عبَطَ يعبِط عَبطاً واعتباطاً.. فهو تطبيع
أحمد فهمي
«الاعتباط» و «التطبيع» كلمتان تتشابهان في اللفظ، ويبدو أنهما تتحدان في المعنى على الأقل من الناحية السياسية، وعبط بمعنى اعتبط، والعبط في لسان العرب هو: «ذبح البقرة السمينة من غير داء ولا علة سوى الكسر» (١) .
نقول ذلك لأنه لا يبدو فرق كبير بين الكلمتين؛ فالذين يتحدثون عن تطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني إنما «يعتبطون» الأمة العربية، ويمهدون لنحرها من الوريد إلى الوريد، والمؤسف أن الإغراءات التي يتضمنها التطبيع مع اليهود لا تكاد تُرى بالعين المجردة، وإنما فقط يمكن رصدها بعقول مجردة عن مصالح أمتها؛ فكل الشواهد والمعطيات تتحدث عن عدو لا يكف قادته السياسيون والدينيون عن بغض العرب.
وفي الكتب المدرسية الإسرائيلية يتم وصف العرب بصفات وضيعة، مثل: «بيت الزواحف العربية» و «العرب اللصوص والمختلسون» و «الأنذال المتعطشون للدماء اليهودية» و «العرب البدو المتخلفون» و «العرب عابرو السبيل، وقطاع الطرق» ، ومؤخراً تقرر تدريس سيرة الوزير السابق (رحبعام زئيفي) وهو كاره للعرب، وكان ينادي بترحيل كافة الفلسطينيين، بينما لا تجرؤ دولة عربية على تدريس سيرة (أحمد ياسين) ضمن مناهجها، بل يتبجح اليهود، ويطالبون بتنقية خطب الجمعة من الآيات القرآنية التي تفضحهم.
وفي جنوب النقب على مشارف سيناء يتم دفن ٣٢ طناً من النفايات النووية سنوياً دون أن يسأل أحد عن قصد تلويث المياه الجوفية أو التسريب الإشعاعي؛ فالجميع مشغولون بتأمين الصهاينة من تسرب المقاومة عبر الأنفاق.
ويبالغ اليهود كثيراً في كشف عداوتهم دون اعتبارات دبلوماسية؛ فقد أُعلن عن تكريم رئيس دولتهم (موشي كاتساف) للخلية الإرهابية التي نفذت عدة تفجيرات في القاهرة عام ١٩٥٤م، ورغم عدم اعتراف الكيان بعلاقته بهم طيلة العقود الماضية؛ فقد اختار هذا التوقيت بالذات لتقديرهم، وإعلان مسؤوليته.
وعربياً كان موقف الرئيس التونسي لافتاً؛ إذ سارع بدعوة شارون لحضور مؤتمر لن يُعقد إلا نهاية العام، يعني هو يبحث عن جملة مفيدة يضع فيها شارون لإثبات حالة أمام واشنطن.
ومن الشواهد اللافتة إعلان الاستخبارات الإسرائيلية عن توقعها عام ٢٠٠٥م أنه سيكون عام التفاؤل بالنسبة للكيان، وهو خبر خطير في مدلوله؛ إذ يتضمن رهاناً على مواقف العرب المستقبلية، لكن كيف لا يتفاءلون، وهم يرون تهافتاً عربياً عجيباً، ونقلت بعض التقارير أن ٤٠ وفداً إسرائيلياً زار البلدان العربية سراً ما عدا السعودية ولبنان وسوريا.
وهناك شاهد آخر لا يقل خطورة، وهو تحذير حكومة شارون لأبي مازن من تنفيذ ١٥حكم إعدام بحق جواسيس فلسطينيين؛ فهذا يعني أولاً: اعترافاً بعمالتهم للاحتلال، وثانياً: ترسيخاً لقاعدة جديدة بأن جواسيس تل أبيب في العالم العربي خطوط حمراء، والحجة الإسرائيلية كانت مثالاً في التبجح السياسي «كيف تُعدِمون أناساً ساعدونا في حربنا ضد الإرهاب؟» .
لا شك بعد ذلك في أن دعاة التطبيع أو الاعتباط إنما هم دعاة لذبح الأمة، ويقول ابن منظور في كتابه المرجع: «يُقال: ناقة عبيطة ولحمها عبيط» ؛ فهل ترضى الأمة العربية أن تكون أمة «عبيطة» لأمة «ملعونة» في القرآن؟!
(١) لسان العرب لابن منظور، ٩/٢٠.