حوار
[فضيلة الأستاذ خالد مشعل في حوار خاص مع البيان]
على كل الحركات الإسلامية أن تدرك أن الخطر الصهيوني يستهدفها
الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على أشرف الأنبياء وسيد
المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع تلاحق الأحداث واشتدادها في فلسطين؛ تزداد انتفاضة الأقصى ثباتاً
وصموداً، وفي ظل التطورات التي تحيط بأمتنا من كل جانب، ولا سيما في
الأرض المباركة؛ تواصل البيان متابعتها للأحداث هناك، وتستضيف فضيلة
الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في
حوار يلقي الضوء فيه على كثير من الجوانب المهمة لانتفاضتنا المباركة، وما
يجري على الساحة من أحداث وتطورات.
البيان: دعوتم في كلمتكم بمناسبة مرور عامين على بدء الانتفاضة الثانية
الشعوب العربية والإسلامية إلى أن تجدد تفاعلها مع الانتفاضة؛ فما هو رأيكم إن
ضَعُفَ هذا التفاعل مع شدة الأحداث في فلسطين؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
نحن أولاً ظننا بأمتنا أنها لم تقصِّر، ولذلك لسنا متخوفين من تقصير الأمة، بل
نستبشر أنها ستؤدي واجبها ورسالتها، ونتفهم الظروف التي تقود أو تؤدي إلى مثل
هذه الحالة غير المستقرة من تفاعل الشعوب العربية والإسلامية، ومع ذلك فأملنا
ودعوتنا هي تجديد هذا التفاعل، لكن لا شك أن هذا التفاعل إذا قصر أو تراجع؛
فهنا مشكلتان:
الأولى: تقصير الأمة في واجبها؛ وهذه مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.
والمشكلة الثانية: أن أهلنا في فلسطين الصامدين المنتفضين المجاهدين
سيُحرمون من دعم أهلهم وأُمَّتهم، ولا شك أن شعبنا في فلسطين بحاجة إلى هذه
المساعدة؛ لأن أي حركة مقاومة لا تستغني عن محيطها، وفي التاريخ كل الثورات
وكل حركات المقاومة كانت تعتمد على دولة مجاورة؛ سواء في الدعم البشري، في
الدعم المالي، في الدعم العسكري، التزويد بالسلاح، حرية الحركة، الدعم
اللوجستي بصورة عامة، ولذلك لا يعقل أن حركة المقاومة في فلسطين، أو قوى
المقاومة في فلسطين تُحرم من هذا السند، لا أقول السند الخارجي؛ لأن الأمة
ليست شيئاً خارجاً، وإنما تحرم من أُمَّتها من أهلها من جوارها، وإلا يصبح هذا
استثناء من كل تجارب المقاومة في التاريخ.
فإذن نحن بحاجة فعلاً إلى هذه المساعدة؛ خاصة أن متطلبات المقاومة لا
يمكن أن تستمر بدون هذا الدعم. على سبيل المثال: السلاح. السلاح صحيح أنه
متوفر في الأرض المحتلة بشكل محدود، ولكنه بأسعار غالية، وليس كل الأنواع
إنما أنواع بسيطة، وتجارة السلاح في الداخل محفوفة بالخطر؛ بحكم أن غالبية
التجار لديهم خطوط مع الأمن الإسرائيلي وغيره، ومن ثم فنحن بحاجة إلى السلاح.
نحن بحاجة إلى المال الذي يدعم المجاهدين، ويدعم أسر المجاهدين، وأسر
المعتقلين، ويوفر متطلبات الصمود للشعب الفلسطيني. نحن بحاجة إلى الدعاء
وإلى الإسناد المعنوي من خلال تفاعل الجماهير؛ لأن الشعب الفلسطيني عندما
يرى نفسه وحيداً في المعركة يصاب بالإحباط لا سمح الله أو بالشعور بالأذى
النفسي؛ خاصة أنه يعلم أن قضية فلسطين ليست مسؤولية فلسطينية فقط بل هي
مسؤولية عربية وإسلامية؛ ولذا فمن غير المقبول ويصعب تفسيره عند جماهير
الفلسطينيين أن يقف العرب، وخاصة على المستوى الشعبي، مكتوفي الأيدي!
نحن نعتقد أن الدور العربي الإسلامي دور مطلوب وأساس.
ومع ذلك أقول: حتى لو قصَّر المسلمون في واجبهم فإننا في فلسطين لن
نتوقف عن المقاومة، سنبقى نواصل هذا الطريق؛ لأن هذا قَدَرُنا، وهذه مسؤوليتنا،
ونحن نستشعر أن الله عز وجل كلفنا بهذه المهمة الكبيرة، ونحن نشرف بتنفيذها،
وبالثبات عليها.
ودائماً أقول في كثير من هذه المناسبات، وأستشهد بقول الله عز وجل مخاطباً
رسوله صلى الله عليه وسلم: [فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ
المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً] (النساء:
٨٤) ، فنحن نستشعر كأننا المكلفون وحدنا في المعركة؛ ومن واجبنا أن نحرِّض
المؤمنين، مع استبشارنا أن أمتنا لن تقصِّر معنا إن شاء الله تعالى.
البيان: لو انتقلنا إلى دائرة أخص، وهي دعوة الحركات الإسلامية؛ فهل
تشعرون أن الحركات الإسلامية خلال الفترة الماضية قدمت ما يجب عليها إزاء
القضية الفلسطينية، أو أن الحركات الإسلامية انشغلت بهمومها على حساب
القضية الأهم؟
- بموضوعية أقول: هناك جهد طيب ومبارك من الحركات الإسلامية،
ولكن لا يكفي، ولا تزال هناك غلبة الهموم المحلية الإقليمية على الحركات
الإسلامية، وهذا ينطبق على الحركات الأخرى الوطنية وغيرها، وأعتقد أن هذا
تقصير كبير؛ ونحن في فلسطين لا نطالب الحركات الإسلامية أن تتخلى عن
همومها المحلية، ولكن أن تتوازن؛ فتعطي مساحة مناسبة للهموم المحلية، وهذا
شيء طبيعي؛ لأن هذه مسؤولية، وتعطي مساحة أيضاً كافية للهم العام للأمة،
لهموم الأمة العامة، وأعتقد أن من هموم الأمة العامة قضية فلسطين.
ثم إن الخطر الصهيوني لا يتهددنا في فلسطين وحدها، وعلى كل قيادة
لحركة إسلامية في العالم أن تدرك أن الخطر الصهيوني يستهدفها؛ يستهدفها بأشكال
مباشرة وغير مباشرة، ولذا فهي لا تستطيع أن تعيش في منأى عن هذا الخطر.
البعض يتصور أنه يستطيع أن يطبق برامجه بعيداً عما يجري على أرض فلسطين،
نحن نقول لا؛ بدليل الخطر الصهيوني الذي يتوسع وبأشكال عدة، وما جرى
قبل سنوات في ماليزيا حين استُهدف اقتصادها، فتأثرت كل ماليزيا، ليس فقط
الشعب، بل الدولة والقوى المختلفة فيها؛ بما فيها الحركات الإسلامية؛ إذن إذا
استشعرت كل حركة إسلامية مسؤوليتها الدينية تجاه فلسطين والأقصى والقدس،
وهي مسؤولية مؤكدة، ولا يستطيع أحد أن يتنصل منها، وإذا استشعرت هذه
الحركة أنها ليست بمنأى عن الخطر الصهيوني، هي كحركة والبلد الذي تعيش فيه؛
أعتقد أن هذا سيدفع الجميع إلى القيام بمسؤولياته، وأعتقد أن كل حركة تستطيع
أن توازن بين همها المحلي وهمها العام.
ثم هناك واجب النصرة والأخوة، وأنني دائماً أستشهد بالحديث النبوي: «ما
آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم» [١] ؛ فكيف يؤمن من
بات أخوه الفلسطيني ليس فقط جائعاً بل يعاني هذه المعاناة تحت العدوان الصهيوني،
ويخوض معركة وحده في مواجهة، لا أقول الصهاينة وحدهم، بل كل القوى
الظالمة في الأرض التي تناصر الصهاينة؟! فالحقيقة هنا اختبار للإيمان، وهنا
اختبار أيضاً للبرامج التي تضعها الحركات الإسلامية.
ثم أخيراً أقول: إن اشتغال الحركات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي
بقضية فلسطين هو مكسب لها، صحيح أنها مُكلِّفة، ولكن لها استحقاق على كل
حركة إسلامية، ولكن أيضاً هو في ذات الوقت مكسب لها، وكثير من الحركات
تستفيد من ذلك، لنستحضر هذا المعطى، أو هذه الزاوية، ولتحاول كل حركة
إسلامية وهي تسعى إلى مرضاة الله عز وجل، والقيام بالواجب؛ أن تستفيد من
خلال انشغالها بقضية مباركة كقضية فلسطين؛ فهذا يعلي شأنها، ويزيد أنصارها،
ويؤكد مصداقيتها، وإلا تصبح الشعارات المرفوعة لا قيمة لها؛ أن ترفع شعارات
ولا تجد طريقها إلى التطبيق.. فلا قيمة لها.
ولذلك؛ أنا دعوتي للحركات الإسلامية أن تعد الاشتغال بقضية فلسطين،
ودعم الجهاد والمقاومة، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، ودعم الانتفاضة أن تعده
واجباً ومسؤولية، ثم هي فرصة لها لتعزيز مصداقيتها، ولتحقيق كسب إن شاء الله
لها وللإسلام وللأمة بشكل عام.
البيان: دعا فضيلة الشيخ أحمد ياسين الأمة الإسلامية في مقابلة سابقة مع
المركز الفلسطيني الإعلامي إلى تهديد مصالح أمريكا المتصهينة؛ ألا يُعد هذا
تحولاً في توجه حماس الداعية إلى الاقتصار على الداخل في الصراع مع العدو
اليهودي؟
- أستطيع التأكيد بوضوح وبشكل حاسم أنه لا تغيير على سياسة الحركة؛
فمعركتنا محصورة ضد الاحتلال الصهيوني، ومحصورة داخل فلسطين، هذا ما
اختارته الحركة منذ نشأتها ولا تزال عليه، وما ورد من حديث للشيخ أحمد ياسين
هو في سياق ممارسة ضغوط على أمريكا ومصالحها، وليس استهدافاً بمعنى ضربة
عسكرية؛ بمعنى أن تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تستطيع أن تجمع بين
دعمها للكيان الصهيوني اللامحدود وبين استمرار مصالحها في المنطقة، وهذه دعوة
للحكومات وليس فقط للشعوب، وأعتقد أن الدول العربية سبق أن مارست هذا،
مثلاً عندما استُعمل سلاح النفط أيام الملك فيصل رحمه الله، وأعتقد أن الأمة
تستطيع أن تفعل ذلك اليوم؛ بمعنى أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة
حساباتها، أما إذا شعرت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستطيع أن تدعم إسرائيل
دعماً كبيراً ومطلقاً، ثم هي تستطيع أن تحافظ على مصالحها في الوطن العربي؛
فما الذي سيدفعها إلى تغيير سياساتها؟!
نحن نريد أن نشكل ضغطاً جماهيرياً، وضغطاً سياسياً، وضغطاً دبلوماسياً؛
بحيث تضطر الإدارة الأمريكية إلى تغيير سياستها في المنطقة؛ هذا أعتقد أنه هو
المفهوم الذي يقصده الشيخ أحمد ياسين، وليس الدخول في معركة عسكرية ضد
الولايات المتحدة الأمريكية، هذا ليس من سياستنا.
البيان: هناك حديث عن عودة خيار غزة أولاً؛ ففي ظل احتلال الضفة؛ هل
يمكن القول بأن غزة ستكون مرشحة مستقبلاً لأن تكون هي الدولة الفلسطينية
التي تطالب بها السلطة وتَعِدُ بها أمريكا؟
- كل هذه المشاريع العديدة تنطلق من رؤية صهيونية تدعمها أمريكا، أو
على الأقل تسكت عنها أمريكا، وهي تبرهن على عدم الاعتراف أو التسليم بالحق
الفلسطيني، وإصرار القيادة الصهيونية على استمرار الاحتلال، وقهر الشعب
الفلسطيني، ووقف انتفاضته ومقاومته، والخيار الأمني العسكري، ويريدون من
شعبنا أن يسكت ويقبل بالفتات وبالقليل، هذه الرؤية الصهيونية تحاول أن تعبر عن
نفسها بمثل هذه المشاريع؛ غزة وحدها، أو غزة - الخليل، أو غزة - بيت لحم،
أو غزة - أريحا، أو غيرها من المشاريع المطروحة، ولكن هذه المشاريع لن
تنجح بالتأكيد، وشعبنا الفلسطيني لن يقبل إلا بتحرير أرضه، ولن يتنازل عن
حقوقه وعن أرضه وعن مقدساته، هذه حقيقة، هناك استماتة صهيونية أمريكية من
أجل صنع الاستقرار في المنطقة، وتحقيق الأمن للكيان الصهيوني بأبخس الثمن،
وهو أن يعطوا الفلسطينيين شيئاً قليلاً من حقوقهم، ونحن نقولها للعالم كله،
وللأمريكان وللصهاينة: إن الاستقرار في المنطقة لن يكون على حساب حقنا، لا
استقرار في المنطقة إلا إذا رحل الاحتلال، ولا يستطيع العالم كله مهما توفر له من
قوة مادية أن يجمع بين الاحتلال والاستقرار: إما احتلال، وإما استقرار، وهذا
بالنسبة لنا يقين بعون الله.
وهذه المشاريع أخفقت كما أخفقت أوسلو؛ لأنه ما دام هناك فلسطيني لن أقول
ما دام هناك عربي أو مسلم يشعر بالظلم، وبأن حقه لم يعد له، وبأن هناك أرضاً
فلسطينية مقدسة مباركة لا تزال محتلة، أو أن القدس لم تعد له؛ فإن المقاومة
ستستمر حتى يرحل الاحتلال.
ربما يفهم الصهاينة الآن جزءاً من هذه الحقيقة، وكذلك الأمريكان، لكن لم
يصلوا بعد إلى التسليم بهذه الحقيقة؛ لأن هذا يحتاج فيما يبدو إلى ثمن أعلى، وإلى
أن يروا حقائق مؤلمة على الأرض؛ حتى يُجبروا على الخضوع لهذا المنطق كما
خضعوا له في جنوب لبنان، مع تقديري أن الواقع الفلسطيني يختلف عن لبنان،
والمعركة في فلسطين أكثر شراسة، وأكثر خطورة، وهي تمثل المعركة
الاستراتيجية الكبرى.
البيان: ولكن كيف وتلك التنازلات يروِّج لها بعض المدافعين عن القضية
الفلسطينية؛ فهل تتوقعون أن الضغوط الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني
سوف تجعله في مرحلة من المراحل يقبل مثل هذه الحلول الجزئية؟
- لا أعتقد؛ لأن الذين يقبلون ويروجون مفهوم أو مشروعات التنازل
والمساومة؛ هؤلاء ينطلقون ليس من الحقائق والواقع؛ ولكن ينطلقون من نفسية
مهزومة، هؤلاء تعبوا ويريدون للناس أن يخضعوا لمنطقهم المهزوم، هذا لن ينجح،
ولماذا لن ينجح؟ لعدة أسباب:
السبب الأول: أن هذه التجربة جُرِّبت؛ ونحن لسنا أمام تجربة جديدة، هذه
التجربة جربت في أوسلو، أوسلو قامت على منطق المساومة والتفريط، القبول
بالقليل والتنازل عن الكثير، واعتبروها مرحلة تدريجية لعلها توصلهم خلال خمس
سنوات إلى الدولة، والنتيجة كانت أننا عدنا إلى الوراء وخسرنا الكثير، وبالعكس
استغلها العدو في توسيع الاستيطان والتهويد للقدس وللضفة والقطاع؛ فإذن هي
تجربة، أو هي رؤية أو مشاريع جُرِّبت ولم تنجح.
السبب الثاني: أن شعبنا الفلسطيني يدرك أن أي مشاريع من هذا النوع لن
ترفع عنه الظلم، وستبقي على الاحتلال، يعني كل منطق أوسلو وما يقارب أوسلو
منطق المساومة؛ يؤدي إلى حلول ترقيعية، وحلول لا تُخرج الاحتلال، لا تخلص
شعبنا من قبضة الاحتلال وهيمنة الاحتلال؛ بدليل كما اكتشف شعبنا وأدرك ما كنا
نقوله مبكراً أن مناطق أوسلو التي هي مناطق (أ) ليست مناطق محررة؛ إذ
يستطيع العدو أن يعود لها في أي وقت يريد، ومن ثم فإن شعبنا لن يقبل مشروعاً
يجعل الاحتلال هو صاحب الهيمنة عليه، وهكذا يبقى الظلم، يبقى الاحتلال،
يبقى القتل، يبقى السجن، تبقى مصادرة الأراضي، يبقى التهويد، هدم
المزروعات، كل ظلم الاحتلال سيبقى حتى في ظل هذه المشاريع؛ ولذلك أصبحت
هناك قناعة الآن لدى جماهير شعبنا أنه يريد التخلص من الاحتلال بشكل حقيقي،
وأن يكون هو صاحب السيادة على أرضه وقدسه ومقدساته، هذا هو المطلب،
وشعبنا أدرك أن الطريق إلى ذلك هو الجهاد والمقاومة والصمود، مع أن الصمود
كلفته عالية لا شك.
وكما تفضلتم؛ ربما شدة الأذى الذي يقع على الفلسطينيين، وتقصير القريب
والبعيد؛ فربما يوصل الناس إلى حالة من الإحباط.. ربما، لكن في النهاية ليس
هناك خيارات أخرى، بل انعدام الخيارات الأخرى يجعل شعبنا أكثر تمسكاً ببرنامج
المقاومة والانتفاضة، وأكثر صبراً وثباتاً، ولا خيار أمام شعبنا غير هذا، وهذا
أحد أسباب الصمود العظيم طبعاً بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بسبب شعور شعبنا
بانعدام الخيارات، ومن ثم ليس أمامه إلا كما قال الشاعر:
إذا لم يكن غير الأسنة مركباً ... فماذا على المضطر إلا ركوبها؟!
لا يوجد عندنا خيار آخر.
البيان: كثر حديث بعض رموز المقاومة عن استحالة غزو القوات
الإسرائيلية لمدينة غزة كما فعلوا في الضفة؛ فعلى أي أساس يتم الحديث عن
هذه الاستحالة؛ في ضوء سقوط مدينة جنين وغيرها من مناطق المقاومة؟
- لم يطرح رموز المقاومة الاستحالة؛ إنما كانوا يتحدثون عن التحليل
والترجيح، ودراسة الاحتمالات بين إمكانية الاجتياح الشامل أو عدمه، أو
الاجتياحات الجزئية من باب الاستنزاف والإرهاق، أما الحسم.. فلا أحد يستطيع
أن يحسم بأن الاجتياح لن يكون، كما كان هناك تحليل انطلاقاً من أن الواقع
الديموجرافي والواقع الجغرافي لقطاع غزة يختلف عن الضفة الغربية، الكثافة
السكانية في غزة كثافة كبيرة، ولا شك أن العدو سيدفع خسارة باهظة، فعلى الرغم
من أن إمكانيات العدو العسكرية والأمنية تتيح له أن يجتاح غزة، ولكن سيكون
الثمن باهظاً؛ خاصة أن هناك إصراراً من جميع القوى على الصمود، وعلى
مواجهة هذا الاجتياح، وإضافة إلى الكثافة السكانية؛ فإن حجم التسليح نسبياً أفضل
من التسليح في الضفة، هذه العوامل كان يرى البعض فيها أنها فعلاً ربما تعيق
الاجتياح، ومن ثم تفرض على قادة العدو أن يعيدوا حساباتهم، لكن هذا لا يمنع
الاجتياح الشامل، والناس مهيؤون في قطاع غزة لمثل هذا الاحتمال، وفي هذا
قَدَرُنا، إن حصل فسنواجهه، وإن لم يحصل فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى، ومع
ذلك فالمعركة مستمرة حتى بدون الاجتياح الشامل، الاجتياحات المتكررة موجودة،
هناك مجازر ترتكب في رفح باستمرار، في خان يونس، في بيت حانون، في
أطلال غزة، في جباليا، باستمرار.. اقتحامات ومجازر ترتكب في حق الشعب
الفلسطيني.
أيضاً هناك حسابات تتعلق بغزة من حيث مستقبلها، ربما تكون هناك رؤية
إسرائيلية أن يُحشر الفلسطينيون في غزة، ويقال لهم هنا دولتكم؛ مثلاً.
هذه حسابات.. لكن في النهاية العدو لن يتورع عن أن يقوم بمثل هذه الخطوة
عندما هو يقرر، ولكن أيضاً في النهاية قَدَرُنا كفلسطينيين أن نصمد، وأن نثبت،
وأن نواجه العدوان إن شاء الله مستعينين بالله عز وجل.
البيان: ما هي فرص نجاح المشروع الذي تم الإعلان عنه؛ بتشكيل غرفة
عمليات مشتركة في غزة بين جميع القوى والفصائل الفلسطينية؟
- هذا الأمر أُعلن في فترة التوقع للاجتياح، وأعتقد أن فرصة هذا واردة،
كما جرى في جنين؛ يعني في جنين المجاهدون واجهوا الاحتلال والاجتياح فعلاً
في صف واحد وتنسيق جيد؛ لأن ضرورات المعركة تدفع الناس إلى مثل هذا
التعاون وإن كانوا مختلفين سياسياً أو فكرياً، وأعتقد أنه في حالة الاجتياح لغزة
الاجتياح الشامل لن يجد المجاهدون من جميع الفصائل إلا أن يتوحدوا وينسقوا
جهودهم؛ لأنهم يدافعون عن أنفسهم، عن أعراضهم، عن أهلهم، عن أرضهم،
وهناك تجارب ناجحة ستشجع الجميع على تكرارها إن شاء الله.
البيان: في الفترة الماضية طالب شارون بعقد مؤتمر إقليمي للسلام، ولكنه
لم يُلق بالاً لدعوة عرفات للتفاوض؛ فما معنى هذا التصرف؟
- نعم.. شارون يتبع سياسة خبيثة تقوم على شعبتين: الشعبة الأولى: هي
استمرار سفك الدم الفلسطيني، والقتل، وارتكاب المجازر، وتقويض أركان
السلطة، وملاحقة المجاهدين واعتقالهم، وإرهاق الشعب الفلسطيني بالحصار
والتجويع، والعقوبات الجماعية، وفي ذات الوقت يمارس: الشعبة الأخرى من
سياسته: هي أن يظهر أمام العالم أنه يريد السلام، ويريد التفاهم، ويريد التفاوض،
ويريد أن يعقد صفقات تسوية مع الفلسطينيين؛ ليخدع العالم، وليخدع الأمريكان،
ويسوِّغ تصرفاته على الأرض، ولعل تعيينه شمعون بيريز وزيراً للخارجية في
مطلع حكومته.. هذا ما القصد منه؟ قبضة تقتل دماً في الواقع على أرضنا
الفلسطينية، وقبضة أيضاً خبيثة ولئيمة ولكنها مغطاة بقفاز من حرير تحاول أن
تخدع العالم، وأن تسوِّق الرؤية الإسرائيلية على العالم، هذه هي فلسفة موقف
شارون، ولكن في اعتقادي أن العالم بدأ يدرك حقيقة الموقف الصهيوني،
وباعتراف الصهاينة أنهم بدؤوا يخسرون كما يقولون أخلاقياً، ويخسرون سمعتهم
أمام العالم.
والحمد لله؛ هناك تحول نسبي معقول على المستوى الشعبي في العالم،
وعلى مستوى بعض الحكومات في العالم، وهذا نعده تقدماً إيجابياً؛ سببه الجريمة
الصهيونية من زاوية، والصمود الفلسطيني من زاوية أخرى.
البيان: أعلنت حركة حماس أكثر من مرة دعمها للرئيس عرفات في
المرحلة الراهنة؛ ألا توجد خطوط حمراء في ضوء تجاوزات السلطة مع حركة
حماس على وجه التحديد؟
- حركة حماس لم تدعم ياسر عرفات من زاوية الالتقاء السياسي معه، فنحن
مختلفون مع السلطة ومع ياسر عرفات سياسياً، ولكن نحن في حركة حماس أعلنا
موقفنا برفض الحصار على شعبنا، بما فيه الحصار على ياسر عرفات؛ بمعنى
أننا أمام العدو الخارجي نقف مع كل الفلسطينيين في مواجهة الخطر الخارجي،
فنحن ضد الحصار سواء كان على غزة، أو الحصار على الضفة، أو الحصار
على رام الله، أو الحصار على ياسر عرفات؛ أي أننا نرفض العدوان الصهيوني
من حيث هو عدوان على شعبنا حتى لو كان عدواناً أو حصاراً على من نختلف معه
سياسياً؛ لأننا في النهاية شعب واحد، نتوحد في هذه المعركة لمواجهة العدو.
وأيضاً.. ثانياً: أعلنا أننا ضد التدخل الأمريكي لفرض قيادة بديلة، نعم نحن
مختلفون مع ياسر عرفات سياسياً، ولكن لا نقبل من أمريكا أو غير أمريكا أن
تتدخل لفرض قيادة بديلة، كما أعلنا أننا لن نقبل كرزاي فلسطينياً في المنطقة، أما
أننا مختلفون مع ياسر عرفات أو غيره في السلطة الفلسطينية؛ فهذا شأن فلسطيني
ونعالجه داخلياً، ولا نقبل التدخل الخارجي، وهذا موقف حماس الذي سبق أن
أعلنت عنه.
البيان: لكن هناك من يفترض أن كل ما يحدث من حصار على الرئيس ياسر
عرفات ما هو إلا مجرد مسرحية لتهيئته لدور قادم؛ بعد أن فقد الكثير من أوراقه
الشعبية في المجتمع الفلسطيني!
- نحن لا نميل إلى هذا الترجيح، وأعتقد كما ترون في الآونة الأخيرة أن
الموقف الإسرائيلي الأمريكي أصبح واضحاً بتجاوز ياسر عرفات وإنهاء دوره
السياسي، أعتقد أن هذا هو ما يجري على الأرض الآن، ومن ثم ينبغي ألا نتعب
أنفسنا في مثل هذه الاحتمالات، المهم أن نعرف مسارنا، أن نعرف أهدافنا، مع
اليقظة والحذر، وأن ننحاز دائماً إلى مصالح شعبنا، وهذا هو المهم.
البيان: في داخل السلطة الفلسطينية ألا يوجد هناك مراكز قوى مختلفة
يمكن أن تتلاعب بالقضية الفلسطينية؟
- لا شك أن هناك في السلطة الفلسطينية تيارات وأجنحة، وهناك خلافات
داخلية، وخاصة بعد الموقف الأمريكي الأخير، والموقف الإسرائيلي كذلك الذي
دعا إلى تغيير قيادة السلطة الفلسطينية، فازداد الصراع الداخلي، وتعددت
الخلافات والأجنحة، وهناك جزء من الشخصيات الفلسطينية في السلطة تحاول
تسويق نفسها لتقدم نفسها البديل للقيادة الفلسطينية، البديل الأمريكي، وتكسب رضا
الأمريكان، وعندها استعداد أن تدفع فواتير هذا الموقع وهذا المنصب، لكن هؤلاء
في تقديري مستقبل القضية ليس بأيديهم، المستقبل بإذن الله تعالى هو بأيدي شعبنا،
هو الذي سيقرر هذا المستقبل؛ لأن الذين يريدون المساومة على حقوق شعبنا،
وأن يتلاعبوا بقضيتنا تحقيقاً لمصالحهم ولمصالح الأعداء لن ينجحوا بإذن الله، وقد
انكشفت أوراقهم، والله سبحانه وتعالى سيعين المخلصين في شعبنا على أن يسيروا
بالشعب إلى بر الأمان بإذن الله؛ مع المحافظة على الأرض، وعلى العرض،
وعلى المقدسات، وعلى حقوق شعبنا ومصالحه إن شاء الله.
البيان: يردد الإسلاميون الفلسطينيون وغيرهم أن وعود أمريكا بدولة
فلسطينية لن تكون إلا بمواصفات إسرائيلية، ولتحقيق المصالح اليهودية؛ فهل
بذل الإسلاميون جهداً أكبر لكشف هذه الحقيقة، وبيان أبعاد هذا المخطط
الأمريكي في المنطقة؟
- أعتقد أخي الكريم أن الغالبية العظمى من جماهير الأمة ليس في فلسطين
وحدها، بل على امتداد الأمة أصبحت تدرك الدجل الأمريكي، الكذب الأمريكي،
الخداع الأمريكي، وأن الأمريكان عندما يتدخلون ببعض مبادراتهم في فلسطين لا
يتدخلون حقناً للدم الفسلطيني، ولا تحقيقاً لمصالح شعبنا، وإنما يتدخلون بأحد
دافعين: إما لإنقاذ إسرائيل نفسها من ورطتها وأزمتها، وإما لتبريد الصراع في
فلسطين تمهيداً لضرب العراق، إما هذا أو ذاك، لكن ليس هناك جدية أمريكية أبداً
لرفع الظلم عن شعبنا الفسلطيني ولجم العدوان الإسرائيلي، وخاصة إذا علمنا حجم
النفوذ الصهيوني في أمريكا، وتأثير الكيان الصهيوني واللوبي الصهيوني في
صناعة القرار الأمريكي، أعتقد أن الأمر أصبح في غاية الوضوح والجلاء.
البيان: طرحت حركة حماس منذ مدة هدنة مشروطة مع العدو اليهودي،
والآن تطرح مبادرة عن الكف المتبادل عن استهداف المدنيين؛ فهل ترون
استجابة من العدو لمثل هذه المبادرة، وهل يمكن ضبط جميع الفصائل الفلسطينية
في عدم استهداف المدنيين ولو أخذاً بالثأر؟
- موضوع الهدنة هذه مسألة قديمة، طرحتها الحركة لتكشف حقيقة الموقف
الصهيوني أن الصهاينة لو انسحبوا من الأراضي التي احتلت عام ١٩٦٧م فيمكن
أن نصنع هدنة؛ دون أن نتنازل عن بقية حقنا في فلسطين، ودون أن نعترف
بشرعية الاحتلال الصهيوني؛ لأن هذا لا يجوز لا شرعاً ولا منطقاً ولا سياسة ولا
حقاً لبقية الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش في الـ ٤٨، وثبت أن إسرائيل لم
تتعامل مع هذا المشروع، ولم تقبل بهذا المنطق أصلاً؛ لأنها تمارس العدوان،
تريد إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها وحرمان شعبنا من حقه، ولذلك فنحن لا
نثق بالكيان الصهيوني، ولا ننطلق في برامجنا أو مواقفنا السياسية من الرهان على
الأخلاقية الصهيونية، أو على إمكانية أن يتغير الصهاينة، هؤلاء أعداؤنا بنص
القرآن وبالحديث وبتاريخ الأمة، وهم أعداؤنا في الواقع، وما يفعلونه أكبر دليل
على ذلك.
أما موضوع تحييد المدنيين؛ فهذا موضوع سبق أن طرحته الحركة قديماً
أيضاً؛ للرد على الدعوات في قصة استهداف المدنيين، ولكن أيضاً الصهاينة لم
يستجيبوا؛ ولذلك لم نعد نطرقه من جديد؛ خاصة أننا في يقيننا أن هؤلاء الذين
قدموا إلى فلسطين هم غاصبون، نحن لم نذهب إلى بلد آخر ونقتل عسكرييه
ومدنييه، نحن كنا آمنين في أوطاننا فجاءنا الغزاة، هؤلاء المحتلون غزاة، ونحن
ندفع صائلاً عنا، وخاصة إذا علمنا أن غالبية المجتمع الإسرائيلي مجتمع مسلح،
فهو إما في الجيش، وإما في قوات الاحتياط وهي ثلاثة أضعاف الجيش وإما فيما
يسمى بالمنظمات العسكرية من الشبابية وغيرها، وهذا إضافة إلى المستوطنين؛
فهناك ٣٥٠ ألف مستوطن في الضفة والقطاع كلهم مسلحون، فهو مجتمع تحت
السلاح، وعند اجتياح جنين والضفة الغربية عندما استدعى العدو ٢٠ ألفاً من قوات
الاحتياط، هؤلاء كانوا يعملون في المصانع وفي المحلات التجارية وفي محطات
البنزين، وفجأة خلال ٧٢ ساعة امتشقوا السلاح؛ لأن هؤلاء مدربون وكل يعرف
قطعته في الجيش، والموقع الذي يُستنفر إليه؛ فإذن نحن ندافع عن أنفسنا، ونقاوم
مجتمعاً محارباً معتدياً غاصباً.
وحركة حماس أو غيرها من القوى حين تطرح مثل هذه الأمور؛ هي
تطرحها من باب المحاججة، ومن باب كشف حقيقة الموقف الصهيوني، وإبراز
نظرة شعبنا، وإنما الحقيقة أننا نعرف أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة.
البيان: امتداداً للغة القوة؛ تمكن المجاهدون في فلسطين بحمد الله تعالى
وفضله من تحطيم أسطورة الدبابات الإسرائيلية (الميركافا) ؛ فهل هناك مبشرات
بتطورات نوعية في التسليح الفلسطيني؟
- من فضل الله تعالى علينا أن شبابنا المجاهدين في فلسطين من كل القوى
قضوا فعلاً على أسطورة (الميركافا) ؛ لا نقصد أنهم قضوا على الأسطورة أنهم
أوقفوها عن الخدمة، ولكنهم حين دمروا أكثر من ١٠ دبابات في محطات مختلفة
وبإمكانات يسيرة؛ بعبوات يضعونها تحت الدبابة، وبشجاعة أسطورية بفضل الله
عز وجل فهم قضوا على أسطورتها نفسياً ومعنوياً، وهذا ترك أثراً كبيراً في الكيان
الصهيوني؛ خاصة أن دبابة (الميركافا) هي الأكثر تصفيحاً وحماية في كل
دبابات العالم، بل أثَّر على صفقات هذه الدبابة عند دول مثل الهند والصين، وهذا
أيضاً من المكاسب الكبيرة للانتفاضة، طبعاً التوكل على الله ثم الإرادة تصنع
المستحيل بإذن الله تعالى.
وكما قضى المجاهدون على أسطورة (الميركافا) يمكن أن يحققوا تطوراً
أعلى ضد كل السلاح المستعمل من الصهاينة، لكن هذا لا شك يحتاج إلى جهد أكبر،
ودعم أكبر، وإمكانات أكبر، وهذه أعتقد أنها مسؤولية الأمة.
نحن في فلسطين حين عز السلاح صنعنا السلاح، وحين عزت المتفجرات
صنعنا المتفجرات، هذا هو التحدي، المهم شعبنا لن يستسلم، والمطلوب الآن هو
الدعم العربي؛ خاصة من الشعب على الأقل، دعم بالمال، دعم بالسلاح، دعم
بالخبرة، دعم بكل الإمكانات، نريد للأمة أن تنخرط في المعركة؛ حتى يعظم إن
شاء الله الإنجاز، ويتطور بإذن الله تعالى، ونحن نستبشر بقول الله عز وجل:
[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] (العنكبوت: ٦٩) هذه بشارة رب العالمين
للمجاهدين.
البيان: في خطاب ياسر عرفات الأخير في تشكيل الحكومة؛ أشار إلى أن
السلام خيار استراتيجي؛ فهل يعني هذا أن الفلسطينيين سيعودون مرة أخرى إلى
مسار المفاوضات وهذا النفق المظلم؟
- والله! واضح أن جماعة التسوية في الساحة الفلسطينية لم يتراجعوا عن
موقفهم، ربما صدرت منهم تصريحات في الماضي تُشعر بأنهم تخلوا عن مسار
التسوية، ولكنهم يتحدثون صراحة أنهم مع منطق التسوية، وكانوا يضعون قدماً في
الانتفاضة وقدماً في التسوية، وأعتقد أن رهاناتهم ستخسر كما خسرت في الماضي.
أما نحن فهذا واضح بالنسبة لنا؛ ونحن ندعوهم دائماً ونأمل فعلاً أن يغيروا
نهجهم؛ لأنه نهج لن يقود إلى خير. ومصلحة قضيتنا وشعبنا، ومصلحتهم هم
أنفسهم أن ينحازوا إلى برنامج المقاومة والصمود والثبات، والتمسك بالحق
الفلسطيني.
ونعتقد بهذه المناسبة أخي الكريم أن أكبر خطأ وقعت فيه الأمة على الصعيد
الرسمي عربياً وفلسطينياً هو الحديث عن أن السلام خيار استراتيجي، حتى لو فعل
ذلك البعض بدافع تكتيكي؛ مثل هذه المقولة خاطئة؛ لأنه عندما تُشعر عدوك أنك
ليس لك خيار إلا خيار السلام؛ فهو عند ذلك سيغريه ضعفك، ويدفعه إلى التشدد
أكثر، إنما عندما نُشْعِر عدونا أننا نملك الخيارات الأخرى؛ إن لجأنا إلى السلام
حيناً فإننا مستعدون لركوب صهوة الحرب حين نضطر إليها، لا بد أن يشعر عدونا
بجاهزيتنا للاحتمال الآخر، أما إذا شعر أننا عاجزون إلا عن الحديث، وعن الكلام،
وعن الاستجداء، وعن المفاوضات؛ فإنه لن يعطينا شيئاً، هذا فضلاً عن
المنطق الطبيعي، منطق التاريخ، منطق الدين، منطق العقل، منطق تجارب
الشعوب والأمم الأخرى؛ أنه فعلاً ما أُخِذَ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن القوة
والمقاومة وحدها هي الطريق للحصول على الحقوق والأهداف، وأمتنا بغير هذا
الطريق ما حققت أهدافها، ولا طردت الغزاة، نحن طردنا الصليبيين والتتار
والاستعمار الحديث بالجهاد والمقاومة وليس بالمفاوضات، والشعوب الأخرى في
فيتنام وغيرها لم تصل إلى أهدافها وتتخلص من الاحتلال الأجنبي على أرضها
أيضاً إلا بالصمود وبالمقاومة، وبالاستبسال، وتقديم التضحيات الكبيرة. أعتقد أن
هذا هو منطق الأشياء.
البيان: عودة إلى خطاب الرئيس عرفات بمناسبة تشكيل الحكومة؛ حيث
أدان في هذا الخطاب ما سماه بالأعمال الإرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين في
المنطقة المحتلة؛ فهل هذه مناورة سياسية، أو أنه فعلاً يدين الإرهاب ويرفض
هذه الأعمال؟
- هذا مما نختلف فيه مع ياسر عرفات، ومع كل من يدين العمليات العادية
أو الاستشهادية؛ لأننا لا نقبل هذا الموضوع، بصرف النظر: هذا المنطق كان
تكتيكاً أم حقيقة؛ لأنه لا يجوز أن ندين أنفسنا، لا يجوز أن نجلد ذاتنا حتى نرضي
الآخرين، لا يجوز الطعن في نية وعمل المجاهد الذي ضحى بأغلى ما يملك في
سبيل الله؛ دفاعاً عن أرضه وعن شعبه وعن مقدساته.
وثبت من زاوية أخرى أن كل هذه الإدانات لم تشفع لأصحابها عند أعدائنا؛
كل الذين أدانوا المقاومة والعمليات الاستشهادية، وأدانوا عسكرة الانتفاضة كما
سموها لم يشفع لهم ذلك لا عند الصهاينة ولا عند الأمريكان، ومن ثم فإن أصحاب
هذا المنطق يخسرون مرتين: يخسرون أمام شعوبهم، وأمام ضمائرهم، ويخسرون
أيضاً أمام أعدائهم.
البيان: ما الانعكاسات التي تتوقعونها ضمن تداعيات الحرب القادمة ضد
العراق، وتداعيات هذه القضية على الواقع الفلسطيني داخلياً وخارجياً؟
- لا شك أن ضرب العراق ليس لذاته فقط، بل لأبعد من العراق، التداعيات
كبيرة على قضية فلسطين وعلى غيرها:
* أول هذه التداعيات هو طبعاً إضعاف العراق وتمزيقه ونهب ثرواته.
* والتداعي الثاني هو تحكم أمريكا في ثروات الأمة؛ ليس في النفط العراقي
فقط بل في نفط الأمة كله والتحكم في أسعاره، وبهذا أمريكا تضرب مصالح أمتنا
بل حتى مصالح الدول الصناعية الكبرى؛ حين تتحكم بأسعار النفط وتصديره وبيعه
وغيره.
* والتداعي الثالث هو إضعاف الأمة كلها، وخاصة الدول المؤثرة في
المنطقة، وسيكون بعد العراق لا سمح الله سيكون العدوان على سوريا، وعلى
المملكة العربية السعودية، وعلى إيران، وعلى مصر، كل الدول العربية ذات
الوزن المؤثر ستكون مستهدفة؛ لأن المنطق الأمريكي المتصهين والمدعوم
بالصهاينة هو منطق يريد للأمة أن تكون دولاً ممزقة ضعيفة، وأن يكون المهيمن
الوحيد في المنطقة هو الكيان الصهيوني؛ مع أمريكا من خلال وجودها المباشر.
* ثم التداعي الرابع هو على قضية فلسطين، وهذا سر التشجيع الكبير من
قِبَل شارون والصهاينة واللوبي الصهيوني لأمريكا وتحريضها على ضرب العراق؛
أولاً ليتخلصوا من أي خطر محتمل أو مستقبلي من العراق أو غير العراق على
إسرائيل، وليتاح لهم في ظل تداعيات هذه المعركة وما قد ينشأ عنها من ضعف
عربي وتمزق عربي وتهديد أمريكا للعرب أن تنشأ حالة من الفراغ أو الضعف
تسمح لهم بحسم صراعهم مع الفلسطينيين؛ بمعنى أن ما عجزت عنه إسرائيل
خلال العامين الماضيين من وقف الانتفاضة والمقاومة؛ يريدون في ظل ضربة
العراق وتداعياتها السلبية على أمتنا أن يحسموه، مع الفلسطينيين؛ فيكسروا شوكة
الفلسطينيين، ويوقفوا المقاومة؛ حين تجد المقاومة أنها بلا سند لا سمح الله عربي
أو إسلامي أو حتى شعبي؛ حيث تكون الأمة منشغلة بهمومها والدفاع عن ذاتها.
فالحقيقة أن تداعيات الحرب خطيرة جداً، وهذا يتطلب من الأمة أن تقف ضد
هذا العدوان الصهيوني، حتى وإن كان البعض مختلفاً مع هذا النظام أو ذاك؛ لأننا
في النهاية نحن جميعاً مستهدفون، وينطبق عندئذ إذا قصَّرنا المثل الذي يقول:
«أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض» ، أعتقد أن هذه مسؤولية أن نواجه هذا
الخطر مواجهة جماعية وليست فردية.
البيان: من تداعيات الحرب المتوقعة ما يطالب به اليهود بإيجاد وطن بديل
للفلسطينيين؛ سواء في الأردن أو في أي منطقة أخرى؛ فهل تتوقع أن
الفلسطينيين سوف يقبلون بهذا البلد الآمن؟
- لا؛ بالتأكيد. لن يستغني الفلسطينيون عن أرضهم، ولن يقبلوا العوض لا
المالي ولا الأرض البديلة ولا الوطن البديل، وسبق أن أعلنت قوى شعبنا أنها ضد
الوطن البديل، ولن نستبدل بأرضنا بلداً آخر رغم أن الأمة كلها هي أرضنا وأمتنا.
نعم هناك حديث عن مخططات لشارون في استغلال أجواء ضربة العراق
والعدوان على العراق؛ أولاً لارتكاب مجازر ضد شعبنا، ومن ثم تهجير قطاعات
كبيرة من شعبنا إلى الأردن، والبعض ربما يتوقع أن يكون ذلك مروراً إلى العراق
ليكون التهجير في العراق، هذه كلها مشاريع لا شك أنها خطيرة ومحتملة، ولكني
أؤكد أن شعبنا الفلسطيني لن يقبل الوطن البديل من ناحية، ولن يقبل التهجير،
أعتقد أن شعبنا مهما وقع عليه من الأذى سيبقى منغرساً في أرضه ولن يبرحها،
ولن يخضع لمنطق التخويف الذي يحرضه أو يُجبره قسراً على الرحيل عن أرضه،
لن يكون هذا بإذن الله، ونسأل الله أن يعيننا.
البيان: الآن مرَّ على إنشاء حركة حماس حوالي ١٤ عاماً؛ فهل أنتم
راضون عن أدائها طوال هذه الفترة الماضية، وهل هناك إمكانية لاستيعاب
تيارات إسلامية أخرى داخل الحركة؟
- نعم! مضى للدقة ١٥ عاماً، من ١٩٨٧م إلى الآن، نحن نعم راضون،
ونحمد الله عز وجل على ما وفقنا إليه، ونشعر أن الله عز وجل أكرمنا بأشياء
كثيرة، وأعاننا على إنجازات كثيرة لصالح شعبنا وأمتنا، ووفقنا في ساحات كثيرة
من هذه التجربة، ومن هذه المسيرة المباركة.
وبالتأكيد وقعنا في أخطاء أيضاً، وهناك جوانب لا تزال قاصرة لدينا؛ فنحن
بشر؛ لكن الحمد لله أننا نتعلم من أخطائنا، وننشد الكمال، ونسعى إلى الأفضل،
ونطوِّع أنفسنا، ونستفيد من غيرنا، ونحن طلاب حق نبحث عن الحق والحقيقة
في كل مواردها، والهداية من الله سبحانه وتعالى، ونشعر بالاعتزاز على ما نجده
من تعاطف المسلمين ودعمهم لنا، وما أكرمنا الله عز وجل به من مصداقية نحافظ
عليها أمام الجميع؛ ونتميز بها أمام الجميع؛ سواء على المستوى الشعبي أو
الرسمي، ونحن مطمئنون أننا نسير في الطريق الصحيح، ويبقى العامل عامل
الزمن، مع مزيد من الجهد والصبر والثبات.
أما موضوع استيعاب الآخرين، وخاصة من الحركات الإسلامية، فنحن
نقول هذه فلسطين هي للأمة جميعاً، ولا حَجْرَ على أحد أن ينخرط في هذه المسيرة
المباركة، وتبقى بعد ذلك الآليات والأطر وغيرها، هذه تحتاج لا شك إلى بحث
وتفكير، وإلى إيجاد السبل التي تنخرط فيها جهود الأمة في هذه المعركة؛ رغم أن
هناك معوقات كما تعلمون فحدود فلسطين مغلقة، وهناك أوضاع عربية وإقليمية
تحول دون مشاركة الأمة في معركة فلسطين بشكل مباشر؛ كما كان يجري مثلاً في
القضايا الأخرى مثل أفغانستان، أو الشيشان حيث كانت الجغرافيا والحدود تسمح
بانخراط المجاهدين بشكل مباشر، للأسف في الحالة الفلسطينية حتى هذه اللحظة
ليس هناك إمكانية سهلة أو مباشرة. ولكنني واثق أن الأمة تسير باتجاه انخراطها
الشامل والحقيقي في المعركة، وتصرفات أعدائنا تدفعنا قسراً نحو هذا الأمر،
ولعل هذا من مكر الله عز وجل؛ وإن شاء الله هذا يكون خيراً لقضيتنا ولأمتنا.
البيان: بعد مرور أكثر من سنتين على عمر الانتفاضة الأخيرة؛ ما هي
المكاسب التي جناها الفلسطينيون منها؟
- مكاسب الانتفاضة عظيمة بفضل الله عز وجل، وهذا من باب [وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ] (الضحى: ١١) ، مكاسبها توحيد الصف الفلسطيني خلف
المقاومة والانتفاضة، من بعد أن تمزق الصف الفلسطيني بفعل أوسلو، زيادة الأمل
لدى شعبنا بإنجاز أهدافه وتحرير أرضه، زيادة الثقة بالنفس، الصورة العظيمة
التي ظهر بها شعبنا من الصمود والتضحية والثبات أعلت مقامه ومكانته أمام العالم،
وكسب بها تعاطفاً إسلامياً وعربياً ودولياً؛ في الوقت الذي خسر العدو فيه على
الصعيد الدولي والدبلوماسي.
أيضاً من الإنجازات ما وقع للعدو الصهيوني نفسه من خسارة وتأثير بالغ
على اقتصاده، أكثر من ١١ مليار دولار خسرها العدو خلال السنتين الماضيتين،
التأثير على الهجرة؛ حيث تراجعت نسب الهجرة إلى فلسطين، وفي المقابل زادت
الهجرة المعاكسة، التأثير على الاستيطان، التأثير على السياحة، التأثير على
الاستثمارات الأجنبية في الكيان الصهيوني، التأثير على أمن هذا الكيان، وهذا من
أهم الأمور؛ حيث فقد الصهاينة الشعور بالأمن في أي مكان، لم يعودوا يأمنون،
لا في الشارع، ولا على الساحل، ولا في المطاعم، ولا في أماكن اللهو، ولا في
الباصات، ولا في غيرها، وفقدان الأمن هو إن شاء الله بداية انهيار الاحتلال
وتراجعه.
وأيضاً التأثير المعنوي، وهو أن الصهاينة بدؤوا يشكُّون في مستقبلهم، وكما
قال قادتهم إن هذه الانتفاضة أعادت الكيان الصهيوني إلى حرب الاستقلال؛ أي
عام ١٩٤٨م، وهي حرب احتلالهم لفلسطين، فهذا أمر عظيم بفضل الله عز وجل.
بالإضافة إلى أنها أثرت على التركيبة الحزبية الصهيونية، زادت من
الخلافات، والاستقطابات الداخلية؛ بسبب ضغط المقاومة.
ثم الخسائر العسكرية، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني تصبح
نسبة القتلى اليهود إلى الشهداء في شعبنا؛ نسبة ١ مقابل ٣ تقريباً، الآن عدد
القتلى اليهود وصل إلى ٦٤٥ أو ٦٥٠، هذه الإحصائيات الأقرب إلى الدقة، مقابل
عدد شهداء شعبنا حوالي ١٩٠٠، هذه نسبة عظيمة، نسبة ١ مقابل ٣ لم تكن في
تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فأنا أعتقد أن هذه أيضاً من المكاسب العظيمة
من الانتفاضة وإنجازاتها.
وتوحيد الأمة على قضية فلسطين، وتفاعل الجماهير، ونجاح الشعوب
العربية والإسلامية في هذا الاختبار، حتى السقف العربي الرسمي ارتفع في ظل
الانتفاضة، وشعوب الأمة رأينا أن لديها خيارات أخرى غير الاستسلام، وغير
القبول بالعروض الأمريكية الصهيونية، وأعتقد أن أي نظام عربي واع يدرك أن
الانتفاضة مكسب؛ ليس للفلسطينيين وحدهم بل للأمة كلها، هذه كلها مكاسب
عظيمة، وكما قلت يكفي تعاطف العالم كله معنا، وتراجع سمعة ومكانة هذا الكيان
الغاصب الذي انكشفت حقيقته أمام العالم بعد أن دلس وخدع العالم سنوات طويلة؛
فالانتفاضة مكاسب عظيمة، لكنها خطوة تحتاج إلى مواصلة المسيرة؛ حتى نصل
إلى أهدافنا إن شاء الله تعالى.
البيان: بعض المراقبين الإسلاميين في القضية الفلسطينية يقول إن الخطاب
الشرعي لبعض القيادات الإسلامية التي تتبنى الجهاد في فلسطين ربما يكون أقل
مما ينبغي أن يطرح؛ خاصة في قضية ذات بعد عقدي وديني مثل القضية
الفلسطينية؛ إذ غلب الخطاب السياسي على الخطاب الشرعي؛ هل لكم رأي في
هذه المسألة؟
- نحن نتفهم من يقول هذا الكلام وندرك حرصه علينا، وفي المقابل نقول
لهم اطمئنوا.. نحن واعون لهذه الحقيقة وعياً كاملاً، ندرك حقيقة الصراع مع
الصهاينة، وندرك حقيقة البعد الديني في القضية، ونحن الحمد لله في حماس شبابنا
وقادتنا، وكل أبناء الحركة ملتزمون دينياً وإسلامياً، وثقتهم بالله كبيرة، والموازين
الشرعية واضحة لديهم، ومعظم المجاهدين والاستشهاديين من حفظة كتاب الله
تعالى؛ فهذا أمر واضح لدينا، وما يراه البعض من أن نسبة هذه الجرعة الشرعية
في خطابنا قد تكون أقل مما يتوقعون؛ فإنه في حقيقة الأمر مؤصل تأصيلاً كبيراً،
ونحن لا نتجاوز البعد الشرعي، كما أننا حريصون على إيجاد حالة من التوحد
الفلسطيني، حتى إن ظلت هناك خلافات فكرية وسياسية وعقائدية، لكن أمام
الخطر الداهم نحن نريد أن ندفع هذا الصائل عنا، وبعد ذلك نتفاهم في خلافاتنا
المختلفة، كمن يشب حريق في بيته، فعند ذلك هو يريد أن يطفئ هذا الحريق،
حتى لو شاركه من يخالفه فكراً أو سياسة، هذه هي الفلسفة التي ننطلق منها، ولكن
معاييرنا واضحة، رؤيتنا واضحة؛ فالإسلام هو الذي سينتصر في النهاية إن شاء
الله، هذه هي القضية كما ندركها، وأطمئن كل من يطرح هذا الأمر أن الصورة
والمعايير واضحة جداً على أرض فلسطين إن شاء الله.
البيان: أخيراً: هل عندكم توجيه لقراء مجلة البيان فيما يتعلق بالقضية
الفلسطينية؟
- نحن أولاً نشكر الإخوة القائمين على مجلة البيان على حرصهم وعلى
اجتهادهم، ونحييهم ونحيي من خلالهم ومن خلال صفحات هذه المجلة الغراء جميع
القراء.
ونخاطب جماهير الأمة والقراء الكرام بضرورة أن يطمئنوا أولاً إلى صلابة
المقاومة في فلسطين، وإلى استقامتها، وإلى وعيها، وإلى رشدها، وإلى ما تتمتع
به بفضل الله عز وجل من ثبات وصمود وإصرار، والاستناد إلى إرادة قوية
عظيمة، وإلى يقين بنصر الله سبحانه وتعالى؛ فليطمئنوا من هذه الزاوية.
والأمر الثاني أن يستشعروا مسؤولياتهم، وأن يضاعفوا جهودهم، وأن ينتقلوا
كما قلتُها مراراً من موقع الدعم إلى موقع المشاركة؛ ففلسطين هي لنا جميعاً؛
القدس قدسنا، والأقصى أقصانا، وأرض النبوات والصحابة والتابعين هي أرض
المسلمين جميعاً، والخطر الصهيوني خطر على الجميع؛ لأن اليهود أعداؤنا جميعاً،
فينبغي للأمة أن تستشعر مسؤوليتها. صحيح أن هناك معوقات، كما أن الشعب
الفلسطيني أمامه معوقات، ولو استسلم شعبنا للمعوقات لما قاتل الصهاينة، وأكبر
المعوقات أنه لا يجد سلاحاً، ومن ثم فوجود معوقات في الأمة لا يسوِّغ العجز، ولا
يسوِّغ التقاعس أو التقصير؛ إذن هناك مسؤولية ينبغي أن تمارس، وينبغي أن
تحمل على العوائق، وأن تبادر الأمة إلى تحمل مسؤوليتها، وتنتقل كما قلت من
موقع الدعم إلى موقع المشاركة؛ حتى نشرف جميعاً بهذه المعركة، وبالتكليف
الشرعي إزاءها، وبذلك إن شاء الله نشترك جميعاً في مكاسبها، وفي الافتخار
بنتائجها، وفي أجرنا إن شاء الله عز وجل عند الله في الدنيا والآخرة.
ومن خلالكم نشكر كل من يساهم في دعم صمود شعبنا وتعزيزه؛ سواء
بالدعم المالي أو بالدعاء، أو بالحركة الجماهيرية، أو بالقلم، أو بالتبشير بمشروع
المقاومة، أو بالرد على المهزومين.. إلى آخر ذلك، وبارك الله فيكم.
(١) أخرجه البزار في مسينده، والطبراني، كلاهما عن أنس بن مالك، قال المنذري بعد عزوه لهما: إسناده حسن، وقال الهيثمي: إسناد البزار حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، رقم ٢٥٦١.