فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية
بثقة الشعب الجزائري
في الانتخابات المحلية التي جرت في الجزائر بتاريخ ١٢/٦/١٩٩٠ أعطت
أكثرية الشعب الجزائري صوتها لجبهة الإنقاذ الإسلامية، ونالت أكثر من ٦٠%
من الانتخابات البلدية و٧٥% من انتخابات الولايات (المحافظات) ، وهذه النسبة
كانت مطابقة تقريباً لما توقعه القائمون على الجبهة، بينما اعتبرت مفاجئة لمن
لايسرهم أن يروا صوت الإسلام مرتفعاً.
نقطة الخلاف بين المسلمين وغيرهم في النظر إلى هذه النتيجة: أن المسلمين
مطمئنون أنه لا صوت يعلو على الصوت الإسلامي إذا أتيحت له الفرص التي تتاح
لغيره، بينما يشك غيرهم أو يتشكك ويثير حول هذه النقطة الغبار.
منذ أن صرح لحزب يتبنى الإسلام منهجاً له في الجزائر والحديث من ذلك
يتصدر الصحف والمجلات، أجنبية وعربية، وكلما ظن الإنسان أن عداوة
الغربيين للإسلام قد خفت إذا به يكتشف كل يوم أن هذا الظن في غير محله، وأن
القوم لا يستطيعون - بحكم طبيعتهم - أن يتقبلوا أي شيء يرتبط بهذا الدين من
قريب أو بعيد. وعداوة هؤلاء للإسلام مفهومة، ودوافعها ومحركاتها لا تحتاج إلى
شرح وتوضيح، ولكن غير المفهوم وغير المنطقي هو الحملة التي رافقت هذا
الأمر في الصحف العربية.
وعلى الرغم من أن هناك اختلافات كثيرة بين الصحافة العربية والأجنبية في
تناولها لكثير من الموضوعات والمشاكل إلا أنه من المستغرب والمثير للعجب هذا
التطابق في موقفها من القضايا الإسلامية، وبخاصة قضية قيام تجمع على أساس
الإسلام في الجزائر.
ومع أن عهد الاستعمار قد انتهى، لكن القارئ لتعليقات الصحف الفرنسية
حول الجزائر في هذه الفترة يخيل إليه أنها لاتعلق على موضوع يخص دولة أخرى
وشعباً آخر ليس منها وليست منه في شيء، بل يخص أساس وجود أمة الفرنسيين
ودولة فرنسا ذاتها، بل ويحسب أن استقلال الجزائر كان استقلالاً منقوصاً، وأن
اتفاقية الاستقلال وانسحاب فرنسا من الجزائر كانت تتضمن بنوداً سرية يلتزم
بموجبها للجزائر أن يتولى الحكم فيها لون واحد من البشر، هو اللون الذي خلف
فرنسا، واحتكر ادعاء التحرير والوطنية، وكبت كل صوت آخر، وبخاصة
الصوت الإسلامي، حتى إذا زكم الفساد الأنوف وتململ الشعب من جراء هذه
الأزمة العقائدية والأخلاقية والاقتصادية التي حلت به نتيجة التسلط واللصوصية؛
فثاب إلى عقيدته يستلهمها، وإلى دينه يستمد منه عناصر المصابرة والمقاومة؛ إذا
بنا نجد فرنسا وكأنها قد حلت بها إهانة ثانية مثل إهانة المذبة [١] ، وكأنها تتهيأ
لغزو الجزائر مرة ثانية!
لكن لا فرنسا اليوم هي فرنسا ١٨٣٠، ولا الشعب الجزائري هو ما كانه عام
١٨٣٠، وهذه الحقيقة البسيطة التي تجهلها فرنسا أو تتجاهلها أصبح يعرفها الشعب
الجزائري المسلم، وأصبحت تعرفها جموع المسلمين في كل مكان. وكما كانت
ثورة الشعب الجزائري ضد أعتى أنواع الاستعمار وأكثرها وحشية ملهمة لكثير من
الشعوب كي تتحرر من عبودية الاستعمار في آسيا وأفريقيا؛ فإننا لنرجو أن يكون
اكتساح الخيار الإسلامي لكافة الخيارات الأخرى في الجزائر ملهماً للشعوب
الإسلامية الأخرى كي تتحرر من أذناب الاستعمار وأعوانه كما تحررت من جيوشه
وأساطيله، ودافعاً لكل مسلم مظلوم أن يرفع صوته معتزاً بدينه، نابذاً كل عقيدة
ومذهب وفكرة ماعدا الإسلام، وكافراً بكل طاغوت من أي جنس وأي لون.
(١) وهي الحادثة التي ضرب داي الجزائر سفير فرنسا بمذبة كانت بيده، فاتخذت فرنسا من ذلك عذراً لاحتلال الجزائر عام ١٨٣٠.