واقع المسلمين في بريطانيا
-التحرير-
هذا هو تتمة المقال المترجم الذي بدأناه في العدد السابق عن المسلمين في
أوربا، ويتحدث كاتبه هنا عن المسلمين في بريطانيا، ننقله دون تعليق لأن فيه
الكثير من الواقع والإنصاف.
قسم الترجمة
منذ أن قام متظاهرون ساخطون بإحراق نسخة من كتاب سلمان رشدي في
مدينة برادفود في شمال إنكلترا ومسلمو بريطانيا يتعرضون لمراقبة وفحص دقيق لا
نهاية لها من قبل أجهزة الإعلام.
لقد فجرت قضية رشدي حرباً كلامية مرة بين الذين يسعون إلى منع الكتاب
ومحاكمة مؤلفه بتهمة الإساءة للإسلام؛ وبين أنصار حرية التعبير، لقد توعد
المسلمون كلاً من رشدي وشركة (بنغوين) التي قامت بنشر كتابه بالانتقام بأساليب
مختلفة مما أدى إلى إحداث عاصفة من ردود فعل غاضبة، فقد دعا جمع من الكتاب
والمعلقين الشرطة إلى محاكمة أولئك المسئولين عن التحريض على قتل رشدي،
كما حذر آخرون من خطورة بروز تيار أصولي إسلامي في بريطانيا.
ومن الجدير بالملاحظة أن هذا الجدل الحاد حول حرية التعبير ونشوء
الأصولية قد غطى حقيقة أخرى تدعو للقلق وهي تصدع العلاقة المتزايد بين
البريطانيين البيض وبين مسلمي بريطانيا الذين يقدر عددهم بـ (١. ٤) مليون
ذوي الأصول الآسيوية، ومما يلاحظ أن المسلمين الذين تظاهروا في كل من
برادفورد ولندن كانوا يحملون لافتات متطابقة تقول: الجحيم لحزب المحافظين،
الجحيم لحزب العمال، وفي الحقيقة فإن كثيراً من المسلمين يشعرون بأنه ليس
هناك حزب سياسي في بريطانيا يتبنى قضاياهم.
إن غضب مسلمي بريطانيا الذي أججته مؤخراً قضية كتاب رشدي له جذوره
التي ترجع إلى أعوام الطفرة الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، في
عقدي الخمسينيات والستينيات، فطبقاً للإحصائيات البريطانية فإن ما يقرب من
(٦٢٩) ألف مهاجر من الهند، وباكستان وبنغلاديش قدموا إلى بريطانيا خلال هذين
العقدين للعمل في مصانع الفولاذ والنسيج والملابس البريطانية مقابل أجور لا يقبل
بها العمال الإنكليز عادة.
وكما هو حال كثير من المهاجرين في أنحاء العالم، فإن خطة مهاجري
بريطانيا كانت العمل وادخار ما أمكن من المال ثم العودة إلى البلاد، إلا أنهم
سرعان ما اكتشفوا أن المعيشة في بريطانيا باهظة التكاليف، وأن الحصول على
مسكن أمر صعب، وأن موجة التمييز العنصري المناهضة للآسيويين واسعة
الانتشار، وكان هؤلاء المهاجرون يرسلون ما يفيض عن حاجتهم من أموال إلى
عوائلهم في بلادهم إلا أنه بدا للكثير منهم عدم العودة إلى أوطانهم، لذلك قرروا
استقدام عائلاتهم إلى بريطانيا منفقين على ذلك أموالهم المدخرة، ولم تكن مؤسسات
الضمان الاجتماعي في بريطانيا قادرة - أو في تعبير أصح راغبة - في التعاون
مع الوافدين الجدد.
وفي البيئة الجديدة شرع الأطفال الآسيويون الذين لا يتكلمون الإنكليزية ألبتة
بالذهاب إلى المدارس في المدن المختلفة ليتعاملون مع من لا يعرف شيئاً عن لغتهم
أو ثقافتهم، ويرفض الأطفال الذين ترعرعوا في محيط إسلامي تناول الوجبات
الغذائية المقدمة من قبل إدارة المدرسة خوفاً من احتوائها على ما قد يحرمه الإسلام، كما أن بعضاً منهم كان عرضة للسخرية والإهانة والتعالي عليه من قبل الطلاب
البيض.
وعندما رد أهالي الأطفال على هذه السلوكيات بإبقاء أطفالهم في البيوت بعيداً
عن المدرسة، هددت السلطات المحلية بمحاكمتهم.. ففي مدينة برادفورد مثلاً،
والتي تضم أعلى نسبة من السكان الآسيويين في بريطانيا، أمضى المسلمون خمسة
عشر عاماً من المحاولات المستمرة قبل أن يتمكنوا من الحصول على موافقة يزود
بموجبها أطفالهم بوجبات غذائية تتفق مع تعاليم دينهم.
لقد مرت الجهود التي بذلها المسلمون لإرساء كيانهم في أجواء قاسية من
التمييز العنصري. ففي نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات وهي الفترة التي بدأت
فيها المتاعب تواجه مصانع النسيج، ارتفعت معدلات البطالة وارتفعت معها
موجات الاستياء، وارتفعت في تلك السنوات وبشكل منتظم حوادث الاعتداء
العنصرية ضد المسلمين. وفي تقرير لوزارة الداخلية صدر عام ١٩٨١ م تبين أن
الآسيويين أكثر عرضة للاعتداءات العنصرية بنسبة ٥٠ %.
لقد جاهر مسئولون في الحكومة البريطانية بالشكوى من حوادث الاعتداء
العنصري، فقد عبر تقرير وزارة الداخلية لعام ١٩٨٩م عن القلق حيال ما سيتحمله
المجتمع من ثمن باهظ على المدى الطويل إذا ما سمح لتيار النزعة العنصرية
الخفي بالتشجيع والانفلات، وعلى الرغم من هذه الاحتجاجات فإن عدداً من أعضاء
حزب المعارضة يزعمون أن حكومة المحافظين مصدر للتمييز العنصري المنظم
وليس علاجاً له.
وبغض النظر عمن هو المسئول، فإن إحدى آثار التمييز العنصري على
المدى الطويل قد تكون نمو الروح النضالية لدى مسلمي بريطانيا، ففي موسم
الصيف الماضى اتخذت المظاهرات التي نظمها المسلمون في مدينة برادفورد طابعاً
عنصرياً مقلقاً، حيث أخذت مجموعات من الشباب الآسيويين بتحطيم الواجهات
الزجاجية للمحال التجارية والسيارات وهددوا المارة. ومنذ ذلك الوقت والاشتباكات
المتفرقة في الشوارع آخذة في الحدوث في بعض المدن.
ويعلق رئيس مجلس المساجد في مدينة برادفورد على هذه الأحداث في مقابلة
أجريت معه مؤخراً فيقول: (إن هذا ليس من الأصولية في شيء، إن الكثير من
أولادنا هم مواليد هذه البلاد، وهم بذلك من حملة الجواز البريطاني إلا أنه ليس في
استطاعتهم الحصول على عمل، كما أنهم لا يلقون معاملة منصفة) .
إن المسلمين البريطانيين يعانون من إحباط على نطاق واسع، وإن هذا
الشعور بالإحباط له أسبابه القوية. تشير حسابات دائرة التوظيف إلى أن نسبة
العاطلين عن العمل بين الشباب (١٦-٢٤ سنة) المنحدرين من أصل باكستاني
وبنغالي تصل إلى ٣٧%، وهي تعتبر أعلى نسبة بالمقارنة مع أي طائفة عرقية
أخرى في بريطانيا.
ويقوم المسلمون في بريطانيا بحملة تهدف إلى إقناع الحكومة بسن قوانين
هجرة أكثر إنصافاً، وإلى توفير فرص عمل متكافئة، كما يطالبون بتخصيص
حصص دينية إسلامية خاصة في المدارس، وإلى الاعتراف بقوانين الشريعة
الإسلامية في الزواج والميراث وإلحاقها بقانون الدولة، وفي الحقيقة لقد بذل
المسلمون في هذا المضمار جهوداً كبيرة لعدة سنوات، إلا أن الحكومة لم تلق لهم
بالاً، حتى جاء رد الجالية المسلمة على كتاب رشدي عنيفاً جداً، وقد تكون هذه
المسألة على ما تثيره من قلق، حافزاً لتحول اجتماعي أكثر عمقاً، يكون الإسلام
هو نقطة ارتكازه..
يقول الدكتور (شابير أختر) وهو من المتخصصين في حقل تاريخ الأديان،
وكان قد حاز على تجربة في هذا المضمار من جامعة ألبيرتا في كندا ويقيم حالياً في
برادفورد: (إن جوهر القضية هو أن الشباب الآسيويين وجدوا فجأة من يقتدون به
في صفوف المسلمين الملتزمين، ففيما مضى كان الاجتماعيون العلمانيون وزعماء
التحرر هم الذين يتكلمون باسم الجالية الباكستانية، أما الآن فإن ذلك قد تغير كلية،
فدعاة التحرر يريدون أن يجعلوا من قضية العرق وقضية المرأة والرجل عناصر
بديلة عن الدين - في عملية سن القوانين) .
لقد افتقد مسلمو بريطانيا في الماضي أي شكل من أشكال المنظمات الوطنية
أو الدينية، كالكنيسة الأنكليكانية أو الكاثوليكية، أو العقيدة اليهودية، أما الآن فإن
المجالس الإسلامية آخذة بالتكون على الصعيدين الإقليمي والوطني، وهذه المجالس
هي المسئولة عن تنظيم المظاهرات الكبرى التي تطوف شوارع المدن البريطانية،
كما أصبح عدد من قادة المسلمين يتمتعون بمكانة على الصعيد الوطني، ولربما
تحولت جهود هؤلاء القادة فجأة إلى حركة واسعة النطاق.
مجلة الجمعية الجغرافية البريطانية، كانون أول / ١٩٨٩ م