للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

[حول التجديد والإبداع]

محمد بن عبد الله الدويش

يكثر الحديث هذه الأيام في أدبيات الصحوة حول التجديد والإبداع والابتكار،

وتجد الكتب والدراسات التي تطرح حول الابتكار والإبداع رواجاً وانتشاراً بين

القراء وإن كان كثير منها ليس فيه جديد.

والتجديد والابتكار أمر لا ينبغي أن ينازَع في أهميته؛ فهو يفتح مجالات

جديدة للدعوة، ويسهم في توسيع دائرة انتشارها وتأثيرها، ويُذهِب السآمة والملل،

ويجدد الهمة والروح لدى العاملين والدعاة.

إلا أن هناك أموراً ينبغي مراعاتها في ذلك، ومنها:

١ - الاعتدال والاتزان في ذلك، وإعطاؤه ما يتناسب معه من اهتمام دون

إفراط أو تفريط، ومهما علا شأن التجديد والابتكار فليس فقدانه هو مشكلتنا الحقيقية، بل مشكلتنا الأكبر من ذلك أننا لا نعمل، فكم هي الفرص المتاحة اليوم أمام الناس

للمشاركة في الدعوة والتي لها أثر بالغ ونتائج ملموسة؛ ومع ذلك نرى إحجاماً

وتقاعساً عنها! أليست هناك مشروعات ناجحة ومؤثرة لا ينقصها إلا المال والدعم؛ الإعلام؟ وها هي المجلات الإسلامية، والمؤسسات الدعوية تبذل جهوداً مضنية

في البحث عمن يشارك في أعمالها الدعوية فتلجأ أخيراً إلى الاعتماد على من

يستجيب لها بغضِّ النظر عن تأهيله ... إنها ميادين كثيرة، وفرص متاحة تبحث

عن العاملين الجادين أيُظن أن هؤلاء سينشطون حين تظهر الأفكار الواعدة

والإبداعات المرتقبة؟

٢ - أن التجديد والإبداع ينبغي أن يبقى في دائرة الوسائل والبرامج، ولا

يتجاوز ذلك إلى المناهج والغايات، وينبغي الحذر من حمل النصوص الشرعية في

التجديد والمجددين على ذلك كما يفعل بعض الناس؛ إذ نصوص التجديد تعني

تجديد أمر الدين للناس.

٣ - حين يُبَالَغ في البحث عن التجديد والسعي إليه فكثيراً ما يكون ذلك على

حساب الغايات والأهداف، فيتحول التجديد من وسيلة إلى غاية، وتُفَرَّغ البرامج

الدعوية من مضمونها، أو يذوب الجانب الدعوي فيها فلا تؤدي ثمرتها.

٤ - ينبغي ألا تؤدي المطالبة بالتجديد والإبداع إلى احتقار البرامج والوسائل

الدعوية التي ألفها الناس واعتادوها وتركت آثاراً كثيرة في المدعوين؛ فهناك من

يقلل من شأن توزيع الكتاب والشريط وبناء المساجد، ويدعو إلى تجاوزها

والانطلاق إلى وسائل تناسب تحديات العصر، فلا هو أعطى من يستمعون إليه

برامج ووسائل عملية، ولا هو ترك الناس يسهمون في هذه الوسائل التي ربما لا

يجيدون غيرها، فيُزهِّدهم فيها وقد رأوا ثمراتها من دخول طوائف في الإسلام،

واهتداء كثير من الفساق وصلاح أحوالهم، ونشر السنة والخير وتعليم العلم بين

الناس.

٥ - ينبغي أن لا ننسى أن خطابنا الدعوي يوجه للعامة دون أن يقتصر على

النخب، والعامة يتفاعلون مع كثير من الوسائل المعتادة المألوفة وتترك أثرها فيهم.

٦ - قد يؤدي الإفراط في ذلك إلى تخريج طائفة ممن يجيد القول وتنميق

الحديث ويفتقد العمل؛ فترتفع أسهم الذين يحترفون الجدل وطرح القضايا الكبار

دون أن يكون لهم رصيد في الواقع العملي؛ أو بمعيار أدق أولئك الذين يقولون ما

لا يفعلون، في حين أننا بحاجة ماسة إلى طائفة ممن يعملون ويضحون بأوقاتهم

وجهودهم في سبيل الله عز وجل؛ وما أقل هؤلاء!

ومع ذلك كله يبقى التجديد والإبداع مطلباً مهماً، ويبقى جيل الصحوة بحاجة

إلى أن يربى عليه، وتبقى الأفكار الجديدة تختصر خطوات، وتفتح مجالات الدعوة، ولكننا ندعو إلى الاعتدال، وإلى أن يأخذ كل جانب حجمه الطبيعي دون إفراط أو

تفريط.