للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان الأدبي

[فاصلة أدبية]

التحرير

لم يكن بدّ من البيان.. بعد أن عبّر مدادكم معشر القراء عن استقبالين متقابلين؛ ... فمنكم من أثنى على ارتفاع المستوى الفني للنصوص المنشورة في المجلة،

وأبهجه ثمار البيان الأدبي الذي يختبئ شهراً إلا كمرور الكرام كي يجمع لؤلؤة من

عطاياكم، ثم ينظمها في عقد ملفاته التي تبزغ عليكم شمسُها كلّ شهرين.. ومنكم

من يعتب على نشر شعر التفعيلة وتوظيف عدد من الشعراء للرمز في النص

الشعري، ويرى أن في ذلك انحرافاً عن مسار البيان في البيان! .. ونحن نقدركم

جميعاً، ونحتفي بكم لا باعتباركم مرآةً تعكس، ولكن بتمثلكم عقلاً مؤمناً يقبل

ويرفض ويوازن وينقد، وذوقاً رفيعاً يتقرّى الجمالَ وهو أدرى به، وأرضاً معطاءة

تحتضن بذرتَنا التي لوحتها الشمس والريح حتى اختزنتْ خصبها! فتفضّ مغاليقها، وتحيلها شجرةً باسقة الجذع ريانة الثمر.. ونقول لكم مصارحين:

إننا لا نضيق بالأشكال الأدبية المعبرة عن نبض العصر مادامت ملتزمةً

بالفصحى، قادرةً على منح المعنى والرؤية ولو بعد مرات من القراءة خصوصاً

حين تكشف كل قراءة منها عن عمق جديد محتشد باللآلئ..

فقط نرفض العبثية والشكلية المحضة، ونرفض الرؤى والرؤيا المعوّقة

والمعوّقة.. نقبل التجديد الذي لا يعترضه نص شرعي صريح، أو رأي فقهي

صحيح، وإننا لنطمح أن نجد نبض الأدب في جيل الصحوة سهاماً مجلية، تكون

امتداداً لنبل حسان (رضي الله عنه) وتمتلك مع ذلك أدواتِ عصرها الفنية دون أن

تستأنسها فتنُهُ، وتروضّها آلهتُهُ المزيفة.

إننا نؤمن أن جيل الصحوة وهو يغسل درن الجاهليات عن الأرض يقدم البناء

الحضاري الشامل.. إنه لا يهدم أبنية الزيف وبيوت العنكبوت فحسب، ولكنه

ينشيء خلايا النحل، ويعطي للناس عسلاً حلالاً، وشفاءً من سقام الجاهليات.. كما

أنه لا يقتلع شجر الغرقد، ثم يسترخي على الرمال الخاوية! ! بل يملؤها حَبّاً

وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غلباً، وفاكهة وأبّا، ويجعل من كل ذلك مصاعد للطاعة،

وسبلاً مذللة لعبادة الله.

هذا هو الميناء الذي نطمح أن تنزل فيه مراكبنا الأدبية، ولكننا ما زلنا نتراآه

كالنجم الغائر؛ ولذا: فنحن نقبل أحياناً ما يقل فنياً عن مستوى طموحنا دون أن

نُسفّ هابطين! ونحن نأمل أن نسلك درباً صعداً، يزداد مع الزمن تألقاً وعمقاً.

وأقلامكم أولاً وآخراً مصبّ السقيا لأحواض البيان الأدبي فهل تفيض جوانحكم

بالينابيع؟ !

ذاك أملنا الذي منحتمونا منه أول الغيث، فلا كان غيثكم وسميّاً إلا في نفعه..