للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محنة جديدة]

فوجئ العالم بغزو العراق للكويت في الوقت الذي تسقط فيه الأنظمة

الدكتاتورية في الغرب، ويحصل تغيير في النظرية الاشتراكية في الاتجاه نحو

الديموقراطية ورفض تغيير المجتمع من خلال الثورات والانقلابات، وكأن صدام

يريد أن يقول إن التغير القومي الاشتراكي لا يتم إلا من خلال الثورة والاحتلال،

وقد شُرد من جراء هذا الغزو مئات الألوف من المسلمين الذين يعملون في الكويت

وتضررت كثير من الجمعيات الخيرية الإسلامية وحصل أثناء الغزو ولا يزال

فوضى وفقدان للأمن وانتهاك للأعراض، وتسارعت الأحداث بشكل مؤسف، مما

أدى إلى تفرق الصف الإسلامي نفسه، ومما زاد الطين بلة تدخل القوى الأجنبية

في المنطقة بدعوى حماية الأمن والسلام العالمي والقانون الدولي وعجز العرب

والمسلمين عن حل قضيتهم بأنفسهم واختلفوا حول هذا الأمر كعادتهم، وسنحاول

تحليل هذا الحدث وآثاره على المنطقة ولو بصورة مجملة وسيكون التحليل كالتالي:

- حسابات خاطئة.

- دخول القوات الأجنبية فرصة ذهبية لها.

- مجلس الأمن.

- احتمالات وتوقعات.

- تغييرات متوقعة في المنطقة.

- مواقف بعض الإسلاميين.

- مقابلة مع صدام.

- عِبَر من الأحداث.

حسابات خاطئة:

لقد أخطأ صدام في توقيته غزو الكويت في هذا الوقت فلم يقدر حقيقة الوفاق

الدولي الآن وإنهاء ما يسمى بالحرب الباردة وسقوط الشيوعية بشكل عام وانهيار

أنظمة أوربا الشرقية بشكل خاص فلو كان الغزو - مثلاً -قبل سنة لكان من

الصعب نجاح الحصار الاقتصادي بوجود أنظمة أوربا الشرقية البوليسية التي كانت

تتمتع بعلاقات جيدة مع العراق، ولربما لو كان الغزو قبل اجتماع مالطا لتحفظ

السوفييت، وعند ذلك يكون موقف الأمريكان حرجاً، فأي قرار من الأمم المتحدة لا

توافق عليه الدول الخمس وخاصة أمريكا وروسيا لا قيمة له في أرض الواقع كما

هو معلوم (كالقرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي استخدم الأمريكان ضدها

حق النقض) .

وأخطأ مرة أخرى حينما لم تنجح توقعاته في موافقة المعارضة الكويتية (من

اليساريين والقوميين) على اجتياح الكويت فلو وافقت المعارضة مثلاً لاعتبر ذلك

كاستدعاء بعض اللبنانيين للجيش السوري ليتدخل.

ولذلك بقيت القضية في إطار القانون الدولي: (انتهاك لسيادة دولة وقلب

نظامها بالقوة) ؛ مما جعل السوفييت وهم أصدقاء للعراق لا يجدون ... مسوغاً أمام الغرب يجعلهم يرضون بهذا الانتهاك، فهم بحاجة إلى إثبات مصداقيتهم أمام الغرب بأنهم يحمون السلام والأمن العالمي، خاصة وأن السوفييت في هذه المرحلة بحاجة إلى هذه المصداقية ليحصلوا على مزيد من الدعم الغربي.

دخول القوات الأجنبية فرصة ذهبية لها:

الغرب وأمريكا بالذات يتوقان لفرصة كتلك التى أقدم عليها صدام لكي تضفي

الشرعية على تدخلها السريع لإنهاء القوة العراقية التي باتت مصدر إزعاج لطفلها

المدلل (إسرائيل) (ويلاحظ أن القلق من العراق كشعب مسلم قد يستثمر هذه القوة

يوماً من الأيام وليس القلق من صدام وحزبه) ومصدر قلقهم أيضاً عدم ضمان

مصالحهم في الخليج (يقول وينبرغر وزير الدفاع الأمريكى الأسبق إنه من غير

المعقول أن تبقى قوة طليقة تتحكم بنصف احتياطي النفط العالمي، إن ذلك يهدد

مصالحنا وطريقها في الحياة) (الشرق الأوسط) ١٧/٨. لذا فمن غير المستبعد أن

أمريكا قد رصدت الاجتياح العراقي للكويت منذ البداية عن طريق الأقمار الصناعية

وغيرها، وربما كان لها دور في ضغط واحراج الكويتيين لصدام في قضية الديون

ونحوها لاستفزازه لمثل هذا العمل، ولعل الأيام القادمة تكشف شيئاً من ذلك.

ويلاحظ المرء تضخيم الإعلام الغربي للقوة العراقية من حيث العدة

والإمكانيات بشكل هائل مما أخاف العالم من نشوء قوة جديدة عسكرية واقتصادية قد

تغير موازين القوى وذلك ساعد في سرعة التفاعل الدولي في المشاركة بالقوات،

وكذلك إجماعات مجلس الأمن، ولكن بعد قدوم القوات الأمريكية والقوات المتعددة

الأخرى اختلفت النغمة بعض الشيء؛ فالأسلحة الكيماوية هناك إمكانية من الوقاية

منها وغير فعالة في الجو الحار، وصواريخ سكود غير دقيقة الهدف ويمكن رصد

تحرك الطائرات والصواريخ العراقية وضربها قبل تحركها ... الخ.

على العموم دخلت القوات الأجنبية وسيكون لدخولها آثار كثيرة لعل أبرزها:

١ - إخضاع دول المنطقة لمزيد من السيطرة مما يمكنها من تمرير مخططات

كثيرة من أهمها رصد الصحوة الإسلامية عن كثب ومحاصرتها باعتبارها الخطر

المستقبلي على (إسرائيل) والغرب، يقول وزير الخارجية الأمريكية بيكر -

مبتهجاً بالتعاون الدولي مع الولايات المتحدة -: ( ... إن الدول الأعضاء في حلف

الأطلسي إذ تعمل جنباً إلى جنب مع دول أخرى لتبرهن على وحدتها في مواجهة

الخطر المشترك وأعتقد أننا نبرهن على أننا قادرون على العمل معاً في عصر جديد

للتصدي للتهديدات القادمة من مصادر جديدة وجهات جديدة) .

٢ - مزيد من اعتماد المنطقة على العنصر الأجنبي في شئونها المختلفة

يدعوها إلى الارتماء في أحضان الغرب واستمرار التدخلات الأجنبية بدعوى

الحفاظ على أمن المنطقة.

مجلس الأمن:

لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة تُتخذ خمس قرارات في قضية واحدة خلال

أقل من ثلاثة أسابيع وقرارات بالإجماع (وهذه القرارات حول إنهاء الغزو

والمطالبة بالانسحاب وعودة الحكومة الشرعية وفرض العقوبات الاقتصادية

واستخدام القوة لفرض ذلك) . وقد يقول قائل إن ذلك أمر طبيعي؛ لأن المسألة فيها

انتهاك صريح للقانون الدولي ولكن ذلك الجواب فيه سذاجة لأن (إسرائيل) - مثلاً

- تنتهك القانون الدولي منذ أكثر من أربعين سنة ومع ذلك تستخدم أمريكا حق

النقض ضد أي قرار فيه إدانة - مجرد إدانة - لإسرائيل، فضلاً أن يكون القرار

ذا أثر عملي، بالطبع السبب معروف وهو أن وجود (إسرائيل) في المنطقة فيه

تحقيق لمصالح غربية كثيرة بل هى امتداد للغرب وجزء منه أما قوة العراق فقد

تهدد المصالح الغربية في المستقبل ونحن لا نقول ذلك دفاعاً عن صدام ونظامه

البعثي، ولكن نخشى أن يكون المقصود من الضربة الشعب العراقي وقوته

العسكرية والاقتصادية وليس صدام ونظامه فحسب.

احتمالات وتوقعات:

التوقعات كثيرة والمفاجآت واردة وسنقتصر على أبرزها:

١ - حينما يشعر صدام بضغط الحصار الاقتصادي وعدم إمكانية الحوار قبل

انسحابه من الكويت فقد يفاجأ العالم بالانسحاب بعد تحقيق بعض مصالحه، كما فاجأ

العالم بقبول اتفاقية الجزائر سنة ١٩٧٥م حول السيادة على شط العرب، رغم أنها

كانت السبب الرئيسي لحربه مع إيران، ومما يؤيد هذه الاحتمالات مبادرات صدام

حول الرهائن وإمكانية إطلاقهم إذا انسحبت القوات الأجنبية، وكذلك توجيه العراق

لسفنه بالخضوع للتفتيش، فإذا نفذت مبادراته ومحاولاته ولم يجد ليونة من الغرب

فقد يلجأ إلى الانسحاب، ولكن يا ترى إذا انسحب صدام هل يسلم من الضربة

العسكرية؟

المتوقع حين الانسحاب عدم الضربة العسكرية؛ لأن السوفييت والصين لن

يرضوا بذلك باعتبار أن العراق قد التزم بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن،

وعند ذلك يصعب على الولايات المتحدة اتخاذ قرار فردي مما يعني ضربة قاضية

للوفاق الدولي.

ولكن هل يترك الغرب قوة العراق طليقة؟ .

في الواقع إن الغرب لن يترك قوة العراق ولكن سيستخدم وسائل أخرى عن

طريق المخابرات لترتيب انقلابات أو غيره، يقول وزير الخارجية الفرنسى جان

فرانسوا بونسيه - والذي قام بدور مبعوث للرئيس الفرنسي إلى بعض الدول حول

الموقف في الخليج -: (بأن الجميع يتحدث عن شرطين أساسيين للحل هما انسحاب القوات العراقية، وإطلاق الرهائن. ولكن هناك شرط ثالث يفكر فيه الجميع من دون الحديث عنه، وهو حتى حال قبول العراق لهذين الشرطين كيف يمكن إيقاف تهديد العراق للمنطقة في المستقبل بالقوة العسكرية التى

يملكها؟ !) . (الشرق الأوسط) ٣١/٨.

وقد يستمر في تصلبه فيزداد تذمر الشعب العراقي من شدة المعاناة والحصار

وخوض معارك دون فائدة، فيؤدي ذلك إلى انقلاب عسكري وانهيار النظام.

٢ - قد تتوتر الأجواء من خلال قضية الرهائن أو غيرها وعندئذ تنشأ حرب

مدمرة سيكون لها آثار في مستقبل المنطقة وعلاقاتها.

إذاً الحرب واردة، وأمريكا تكامل رصدها للمَواطن الحساسة في العراق،

والتأقلم مع الصحراء، ولكن الحرب إذا ما وقعت فستكون آثارها مدمرة، فالعراق

يملك أسلحة فتاكة وسيستعملها إذا وجد نفسه محاصَراً من كل الجهات.

تغييرات متوقعة في المنطقة:

١ - سينظر الغرب إلى منظمة التحرير الفلسطينية نظرة أخرى ويسعى إلى

إيجاد بديل عنها.

٢ - قد تستغل أمريكا تفاعلها مع سورية فتوكل لها مهمات جديدة في القضية

الفلسطينية من خلال دعم المنظمات الموالية لسورية بتحويل بعض أموال الخليج لها

بشرط البدء بحوار مع (إسرائيل) للإعداد لكامب ديفيد آخر، وقد أبدت واشنطن

ولندن ارتياحهما من إطلاق الرهينة الأيرلندي ودور إيران وسورية في ذلك.

٢ - ربما يبرز الآن الخيار الأردني، وهو الفكرة التى يطرحها حزب الليكود

أن الأردن هو بلد الفلسطينيين، خاصة إذا هاجر عشرات الألوف من الفلسطينيين

من الكويت والسعودية إلى الأردن وضعف الدعم الخارجي للأردن مما سيزيد

الضغط السياسي والاقتصادي على الأردن وقد يسبب ذلك انهياراً للنظام والله أعلم.

٣ - هناك دلائل الآن تشير إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وقبل

ذلك قد ينتهي التوتر بين إيران والغرب وأمريكا خاصة إذا استمرت إيران فيما يلي:

أ - التزامها بالحصار الدولي المفروض على العراق.

ب - ومساهمتها في إطلاق الرهائن الغربيين في لبنان. وهناك دلائل كثيرة

تشير لذلك.

فمنها ما صرح به الرئيس الإيراني من أن إيران لا تمانع في أن تطرد قوات

أجنبية العراق من الكويت مادامت سترحل بعد ذلك (رويتر ٢٥/٨) ومن أن اتفاق

العراق مع إيران لا علاقة له بغزو العراق للكويت.

ومنها ما صرح به وزير الخارجية الكويتي لصحيفة الحياة (٢٨/٨) من أنه

ناقش مع الإيرانيين العلاقات السعودية الإيرانية وسبل تحسينها ووجد بعض التفهم

والرغبة.

على العموم لا زالت إيران تستثمر وتستفيد من الأحداث لمصلحتها ولتحسين

صورتها في الخارج، يقول وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية وولد غريف

إن على بريطانيا أن تعيد تقويم علاقتها مع سورية وإيران في ضوء التحالفات

المتغيرة في الشرق الأوسط حيال أزمة الخليج (رويتر ٢٦/٨) .

مواقف بعض الإسلاميين:

أحزننا موقف بعض الإسلاميين من الأحداث [١]- رغم تحفظنا حول دقة ما

يُنقل عنهم - وذلك عندما أيدوا صدام حسين، بل صرح بعضهم بوجوب القتال معه، وهذا - بلا شك - مأساة سببها البعد عن المنهج الصحيح والوزن بميزان واحد،

ميزان الكتاب والسنة دون محاباة أو مجاملة لأي حاكم من الحكام، وهل صحيح أن

صدام غيَّر وبدل، مع أن موقفه من الدعاة والحركات الإسلامية واضح، ولم يتغير

شيء من مبادئ الحزب ومناهجه، وفي آخر مشروع للدستور الذي نشرته مجلة

(ألف باء) عدد ١١٤٠ في ١٠ من محرم عام ١٤١١هـ - ١/٨/١٩٩٠م يقول في

المادة الخامسة: (يحظر على غير حزب البعث العربي الاشتراكي العمل السياسي

أو الحزبي في القوات المسلحة) . وفي المادة نفسها: (يحظر تأسيس الأحزاب

السياسية والجمعيات التى تقوم على أساس زجّ الدين في السياسة) .

كما جاء في المادة (١٥) من مبادئ الحزب: (الرابطة القومية هى الرابطة

الوحيدة القائمة في الدول العربية التى تكفل الانسجام بين المواطنين ... ) وفي المادة

(٦) : (حزب البعث العربي الاشتراكى انقلابي يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في القومية العربية وبناء الاشتراكية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الانقلاب والنضال، وأن الاعتماد على التطور البطىء والاكتفاء بالإصلاح الجزئي يهددان

هذه الأهداف بالفشل والضياع) . وفي المادة (٤١) : (ترمي سياسة الحزب إلى خلق جيل عربي جديد يأخذ بالتفكير العلمي وطليق من قيود الخرافات والتقاليد الرجعية) (انظر: نضال حزب البعث لميشيل عفلق ١/١٧٠)

يتضح لنا من هذا أن:

١ - الانقلابات مبدأ من مبادئ الحزب.

٢ - الرابطة الإسلامية لا قيمة لها وأن الدعوة إليها دعوة طائفية مذهبية.

٣ - رفض ما يسمونه قيود الخرافات والتقاليد الرجعية، ويعنون بذلك تعاليم

الإسلام في شأن المرأة والحدود.

ثم هل يعتقد الدعاة أن صدام غزا الكويت بقصد إزالة حكم فاسد ليقيم بدلاً منه

الحكم الإسلامى ومن ثم من حقكم أن تؤيدوا، أم ليحقق طموحات حزبية شخصية؟ ، فمعرفة الهدف من الغزو والاحتلال تحدد الموقف الواجب وهل نربي شباب

الدعوة ليقاتلوا تحت راية هذا الطاغوت أو ذاك؟

لقاء مع صدام حسين:

سنختار مقتطفات من لقاء أجرته مجلة (الوطن العربي) - التابعة للنظام

البعثي - في عدد ٦٦٨ الجمعة ١/١٢/١٩٨٩ (قبل تسعة أشهر تقريباً) ليتضح

لهؤلاء مدى كذبه وتناقضه.

(أجرى الحوار رئيس التحرير وليد أبو ظهر) .

- الوطن العربي: ... وهناك إجراءات في بعض الدول العربية وفي المنطقة

العربية تزداد نبرة الإقليمية، ولم يبقَ غير العراق وغير صدام القومي العربي،

لذلك صرت تجد تيارات دينية، وقبل انتصار العراق كان الإنسان - كحركة وطنية

قومية - يخشى أن يتصدى للتيارات الدينية.

- صدام حسين (مقاطعاً) : تقصد التيارات السياسية المغطاة بغطاء الدين؟ ! .

- الوطن العربي: نعم، سيادة الرئيس، الحركة الوطنية والقومية لديها الآن

شجاعة التصدي لهذه التيارات وربما تصل إلى المستوى المطلوب لكنها وصلت إلى

أن يقفوا ويتصدوا وبدأت بذلك رغم بعض الحالات كالانتخابات في الأردن مثلاً،

وأنا ذهبت إلى الأردن قبل الانتخابات وشاهدت الأجواء ولدى الإخوان المسلمين

هناك مستشفيات ومستوصفات لتطبيب الناس مجاناً.

- الرئيس صدام: من أين يأتون بالأموال لتطبيب الناس؟ هناك دول غير

قادرة على تطبيب مواطنيها؛ لأن ثمن التطبيب مرتفع.

ملخص الكلام السابق يريد رئيس التحرير أن يقول: إن وقوف العراق أمام

الزحف الإيراني هو انتصار للقومية العربية التى كادت تنتهي لولا ذلك الانتصار

(كما يزعم) ، مما أعطى القوميين شيئاً من النشوة والافتخار وجعلهم يتصدون

للتيارات الدينية (يقصد بالطبع الإسلامية) ، المنافس الوحيد له.

ويلاحظ من كلام صدام عدم القناعة بعلاقة الدين بالسياسة، ولذلك قال:

تقصد التيارات السياسية المغطاة بغطاء الدين (أي التي تستغل الدين) ، وكذلك

استغرابه من الخدمات الخيرية التى تقدَّم للناس، وهذا الأمر غير مستغرب، فأهل

الخير المحسنين كثيرون والحمد لله، وربما يقصد الرئيس أن لهؤلاء علاقة بالقوى

الخارجية الرجعية على حسب تعبير الرفاق التقدميين.

- الوطن العربي: بعد مؤتمر الطائف كيف تجدون الحل في لبنان؟

- صدام: نحن ننظر إلى الاحتلال نظرة لا نستطيع إزاءها مساومة كائن من

يكون وهي أن كل احتلال لأرض عربية من العربي أو الأجنبي حالة كافرة، لأن

احتلال الجيش العربي لأرض عربية يهشم الأمن القومي العربي والتضامن العربي، وعندما يتهشم مفهوم الأمن العربي وإمكانياته عند ذلك تصبح كل بلداننا مفتوحة

أمام احتمالات أن يحتلها الأجنبي.. إلى أن يقول: نرى أن الحل الجذري يكمن في

انسحاب القوات المحتلة للبنان! .

تعليق: بإمكان منقذ الأمة العربية أن يطبق هذا الكلام على نفسه.

عبر من الأحداث:

على الدعاة أن يستفيدوا من الأحداث ويستغلوها لمصلحتهم، ويقطعوا الطريق

على أعداء الإسلام ولا يمكنوهم من تمرير مخططاتهم الخبيثة ويجب علينا أن لا

نيأس أو نتشاءم فلعل في هذه الأحداث خيراً لنا حين نأخذ منها العبر والدروس

ومنها:

١ - التأمل في سنن الله في المجتمعات والدول، فالحال التي وصلت إليها

الكويت تؤْذِن بشيء مما حدث، فلا نستهين بآثار الذنوب والمعاصي؛ يقول الله -

عز وجل -: [وإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا

القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً] [الإسراء: ١٦] . ويقول الله - تعالى -: [وضَرَبَ اللَّهُ

مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ

فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] [النحل: ١١٢] . ويقول -

تعالى -: [أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ

القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ

إلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ] [الأعراف: ٩٧-٩٩] . ومن أعظم الذنوب تحكيم القوانين

الوضعية، وموالاة الكفار، والربا، والزنا، والظلم، وترك الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر ... الخ.

٢ - لابد من الاهتمام بالعقيدة والتوحيد وتربية الناس على ذلك، فقد كشفت

الأحداث ضعف التوكل على الله عند الكثيرين وشدة التعلق بالأسباب المادية،

وتعظيم الكفار والخوف والرجاء من غير الله.

٣ - ضرورة الوعي وفقه الواقع؛ فقد ذكرنا قبل قليل تأييد بعض الدعاة

لصدام، وقبل ذلك أيد بعضهم الخميني وغيره فإلى متى هذا التخبط والتقلب على

حسب أحوال الطقس السياسي ودون النظر إلى الواقع وتقييمه من خلال الأصول

المرعية؟ !

٤ - الحذر من تضليل وسائل الإعلام: فالجميع يعرف أن وسائل الإعلام

العربية صنعت من صدام بطلاً وتغاضت عن جرائمه المختلفة. مما جعل الكثيرين

يُعجبون به، فلو كشف الإعلام جرائم حزب البعث وجرائم صدام في حلبجة

وغيرها لما لقي التأييد الذي لقيه الآن.

٥ - انكشاف بعض الأنظمة وسقوط شعارات القومية العربية، فقد أثبتت

الأحداث كذب دعوى القوميين حرصهم على الوحدة والأمن العربي فأفعالهم تدل

على نقيض ما يقولون فيجب أن يستفيد الدعاة من ذلك فيكشفوا للناس حقيقة هذه

الأنظمة والشعارات ويبينوا للناس أن الخلاص لهم بالإسلام وبالقيادات المسلمة

الواعية والصادقة.

وأخيراً نقول للمسلمين كفى تخبطاً وتعلقاً بغير الله ونقول للدعاة احرصوا على

الوحدة واجتنبوا الفرقة وكونوا على مستوى الأحداث؛ فالأمة تنتظر منكم الكثير.

نسأل الله عز وجل - أن يجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرينا الحق

حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجمع كلمة

المسلمين على الحق وأن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ودنيانا التى فيها

معاشنا وأن يرفع عن المسلمين محنتهم ويرزقهم الصبر والاحتساب، ويرزقنا

وإياهم التوبة النصوح.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(١) يُستثنى من ذلك الذين طالبوا بانسحاب العراق من الكويت كما رفضوا في الوقت نفسه التدخل الأجنبي.