يتمايز الناس بمواقفهم تجاه واقعهم، فمن متباكٍ نادب حظه ساخط على مَنْ حوله، راغب في التغيير، وفي الوقت ذاته لديه من القناعة ما لا تزحزحه الحقائق التاريخية بأن التغيير يحتاج من الوقت الكثير، وأن أجيالاً لا بد أن تذهب حتى يتحقق النصر والتغيير، ولنا أن نتصور إنتاجية من يعمل وقد قدم هذه المقدمة. وفي واقعنا نرى آخرين هم من الإبل المئين ـ كما وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم -: «الناس كالإبل المئين لا تكاد تجد فيها راحلة» ، قد استسلموا لواقعهم، ينتظرون ذلك القائد الرباني، خارق القدرات الذي يتنزل النصر على يديه، كما تتنزل الهداية لهم.
لكن التاريخ بحقائقه الساطعة يضع بين أيدينا، أن رجالاً أبوا إلا أن يكونوا في مقدمة قومهم، قد وضعوا سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم نصب أعينهم؛ فخلال أعوام قد لا تزيد عن عشرين سنة إلا بقليل يُغيّر بقدر من الله وجه الأرض. فها هو نور الدين محمود زنكي، ويوسف بن تاشفين، وسيف الدين قطز، وعبد الحميد بن باديس، ومحمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله ـ استطاعوا خلال سنوات لم تزد عن ذهاب جيل وقدوم آخر ـ حتى أينعت ثمرات دعواتهم.
إذاً، التاريخ يشهد أن كل شيء ممكن إلا المستحيل، وأصدق منه قوله ـ تعالى ـ:{إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد: ٧] . وهو وعد متحقق لا محالة، إذا حققنا الشرط. فهل ننشغل بتحقيق الشرط في أنفسنا، قبل أن ننشغل بغيرنا؟