية: منطقة (كولو كاني) ، و (سان) ، ... و (بنجاغارا) ، و (الدغوي) ، و (كاتي) .
ويقومون بتقديم المساعدات للسكان، كالعلاج، وبناء المدارس الحكومية،
وتوفير اللوازم الدراسية، وبناء المستوصفات، وتوزيع الغذاء والملابس، وبناء
المشاريع الزراعية والحيوانية، وكفالة المنصّرين.. وغير ذلك.
ويوجد في منطقة (سان) ذات الجو الحار على سبيل المثال منصِّر فرنسي
يبلغ من العمر (٨٣) سنة! ! استطاع بناء مجمع يضم عيادة طبية، وروضة
للأطفال، ومعهداً، بالإضافة إلى كنيسة كبيرة.
ولكن يعتبر تأثير المنصرين محدوداً مقارنةً بالجهود والمساعدات التي
يقدمونها [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ] [الأنفال: ٣٦] .
وبعد: فإن نسبة ارتفاع المسلمين في هذه الدولة الإفريقية، وتقبل أهلها لمنهج
أهل السنة والجماعة، وعدم ترسخ العقائد الصوفية في أغلب مجتمعه، وانتشار
العلم الديني بين الشباب.. لعلامة خير تبشر بمستقبل إسلامي زاهر في هذه الدولة
الفقيرة، السبب الذي يجعلنا ننادي الهيئات الخيرية المتواجدة في مالي لمضاعفة
الجهد، مع عدم إغفالنا لنشاط بعض الهيئات المتميز.
ونسأل الله (عز وجل) أن يعلي كلمته وينصر دينه وعباده.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.