المسلمون والعالم
تقرير ميتشيل: دعوة لإجهاض انتفاضة الأقصى
(٢ - ٢)
د. سامي محمد صالح الدلال
في العدد الماضي من البيان تحدث الكاتب عن قواعد وثوابت مطابقة للحق
على رأسها أن فلسطين كلها من النهر إلى البحر هي ملك للمسلمين، ثم تحدث عن
تقرير ميتشيل وعرف به وناقش مقدمته وفقراته بنداً بنداً، وها هو في مقاله اليوم
يتابع الحديث عما قالته لجنة ميتشيل، مع وقفات مع ما بقي من بنوده.
- البيان -
المستوطنات:
قالت اللجنة: «من الصعب تكريس وقف العنف الفلسطيني الإسرائيلي ما لم
تجمد الحكومة الإسرائيلية نشاطات البناء الاستيطاني كافة» .
«على امتداد نصف قرن من وجودها تلقت إسرائيل دعماً قوياً من الولايات
المتحدة، وفي المحافل الدولية.
» جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية في حينه قال في ٢٢ أيار (مايو)
١٩٩١م: في كل مرة من المرات الأربع التي ذهبت فيها إلى إسرائيل بشأن عملية
السلام، ووجهت بالإعلان عن نشاط استيطاني جديد، إنه أمر يخالف سياسة
الولايات المتحدة «.
ونقف مع هذا الكلام عدة وقفات:
١ - نفهم من تقرير اللجنة وما نقلته من أقوال لوزير الخارجية (جيمس بيكر)
أن إسرائيل ماضية قدماً في بناء المستوطنات ونشرها بسرعة رغم معارضة
جميع الأطراف لها في هذا التصرف.
٢ - نحن نعلم مدى ثقل الضغط الأمريكي على الكيان اليهودي فيما لو أراد
أن يضغط، وفي مسألتنا هذه نعتقد أنه لم يكن هناك ضغط جاد على الكيان اليهودي،
ولو حصل لاضطرت الحكومة اليهودية إلى الكف عن الاستمرار في التوسع
الاستيطاني.
٣ - إن التوسع اليهودي الاستيطاني يمثل حركة متحفزة في منظومة الخطوط
الاستراتيجية اليهودية؛ لأنه يمثل الحجر الأساس في بناء الدولة التوراتية.
٤ - هنا يأتي دور الانتفاضة التي فهمت كيف تتعامل مع الكيان اليهودي وفق
اللغة التي يفهمها، وهي لغة العنف، وهو عنف مشروع يدخل في إطار الدفاع عن
النفس.
٥ - هذا العنف الفلسطيني المضاد هو الذي أصابهم بالرعب، وأدخل في
روعهم ضرورة الهجرة المعاكسة، وترك المستوطنات؛ حيث إن الخدمات الحيوية
الهامة بدأت بالتراجع أو التوقف؛ مما دعا الحكومة اليهودية إلى اتخاذ إجراءات
أمنية ووضع خطط مضادة من مثل تكثيف الكمائن ضد الفلسطينيين وتحصين
السيارات التي تنتقل من وإلى المستوطنات وتفعيل الاستخبارات الجوية؛ غير أن
هذه الإجراءات لم تكن مجدية فعلياً؛ حيث استمر تدفق المستوطنين إلى داخل الخط
الأخضر (الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨م) ، وسيستمر بإذن الله.
٦ - إن استمرار الانتفاضة سيحول حياة المستوطنين إلى جحيم لا يطاق،
والذي اعتقده أن حكومتهم لن تبقى متفرجة على تعاظم كرة الثلج، وأغلب الظن
أنها قد تقرر الدخول في مغامرات عسكرية ستصل حتماً إلى إعلان حالة الحرب.
خفض التوتر:
قالت اللجنة:» إن تجديد الجهود لوقف العنف يمكن أن يمثل ولوقت محدود
فترة تهدئة يمكن من خلالها عدم تشجيع التظاهرات الجماهيرية في/ أو بالقرب من
نقاط الاحتكاك من أجل كسر دائرة العنف، وفي حال استمرار التظاهرات فإننا
نحض على أن يحافظ كل من المتظاهرين ورجال الأمن على المسافة التي تفصل
بينهما من أجل خفض احتمالات المواجهة المميتة «. انتهى كلام اللجنة.
تعليق:
اتفق الطرفان على فترة تهدئة ووقف لإطلاق النار، غير أن القوات اليهودية
لم تلتزم بذلك ولا ليوم واحد، وهذا يؤكد سبق الإصرار اليهودي على مواصلة
العنف ضد الفلسطينيين، وقد أدى عدم التزام الجيش اليهودي بوقف إطلاق النار
إلى أن تواصل الانتفاضة الدفاع عن شعبها الأعزل.
الفعل والرد:
تحت هذا العنوان ذكر التقرير كلاماً كثيراً لا يخرج في فحواه عن المذكور
سابقاً.
ولنا على ما سبق التعليقات الآتية:
١ - إن الزج بالشباب اليهودي في طليعة المتصدين للانتفاضة الفلسطينية
يضاعف إيقاع المسؤولية على الحكومة اليهودية، ومن ثم فليس فيه تبرئة لها بل
مزيد اتهام.
٢ - خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الانتفاضة كان إيقاع القتل من جانب
واحد، وهو الجانب اليهودي، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني قد صبر على تلقي
الرصاص القاتل لمدة تزيد على تسعين يوماً؛ فأين كانت الولايات المتحدة والأمم
المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا؟ !
لم يتحرك هؤلاء إلا بعد أن نفد صبر الشعب الفلسطيني وشرع يدافع عن
نفسه، فهبوا جميعاً للحيلولة بينه وبين الدفاع المشروع، فتتالت الوفود وترادفت
الاجتماعات وازدادت الضغوط، إنهم يريدون أن يذبح الشعب الفلسطيني كما تذبح
النعاج؛ فما أخطر هؤلاء على الإنسانية! !
٣ - اعترفت اللجنة بأن الجيش اليهودي يستخدم الأسلحة الثقيلة للرد على
نيران الفلسطينيين الخفيفة.
٤ - أقرت اللجنة استخدام الجيش اليهودي للرصاص المطاطي ليقتل به
الفلسطينيين، لكنها طلبت منه سحب القلب المعدني. يا سبحان الله! حتى اللجنة
تريد قتل الفلسطينيين لكن باستخدام الرصاص المطاطي فقط! !
كيف يمكن أن تكون هذه لجنة محايدة لتقصي الحقائق؟ ! !
التحريض:
قالت اللجنة:» في التقارير والأوراق التي قدمت إلى اللجنة، عبّر كل من
الطرفين عن قلقه في شأن اللغة والتصورات الكريهة التي يبثها الطرف الآخر، مع
تحديد العديد من الأمثلة على الخطاب الديني والعرقي المعادي في الإعلام الفلسطيني
و (الإسرائيلي) ، في المناهج الدراسية، وفي تصريحات القيادات الدينية
والسياسيين وغيرها «.
» إننا ندعو الطرفين إلى مراجعة التزاماتهم الرسمية، ورعاية التفاهم
المتبادل والتسامح، والابتعاد عن التحريض والدعاية المعادية «.
» نقترح على الطرفين أن يكونا حذرين بشكل خاص في شأن استخدام
الكلمات بطريقة توحي بالمسؤولية الجماعية «.
تعليق:
التحريض يلازم وجود الصراع، وهو أمر طبيعي، لكن في حالتنا هذه
التحريض من الجانب الفلسطيني يدعو إلى إحقاق الحق وإعادة الحقوق المشروعة
إلى أصحابها الأصليين وهم الفلسطينيون سكان الأرض وأصحابها، وأما التحريض
من الجانب اليهودي فهو يدعو إلى تمكين الباطل باستخدام القوة المسلحة بشكلها
المفرط، وذلك لتكريس الاحتلال وإدامة الهيمنة الباطشة على الأراضي المحتلة،
وسوم أصحابها سوء العذاب والتشريد والتنكيل عبر المجازر والإبادة الجماعية.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعنف:
قالت اللجنة:» لقد فرض المزيد من القيود من قبل (إسرائيل) على حركة
الناس والبضائع في الضفة الغربية وقطاع غزة «.
» الإغلاقات تتخذ ثلاثة أشكال:
أ - تلك التي تقيد الحركة بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل.
ب - تلك التي تقيد الحركة داخل المناطق الفلسطينية (بما في ذلك حظر
التجول) .
ج - تلك التي تقيد الحركة من المناطق الفلسطينية إلى البلدان الأخرى «.
» لقد تسببت هذه الإجراءات في:
* تمزيق وبث الفوضى في حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين.
* رفعت معدل البطالة بين الفلسطينيين إلى ما يقدر بـ ٤٠% وذلك من خلال
منع ٤١ ألف فلسطيني من العمل في إسرائيل.
* أطاحت بحوالي ثلث إجمالي الإنتاج الفلسطيني المحلي.
* الآثار الضارة للإغلاقات (أي الحصار) :
١ - منع المدنيين من الحصول على العناية الطبية.
٢ - منع الطلبة من التوجه إلى مدارسهم «. انتهى كلام اللجنة.
ونعقب على ما ذكرنا بما يلي:
١ - أصابت اللجنة في ذكر بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعنف
اليهودي ضد الفلسطينيين. غير أن اللجنة ذكرت في العنوان لهذا المقطع كلمة
» للعنف «في حق الصهاينة باعتبارهم المعتدين.
٢ - إن الذي ذكرته اللجنة يدل على مدى الممارسات الهمجية واللاإنسانية
ضد الفلسطينيين.
٣ - إن ما يسمى المجتمع الدولي لم يهب لدفع الظلم الشديد الذي وقع ولا
يزال ضد الفلسطينيين، في حين ما أسرع ما كان تحركه في أزمة تيمور الشرقية
النصرانية؛ لأنه يكيل بعدة مكاييل، يختار منها ما يحقق مصالحه ومطامعه وإن
كانت على حساب الشعوب المستضعفة والمضطهدة.
٤ - إن تقرير اللجنة أغفل كثيراً من آثار التدمير اليهودية لمرافق
الفلسطينيين مما أدى إلى تشريد الأهالي، بالإضافة إلى ازدياد أعداد المعاقين بشكل
هائل، وتعاظم أعداد الأطفال، وتعاظم الأزمات النفسية التي أصابت الأطفال
الناجمة عن الخوف الذي تسببه الأصوات المدوية لتفجير القنابل وغير ذلك.
الأماكن المقدسة:
قالت اللجنة:» من المؤسف، بشكل خاص، أن الأماكن المقدسة مثل جبل
الهيكل، الحرم الشريف في القدس، قبر يوسف في نابلس، وقبة راحيل في بيت
لحم كانت مسرحاً للعنف والموت والإصابات، هذه أماكن للسلام، للصلاة، للتأمل،
ويجب أن تكون متاحة لجميع المتدينين «.
» إن الأماكن التي تعتبر مقدسة من قبل المسلمين واليهود والمسيحيين تستحق
الاحترام والحماية والحفظ، إن الاتفاقيات التي سبق أن تم التوصل إليها بين
الأطراف المعنية بشأن الأماكن المقدسة يجب أن يتم التزامها، ويجب تشجيع
الجهود الأمنية لتطوير الحوار بين الأديان «. انتهى كلام اللجنة.
ولنا مع كلام اللجنة الوقفات الآتية:
١ - جميع أعمال العنف التي وقعت في الأماكن المقدسة التي أشارت إليها
اللجنة تمت بواسطة اليهود، وهذا ما تم تجاهله، وجاءت بعبارات توحي أن العنف
في تلك الأماكن متبادل بين الأطراف كلها، وهذا تدليس واضح.
٢ - ليس صحيحاً ما ذكرته اللجنة من أن هذه الأماكن المقدسة ينبغي أن
تكون متاحة لجميع المتدينين، بل هي أماكن متاحة لأتباع كل دين بعينه، إن
الخطورة في الصياغة التي أوردتها اللجنة تكمن في أن ما يفهم منها هو أن المسجد
الأقصى ينبغي أن يكون متاحاً لجميع المتدينين، وهذا مرفوض لدى المسلمين كلية،
جملة وتفصيلاً.
٣ - إن تدنيس شارون المسجد الأقصى جاء مخالفاً لكل ما هو معلوم من
احترام جميع الأطراف للأماكن المقدسة، كما ينبغي أن تدين الاعتداء الذي حصل
على المسجد الإبراهيمي الذي أوقع عشرات القتلى من المصلين المسلمين أثناء
أدائهم للصلاة.
٤ - أما قضية تشجيع الجهود الأمنية لتطوير الحوار بين الأديان فلا محل لها
في المسألة المعروضة، وكان ينبغي للجنة أن توضحه وتجليه.
القوة الدولية:
قالت اللجنة:» لقد كان أحد أكثر المواضيع التي أثيرت خلال عملنا إشكالية
موضوع نشر قوة دولية في المناطق الفلسطينية، لحماية المدنيين الفلسطينيين
وممتلكاتهم من جيش الدفاع الإسرائيلي ومن المستوطنين، وهذا ما عارضته
الحكومة الإسرائيلية «.
» إننا نرى أن مثل هذه القوة تحتاج من أجل أن تكون فاعلة إلى دعم
الطرفين «.
» أثناء زيارتنا لمدينة الخليل تلقينا تقريراً من طاقم القوة الدولية المؤقتة فيها
PLPH، وهي قوة وافق عليها الطرفان. إن مهمة هذه القوة هي مراقبة الوضع
المتفجر وكتابة التقارير حول مشاهدتها، فإذا وافق الطرفان، كخطوة لبناء الثقة،
على الاستفادة من تجربة قوة الخليل لمساعدتهم على السيطرة على نقاط الاحتكاك
الأخرى، فإننا نأمل أن يلبي المساهمون في قوة الخليل هذا الطلب «. انتهى كلام
اللجنة.
وهنا نقف الوقفات الآتية:
١ - نحن لا نؤيد نشر قوات دولية في المناطق الفلسطينية؛ لأن تلك القوات
ستشكل استعماراً إضافياً للأراضي المحتلة بغطاء دولي.
٢ - لا نشك أن القوات الدولية ستكون متحيزة لصالح العدو اليهودي بحكم
توجهات النظام الدولي.
٣ - إن القوات الدولية ستشكل حماية للوضع اليهودي في الأراضي المحتلة؛
لأن الوصول إلى اليهود لطردهم من الأراضي المحتلة سيصطدم بهذه القوات أولاً،
مما يجعل الشعب الفلسطيني وكأنه هو المعتدي وليس المعتدى عليه.
٤ - الحكومة اليهودية لا تريد إدخال قوات دولية إلى الضفة وقطاع غزة؛
لأنها تريد هذه الأراضي لها وحدها ووجود هذه القوات يدخل الاضطراب على
مشاريعها الاستيطانية والتوسعية، ولأن القوات الدولية ستكون شاهد عيان على
الإجرام اليهودي الذي تمارسه قوات الدفاع الإسرائيلي والشرطة ضد المدنيين
العزل.
٥ - يلاحظ أن اشتراط اللجنة موافقة الطرفين يوحي ضمناً إلى أنها تميل إلى
الرأي اليهودي.
٦ - إن عدم توصية اللجنة باستجلاب قوات دولية للضفة الغربية وقطاع غزة
ينسجم ويتحد مع رأي أمريكا ذات الثقل في اللجنة.
مبادرات التقارب بين الشعبين:
قالت اللجنة:» على الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أن ترعيا
وتدعما، بشكل مشترك، عمل المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والفلسطينية
المنخرطة في عملية بناء الثقة من خلال مبادرات تربط الطرفين، بما في ذلك
توفير الدعم الإنساني للقرى الفلسطينية من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية «.
انتهى كلام اللجنة.
ولنا تعليق:
إن الحكومة اليهودية تقوم بكل ما يقع تحت طائلة إمكاناتها في إيقاع التخريب
والدمار في الصفوف الفلسطينية؛ فهي التي تقوم بجرف آلاف الهكتارات من
الأراضي المزروعة، وهي التي تقوم بتدمير الأشجار المثمرة، وهي التي تقوم
بهدم المنازل على قاطنيها، وهي التي تلقي القنابل من الطائرات الحربية وتقذف
بالصواريخ من المروحيات العسكرية على المدن الفلسطينية الآهلة بالسكان، وهي
التي تقوم بعمليات الحصار والتجويع، وغير ذلك كثير، أقول: كيف لمثل هذه
الحكومة أن تخاطب بتشكيل لجان مشتركة للإغاثة والدعم الإنساني؟ ! !
استئناف المفاوضات:
قالت اللجنة:» لقد أعلن كلا الطرفين عن استمرارهما بالتزام اتفاقاتهما
وتعهداتهما، وعلى الطرفين إعلان عزمهما على اللقاء على هذا الأساس من أجل
استئناف مفاوضات شاملة وذات معنى، وبروحية تعهداتهما في شرم الشيخ في
عامي ١٩٩٩و ٢٠٠٠م «.
» إن على السلطة الفلسطينية، كما فعلت في ظروف دقيقة سابقة، أن تتخذ
خطوات تطمئن إسرائيل في شأن القضايا الأمنية، وعلى الحكومة الإسرائيلية اتخاذ
خطوات مماثلة «.
» على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتجنبوا في أفعالهم ومواقفهم إعطاء
الكلمة النهائية في تحديد مستقبلهم المشترك للمتطرفين والمجرمين العاديين والباحثين
عن الانتقام «.
» إن أساسات الثقة التي تتطلبها إعادة بناء شراكة فعالة تقوم على قيام كل
طرف بتقديم طمأنات استراتيجية للطرف الآخر «. انتهى كلام اللجنة.
ولنا الوقفات الآتية مع ما ذكر:
١ - رغم إعلان الطرفين عزمهما على استمرارهما بالتزام اتفاقاتهما
وتعهداتهما، فإن هذا الأمر لم يتم إلا من جانب السلطة الفلسطينية، أما الجانب
اليهودي فقد ضرب بكل تعهداته واتفاقاته عرض الحائط، وإلا فلماذا إذاً حصلت
مفاوضات واي ريفر، وواي بلانتيشن، وطابا، وشرم الشيخ، وكامب
ديفيد؟ ! !
٢ - ما هي الخطوات التي على السلطة الفلسطينية أن تتخذها لطمأنة
إسرائيل أمنياً؟ ! لقد سقنا عدداً من الخطوات التي اتخذتها تلك السلطة ضد شعبها
وكأنها جندي يعمل تحت إمرة اليهود بما في ذلك الاعتقال والمطاردة والتشريد؛
غير أن كل ذلك لم يكن كافياً للجنة؛ فيا للعجب! !
٣ - إن القضايا السياسية التي تطلب اللجنة من اليهود أن يتخذوا في شأنها
خطوات لطمأنة السلطة الفلسطينية غير واردة في التفكير اليهودي، وهم قد أعطوا
لاءاتهم منذ البداية، وهم مصرون عليها، ولا يظهر في الأفق أن هناك توجهاً
لإعادة النظر فيها.
٤ - تدعو اللجنة إلى ممارسة السرية المطلقة في اتفاقيات الوضع النهائي،
مما يعني ضمناً أن السبب في ذلك هو أن تلك الاتفاقات لن تكون منصفة للشعب
الفلسطيني، مما سيجعله رافضاً لها. لكن اللجنة عامدة، حادت بالعبارة عن ذكر
الشعب الفلسطيني إلى ذكر» المتطرفين والمجرمين العاديين والباحثين عن
الانتقام «.
٥ - مرة أخرى تتلاعب اللجنة بالألفاظ لتمرير معانٍ خطيرة والتي منها
» طمأنات استراتيجية «بين الأطراف فتأمل! !
ثالثاً: التوصيات:
لقد جاءت التوصيات خلاصة لمجمل ما قد ذكرناه في النقاش الذي أدارته لجنة
تقصي الحقائق عبر ما يزيد على ستة شهور، وقد جاء في مقدمة التوصيات:
» على الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية العمل بسرعة وحزم لوقف العنف
ثم إعادة بناء الثقة واستئناف المفاوضات «. أي ثلاثة محاور:
المحور الأول: وقف العنف:
قالت اللجنة:» على الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية التأكيد مجدداً
على التزامهما بالاتفاقيات والتعهدات القائمة والتطبيق الفوري لوقف العنف من دون
شروط، وعليهما أن يستأنفا التعاون الأمني فوراً، وأن يبحثا في توسيع مدى
التعاون الأمني ليعكس أولويات الشعبين «.
» إننا نقر بموقف السلطة الفلسطينية القائل بأن التنسيق الأمني يمثل صعوبة
سياسية في غياب سياق سياسي مناسب «.
المحور الثاني: إعادة بناء الثقة:
انقسمت التوصيات تحت هذا العنوان إلى ثلاثة أقسام: قسم موجه للسلطة
الفلسطينية، وقسم موجه للحكومة الإسرائيلية، وقسم موجه لهما معاً.
قالت اللجنة:
التوصيات للسلطة الفلسطينية:
١- على السلطة الفلسطينية أن توضح للفلسطينيين والإسرائيليين على
السواء، وعبر الفعل الملموس، أنها تستنكر الإرهاب وترفضه، وأنها ستبذل
جهدها الكامل لمنع العمليات الإرهابية ومعاقبة منفذيها.
٢ - على السلطة الفلسطينية أن تجدد التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية
الإسرائيلية حتى تضمن لأكبر مدى ممكن أن الفلسطينيين العاملين داخل (إسرائيل)
قد تم التأكد من أنهم ليست لديهم صلات بمنظمات أو علاقة بالإرهاب.
٣ - منع المسلحين من استخدام المناطق الفلسطينية المأهولة لإطلاق النار
على المناطق الإسرائيلية المأهولة ومواقع جيش الدفاع الإسرائيلي.
٤ - اتخاذ كل الخطوات اللازمة لإنشاء تسلسل واضح وصلب للضبط في
القوات المسلحة التي تعمل تحت السلطة.
٥ - فرض السلطة تنفيذ معايير للسلوك والمساءلة، سواء داخل القوات
الرسمية أو بين قوات الشرطة والقيادة السياسية التي تقدم تقاريرها إليها.
التوصيات للحكومة الإسرائيلية:
١ - على الحكومة الإسرائيلية تجميد جميع النشاطات الاستيطانية، بما في
ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات.
٢ - على جيش الدفاع الإسرائيلي أن ينظر في الانسحاب إلى المواقع التي
كان يتواجد فيها قبل ٢٨ أيلول ٢٠٠٠م، الأمر الذي سيقلص عدد نقاط الاحتكاك
وإمكانيات المواجهات العنيفة.
٣ - على الحكومة الإسرائيلية أن تضمن أن يتبنى جيش الدفاع الإسرائيلي
وينفذ السياسات والإجراءات التي تشجع ردود الفعل غير القاتلة على التظاهرات
السلمية بهدف تقليص عدد الإصابات والصدامات بين الشعبين.
٤ - على الحكومة الإسرائيلية أن ترفع الأطواق، وأن تحول إلى السلطة
الفلسطينية كل عائدات الضرائب التي تدين لها بها، وأن تسمح للفلسطينيين الذين
كانوا يعملون في (إسرائيل) بالعودة إلى أعمالهم، وأن تضمن أن تكف قوات
الأمن والمستوطنين عن تدمير البيوت والطرق والأشجار وغيرها من الممتلكات
الزراعية في المناطق الفلسطينية.
٥ - على الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي أن يتبنيا ويضعا موضع
التنفيذ السياسات والإجراءات لتقليص الخطر على حياة وممتلكات المدنيين
الفلسطينيين؛ آخذين في الاعتبار أنه ربما يكون هدف المسلحين هو استدراج رد
فعل عنيف من الجيش الإسرائيلي.
٦ - على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ كل الخطوات اللازمة لمنع أعمال العنف
من قبل المستوطنين.
التوصيات للطرفين:
١ - على السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية أن تعملا معاً من أجل
خلق» فترة تهدئة «، وأن تطبقا إجراءات لبناء الثقة سبق أن طرح بعضها.
٢ - عليهما استئناف جهودها لتحديد وإدانة ووقف التحريض بكل أشكاله.
٣ - على الطرفين التزام بنود اتفاق واي ريفر التي تحرم استخدام الأسلحة
غير المشروعة.
٤ - عليهما أن يبحثا في التزام مشترك المحافظة على الأماكن المقدسة عند
المسلمين واليهود والمسيحيين وحمايتها.
٥ - عليهما رعاية ودعم عمل المنظمات غير الحكومة الفلسطينية
والإسرائيلية العاملة في المبادرات المشتركة التي تربط بين الشعبين.
المحور الثالث: استئناف المفاوضات:
قالت اللجنة:» إن الجهد الكامل من أجل وقف العنف والعودة الفورية إلى
التعاون الأمني وتبادل إجراءات بناء الثقة هي أمور شديدة الأهمية من أجل استئناف
المفاوضات «.
» يجب ألا نؤجل المفاوضات أكثر مما يجب «.
» نوصي بأن يلتقي الطرفان ليعيدا تأكيد التزامهما بالاتفاقات الموقعة
والتفاهمات المتبادلة وليتخذا الخطوات العملية الملائمة «.
» إذا لم يعودا إلى طاولة المفاوضات فسيواجهان احتمال أن يستمرا في القتال
لسنوات طويلة، بحيث يغادر الكثير من مواطنيهما إلى شواطئ بعيدة ليعيشوا
حياتهم ويربوا أطفالهم «.
وقفتنا مع التوصيات:
أولاً: لقد جاءت التوصيات ظالمة بشكل سافر للشعب الفلسطيني؛ حيث إنها
طلبت من السلطة الفلسطينية:
١ - إيقاف الانتفاضة (تحت مسمى وقف العنف) .
٢ - التمهيد لذلك بـ» فترة تهدئة «.
٣ - استنكار ورفض ومنع العمليات الاستشهادية وعمليات الدفاع عن النفس،
(تحت مسمى استنكار الإرهاب) .
٤ - اعتقال وسجن ومعاقبة من يفعل ذلك من الفلسطينيين.
٥ - توفير الحراسة للمناطق اليهودية المأهولة ومواقع الجيش اليهودي
(وذلك بمنع المسلحين الفسلطينيين من مهاجمتهم من المناطق الفلسطينية المأهولة) .
٦ - التأكد من أن الفلسطينيين الذين يعملون داخل الخط الأخضر ليس لهم
علاقة مع المنظمات الفلسطينية المشاركة في الانتفاضة، وأن تقوم بفحصهم! !
٧ - اتخاذ إجراءات صارمة لضبط القوات المسلحة العاملة تحت إمرتها كي
لا تشارك في الانتفاضة أو تدعمها بل تمارس مهمتها في كبحها ولجم اندفاعها.
٨ - التعاون الأمني الكامل مع الحكومة اليهودية والتنسيق معها لتنفيذ كل ما
ذكر.
ثانياً: جاءت التوصيات معضدة ومدعمة ومؤيدة لكثير من مواقف الحكومة
اليهودية. ومن ذلك:
١ - إقرار وجود المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة (اللجنة طلبت
فقط تجميد النشاطات الاستيطانية) ، وطلبت اللجنة من الحكومة اليهودية منع
أعمال العنف من المستوطنين ولم تطلب منها إجلاءهم من المستوطنات، وهذا
إقرار منها بشرعية المستوطنات ووجود المستوطنين فيها.
٢ - إقرار وجود شبكة الطرق التي توصل بين المستوطنات فيما بينها أو مع
كافة المدن في داخل وخارج ما يسمى بالخط الأخضر، بل عدم الممانعة من
تدعيمها وزيادة فعاليتها، وعلى الحكومة اليهودية أن توضح للسلطة الفلسطينية أن
ذلك لن يشكل تهديداً للتواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية! !
٣ - إقرار وجود الجيش اليهودي في المواقع التي أعاد احتلالها بعد بدء
الانتفاضة، وتكتفي اللجنة بالطلب منه إعادة النظر في ذلك.
٤ - أقرت اللجنة للجيش اليهودي قتل الفلسطينيين من حيث المبدأ، لكنها
طلبت منه تبني أساليب تقلص من عدد القتلى والمصابين! !
٥ - وافقت اللجنة وأقرت أن التدمير الشامل والقتل بأنواعه الذي قام به
الجيش اليهودي له ما يسوِّغه وهو الأسباب الأمنية. إن هذا الإقرار يعطي الضوء
الأخضر من اللجنة للقوات اليهودية بمواصلة أعمالها الهمجية، وممارستها الوحشية
تحت غطاء دولي.
٦ - أعطت اللجنة الحكومة اليهودية الحق في مباشرة ممارسات منوعة في
المسجد الأقصى والمساجد الأخرى، وكذلك الكنائس، وأضفت الشرعية عليها في
ذلك تحت مسمى الالتزام المشترك في المحافظة على الأماكن المقدسة.
ثالثاً: أبقت اللجنة دخول الأطراف في مفاوضات الوضع النهائي معلقاً، على
أن لا يتأجل لأكثر مما يجب؛ أي أنها أعطت فترة زمنية مفتوحة إلى حين القضاء
على الانتفاضة التي ينبغي أن يقضى عليها في فترة لا يجوز أن تمتد لأكثر مما
يجب! ! فتأمل! !
ماذا بعد تقرير ميتشيل؟ !
ما إن رفع ميتشيل تقرير (لجنة تقصي الحقائق) إلى الرئيس الأمريكي حتى
انصبت الجهود الدولية كلها في السعي لتنفيذه، ولقد أصبح بإمكاننا أن نطلق على
الفترة الحالية والتي قد تمتد لزمن طويل بأنها» مرحلة تقرير ميتشيل «، ورغم أن
هذا التقرير قد رفع بتاريخ ٣٠/٤/٢٠٠١م غير أن الجدل حول متى وكيف ومن
يبدأ تنفيذه لا يزال قائماً حتى كتابة هذه السطور.
لقد دعمت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تقرير ميتشيل،
وهلل له الجميع في العموم؛ غير أن استعراض وجهات نظر أهم الأطراف سيلقي
ضوءاً على مرحلة تقرير ميتشيل.
١ - السلطة الفسطينية:
* سارعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى إعلانها الموافقة على هذا التقرير،
لكنها طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية تحديد جدول زمني لتنفيذه بأسرع وقت
ممكن.
* ومع عدم حدوث أي تقدم في البدء في تنفيذ تقرير ميتشيل، أعلنت السلطة
الفلسطينية بتاريخ ١٥ ربيع الثاني ١٤٢٢ هـ الموافق ٦ يوليو ٢٠٠١م مبادرة
جديدة تستند إلى ثلاثة نقاط، هي:
١ - الإعلان الفوري من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالالتزام بتنفيذ
توصيات لجنة ميتشيل واعتبارها» رزمة «واحدة وفق» جدول زمني «محدد
وقصير الأمد يتم الاتفاق عليه دون تحفظ من أي طرف.
٢ - إعادة تأكيد التزام الطرفين بوقف فوري لكل أعمال إطلاق النار
والاعتداءات والانتهاكات التي تشمل المدنيين والممتلكات وسواها.
٣ - قيام لجان من المراقبين الدوليين فوراً تعينهم لجنة دولية بالإشراف على
وقف إطلاق النار، وعلى تنفيذ الجدول الزمني لتطبيق التوصيات.
٢ - الحكومة اليهودية:
رغم أن تقرير ميتشيل جاء ليصب في تحقيق الرغبات اليهودية ويضفي عليها
شرعية دولية، إلا أن الحكومة اليهودية أعلنت تحفظها (أو قل رفضها) لهذا
التقرير خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات.
ولما رأت الحكومة اليهودية أن موقفها هذا من التقرير سيعزلها دولياً وضعت
شروطاً لتنفيذ بنوده، ورسمت خطتها وفق عدة محاور:
الأول: الدعوة إلى» فترة تهدئة «لا يعلم أي طرف متى ستبدأ! !
ثم» فترة الاختبار «.
ومعنى الهدوء أن» لا يكون هناك إرهاب أو عنف أو تحريض «بحسب
تعبير شارون.
الثاني: التحرك الدولي لتسويق الفهم اليهودي لتقرير ميتشيل، وفي هذا
السياق قام شارون بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا؛
حيث قابل الزعماء: بوش، وشيراك، وبلير، وجير هارد شرودر طالباً منهم
الضغط على السلطة الفلسطينية لتتمسك بالهدنة! !
الثالث: شن هجوم كاسح على السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها ياسر عرفات
لتحقيق هدفين:
الأول: إعادة تلميع صورة عرفات أمام شعبه بعد أن احترقت تماماً.
الثاني: إظهارالسلطة الفلسطينية بأنها سلطة إرهابية، وأنها هي التي تعيق
تحقيق السلام.
الرابع: التراجع عن اتفاقيات أوسلو؛ حيث انتقد شارون اتفاقيات أوسلو
للحكم الذاتي للفلسطينيين الموقعة في ١٩٩٣م مؤكداً أن أوسلو لم تجلب لا السلام
ولا الأمن.
٣ - الولايات المتحدة الأمريكية:
منذ البداية وقفت الولايات المتحدة الأمريكية مع تقرير ميتشيل؛ لكنها تحاول
مسك العصا من الوسط؛ حيث قال ريتشارد باوتشر المتحدث باسم وزارة الخارجية
الأمريكية:» إن الجانبين بحاجة إلى بذل أقصى جهد من أجل وقف العنف،
وسنواصل دعوتهما لعمل ذلك «.
في هذا الإطار جاءت زيارة جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية
للأرض المحتلة؛ حيث عقد عدة اجتماعات مع المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين
واليهود في مكتب الارتباط الفلسطيني الإسرائيلي في رام الله. وقد نشرت وسائل
الإعلام اليهودية تفاصيل خطة تينيت بتاريخ ٢٣ ربيع الأول ١٤٢٢هـ الموافق
١٤ يونيو ٢٠٠١م، وقد تضمنت ما يلي:
أ - يجب عي الفلسطينيين التعهد بما يلي:
* توقيف واستجواب وسجن أعضاء المنظمات الفلسطينية الراديكالية الذين
تتهمهم سرائيل بالتحضير لعمليات إرهابية، والتي سلمت لائحة تتضمن عشرات
من أسمائهم إلى السلطة الفلسطينية.
* تقديم أسماء الأشخاص الموقوفين إلى لجنة أمنية مشتركة.
* مصادرة مدافع الهاون والأسلحة الأخرى التي يحوزها فلسطينيون بطريقة
غير شرعية في انتهاك لاتفاق أوسلو ١٩٩٣م.
* إغلاق ورشات صنع قنابل الهاون.
* تسليم إسرائيل جميع المعلومات الخاصة بالتخطيط لهجمات.
* منع تهريب الأسلحة.
* وضع حد للحض الرسمي على العنف والهجمات ضد إسرائيل
والمستوطنات اليهودية.
ب - يجب على إسرائيل التعهد بما يلي:
* الامتناع عن مهاجمة المؤسسات المدنية أو العسكرية التابعة للسلطة
الفلسطينية.
* الامتناع عن استخدام الأسلحة القاتلة لتفريق المتظاهرين.
* اتخاذ التدابير اللازمة ضد مواطنيها المسؤولين عن عمليات انتقام أو حض
على العنف ضد الفلسطينيين.
* التحقيق في مقتل الفلسطينيين الذين لم يتورطوا في أعمال إرهابية والذين
قتلوا أثناء مواجهات مع الجيش.
* الإفراج عن الموقوفين الفلسطينيين الذين لم يشاركوا في أعمال إرهابية
وخصوصاً المتظاهرين الذين رشقوا بالحجارة.
* إعادة نشر القوات الإسرائيلية في مواقعها السابقة لبدء الانتفاضة في ٢٨
سبتمبر الماضي.
* رفع الإغلاق عن الأراضي الفلسطينية والحصار الداخلي المفروض على
المدن الفلسطينية.
ج - يجب على الطرفين التعهد بما يلي:
* منع الأفراد والمجموعات من استخدام القطاعات التي تخضع لسيطرتها
كقواعد للقيام بأعمال عنف أو كملاذات بعد القيام بمثل هذه الأعمال.
* الالتقاء مرة في الأسبوع واتخاذ تدابير ملموسة لإعادة إطلاق تعاونهما
الأمني.
* إعادة تنشيط مكاتب الاتصال الإسرائيلية الفلسطينية.
* التشاور بانتظام على المستوى الأمني في مؤتمرات تعقد عبر أجهزة فيديو
بواسطة معدات تقدمها الولايات المتحدة. انتهى نص الخطة.
ولسنا بصدد مناقشة هذه الخطة؛ فهي في فحواها العام لا تكاد تخرج عما ورد
في تقرير لجنة ميتشيل. غير أن المسؤولين الأمريكيين اقترحوا وقفاً لإطلاق النار
غير مشروط تتبعه فترة هدوء لستة أسابيع قبل تطبيق توصيات ميتشيل، وقد وافق
الجانبان الفلسطيني واليهودي على خطة تينيت، ثم أعلن وقف إطلاق النار ابتداء
من ١٣ يونيو، غير أن هذا الوقف كان صورياً؛ حيث استمر الجيش اليهودي في
ممارسة هوايته اليومية في قتل الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم.
٤ - مواقف دول أخرى:
* في بريطانيا أعلن متحدث رسمي أن بلير الذي اجتمع مع شارون لأول مرة
ذكر أنه صديق لإسرائيل، وأنه ليس بصدد أن يملي على أي من الجانبين ما يتعين
عليهما فعله في المرحلة القادمة.
* في فرنسا كانت زيارته فرصة لها لتؤكد تركيزها بالدرجة الأولى على
تطبيق» سريع وكامل «لتقرير ميتشيل.
* في مصر صرح وزير الخارجية أحمد ماهر أن على إسرائيل البدء في
اتخاذ إجراءات جادة وفقاً لما نص عليه تقرير ميتشيل، موضحاً أن التقرير يضع
خريطة توصل إلى مفاوضات الوضع النهائي استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة
والأسس التي عقد بموجبها مؤتمر مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام.
* في سوريا قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث للفيغارو الفرنسية:
» نخشى أن تتقلص مبادرات ميتشيل وتينيت إلى مجرد تحركات للتوصل إلى وقف
لإطلاق النار، ثم تصبح بعد ذلك في مرحلة ثانية مرجعيات جديدة للسلام «.
آفاق مستقبل الانتفاضة بعد تقرير ميتشيل:
إن بؤرة الصراع تتأجج حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي هذه
البؤرة يوجد متصارعان رئيسان: الشعب الفلسطيني، والكيان اليهودي. ثم خارج
بؤرة الصراع هناك مغذيات ومؤثرات عليها، وهي قسمان:
١ - النظام الدولي (ممثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم
المتحدة) ، وتأثيره في بؤرة الصراع يصب لصالح الكيان اليهودي.
٢ - الدول العربية والإسلامية، وتأثيرها في بؤرة الصراع متفاوت من حيث
النوع والكم.
لكن كلا القسمين يقف بصف تقرير ميتشيل ولكن على أبعاد متفاوتة. وبغض
النظر عن كل ذلك فإن القرار النهائي في المسألة يتحدد في موقع البؤرة، والظاهر
في الأمر لحد الآن هو أن:
- الانتفاضة ستستمر.
- التصدي اليهودي لها سيستمر.
غير أن إمكانية الكيان اليهودي على استمرار التصدي للانتفاضة بدأ يعتريها
الخلل؛ لأن القضية ليست هي مجرد مواجهات عسكرية ضد جموع جماهيرية
عزلاء، بل هي قد تعدت ذلك إلى مرحلة النخر في البنية السياسية والنفسية
والاجتماعية والاقتصادية للكيان اليهودي بما يجعل إمكانية استمراره على هذه الحالة
الراهنة غير مستطاع، في حين أن الجماهير الفلسطينية لا تزال محتفظة بمخزون
هائل من طاقات المواجهة والصبر والتحمل؛ وعليه فإنا نرى أن استمرار الأمر
على نهجه الحالي سيرجح كفة الانتفاضة بإذن الله ولذلك فإن الحكومة الشارونية
الحالية لن تستجيب إلى هذا النوع من استمرارية المواجهة، بل ستسعى إلى
تطويرها بما يضعف كفة الانتفاضة أو يقضي عليها.
على هذا فإن تطوير المواجهة سيكون ضمن خطين:
الأول: محاولة إعادة احتلال المنطقة (أ) تدريجياً، وسحب البساط السياسي
الذي تقف عليه السلطة الفلسطينية، مما يعني مغادرتها للأراضي المحتلة أو
تعرضها للاعتقال أو التسفير القسري، وقد يتردد شارون في هذا الفعل بسبب
احتمالات المعارضة الدولية؛ غير أن شارون لا يعبأ كثيراً بذلك.
الثاني: تسخين الجبهات الأخرى (السورية واللبنانية) لتشتيت نظر الرأي
العام العالمي وصرفه عن التركيز عما تقوم به القوات اليهودية في محاولة إعادة
احتلالها للمنطقة (أ) .
ولكن أقول: لو حصل هذا، فإن احتلال المنطقة (أ) لن يوقف الانتفاضة،
بل سيزيد المواجهات مع العدو؛ وخاصة بعد زوال التأثير الكابح الذي تقوم به
قوات الشرطة الفلسطينية التي تنفذ سياسات السلطة. إن ذلك سيعمق آثار الانتفاضة
داخل الكيان اليهودي ويزيد كثيراً من خسائره. وأما تسخين الجبهات الأخرى فإنه
سيشكل ثقلاً إضافياً على الحكومة اليهودية ويزيد من أعبائها ويشتت تركيزها، بل
قد يبعثر كيانها السياسي بما سيحدث من اختلافات شديدة بين كتل الائتلاف الحاكم.
وإننا لا نشك أن هذه الاحتمالات جميعاً هي محل نظر ودراسة معمقة لدى
حكومة شارون، غير أن الخيارات المتاحة أمامها باتت قليلة حيث ضاقت عليها
الزاوية داخلياً وخارجياً، خاصة وقد بدأت توجهات الرأي العام العالمي تميل شيئاً
فشيئاً نحو كفة الفلسطينيين.
ولذلك؛ فإن آفاق المستقبل تشير والغيب يعلمه الله تعالى أن اليهود
سيضطرون في نهاية المطاف إلى الدخول في مفاوضات تقود في ختامها إلى
استقلال الضفة الغربية وقطاع غزة استقلالاً حقيقياً مرتبطاً بمعاهدات تعايش سلمي
وعدم اعتداء بين الدولة اليهودية وبين الدولة الفلسطينية.
هذا احتمال.
وهناك احتمال آخر، وهو أن استمرار الانتفاضة قد يفضي إلى حالات حرب
مستقبلية قريبة وبعيدة تهدد الكيان اليهودي ذاته، والله تعالى أعلم.