للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأقلامهن

الكتيبات الإسلامية إلى أين؟ !

فاطمة بنت عبد الله البطاح

في الفترة الزمنية الماضية برزت ظاهرة الكتيبات والرسائل الإسلامية

الصغيرة.. وقد حظيت بشيء من قبول المتلقي وثقته؛ وذلك لتمتعها بمزايا كثيرة:

كصغر حجمها، وزهد ثمنها، وسهولة قراءتها! إلا أن تأليف هذه الكتيبات يبقى

جهداً بشرياً تعتريه عوارض مختلفة من الخطأ والزلل، والإفراط أو التفريط، أو

غفلة بعض مؤلفيها عن جملة من الحقائق العلمية والمنهجية والواقعية! ! .

* ولا عصمة لأحد من البشر بعد النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان

منطوقه وحياً يوحى.

* وهذه الحقيقة.. تُشعرنا جميعاً بمدى حاجتنا لنقلة جديدة، نتجاوز فيها

مرحلة الحساسية من الجرأة على نقد الذات، أو محاولة النظر في بعض جهودنا

الدعوية وتقويمها! لنقف وقفة نقدية جادة وبناءة تهدف إلى الكشف عن الآفات

والسلبيات؛ حتى لا تتراكم وتتضخم؛ فتعترض مسار الصحوة الإسلامية أو تشينها!.

* ووفق هذا الإطار سوف أعرض أمام القارئ بعضاً من الملحوظات على

الكتيبات الإسلامية:

١- حجم إمكانات المؤلف الذاتية التي قد تكون ضحلة أو ضئيلة:

ولا ندري حقيقة: لماذا يسود في مجتمعاتنا تصور مفاده أن التأليف أمر لا بد

منه لمن أراد دعوةً أو إصلاحاً؟ ونحسب أن هيمنة هذا التصور القاصر تكاد تكون

هي محور الدوافع التي حملت الكثيرين على اقتحام مجال التأليف وهم غير مؤهلين

له؛ إذ لا يملكون آلياته وأدواته؛ ويفتقرون افتقاراً بيناً إلى كثير من أساسيات

العمل فيه.

هذا بلا شك كان سبباً مباشراً وطبيعياً لظهور ورواج كتيبات ليس فيها إلا

أغلفتها الجميلة وعناوينها البراقة! بينما لو ظللت تبحث عن فكرة مؤصلة يضيفها

المؤلف إليك، أو مشكلة يحدد لك معالمها وآثارها ويضع حلولاً مناسبة لها؛ لارتد

البصر خاسئاً وهو حسير.

فجملة من صفحات الكتيب تُركت لكتابة الفهرس، وجملة أخرى للمقدمة، وما

تبقى مادة إنشائية صرفة، لا ترقى في مضمونها وأهدافها وأساليب تقديمها

وعرضها إلى المستوى المأمول والمنشود.

فمتى يعي الناس أن العمل لدين الله وإن كان مسؤولية الجميع يجب أن يؤطر

بضوابط القدرات والإمكانات؟ وقيمة المرء ما يحسن.

متى يستشعر دعاة الإسلام وأهل الرأي والفكر ثقل المسؤولية المناطة بهم في

هذا المجال؟ إذ إننا ننتظر منهم تأدية مهمة (توعوية) تهدف إلى تأصيل مبدأ

التخصص وترسيخه في حس أبناء الأمة.

٢- اعتماد الكتيبات الإسلامية على استثارة العاطفة: أو ما يسمى بالأسلوب

التهييجي!

وغلبة الكلام المباشر الذي يفتقر إلى أسلوب الحوار والإقناع؛ ممّا يجعل تأثير

الكتيب مع افتراضية حدوثه تأثيراً وقتياً يُذْكي عاطفة القارئ، ولا يرتقي بعقليته،

أو يسعى لتوجيه سلوكه وترشيد مسيرته. وكثيراً ما تُذَيّل هذه الكتيبات بفتاوى

شرعية يشعر معها مؤلف الكتيب أن مهمته مع قارئه قد انتهت!

والحقيقة خلاف ذلك ولا شك فالمهمة لم تنته؛ بيد أنها أبتدأت تواً؛ إذ

يفترض في الكتيب استثارة عقل القارئ وعاطفته معاً! ودفعه للتأمل والتفكير

المستقل، ومن ثم التدرج به ومعه للوصول إلى النتيجة التي ينشدها المؤلف..

دونما حاجة لتلقينها القارئ تلقيناً ميتاً لا يثمر، اللهم إلا في إنماء روح التقليد لدى

القارئ، وتقييده بأسر الرق الفكري والتبعية العمياء!

ولا يخفى أن الرسول عليه الصلاة السلام مثلاً، كان بمقدوره استثارة مشاعر

الشاب الذي تجرأ طالباً إباحة الفاحشة، أو إعادة ذكر الحكم الشرعي فقط؛ لكنه

فضل هدوء الحوار وفاعليته.. متدرجاً بالشاب إلى أن اكتشف الحق ورضي به

بمساعدة من محاور منصف ناجح عليه الصلاة السلام.

وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتح نافذةً للحوار مع شاب لم يعرف

إلا عادات أهله ومألوفهم؛ فما بالك ونحن نتعامل مع عقول تلوثت بالثقافات

الزائرة، والمفاهيم المستوردة، في ظل الانفتاح الإعلامي/ الثقافي؛ الذي يفترض

أن نعي حتمية وجوده! !

وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام سلك هذا المسلك الحضاري النيّر مع

حالة فردية قد لا يترتب على إهمالها ضرر اجتماعي كبير؛ فما بالك بكتيبات توجه

لفئام كثيرة ومتنوعة تعاني بعض عناصرها من فجوة اتصال مع مبادئ الإسلام

وثقافته؛ مما يعزز مشروعية وأهمية فتح قنوات حوار معهم؛ وفق معالجة واقعية

ورصينة تُعنى بعواطفهم وعقولهم معاً، وتتواءم مع متطلبات ومستجدات المرحلة

التي يعيشونها ويمرون بها! !

٣- اسم المقدم:

تقرأ أحياناً اسم رجل من رجالات الأمة، أو من طلبة العلم وأهل الدعوة على

غلاف كتيب ما؛ ممّا يدفعك نفسياً لاقتنائه متفائلاً بالعثور على مادة جيدة؛ بيد أن

تفاؤلك يتبعثر أمام صخرة واقع الكتيب؛ الذي ليس فيه إلا جمال تصميمه، ولمعان

اسم مقدمه، وأحسب أن هذا استخفاف بالقارئ، واستغفال له، كما أنه نوع من

التدليس عليه؛ إذ يفترض في المقدم ترك مجاملة الآخرين الذين يلجأون إليه لتقديم

مادتهم وتقريظها؛ وألاّ يحسب مجاراتهم نوعاً من ضروب التشجيع وإعطاء الثقة

للمبتدئين في خوض غمار تجربة التأليف؛ فالأصل توجيه المبتدئين والمتحمسين؛

لتفريغ طاقاتهم وحماسهم في مجالات تتناسب وحجم إمكاناتهم المهنية والفكرية؛

فالحماس وحده لا ينهض بالأمة من نكبتها، وربما كان تشجيعهم ودفعهم لتأدية عمل

لا يحسنونه حماقة دعوية يرتكبها بعضهم، وتدفع الصحوة الإسلامية ثمنها باهظاً! !

* لذلك نتمنى أن ترتقي نظرة المؤلف والمقدم ودار النشر أيضاً عن مضمون

المثل الشعبي الدارج: (إن لم ينفع فإنه لا يضر) ؛ إذ إن انتشار الكتيبات ذات

المستوى المتدني والمتواضع يؤدي إلى آثار سلبية كثيرة، لعل أبرزها وضوحاً

سحب ثقة المتلقي من الكتيبات الإسلامية كلها؛ وهي حقيقة لم تعد تخفى على أحد.

وتبقى جملة من آثار أخرى، هي من العمق والامتداد والتنوع مما يؤخر

اكتشافها، أو يجعله مستعصياً إلا على متأمل فطن!

٤- التركيز المفرط على بعض المواضيع وإغفال أخرى:

ثمة مواضيع معينة تحفل بحضور ضخم في الكتيبات الإسلامية؛ إذ تستحوذ

على نصيب الأسد من مضامينها، ولعل أبرز هذه المواضيع جانب الهدي الظاهر

في الملبس والهيئة والمطعم والمشرب وما إلى ذلك.

والحجم الذي استغرقه الجانب المظهري في الكتيبات الإسلامية قد يكون

واضح الدلالة إذا عرفنا أن منشأه انحراف الناس الظاهر في هذه الأمور، مما يجعل

الكتيبات تظهر للنور باعتبارها ردود أفعالٍ تجاه تقصير الآخرين ومخالفاتهم!

وهذه ولا شك مغالطة منهجية، تعزز الرأي الذاهب إلى أن قيمة التوازن في

(اختيار المواضيع ومعالجتها) غائبة عن أذهان كثير من مؤلفي الكتيبات الإسلامية

الذين يفترض فيهم أن يتحاشوا مسلسل إهدار الجهد والوقت في التركيز المفرط على

مواضيع قد أُشبعت قولاً وبحثاً!

* كما يفترض ألا يكون انصرافهم لمعالجة مواضيع يرون أهميتها عذراً يبيح

لهم إغفال مواضيع أخرى تستحق أن تفرد بالبحث وأن توجه إليها الأنظار.

* لماذا مثلاً يقل التأليف في مواضيع تلامس احتياجات الناس وهمومهم

كالتربية الذاتية، وتربية الطفل، والارتقاء بالذات وسبل تطويرها، وأدب الحوار، وفن التعامل مع الآخرين، وأمراض القلوب: كحب الصدارة، واستعجال الشهرة، وتسوّد المجتمع، والترصد لأخطاء الآخرين وتضخيمها؟

* وثمة أمر لا يسعنا تجاهله أو تجاوزه؛ وهو طغيان الجانب القصصي في

الكتيبات الإسلامية. فقد ازدادت مساحة التأليف فيما يسمى بقصص التائبين وذوي

العقوق، والمذنبين بصورة تدعو للدهشة.

* لسنا ضد إيراد تلك القصص، فهو مع وجود الحاجة مسلك شرعي ليس

ثمة تحفظات عليه؛ لكننا لا نريد أن تتسابق الكتيبات في إيراد القصص نزولاً من

مؤلفيها عند رغبات القارئ والسوق معاً! !

فسرد عشرات القصص.. لن يأتي بجديد مثمر إذا لم ينجح المؤلف في

استثارة عقل القارئ للاستنتاج، ومن ثمّ بلورة دلالات وقيم يستخرجها من تفاصيل

القصة وأحداثها!

* ومن المهم أن يحذر المؤلفون ذكر القصص الشاذة التي تكون نسبة حدوثها

في مجتمعنا ضئيلة؛ حتى لا يساهموا من حيث لا يشعرون بتطبيعها؛ وحتى لا

يصاب القارئ بشعور انكساري وبقدر كبير من الإحباط يجعله يعيش تحت وهم

عبارة هلك الناس فإن (من قال هلك الناس فهو أهلكهم) كما قال رسول الله.

٥- عدم مراعاة الكتيبات للمرحلة الزمنية التي تمر بها الأمة:

إذ ينقص كثيراً من مؤلفي هذه الكتيبات فهم طبيعة اللحظة التاريخية الراهنة

التي تعيش الأمة في أجوائها، وتخضع لمتطلباتها وشروطها؛ مما يجعلهم غير

ملاحظين ولا مستوعبين لحجم التبدلات والتغيرات التي يمر بها واقع الناس من

حولهم؛ كأنهم قد غيّبوا أذهانهم في فترة زمنية ماضية عاشوا أجواءها، وتأثروا

بظروفها وملابساتها وحسب؛ فجاءت مضامين مؤلفاتهم بما تحمله من أفكار وآراء

في واد؛ وما استجد من احتياجات القراء وتصوراتهم في وادٍ آخر! !

* وما قضية المرأة عنا ببعيدة! فعلى الرغم من كثرة الكتيبات التي خصصت

للمرأة المسلمة وهمومها؛ إلا أن المتأمل لا يعثر على مادة تتناسب ومستوى الإدراك

الجديد لدى المرأة المعاصرة والذي تغيّر وارتقى بصوره تتطلب رقياً جديداً في

تعاملنا معها.. وفي خطابنا الدعوي لها (مسموعاً أو مقروءاً) !

* فالمرأة تتغير، وموازنات الواقع الذي تحيا فيه تتغير أيضاً.. بل حتى

مكر الأعداء في قضية المرأة تتغير صوره وأدواته.

* لذا لم يعد مقبولاً ولا مؤثراً أن تخاطب الكتيبات الإسلامية المرأة المسلمة

المعاصرة بلغة الخطاب ومضامينه نفسها التي كانت سائدة قبل عشر سنوات!

فبعض الكتيبات مثلاً ما تزال تنطلق في مضامينها من خلال إطار (ضرورة

لزوم المرأة بيتها وعدم الخروج منه) إلا لضرورة ملحّة دون مراعاة لواقع المرأة

المعاصر الذي تفصل بينه وبين أعراف الناس زمن الأمهات والجدات مسافة هائلة

من التباين والاختلاف!

* واختصاراً:

إذا أرادت الكتيبات الإسلامية أن يكون لها مساهمة راشدة في تغيير طبقات

المجتمع نحو الهدي والرشاد؛ فلا بد أولاً أن تتحرر من الماضي بفكره وطرحه

وبيانه وخطابه، وتمنح الواقع الذي تظهر فيه التفاتة مثمرة؛ ورصد متجدد لأحداثه

ومتغيراته، ومن ثم إعادة النظر والتقويم للطرح الدعوي كله خطاباً ومضموناً، مع

ضرورة الإيمان الجماعي بأهمية مبدأ التجديد في أطروحاتنا الإسلامية باعتباره

ضمانة أساسية لاستمرارية توهج هذه الأطروحات في مشاعر متلقيها، واستمرارية

ريادتها لفعل التأثير والتغيير الذي ننشد حدوثه في المجتمع الإسلامي.