ملفات
التغيير القادم
جيوش الكنائس الصهيونية الصليبية الأمريكية
تحط رحالها في العراق
أبو إسلام أحمد عبد الله
في خبر صحفي تناقلته وكالات الأنباء عن صحيفة (لوموند) الفرنسية،
وبثته شبكة (islamonline) يوم ٢٨/٣/٢٠٠٣م، ونشرته مجلة الأهرام العربي
بالقاهرة، في عددها الصادر يوم السبت ١٢/٤/٢٠٠٣م، عن هجوم تنصيري
مرتقب وصل بالفعل إلى الحدود العراقية الأردنية؛ استعداداً لحمل العون المادي
(والروحي) لسكان العراق، عندما يتحررون من نظام الرئيس صدام حسين.
وأوضح الخبر الصحفي أن (المؤتمر المعمداني للجنوب) ، وهو أكبر تجمع
بروتستانتي يضم الكنائس القليلة في الولايات المتحدة التي أيدت الحرب على
العراق، وهيئة أخرى يديرها القس (فرانكلين جراهام) ابن الواعظ العالمي
الشهير (بيلي جراهام) ، وهي من أكبر التنظيمات الإنجيلية في العالم؛ قد دفعا
بمجموعات من المبشرين إلى الحدود الأردنية العراقية تمهيداً لدخول العراق وإقامة
مراكز في الجنوب؛ بينها بعثة تنصيرية معمدانية.
وأشارت صحيفة (لوموند) إلى أن مهمة المنصِّرين المعمدانيين والإنجيليين
الذين يستعدون لدخول العراق؛ تثير انتقادات غاضبة في الأوساط التي ترى فيها
تأكيداً للمخاوف من حملة صليبية ضد الإسلام، خاصة أن القس (فرانكلين جراهام)
لا يكف منذ أحداث ١١ سبتمبر عن التهجم البذيء على الإسلام والمسلمين في
العالم.
وقالت مجلة (الأهرام العربي) نقلاً عن (اللوموند) أن كنائس هاتين
الحركتين لها نشاط تنصيري في دول عربية عديدة وخاصة الإفريقية منها، تحت
شعار تقديم المعونات الغذائية والطبية، ويتركز نشاطها في السودان والصومال،
وتستعد حالياً للوصول إلى العراق. وهذه الكنائس تعمل بمعزل تام عن الكنائس
الشرقية التي تحاربها وترفض الأنشطة التي تقوم بها، وتحاول تنبيه الحكومات
العربية إليها، وخاصة أن عمليات التنصير التي تقوم بها للدعوة إلى مذهبها لا
تستهدف المسلمين فقط، ولكن النصارى الشرقيين أيضاً.
ومن ناحية أخرى فقد أعلنت المنظمتان في تصريح لشبكتي (believe
net) و (new hous) الألكترونيتين؛ أن أعضاءهما موجدون حالياً (٢٨/٣/
٢٠٠٣م) على الحدود العراقية الأردنية؛ في انتظار استقرار الأوضاع الأمنية
للدخول إلى الأراضي العراقية.
* المهام البروتستانتية والإنجيلية في العراق:
وقالت (islamonline) على لسان ما أسمته (مترجم حر) : إن مع
المنظمتين فريقاً من المترجمين، للقيام بترجمة كتب ومنشورات المنظمتين، من
اللغة الإنجليزية إلى العربية. وإنه (المترجم) اطلع على مقتطفات من هذه
المنشورات، ولاحظ أنها ذات طبيعة تنصيرية، وأنها تستهدف ثلاث دول عربية:
هي العراق، والكويت، والسعودية.
ومن طرفهما أعلنت المنظمتان أن من أوليات عملهما تقديم الطعام للعراقيين
المتضررين من الحرب، ونشر الديانة النصرانية بين العراقيين الذين تبلغ نسبة
المسلمين بينهم ٩٨%.
وكان (فرانكلين جراهام) الذي تحمل إحدي المنظمتين اسمه قد أدلى
بتصريح خاص لموقع (net believe) يوم الثلاثاء ٢٥/٣/٢٠٠٣م، قال فيه إن
أعضاء منظمته توجهوا إلى العراق لتولي مهمة التنصير، وإنه يفعل ذلك باسم
المسيح، بالتنسيق الكامل مع وكالات الإدارة الأمريكية في العاصمة الأردنية عمان،
لكنه لا يعمل لحساب هذه الإدارات.
ويذكر أن (فرانكلين جراهام) ، كان قد صرح في وقت سابق لشبكة
(NBC) التلفازية الأمريكية عقب أحداث سبتمبر ٢٠٠١م بشهرين تقريباً؛ قائلاً:
«إن الإسلام والقرآن يُعلِّمان العنف ولا يَعرفان السلام» .
ومن ناحيته أعلن (سام بورتر) مدير إغاثة الكوارث في منظمة المؤتمر العام
المعمداني بمدينة أوكلاهوما الأمريكية؛ أن المنظمة تستعد أيضاً للقيام بما أطلق
عليه: نشر (محبة الرب) على حد وصفه.
وعن أسلوب التنصير الذي سوف تتبعه المنظمات؛ قال (مارك كيلي)
المتحدث باسم مجلس البعثات الدولي التابع للمؤتمر المعمداني: «إن الحديث حول
الاحتياجات الروحية سينتج عن أسئلة المواطنين العراقيين عن ديننا» .
* صليبية بوش تابعة لصليبية جراهام:
وجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) على علاقة روحية
حميمة بمنظمة (المؤتمر المعمداني الجنوبي) التي تعد أكبر مؤسسة دينية موالية
لبوش، كما أنه على علاقة قوية بالقس الإنجيلي (فرانكلين جراهام) الذي أدى
صلاة خاصة في حفل تنصيب بوش؛ ممثلاً للكنائس اليمينية التي برزت بقوة في
الولايات المتحدة منذ مطلع الثمانينيات، لتقود حركة أصولية صليبية ينتمي إليها
حوالي ٤٠ مليون أمريكي؛ منهم شخصيات عديدة تتولى مراكز قيادية دبلوماسية
وسياسية وعسكرية؛ منهم الرئيس الأمريكي جورج بوش وأعضاء إدارته.
وتؤمن هذه الحركة بأن العودة الثانية للسيد المسيح تسبقها عدة نبوءات،
تحقق منها حتى الآن بحسب زعمهم: قيام دولة إسرائيل، واحتلال القدس من
المسلمين، وبقيت النبوءة الثالثة المنتظرة وهي بناء هيكل سليمان.
فطبقاً لنبوءات هذه الحركة؛ فإن العالم كله سوف يتمركز حول الشرق العربي
الإسلامي، وكل أمم الأرض سوف تضطرب وسوف تتورط في ما يجري في هذا
الشرق.
* طنطاوي وشنودة لا يرونها صليبية:
وفي تصريح خاص قال (إبراهيم هوبر) المتحدث باسم مجلس العلاقات
الإسلامية الأمريكية (CAIR) : إن (جراهام) يعتقد بوضوح أن الحرب على
العراق هي حرب على الإسلام وأهله وأرضه، يباركها الرب.
وأوضح (إبراهيم هوبر) أن (CAIR) رفضت مشاركة فرانكلين في
الجهود الإنسانية العاملة في العراق؛ مشيراً إلى تصريحات متكررة لجراهام قال
فيها: «إن الإسلام دين شرير، ... وإنني أريد التوجه بنفسي إلى العراق لإعادتها
إلى حظيرة النصرانية» .
وفي رد من (إبراهيم هوبر) على جدوى مساعدات هذه المنظمات لأبناء
العراق قال: «لن يأتي خير أبداً للمسلمين من (جراهام) وأمثاله» .
بينما رفضت متحدثة باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ التعليق على
الموضوع كله.
وفي تعليق لشبكة (islamonline) قالت: ويعتقد مراقبون أن حرب
أمريكا على العراق زادت قناعة قطاع كبير من الرأي العام في العالمين العربي
والإسلامي؛ بأنها حرب صليبية، على الرغم من رفض مثقفين آخرين بارزين
بينهم شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، والأنبا شنودة اعتبارها كذلك.
* الخطة والانتشار:
وعلى ما يبدو أنه نوع من أنواع الصراع الكنسي على العراق، والتنافس
على الكعكة كما يقولون، أصدر مركز (unit Mission Global) التنصيري
العالمي تقريراً أول أبريل الماضي بعد نشر تصريحات (فرانكلين جراهام) حول
بعثته التنصيرية إلى العراق، جاء فيه: (إن فريقاً تابعاً له يقيم في العراق منذ عدة
سنوات، يضم خمسة قسس وعائلاتهم وبعض معاونيهم، وهم: بوب، بلن، بل
كوبس، روث تيسدال، تيريزا شلينجر، تيري بوس. وقد نجح هذا الفريق على
مدى سنوات أن يفتتح له عدة مراكز لنشر الدعوة النصرانية، وأنشأ ثلاث مكتبات
ضخمة واحدة في مدينة دهوك، وأخرى في مدينة أربيل، والثالثة في كردستان،
لتوزيع الكتب المجانية، والنشرات، وكتاب الإنجيل، وشرائط الكاسيت، والفيديو.
وقد حققوا قبولاً واسعاً هناك) .
وأفاد التقرير الذي بثه أيضاً الباحث نواف العباسي، في رسالة إلكترونية أن
عمل هذا المركز يأخذ صبغة شبه رسمية، وينشط في مجالات الخدمات الاجتماعية
والإنسانية، وفق اتفاقية مع عدة منظمات أخرى:
- منظمات تابعة لهيئة الأمم المتحدة.
- منظمات تابعة لبعض الحكومات الغربية.
- منظمات تنصيرية من مختلف الطرائف الكبرى.
وتخضع كلها إلى هيئة تنسيقية عليا، باسم (مكتب تنسيق إغاثة العراق)
(IRCO) .
وعن الأنشطة التي حققها مركز (Global) قال التقرير:
١ - توزيع مئات من كتاب الإنجيل باللغة الكردية التي يتحدث بها أبناء
(أربيل، ودهوك) وبطبعات أنيقة للغاية.
٢ - طبع وتوزيع كتاب باللغتين الكردية والإنجليزية بعنوان (الأكراد في
الكتب المقدسة) .
٣ - التنسيق مع منظمة الكنائس العالمية في استقبال الأكراد الذين يرغبون
في السفر إلى أوروبا، بعد تحولهم إلى النصرانية، وتهيئة الظروف الملائمة
للاستفادة من إمكاناتهم العلمية والمهنية.
٤ - تنظيم سلسلة دائمة من المحاضرات التنصيرية للمهتمين والمتميزين من
شباب الأكراد.
٥ - إقامة مركز كبير للدراسات الحرة لتعليم اللغة الإنجليزية والكمبيوتر
والتمثيل والغناء والموسيقى والرقص.
٦ - تشجيع استعمال الحروف الإنجليزية في كتابة اللغة الكردية؛ بدلاً من
الحروف العربية.
٧ - دعم المنظمات والجمعيات الخيرية والنسائية، بمعونات شهرية، لتغطية
نفقات أنشطتها.
* الأمم المتحدة تشرف على تنصير العراقيين بأموال العراق:
وفى تقرير (Globle) أضافت المعلومات أن الكنائس العاملة في العراق،
خاصة مناطق الشمال، كان لها النصيب الأوفر من مساعدات هيئة الأمم المتحدة،
والتي أسند للكنائس العالمية الكبرى أمر توزيعها والإشراف عليها وتحديد
المستفيدين منها.
وأشار التقرير إلى عدة منظمات كنسية أخرى، أضاف إليها الباحث نواف
العباسي كثيراً من التفاصيل الدقيقة والمهمة للغاية، من هذه المنظمات:
١ - جمعية الكتاب المقدس: ولها مكتب في مدينة أربيل (ص. ب ٩٤٠) ،
وتطبع كل نشراتها بمطبعة الثقافة التابعة لوزارة الثقافة العراقية في أربيل.
٢ - منظمة تطوير خدمات الشرق الأوسط التنصيرية البريطانية: ومركزها
الرئيس في القاهرة، ولها ثلاثة مكاتب رئيسة بالعراق؛ في أربيل ودهوك
والسليمانية، وتقوم على أنشطتها مجموعة كاملة موفدة من المكتب الرئيس للمنظمة
في مصر، تحت رئاسة (د. إلكسندر رسل) البريطاني الأصل، والذي يعمل
أستاذاً لتدريس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة صلاح الدين في أربيل،
ويساعده كل من (د. كريستين) زوجة إلكسندر وزميلته بنفس الكلية، وتدير
مركز المصباح (Lamp) لمحو الأمية، وخالد (اسم مستعار) النمساوي
الأصل، وطارق (اسم مستعار) الإنجليزي الأصل، ومسعد المصري الأصل،
وناجي المصري الأصل، والذي كان يعمل سابقاً في مكتب وزارة الخارجية
المصرية بمدينة الرياض السعودية. وجميعهم يتحدث الإنجليزية والعربية بطلاقة،
إضافة إلى اللغة الكردية.
٣ - منظمة (ينبوع الحياة) الأمريكية: ومركزها في مدينة (شقلاوة)
القريبة من أربيل؛ بدعم مباشر من مكتب مساعدة الكوارث الخارجية
(A.D.F.O) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، تحت ستار حفر الآبار وتوفير
مياه الشرب النقية.
٤ - منظمة القوافل الطبية الدولية (International Medical Teams) : ومركزها الرئيس مدينة (بورتلاند) الأمريكية، جاءت إلى العراق
برفقة الجيش الأمريكي في حرب الخليج الثانية، وتعمل بدعم مباشر من مكتب
(A.D.F.O) وتحت إشراف مكتب التنسيق العسكري الأمريكي (c.c.M) ،
ولها أربعة مكاتب في (السليمانية، أربيل، وزاخو، ودهوك) ، يديرها فريق
منظمة (Global) ، وجميع مقار هذه المكاتب كان منحة إجبارية من الحكومة
العراقية استجابة لشروط دعم الأمم المتحدة من خلال مشروعها (النفط مقابل
الحياة) .
٥ - الكنيسة الكلدانية الأمريكية: وهي واحدة من أعرق الكنائس في
العراق، والتي تنتسب إلى الكنيسة في قرونها الأولى، وتنتسب إليها جميع
الكنائس الكلدانية في العالم.
وتلقى هذه الكنيسة رعاية خاصة من النظام العراقي، خاصة في عهد صدام
حسين، والتي أفصح عن جزء منها الخوري العراقي (يعقوب يسَّو) الذي يشرف
على كنيسة القلب المقدس الكلدانية التي أسسها في مدينة ديترويت الأمريكية عام
١٩٧٠م، حيث يقطن أكثر من (١٠٠) ألف كلداني عراقي، بحسب تصريح
الخوري يعقوب إلى صحيفة الشرق الأوسط، والذي أدلى به هاتفياً قبل احتلال
القوات الأمريكية للعاصمة بغداد بأيام قليلة.
قال الخوري إنه تلقى مساعدات ضخمة من الرئيس العراقي صدام حسين،
يذكر منها (٢٥٠) ألف دولار لكنيسته، ثم مثلها إلى كل واحدة من خمس كنائس
كلدانية أخرى، كما تبرع بنفس هذه القيمة في مناسبة أخرى إلى إدارة الشؤون
الثقافية التابعة لبلدية مدينة ديترويت الأمريكية؛ مما حدا برئيس البلدية أن يمنح
الرئيس العراقي المفتاح الذهبي للمدينة.
وأضاف الخوري يعقوب؛ أن دفعات أخرى تلقتها الكنيسة الكلدانية من
الرئيس صدام حسين، كان آخرها (٢٠٠) ألف دولار لكنيسته، وضعفه موزعاً
على كنيستين في شيكاغو، ثم مليون دولار في دفعة خاصة لبناء مدرسة خاصة
لأطفال العراق في ديترويت.
٦ - منظمة (المصادر) بريطانية الجنسية: وتعمل في مجال تدريس
الكمبيوتر واللغة الإنجليزية، ولها عدة مكاتب فرعية، ومكتب رئيس في مدينة
شقلاوة وضواحيها.
وفي ضوء هذه الجهود المستمرة للكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في
العراق؛ فإن الكنيسة الأرثوذكسية قد استطاعت أن تؤدي دوراً كبيراً في تمهيد سبل
النشاط والحركة، وجمع المعلومات الجغرافية والبيئية حول مناطق الشمال خاصة،
وتقديمها إلى الكنائس التي أطلق عليها التقرير وصف (المغتربة) .
٧ - منظمة كاريتاس: وعلى محور مستقل، أعلنت نشرة (النيابة الرسولية
الكاثوليكية) التي تصدر بالقاهرة، في عددها رقم ٤٦، الصادر في نهاية مارس
الماضي؛ أن منظمة (كاريتاس) الكاثوليكية العالمية، بالتعاون مع مكاتبها داخل
العراق والتي لم تحدد مواقعها وبتنسيق مع فروعها في تركيا وسوريا ولبنان
والقدس، قد أعدت كمية ضخمة من المساعدات الإنسانية تسد احتياجات ما يقرب
من نصف مليون عراقي.
وقال مصدر مسؤول بالنشرة البابوية إن (كاريتاس) تلقت للغرض نفسه
(٦٠٠) ألف يورو من فرعها في ألمانيا للخدمات الروحية (التنصيرية) .
وفي تصريح خاص لمسؤول مكتب كريتاس للتنصير الذي يقع أول شارع
عبد الحميد حسن بوسط القاهرة رفض ذكر اسمه: أن كريتاس تعمل في العراق منذ
أكثر من عشرين عاماً، لكنها ضاعفت من نشاطها بعد حرب الخليج الثانية، خاصة
في منطقة شمال العراق التي تعدُّ أرضاً خصبة لأنشطة المنظمات الكنسية بمختلف
طوائفها.
وقد اتفقت هذه الكنائس مجتمعة على دعم انتشار اللغة الكردية القومية كبديل
للغة العربية، وصناعة مجموعات سياسية وفكرية وثقافية تتبنى دعوة الاستقلال
التام عن الأمة العربية، وإنشاء وطن مستقل للأكراد في شمال العراق، ويضم
أكراد العراق وسوريا وتركيا وإيران وروسيا.
وبرغم معرفة هذه الكنائس أن هذا (الوطن الحلم) غير قابل للإنشاء؛ بسبب
الاختلافات العرقية والثقافية والعنصرية والدينية التي استطاعوا أن يجعلوها عقائد
لأبناء العراق في المناطق الخمسة، وأنها لا تزيد عن كونها مناطق (بؤر) لإثارة
القلاقل وعدم الاستقرار عندما يحتاج الأمر إلى ذلك.
٨ - الكنيسة الآشورية: أما آخر طابور العقائد، فكانت لكنيسة تدعى
(الآشورية) ، بدأت نشاطها مؤخراً بعد موات دام أكثر من (٩٠) عاماً، ويقول
أصحابها إنهم أصل النصرانية في العراق، والذين استقبلوا دعوتها منذ القرن الأول
الميلادي، وكانوا يعرفون باسم (النصارى السريان) ، نسبة إلى الكلمة اليونانية
(Assyrion) المحرفة لكلمة (آشورى) .
وتتفق كل الدراسات لتاريخ النصرانية في العراق على أن هذه الكنيسة لاقت
بطشاً مستمراً من الكنائس الغربية طوال تاريخها، وأنه بسبب خيانات بعض
النصارى العراقيين لدولة الخلافة الإسلامية وموالاتهم للجيوش الغربية؛ كان يعطى
المسوِّغ دائماً لدولة الخلافة أن تمنح حق الرعاية على غير المسلمين للحكومات
الغربية المشابهة لهم دينياً؛ مما ساعد على استبداد الكنائس الغربية كثيراً بالكنائس
الوطنية والضعيفة.
وتقول الباحثة النصرانية (نينب أمرايا) في دراسة لها غير منشورة: «إن
الدولة العثمانية بهذا القرار؛ مهدت السبيل أمام الإرساليات التنصرية الغربية
ليجعلوا من نصارى العراق السريان غنيمة تنهب منها كل كنيسة غربية على قدر ما
تستطيع عن طريق شراء الذمم، مستغلة الحصانات الدبلوماسية، وممارسة
الاضطهادات، والحصار الاقتصادي لنصارى العراق الأصليين، لإجبارهم على
الاحتماء بهذه الإرساليات حفاظاً لحياتهم؛ لقاء اتباع مذهب الكنيسة التي ستتولى
الحماية، فكان الثمن المدفوع خلال القرن التاسع عشر وحده، دماء أكثر من ثلاثة
ملايين سرياني في مجازر صليبية غربية عنيفة، تحت عين وبصر دولة الخلافة،
كان أشدها عنفاً ما حدث عام ١٩١٤ - ١٩١٥م؛ مما أجبر عشرات الألوف على
الهجرة إلى روسيا وسوريا والأردن وتركيا وأمريكا وأوروبا وأستراليا» .
وتقول الباحثة نينب أمرايا: وهكذا استطاعت تلك الإرساليات الصليبية
الغربية أن تمزق أبناء شعبنا إلى مذاهب دينية جديدة هي:
١ - سريان كاثوليك.
٢ - سريان أرثوذكس.
٣ - سريان إنجيليين.
أما الذين حاولوا الحفاظ على هويتهم العراقية باسم (الكنيسة السريانية
الشرقية القديمة) ؛ فقد استطاعت الفتنة شقهم إلى ثلاث طوائف:
١ - الكلدان الكاثوليك.
٢ - الكلدان الإنجيليين.
٣ - أتباع الكنيسة الكلدانية الشرقية القديمة الذين ظلوا على عقيدتهم الأولى.
وتضيف دراسة (نينب أمرايا) التي بثتها الكنيسة الآشورية على شبكة
الإنترنت مع أول يوم للاحتلال الأمريكي؛ قائلة: «مع كل هذه الأجواء المشحونة
والملتهبة؛ تأتي مجموعة كبيرة من رواد النهضة القومية، متخذين من الصحافة
والعلم والسلام نهجاً ثابتاً لنشر رسالة أمتهم القومية، مؤكدين (وحدة الشعب
الآشوري) بكل مذاهبه الكنسية الطائفية، وحق أمتهم في الوجود، وممارسة حقوقه
المشروعة في أرض آبائه وأجداده» .
وتجاوز البيان الآشوري في أحلامه؛ مشيراً إلى تاريخ الكفاح من أجل عودة
العراق كله إلى الكنيسة الآشورية القديمة، جاء فيه: (لقد وقف ممثلو الشعب
الآشوري عام ١٩١٩م في مؤتمر الصلح في باريس مدافعين عن حق الوجود القومي
الآشوري، ومن ثم معاهدة «سيفر» التي أبرمت في فرنسا عام ١٩٢٠م،
ومعاهدة «لوزان» بسويسرا عام ١٩٢٤م، والتي نصت صراحة على الحق
القومي للشعب الآشوري في أرض وطنه بالتعاون مع الحكومات الوطنية، ثم تلتها
اللجنة الهنجارية البلجيكية عام ١٩٢٥م التي اقترحت ضم الموصل في الجنوب إلى
العراق، وضم (هكاري) في الشمال إلى تركيا، مع المحافظة على الحقوق
التاريخية القديمة التي كان يملكها الآشوريون، وحق المهاجرين منهم في العودة إلى
ديارهم في (هكاري) ، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل تفاقمت الأمور إلى حد
ارتكاب واحدة من أبشع المذابح في العام ١٩٣٣ في منطقة (سميل) ، التي أودت
بحياة أربعة آلاف آشوري من مختلف الأعمار التي حيكت مؤامرتها من قبل
الكنيسة الإنجليزية وحكومتها، بالتعاون مع الحكومة الملكية العراقية الموالية لها
حينذاك) .
ولأننا لا نملك حق المشاركة في القرار، وقد سفكت صواريخ وقنابل أمريكا
دماء آلاف ممن كان لهم حق المشاركة في الرأي، وأحكمت بعتادها العسكري
السيطرة على مقدرات البقية الباقية، كما أن سجون الحكومات العربية أصبحت
مسكناً لمن حاولوا أو يحاولون ممارسة حق الفكر أو الفهم بشأن العراق والمسلمين؛
فإن السكوت أصبح هو خير ملاذات العصر، ويكفينا سعادة وحبوراً أننا لم نحرم
من المشاركة في المشاهدة، وتطبيع المشاعر مع صورة الدماء الفضائية النازفة من
أجساد المسلمين في كل أرض، في انتظار نتائج هجمة التنصير الجديدة على
العراق المسلم.