للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

ورثة أبي لهب

جاء في سنن الترمذي أن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - كان في أوائل

الدعوة المكية يعرض نفسه على العرب في موسم الحج يدعوهم إلى الإسلام وإلى

حمايته حتى يبلغ دعوته ويقول لهم: «ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً

منعوني أن أبلغ كلام ربي» .

وأخرج الإمام أحمد في المسند عن ربيعة بن عباد قال: رأيت النبي - صلى

الله عليه وسلم - في الجاهلية في سوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله

إلا الله تفلحوا، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه يقول: إنه

صابئ كذاب، يتبعه حيث ذهب، سألت عنه قالوا: هذا عمه أبو لهب.

لقد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعرب بالعز والسعادة في الدنيا

والآخرة، وأخرجهم من الظلمات إلى النور [وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ ولِقَوْمِكَ] وكان -

صلى الله عليه وسلم- حريصاً مشفقاً على قريش وعلى الناس أجمعين ولكن عمه أبا

لهب كان يخذل الناس عنه ويمنعهم من نصرته، فكان العرب عندما يسمعون كلام

أبي لهب يقولون (أهله وقومه أعلم به) .

ونحن في هذه الأيام نقول للعرب والعجم: طبقوا شرع الله تفلحوا وتصبحوا

أمة معدودة بين الأمم، إن الإسلام هو قدرنا وهو خيارنا الوحيد وهو هويتنا الذي

يحفظ لنا شخصيتنا، وما ظنك بدين اختاره الله لنا. والعرب بلا إسلام أصبحوا

أضحوكة للعالم يخافون من (شامير) و (شارون) .

ونقول أيضاً للعرب والعجم: لقد جربتم كل الأفكار والمذاهب ففشلتم

وتنازعتم، وأصدقاؤكم القدامى، الاتحاد السوفييتي ومن كان يسير في فلكه أداروا لكم ظهورهم، وأمريكا تمارس (البلطجة) فأين المذهب؟

إن صنيع أبي لهب يذكرنا بموقف الصحافة العربية من أحداث الجزائر

ونجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فقد بدأت هذه الصحافة بالتحذير من (التطرف)

و (الأصولية) ، وأن هؤلاء المسلمين سيخربون المدينة (أين المدنية؟) .

لم يستطع أصحاب هذه الصحف أن يكونوا موضوعيين ويعترفوا أن الشعوب

العربية تريد الإسلام، بل تمنى أصحاب هذه الصحف أن لو عاد العسكر حتى لا

يأتي المسلمون، وهم الذين ينادون بـ (الديموقراطية) صباح مساء.

قالت (الوطن العربي) في عددها الصادر في ٢٢/٦/٩٠: (إن الجبهة

الإسلامية تعتمد على الخلط بين السياسة والدين، وقد استغلت الأوضاع الاقتصادية

لصالحها) ، ثم حاولت المجلة إثارة الجيش باعتباره (الضامن الوحيد للاستقرار)

وفي نفس العدد وفي صفحتها الأخيرة اتهمت التيارات الإسلامية بأنها تُشجَّع من

جهات أجنبية، وهذه اتهامات سخيفة لم تعد تروج على أحد، وهي عودة إلى

المهاترات والردح الذي راج في الخمسينات والستينات.

أما صحيفة (الوطن) الكويتية الصادرة بتاريخ ٢٢/٦/٩٠، فبعد أن ذكرت

فوز الجبهة الإسلامية بـ ٨٢% من الأصوات ذكرت أن المثقفين الجزائريين

يعيشون حالة قلق لما يمكن أن تخبئه لهم الجبهة الإسلامية. وتقصد الصحيفة بـ

(المثقفين) المسرحيين والرسامين والروائيين، وكأن الصحيفة تريد أن تصور

الجبهة الإسلامية بأنها وحش مخيف، وأظن أن هؤلاء المثقفين قد تملكهم الخوف

لأنهم يعلمون من أنفسهم أنهم يمثلون (الطابور الخامس) الثقافي ضد الإسلام، وإذا

كانوا غير ذلك فلماذا يخافون.

ومجلة (اليوم السابع) تسأل نجيب محفوظ عن (ظاهرة التطرف الديني

وأخطارها المحدقة بالشعوب العربية والإسلامية) وطبعاً المجلة تقصد كل المتدينين

ولا تقصد فئة متشددة بعينها تخالف ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد

صورت المجلة (التدين) بأنه الخطر المحدق بالشعوب العربية، أما ما تمارسه

المجلة من التبعية للشرق ولليسار فليس خطراً محدقاً، وليس هو الذي جاء بهزائم

١٩٦٧ وما بعدها.

لقد قامت كثير من الصحف بما قامت به أخواتها وما قصرت في الصد عن

ذكر الله والهجوم على ما يسمونه (الأصولية) المتنامية في الجزائر. وإذا كان

الغرب وصحف الغرب قد أبانوا عن حقد دفين، وخاصة إذا كان هذا الإسلام قريباً

منهم على الطرف الآخر من حوض البحر المتوسط؛ فإن هذا التخوف ينسجم مع

محاولتهم لاستمرار الهيمنة على الشعوب الإسلامية ولكن ما بال الصحف العربية

والمجلات العربية، هل تريد استمرار التردي لذي شاهدناه طوال العقود الثلاثة

الماضية، ولماذا لا يعترفون بأن كل الشعارات التي رفعت سابقاً لم تؤد إلى النتيجة

المرجوة، وأن الحل الوحيد للعرب هو الإسلام.