للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون في العالم

مقابلة مع رئيس اللجنة السياسية

لجبهة الإنقاذ الجزائرية

زار المنتدى الإسلامي في لندن الأخ الفاضل رابح كبير رئيس اللجنة السياسية بالمكتب التنفيذي المؤقت لجبهة الإنقاذ الإسلامية وكانت فرصة لعرض

أحوال الجبهة الإسلامية، آخر المستجدات على الساحة الجزائرية، ورؤية

المسلمين هناك لواقع الجزائر ومستقبلها. وبعد الاستفسار والاطمئنان عن صحة

الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج والإخوة الذين لا يزالون في السجون بدأنا هذا

الحوار:

* البيان: نريد منكم صورة للوضع الحالي في الجزائر وكيف تقومون هذا

الوضع؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله كما أمر والصلاة والسلام على نبيه خير

البشر وبعد:

في الحقيقة إن الذي حدث في الجزائر ليس بالأمر الهين، لا شك أن إخواننا

سمعوا عما حدث من ضرب للجبهة الإسلامية للإنقاذ، لقد ضربت في قيادتها من

مختلف المستويات فبين معتقل وبين من غير وبدّل، وكذلك كثير من أفراد الشعب

الجزائري الذين كانوا يعملون مع الجبهة، كانت هجمة شرسة، ولكن من فضل

الله -تبارك وتعالى- أن هذه الجبهة فيها أناس مخلصون تابعهم الشعب الجزائري بحب وإخلاص لأنها تمثل العمل في سبيل إقامة دولة الإسلام، فالتوفيق كان بيد الله، ففي الوقت الذي ضربت فيه الجبهة اجتمع ثلة من الشباب، من شباب الجبهة في مدة قياسية، في مدة يومين استطاعوا تجميع أكثر من (٤٥) ولاية من ولايات الوطن التي تعد (٤٨) ولاية، في الأوراس وفي مدينة (باتنة) حيث كان ... النظام يقول بأن مدينة باتنة ستكون مقبرة الجبهة، وخرجت الجبهة من ذلك اللقاء أقوى وأمتن، ثم حاول النظام إلهاء الناس من خلال دعوته لإقامة حوار بين الحكومة والأحزاب. ولكن الجبهة لم تشارك لأن النظام كان يريد مشاركتها وهي محطمة، وشاركت الأحزاب وقلنا لهم: إن مشاركتكم مجرد لعبة ليس لها أي فائدة، وقد تأكد الجميع من ذلك بعد صدور القوانين الأخيرة، حيث لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار كل ما جرى في ذلك اللقاء. بعد ذلك رفع الحصار. وقبل أن يرفع، لما رأى النظام أن الجبهة غدت قوية رغم كل ما حصل ورغم حالة الحصار، لما رأى ذلك اعتقل الأخ عبد القادر حشاني مسئول مكتب التنفيذ الوطني ظناً منهم أن هذا سيعيد الجبهة إلى نفس الحالة التي كانت عليها عندما اعتقل الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج فرّج الله عنهما، ولكن الأمر تجاوز تلك المرحلة وأصبحت الجبهة كمؤسسة هامة فيها هياكل مضبوطة ومستقرة، ثم إنها تصفَّت من الدرن الذي كان موجوداً وتم التمحيص والتصفية، وكانوا يظنون أن ندوة البلديات الإسلامية ستتوقف لأنهم يدركون أن تلك الندوة تمثل انطلاقة جديدة وقوية، عندما تجتمع كل بلديات الجبهة (٨٥٦) بلدية وتجتمع كل المكاتب البلدية والولائية فمعنى هذا أن كل حالة الحصار التي ضربت كانت صفراً، حاولوا منعنا من الندوة دون أي مبرر قانوني (من قوانينهم) ففضحنا ذلك بندوة صحفية، ثم تراجعوا وتمت الندوة وكانت بإذن الله دفعاً قوياً للعمل، وبمجرد رفع الحصار عادت الجبهة كقوة فاعلة في المجتمع، ثم توالت أنشطتها باستمرار وربما كان أكبر هذه الأنشطة تجمعات على مستوى المناطق (الغرب في وهران، والشرق في قسنطينة) وأخيراً جاءت المسيرة التاريخية التي كانت يوم الفاتح من نوفمبر كتعبير عن الوفاء لشهداء الجزائر الذين هم شهداء الإسلام، حيث إن البيان الذي رفعه المجاهدون المسلمون يومها (نوفمبر ١٩٥٤) كان ينص صراحة على أنهم رفعوا راية الإسلام حتى تقام دولة حرة مستقلة في إطار المبادئ الإسلامية، والذي حصل بعدئذ هو انحراف وتبديل. فالجبهة نظمت هذه المسيرة، وقد حاولت الصحافة الأجنبية وبعض الصحف الوطنية تقزيم هذا الحدث، ولكنها كانت مسيرة ضخمة. وفي الجمعة الماضية نظمنا ستة تجمعات على مستوى الوطن، والعبد الضعيف ذهبت إلى ولاية الشرق وأخي عبد القادر ذهب إلى ولاية الغرب وآخر ذهب إلى ولاية الوسط، وأحب أن أعلمكم أن الشعب الجزائري شعب جاد دوّخ كل أعدائه.

هذا وضع الجبهة الآن، وقد غيرت السلطة لهجتها ونظرتها، فحاولت

محاورتنا بعد أن اتضح لها أن الجبهة لا يمكن كسرها، وبحمد لله بدأت الأمور

بالتحسن، صحف الجبهة عادت للظهور (كانت ممنوعة) اتصلنا بهم وقلنا لهم لماذا

تمنعون (الفرقان) من الصدور، فقالوا لأن الفرقان فيها كلام قوي، فقلنا لهم هناك

جرائد أخرى فيها كلام قوي ولم تمنع، فرّد الوزير بأن الكلام إذا جاء من الجبهة

ليس مثل الذي يأتي من جهة أخرى. وعادت جريدة الفرقان وكذلك جريدة المنقذ في

طريقها للعودة بإذن الله وننتظر بأن تسير الأمور نحو الانفراج ولعله يطلق سراح

المشايخ إن شاء الله.

* البيان: ذكرتم في حديثكم أن من أهداف بيان الفاتح من نوفمبر قيام دولة

مستقلة والسؤال: هل حصل هذا وهل أكثر دول العالم الإسلامي مستقلة فعلاً خاصة

إذا ربطنا يبن الواقع الموجود وموقف ميتران عندما قال إنه سيعود لو استولت

الجبهة على الحكم؟

حقيقة - أخي الكريم - الجزائر استقلت عام ١٩٦٢ وكانت تسير نحو

الاستقلال في مراحل معينة رغم - الانحراف الذي حصل، ولكن الآن نحن نسير

نحو التبعية يوماً بعد آخر، فالجزائر ترضخ لشروط صندوق النقد الدولي، والنظام

أفلس في جميع الميادين، ونحن في ندوة صحفية تساءلنا: من يحكم الجزائر؟

أصبحت المشكلة مطروحة، هناك تراجع عن كل المكتسبات بما فيها الاستقلال

الوطني، فصندوق النقد الدولي يفرض شروطاً قبل رفع أسعار المواد الاستهلاكية

وشيئاً فشيئاً يتدخلون في قرارات البلاد، وربما يصل الأمر إلى أشياء لا تحمد

عقباها.

* البيان: ما هي العلاقة الآن بينكم وبين الأحزاب الإسلامية وهل هناك

تعاطف معكم وهل هناك تنسيق أو تعاون فيما بينكم؟

في الحقيقة إن المحنة التي جرت لم تكن محنة بقدر ما كانت منحة من الله

تبارك وتعالى [مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ

الطَّيِّبِ..] [آل عمران: ١٧٩] هذا بالنسبة لوضعنا الداخلي وكذلك بالنسبة

لإخواننا فنحن نرى أن العمل مواقف، فعندما ترى أن أخاك مظلوم مقهور ثم تتشفى

به فلست أدري أي تعاون يمكن أن يحصل، فربما سمعتم أن بعض الإسلاميين قال

بأن الجبهة زجاجة وانكسرت وأمر هؤلاء الناس أصبح مع الشعب الجزائري وليس

مع الجبهة، لقد اتصلوا بنا بعد ذلك عندما رأوا أن الجبهة لم تنكسر بإذن الله، فقلنا

لهم: إن إشكالياتكم اليوم مع الشعب الجزائري، أقنعوه بمواقفكم، المسألة لا يمكن

أن تنسى بمجرد لقاء، يجب أن يكون هناك عمل قوي، الواقع يحمل الناس على

التصديق بأنها كانت خطأ وأن الموقف سيتغير إلى الأحسن؛ وهناك أحزاب كانت

مواقفها مشرفة مثل حركة الأمة، ولها صلات بالجبهة الإسلامية، وهناك غيرها.

* البيان: وحزب النهضة؟

النهضة كذلك وقفت مواقف لا بأس بها وتوجد لنا علاقات معهم، المسؤول

عن النهضة في لجنة للدفاع عن المعتقلين السياسيين مع الشيخ سحنون ومسؤول

حركة الأمة السيد يوسف بن خدة، هذا الأمر معروف.

* البيان: قضية تنقية الصفوف من الأمور التي تقوي الجبهة ولا شك، هل

هناك محاولة للرجوع من قبل الذين خرجوا من الجبهة أو انشقوا عنها؟

الذين لفظتهم الجبهة في وقت المحنة منهم صنف باع ضميره، وهؤلاء لا

كلام عنهم، لقد فصلوا من الجبهة، وهناك من وقف مواقف سلبية جداً واتخذ لقاء

(باتنة) فيهم قراراً عندئذ ينظر في شأنهم، وهناك أناس آخرون بقوا في المجلس.

* البيان: ننتقل إلى موضوع الانتخابات، هل ستدخل الجبهة الانتخابات

القادمة؟

موضوع الانتخابات يتعلق بالظروف السياسية، فرغم أن القوانين التي

صدرت أخيراً فيها من الظلم الشيء الكثير، ولكنها أقل ظلماً من السابق وهذا شيء

مؤكد، إنها فتحت مجالاً للرقابة على الانتخابات وهناك وضع ينبغي أن يسوى،

هناك إشكالات سياسية حصلت في البلد، هؤلاء المعتقلون من الشيوخ وغيرهم،

العمال المفصولون، الشهداء والجرحى في الأحداث، هذه مسائل ينبغي أن تسوّى،

لقد قلنا: إنه إذا رأينا توجهاً صادقاً في الأجواء السياسية ولو في مرحلة معينة (حتى

أصارحكم) وإذا لمسنا أن هناك استعداداً حقيقياً من خلال الممارسة السياسية لا من

خلال التصريحات السياسية، لقد قلنا لهم: نحن لا ينفع معنا الكلام، نريد الممارسة

الفعلية، وبدأت بعض الأمور تظهر وإن شاء الله يستمر الأمر كذلك فالأمر إذن

يتخذه مجلس الشورى في الجبهة الإسلامية، آخذين بعين الاعتبار تطورات الوضع

السياسي فإذا قدرنا أنها تؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة تعطى فيها الكلمة للشعب

الجزائري فنحن نقبل عندئذ لأننا واثقون أن شعبنا لن يختار غير الإسلام.

* البيان: ولكن باب الترشيح أقفل الآن؟

بالنسبة لهذا الأمر فالجبهة كما ورد في بيانها (لست بالخب ولكن الخب لا

يخدعني) نحن قلنا: إن الموقف بالدخول أو المقاطعة لم يتخذ بعد، ولكننا أمرنا

إخواننا في الولايات أن يستعدوا لهذا وكأننا داخلون الانتخابات، والجبهة هي

الحزب الوحيد الذي قدم مرشحيه في كل دوائر الوطن.

* البيان: بعض الإسلاميين خارج الجزائر يقولون: إن القوى التي تكره

الإسلام سواء من الداخل أو الخارج لن تسمح للمسلمين بالوصول إلى أهدافهم عن

طريق الديموقراطية فعندما يحسون بالخطر يلغون هذه الديموقراطية، فما جوابكم

على ذلك؟

نحن نرى العكس تماماً، لأنه لو وصل أي حزب إلى السلطة وخاصة

الإسلاميين عن غير طريق الاختيار الشعبي فإن الدول المحيطة بنا، الدول الغربية

ستتخذها ذريعة قوية لأجل التدخل المباشر، ولا شك أن الخارطة الجزائرية معروفة، فهذا المبرر ينبغي أن نقطعه أمام الأعداء، فيكون الاختيار هو اختيار الشعب،

لنقطع الطريق أولاً أمام النظام نفسه فلا يجد مبرراً، الشعب رفضك واختار غيرك

فينبغي أن ترحل، بالنسبة للدول الغربية لا تجد مبرراً للتدخل لأنه اختيار شعبي

تقطع أمامهم كل المبررات.

* البيان: الدول الغربية في نظرتها للمسلمين في بلادهم ليست منصفة، ولا

تريد أن يكون لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن العادي عندهم، فمفهومها

للديموقراطية مفهوم مزدوج وغير صحيح، وهي تفهم الحرية والديموقراطية

لشعوبها، ولكن لا تفهم ما يسمونه الديموقراطية للمسلمين، وهذا واضح في كل

بلاد المسلمين. في كل هذه البلاد لو توفر جو من الحرية وقامت حركات لها شعبية، ونظم المسلمون صفوفهم لاكتسحوا الانتخابات، وهذا يعلم به الغربيون جيداً،

ولذلك نراهم يعلنون بكل وقاحة معارضتهم أن يكون المسلم في مركز قوي (وضع

الجزائر مثال واضح على ذلك) لقد وقفت كل القوى مشجعة لضرب الجبهة، لا

نقول وقفت متفرجة بل مشجعة على ضربها، والمسلم غير الجزائري يرى

بوضوح - ومعه الحق - أنه لن يُسمح للمسلمين بهذا الطريق للوصول إلى موضع

القوة، فهل هذا واضح بالنسبة للإخوة في الجبهة؟

هذا تحليل صادق، لأننا نعتقد نفس الاعتقاد، ولكننا نحن من خلال وسائل

الإعلام في مختلف الجهات حتى وسائل الإعلام الغربية التي تتصل بنا نبين هذا

المفهوم حتى يعرف الرأي العام لماذا المسلم فقط يحرم من الاختيار في ظل الإسلام، اليهودي يختار أن يعيش في ظل يهوديته فلا يمنعه أحد، والنصراني كذلك،

المسلم له حق، قلتم: إن الاختيار ينبغي أن يكون للشعب، نحن كذلك نقول هذا

الكلام، لا نخاف من شعبنا، نحن نقيم عليهم الحجة بهذه الطريقة، ولئن تدخلوا

بعد ذلك في شؤونا، فمن حق المسلمين أن يرفضوا ذلك التدخل بوسائلهم، والشعب

الجزائري تاريخه حافل عندما رفض تدخل المستعمر في بلاده وقاومه وانتصر

عليه.

* البيان: ولكن القضية هناك كانت تصدياً لإنسان خارجي يضع جنوده

وضباطه وجهاً لوجه مع الشعب الجزائري؛ أما الآن مواجهتك ليست صراحة مع

فرنسا أو غيرها وإنما مع الجيش الذي هو مؤلف من أبناء الشعب وليسوا فرنسيين

قطعاً، وان كان كثير من قياداتهم واقعين تحت تأثير الفكر الفرنسي، فكيف

الخروج من ذلك؟

لقد كان سعينا واضحاً من أجل أن يقتنع كل الجزائريين أو معظمهم على الأقل

بأن الجبهة الإسلامية ليست كما يدعون ليست غولاً يأكل الناس، ولا تخيف ولا

ترعب، لأن الجزائريين الذين قد يكونون وقفوا ضد الجبهة الإسلامية كانوا

مخدوعين، مغرراً بهم، الآن نريد أن نقطع جميع هذه الحجج أمام السلطة وأمام

الأعداء، لقد كلفنا موقفنا كثيراً، والحياة جهاد، ونحن لسنا نادمين بحال من

الأحوال، لأنه إذا رأينا منكراً ينبغي أن نقف ضده، الشعب ليس نادماً ومن خلال

التفافه القوي يتضح أنه يتحدى أكثر، إن دخول الناس السجون جعل كثيراً من

أفراد الجيش ومن قادته يؤمنون أن ما كان يقال لهم إنما كان محض افتراء وكذب،

عندما احتكوا بالإسلاميين قالوا: هؤلاء لا يخيفون، هؤلاء آمن على البلاد من

غيرهم، كانت الدعاية تكذب وتقول إن الجبهة ترفض ميراث التحرير، وقفة الفاتح

من نوفمبر كانت حاسمة في هذا الباب، نحن نريد بالإقناع، بالحجة أن نبطل حجج

المبطلين. بواسطة الضغط الشعبي استطاعت الجبهة تغيير ذلك القانون الجائر

بقانون أقل منه جوراً، ونقول من الآن: ليس بوسع النظام تزوير الانتخابات إلا

إذا استخدم العنف. وعندما يحصل هذا فلا يوجد استقرار في البلاد، ونحن في

الجبهة رفعنا القضية منذ البداية إلى الشعب الجزائري.

" يتبع "