للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسماعيلية في أفغانستان خطر يتنامى

أحمد موفق زيدان

انتعش نفوذ فرقة الإسماعيلية الباطنية في أفغانستان خلال الحرب الأفغانية

الروسية الأخيرة، الأمر الذي مكنهم من اللعب على عدة حبال في سبيل تحقيق

مصالحهم حتى ولو تضاربت مع المصلحة الأفغانية فضلاً عن المصلحة الإسلامية.

وقد ساعدهم على هذا التنامي الموقع الذي يحتلونه قرب العاصمة كابل والذي

يعد منفذاً لعدد من الولايات الأفغانية الشمالية وقربه من روسيا، كما يتحكم في

بعض الطرق المؤدية للعاصمة. ويؤكد القادمون من جبهاتهم بأن وجودهم يزداد

وبشكل مطَّرد.

الوجود السكاني:

ينتشر الوجود الإسماعيلي في أفغانستان في ثلاثة مواقع وهي: ولاية (بغلان) التي تعتبر معقلهم الذي فرضوا وجودهم ونفوذهم من خلاله و (لسان واخان) الذي يصفه الاستراتيجيون بأنه لسان القوة الواقع في ولاية بدخشان المحاذية لثلاث دول وهي روسيا والصين وباكستان، والمنطقة الثالثة لهم هي مديرية (شمالي) في ولاية بروان القريبة من العاصمة كابل. وقد قام العديد من ساكني لسان واخان الإسماعيلية بالهجرة أثناء الغزو الروسى ولم يدافعوا عن بلادهم حيث لجؤوا إلى باكستان ولكن لعدم ملاءمة جو باكستان الحار لطبيعتهم التي اعتادت على الجو البارد جداً تكفلت الحكومة التركية بنقلهم إلى بلادها بحجة أصولهم التركية.

دولة (بغلان) المزعومة:

أثناء الغزو الروسي لأفغانستان حاول السوفييت كسب تأييد ومساندة عدد من

القوميات أو الطوائف لصفهم أو تحييدها على الأقل ومن الطوائف التي اكتسبوها

لصفهم طائفة الإسماعيلية، خاصة وأنها توجد في ولاية بغلان القريبة من كابل،

ويقود هذه الفرقة في بغلان سيد منصور الذي يعتبر نفسه مندوباً لمرشدهم

الآغاخاني ابن عم صدر الدين منسق عام الأمم المتحدة للدعم الإغاثي للمهاجرين

الأفغان والذي عُين في أعقاب الانسحاب الروسي، وتعتبر مدينة (كيان) عاصمة

دولتهم هذه.

وكان سيد منصور - أمير دولتهم المزعومة - قد سُجن مع ثلاثة من إخوانه

في عام ١٩٧٦، وأرسل ابنه سيد جعفر - الذي كان يبلغ من العمر (١١) عاماً -

إلى إنجلترا للدراسة ويعيش مع أقربائه هناك، وبعد سنة ونصف ترك سيد جعفر

بريطانيا وتوجه لأمريكا للدراسة في مدرسة (نادري) ويصفه أحد أساتذته بأنه كان

سريعاً في كسب الأصدقاء وانضم حينذاك إلى عصابة الدراجات النارية! ، وفي

أوائل عام ١٩٨١ تم إطلاق سراح سيد منصور من السجن ويتوقع البعض أن يكون

إطلاقه ضمن صفقة سياسية مبرمة بينه وبين السوفييت وذلك بأن يقف إلى جانبهم

إذا ما أطلق سراحه وقد أثبتت الأيام هذا عندما دعمهم وساندهم ضد قوات

المجاهدين، ولدى عودة سيد جعفر من دراسته في أمريكا في تلك الفترة عينه والده

قائداً عسكرياً لميليشيا الإسماعيلية في الولاية والتي يصل عددها إلى (١٢) ألف

مسلح.

شخصية سيد جعفر:

في فيلم فيديو قام بتصويره صحفي بريطاني يقول سيد جعفر عن نفسه بأنه

قضى أياماً ممتعة في أمريكا حيث كان في عصابة الدراجات النارية كما كان يحب

الضرب على الطبول ويضيف فيقول: إذا عملت هذا وسط منطقتي الآن فيعدونى

مجنوناً وأحمقاً، ويقول في هذه المقابلة التي سجلت في الفيديو: إن الحرب هذه

كانت لمصلحتنا ١٠٠%؛ لأن أي حكومة مستقبلية لابد لها من التعامل معنا كقوة

مستقلة.

ويتمتع سيد جعفر بشعبية قوية بين جماعته؛ حيث يستقبله الرجال والنساء

اللواتي يلبسن لباساً أحمر معيناً وتنحر الأغنام والأبقار احتفاءً بمقدمه.

القوة والنفوذ:

يبلغ عدد ميليشياته - كما ذكرنا - (١٢) ألف عسكري مسلح وذكر بنفسه هذا

الرقم في مقابلته السابقة ويؤكد المجاهدون القادمون من منطقته أن عدد مليشياته

قريب من هذه النسبة ويشبهه بعض المجاهدين بتنامي قوته ونفوذه بالقائد أحمد شاه

مسعود إلا أنهم يفرقون بين الاثنين في أن الأخير يتمدد أفقياً ورأسياً ويتجذَّر في

الأرض إلا أن سيد جعفر يتمدد أفقياً. ويتحكم في جزء من طريق سالانج

الاستراتيجي الذي يعتبر شريان الحياة لنظام كابل الذي يتلقى من خلاله الإمدادات

العسكرية الروسية وفي منتصف شهر يوليو الفائت اتهم القائد الميداني عبد الحق -

التابع للشيخ يونس خالص - الإسماعيلية بتولي حماية طريق سالانج من هجمات

المجاهدين ويقومون بجباية الضرائب من أهالي منطقتهم ليقوموا بتوزيعها على

فقرائهم وتقوية جيشهم الذي يملك دبابات وأسلحة ثقيلة وذخائر كبيرة.

وظروف منطقتهم الآمنة من الحرب والقتال أهَّلتهم للزراعة والعمل بخلاف

المناطق الأفغانية الأخرى التي تعيش حالة الحرب ولديهم مستشفى يديره الغربيون.

العلاقة مع السوفييت والحكومة العميلة:

علاقتهم مع السوفييت والحكومة العميلة أوضح من أن تُذكر؛ حيث اعترف

سيد منصور بنفسه في مقابلة صحفية بشريط الفيديو المذكور: (لدينا صداقة مع

روسيا وحكومة كابل وكذلك لنا صداقة مع المجاهدين ولا يقدر أحد على إزعاجنا) ! .

كما أظهر شريط الفيديو صور لقاءات سيد جعفر حاكم الولاية والقائد

العسكري لمليشيا الإسماعيلية مع المستشارين الروس وهم يتصافحون ويتفكهون

وتحدثوا جميعاً حول تأمين طريق سالانج من هجمات المجاهدين أثناء انسحاب

السوفييت من أفغانستان، حيث كان الاجتماع قبل الانسحاب، وتعهد سيد جعفر

بحماية طريق سالانج وقامت مجلة (الحياة) الإنجليزية - الصادرة في أمريكا -

بنشر صور اللقاءات وتوزيع الابتسامات.

كما تلقوا مساعدات وإمدادات عسكرية من الروس وقد اعترف سيد منصور

بجزء من هذا في مقابلته السابقة. ويقول سيد منصور: (نحن لا نقاتل المجاهدين

ولا حكومة كابل، والأفغان كلهم يثقون بنا) .

وبعد انسحاب القوات الروسية تمتَّنت علاقاته مع حكومة كابل.

العلاقة مع المجاهدين:

على الرغم من ادعاء سيد منصور بعلاقاته الجيدة مع المجاهدين إلا أن

الحوادث التي جرت بين الطرفين تكذب هذا الادعاء فقد أظهر شريط الفيديو

الوثائقي احتجاز الإسماعيلية لأفراد عديدين من الحزب الإسلامي، والجمعية

الإسلامية وأصبح لهم عدة سنوات في السجن الأرضي الذي يديره سيد جعفر.

ويقول الأخير: (إن هذه الجبال لنا - مشيراً إلى جبال حول المنطقة التي كان يتحدث منها - وكذلك جبال الهندكوش لنا وأي رجل يأتي لمقاومتنا سنقاومه وبعنف وقوة) .

وأثناء انسحاب الروس قام عدد من الإسماعيلية في بدخشان بمهاجمة

المهاجرين التابعين للجمعية الإسلامية وقتلوا منهم أكثر من ستين شخصاً، كما قام

المجاهدون بعد هذه الحادثة بقتل ٨٠ شخصاً وجرح ٦٠ آخرين من مليشيا النظام

في شمال قندوز عندما كان سيد جعفر يجمع أعداداً كبيرة من مساعديه ومؤيديه في

نادي سبينزار ليشكل ميليشيا لحماية نظام كابل ولكن لم يتأذَّ جعفر..

ويتحاشى قادة المجاهدين الاصطدام معهم؛ لأن مشاكلهم التى يواجهونها

كثيرة. فيريدون حصر العدو في الخارج فقط ولكن عدد الخارجين يستعد ويعد

لمرحلة ما بعد سقوط النظام.

العلاقة مع الآغاخاني:

يعتبر سيد جعفر أن علاقتهم مع الآغاخاني علاقة دينية فهو مندوب له،

ويقول في لقائه الصحفي السابق: (إذا طالب الآغاخاني بموتنا جميعاً فنحن مستعدون لقتل أنفسنا!) .

وتقول أخبار غير مؤكدة بأن بعض قادة المجاهدين طالبوا الآغاخاني - معبود

الإسماعيلية التاسع والأربعين - بشجب التدخل الروسي ولكنه رفض ذلك وهذا

يفسر موافقة روسيا على عمه صدر الدين الآغاخاني عندما عين منسق الأمم المتحدة

لدعم المجاهدين الأفغان. وتتهم مصادر المجاهدين صدر الدين بمحاباته لطائفة دون

أخرى خاصة بعد أن ركز في مؤتمره الصحفي الذي عقده في بيشاور - على دعم

المناطق المركزية الأفغانية والمعروف أن الشيعة والإسماعيلية يتواجدون فيها.

دعم دولي:

لاحظ المراقبون أنه عقب انسحاب القوات الروسية من بدخشان نشطت

الدبلوماسية البريطانية والأمريكية في دعم ومساندة هذه المنطقة؛ حيث طار السفير

البريطاني والأسترالي إلى جترال الباكستانية المحاذية لإقليم بدخشان والتى تضم

عدداً كبيراً من إسماعيلية باكستان واقترح السفيران إصلاح طريق جترال -

بدخشان ويتوقع أن يتم الفراغ منه قريباً وبذلك تستطيع السيارة قطع الطريق من

جترال إلى بدخشان في محاولة لدعم الإسماعيلية في بدخشان وربط إسماعيلية

أفغانستان مع إسماعيلية باكستان، كما لاحظوا أن القنصل الأمريكي في بيشاور

يتردد إلى منطقة جترال والإشراف على تعمير وإصلاح الطريق وسيوصل الطريق

شاهي ساديم في جترال مع توب خانة في بدخشان؛ حيث سيخترق أودية صغيرة

جداً، وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دعم لتحسين هذا الطريق

وإصلاحه والذي سيبلغ طوله ٢٠ كم لتسهيل حركة السيارات الكبيرة أيضاً في نقل

الأسلحة.

إسماعيلية بدخشان تستسلم لمسعود:

ليس هناك وجود مستقل للإسماعيلية الموجودين في بدخشان ولكنهم إما

منضوون تحت لواء ميليشيا نظام كابل خاصة في منطقتي كران منجان أو تحت

لواء الأحزاب الشيوعية الموالية للصين والضعيفة مثل (سنم ملّي) أي الاضطهاد

الوطني، و (شعلة حاويد) أي الشعلة الأبدية.

ويعتبر شاه عبد الجبار مرشدهم الروحي في المنطقة وهو يوالي الحكومة وقد

وقعت معارك ضارية بين جماعة أحمد شاه مسعود وميليشيا الإسماعيلية المدعومة

من حكومة كابل في منطقة كران منجان عام ١٩٨٨ وفي زيباك عام ١٩٨٩

لمساندتهم نظام كابل وقد أسفر الهجوم عن استسلامهم للقائد أحمد شاه مسعود.

دولة الحزام الأمني:

يشير بعض المراقبين إلى وجود نية لدى عدة أطراف عالمية ومحلية في تهيئة

الأجواء لتشكيل أو تأسيس دولة إسماعيلية تجمع إسماعيلية باكستان في مناطق

جترال وهنزة وجليميشا وبلتستان مع الإسماعيلية الموجودين في ولاية بدخشان

خاصة بعد الطريق الذي أعيد ترميمه في محاولة لربط الطرفين ببعضهما. حيث

إمدادات إغاثية وغذائية لإسماعيلية باكستان من إيران ودولة باطنية أخرى، كما

أسفرت لقاءات المسئولين الإيرانيين مع المسئولين الصينيين إلى سماح الأخيرين

لنشاط شيعي في منطقة تركستان الشرقية (سينك يانج) المحاذية لهذه الدولة

المزعومة، وبدأ عدد من الشباب الصيني السني القاطن في هذه المنطقة بالتوجه

للدراسة في طهران تمهيداً لتشيُّعه.

ويقوم الآغاخاني بزيارات ميدانية لمنطقة هنزة وجليجييت الباكستانية

وغيرها، ويوزع أتباعه المساعدات والإعانات على الشعب هناك حتى على أهل السنة - ويا لَلأسف! - فقد انجر بعضهم وراء دعاياتهم الإنسانية وأحسنوا الظن به.

ولكن أصدر عدد من علماء السنة في باكستان - مثل (ولي حسن تونكي) فقيه

باكستان - فتوى بعدم جواز أخذ المساعدة من الآغاخاني. وأغلب سكان هذه

المنطقة شيعة وليس إسماعيلية ولكن علاقاتهم قوية مع بعضهم وهناك منظمة باسم

(مؤسسة الآغاخاني) ويرأس المؤسسة في بلشتان شخص باسم (مطهر علي شاه) من

أصول سُنية وراتبه كبير، حتى أنهم يعطون السائق العادي التابع لمؤسستهم (٥)

آلاف روبية باكستانية وهو راتب ضخم في باكستان، أما المشرف العام على

المؤسسة فهو (سلطان شعيب) من السنة أيضاً ويبلغ راتبه (٦٠) ألف روبية

باكستانية ولديه ثلاث طائرات هليوكوبتر تحت تصرفه.

ونشاط الإسماعيلية في هذه المناطق يتمحور على الاقتصاد ولا يعتنون

بالدعوة إلى مذهبهم حتى لا يفاجِئوا أهل السنة. وكانت وزارة الزراعة الباكستانية

في عام ١٩٨٨ وقبله - تقوم بنفسها بتوزيع الأسمدة على المزارعين أما في ١٩٨٩

وما بعدها فقد قام الآغاخاني بشراء الأسمدة ومنعها عن المزارعين حتى يجعلهم

يعتمدون عليه وليس على الحكومة.

ويرى المراقبون في هذا خطراً ماحقاً؛ إذ إنه تمهيد لتأسيس دولة إسماعيلية

وقد تنبه لهذا رئيس كشمير الحرة (السر دار عبد القيوم) عندما صرح - قبل أكثر

من سنة - بأن مناطق جليجييت بلتستان وغيرها في حالة تحوُّل إلى دولة

للإسماعيلية.

ورئيس كشمير الحرة هو مَن يعنيه هذا المخطط؛ إذ إن هذه الدولة ستكون

عازلة بين باكستان والهند وستكون مثل دولة الحزام الأمني في جنوب لبنان لمنع

المقاتلين من التوجه لفِلَسطين.

وبعد:

فإن أهل السنة هم الذين ضحوا بكل ما يملكون في الجهاد الأفغاني، وهم

الذين جادوا بالنفس والنفيس، وكان خصومهم من الطوائف الأخرى يتربصون

ويعدون العدة لما بعد النصر ليقطفوا الثمرة، فهل يتحد أهل السنة ويفوتون الفرصة

على هذه الطوائف التي تتقن التسلق على أكتاف الآخرين، وحتى لا يكونوا هم

الخاسر الوحيد؟ !