ملفات
[الفلوجة.. وصناعة التاريخ]
د. عبد العزيز محمد الوهيبي
aziz [email protected]
«نحن في صراع تاريخي في العراق..!!» .
«لو قدر لنا أن نخفق، وهو ما لن يحدث (وأقول بل سيحدث بعون الله
تعالى) فالأمر أكبر بكثير من هزيمة قوة أمريكا ... سيتلاشى أمل الحرية والتسامح
الديني في العراق ... الديكتاتوريون سيبتهجون، والمتعصبون سينتشون،
والإرهابيون سيفرحون!!» .
«لو قدر لبريطانيا الانسحاب من العراق؛ فإن المتشددين سيطلبون خروج
القوات الأجنبية من أفغانستان، ومن ثم الشرق الأوسط كله..!!» .
«كلما زاد ضعفنا كلما ضغطوا علينا..» .
«هناك معركة يتعين أن نخوضها، صراع يتعين أن نفوز فيه» تلك كانت
تحليلات الخبير الاستراتيجي والقيادي البريطاني المحنك «توني بلير» .
«إن هزيمة أمريكا في العراق.. هزيمة للغرب كله ... » .
«هل تعرفون معنى هزيمتهم في العراق..؟! معناها: خسارتهم لكل ما
حققوه خلال خمسة قرون..!» .
المتحدث هذه المرة هو الخبير الاستراتيجي الأمريكي «هنري كيسنجر»
وصدق بلير.. وصدق كسينجر.. هذه المرة!
كنت أشاهد فيلماً عن إنجازات المجاهدين في الشيشان، فأتعجب ولا يكاد
ينقضي عجبي: بأي قلب يواجه هؤلاء..!
كيف تتمكن حفنة مستضعفة من الصمود إزاء كل قوى التآمر ضدهم؟! أي
مستقبل ينتظرون، وأي «غنيمة» يتوقعون.
شاهدت مجاهداً يجود بروحه، وقد غمرت سكينة الرضا محياه، وبسمة
مشرقة تبرق من شفتين مجهدتين، كان «يتلمظ» ..!! لكأنما يلعق عسلاً!!
وأدركت السر.. إنها «قوة الله» !
الله ... اللطيف الودود.. القوي العزيز.. لا يسلم أولياءه لأعدائه..!!
سبحانه وتعالى وتقدس.
هو معهم.. ولهم.. ووليهم.. وحسبهم الله وحده.
ويا لها من معية ما أزكاها.. ويا لها من نصرة ما أقواها.. ويا له من عون
ما أشده.
عندما يتخلى القريب والبعيد، والصديق والحبيب، عندما تخلو الساحة من
كل نصير، عندما يتكالب الأعداء كلهم، ويجتمعون ليرمونا عن قوس واحدة؛
عندما يبلغ الكيد مداه، ويذهب المكر إلى منتهاه، عندما ينسد كل أفق، ويغلق كل
باب عندها ينفتح باب الكريم المنان.
[حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا] (يوسف:
١١٠) ، لك الحمد يا رباه، والثناء كله..!!
«الفلوجة» ، «المثلث السني» «منجم المقاتلين» من كان منا يسمع عن
كل هذا من قبل؟!
من أين خرجت هذه البطولات كلها؟ لماذا ارتعدت فرائص الخصم وبدأ يشعر
بأنه يوشك أن ينهار؟!
«مكر الليل والنهار» خبث عقود من السنين، سحر السحرة كله يوشك أن
تلقفه عصا موسى.
عندما وقعت حادثة سبتمبر وقلت لبعض من حولي: إنها منعطف تاريخي؛
نظر إليّ بعض الأحبة بإشفاق، وقال لي: أنت تهذي..!!
بنايتان يوشك أن تعمرهما الرأسمالية الغربية، ومتمردون حول جبال تورا
بورا توشك أن تلتقطهم «التوما هوك» ويسدل الستار على كل شيء!!
ولم يسدل الستار بعد! بل لا يزال ينكشف عن جديد.
شيخ مقعد.. لا يتحرك منه إلا رأسه يفجرون هذا الرأس بصاروخ ويسقط
الشهيد مضرجاً بدمه ودماغه منثورة على الأرض ولا تفارقه ابتسامة الرضى، أي
معنى تحدثنا عنه الصور.
وها هو «توني بلير» يقول بخبث عميق: «إن العراق يصنع التاريخ أو
يعيد صياغته» . ها هو غراب البين الذي قاد الولايات المتحدة من كارثة لأخرى،
ها هو يشهد بالحق، ها هي شعوبنا اليوم تدرك بعد طول تجهيل أنها قادرة على
المقاومة والصمود، بل والنصر والتمكين.
ها هم الآلاف من الشباب الذين يشعرون بانسداد الأفق والعطالة التاريخية
والعجز والانكسار، ها هم اليوم يدركون أنه يمكنهم أن يقوموا بعمل يرضى عنه
الله، ويبدل حركة التاريخ، وعار الهزيمة.
أي هدية قدمتها لنا الولايات المتحدة وهي تغزو العراق، وتقود ذات المعركة
التي تخوضها إسرائيل من قبل منفردة ووحيدة.
أي حقائق تكشفها لنا الولايات المتحدة، وهي تمارس ذات الغطرسة اليهودية،
تقتل المدنيين وتهدم البيوت، وتقطع الأشجار، وتنقض العهود والمواثيق، لقد
سقطت ورقة التوت، وانكشف المستور!
ثمة دماء، وأشلاء، وضحايا، وخسائر، في سبيل أن نكشف كل هذه
الحقائق، ولكن لا بأس: [إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ
اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ] (النساء: ١٠٤) .
لو كنتم تستحقون الشكر لشكرناكم، لكن شكرنا نوجهه لأبطال الفلوجة،
والرمادي، وجنين، والضفة والقطاع.
يا أبطال الإسلام! أحييتم في أنفسنا معاني العزة والكرامة؛ فشكر الله لكم،
وسترون من الله ما يسركم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.