إحياء اليسار العربي
ماذا وراءه؟ !
كالعادة تبدو الأوضاع في العالم العربي مقلوبة، فعلى الرغم من سقوط اليسار
وأطروحاته في العالم أجمع، نجد أن التيارات اليسارية في العالم العربي ما زالت
تصول وتجول، وتستولي على المنابر الثقافية والإعلامية، والمؤسسات العلمية
والتعليمية، بالإضافة إلى إنشاء الأحزاب وإصدار الصحف والتي تلجلج
بالأطروحات اليسارية المهترئة..
بل هذه التيارات ازدادت نشاطاً وحيوية بعد سقوط معاقل اليسار في الشرق
والغرب الذي هو بالنسبة لها سند أيديولوجي ومالي وتنظيمي؟ ! واستطاعت
الوصول والاستيلاء على الكثير من المناصب والمنابر الإعلامية والثقافية والعلمية،
والسبب في ذلك أن الحكومات العربية كانت تتخوف من هذه التيارات اليسارية
وتسعى إلى تقليم أظافرها خشية من استفحال أمرها، ولكن بعد سقوط اليسار
وزواله، زال الخوف من هذه التيارات والاتجاهات اليسارية لأنها في وضعها
الحالي أضعف من أن تكون مصدر خطر على هذه الحكومات، والسبب الثاني هو
أن الوضع يتطلب التكاتف والتعاون ضد عدو حقيقي آخر وهو (الأصولية) كما
سموها. ولا أدل على ذلك من أن الأحزاب اليسارية الشيوعية والاشتراكية تصول
وتجول في الساحة بينما يزج آلاف من العلماء والدعاة والشباب الصالحين في
غياهب السجون.
ومن أمثلة المحاولات المستميتة لإحياء اليسار وتلميع وجوه أصحابه، ما نراه
من تغلغل اليسار في المنابر الثقافية والإعلامية وإليك الأمثلة:
رئيس تحرير مجلة (فصول) حالياً د. جابر عصفور وهو يساري، رئيس
تحرير مجلة (القاهرة) غالي شكري وهو نصراني يساري، رئيس تحرير مجلة ...
(إبداع) أحمد عبد المعطي حجازي وهو حداثي يساري، حيث تم إقالة رؤساء ...
التحرير السابقين والإتيان بهؤلاء اليساريين. وهذا تسلط من قبل اليسار على مثل
هذه القنوات الإعلامية والثقافية مما دعا د. مصطفى هدراة إلى كتابة رسالة إلى
الرئيس المصري يشتكي من خلالها سيطرة (الثقافة الماركسية العلمانية وفلول
الشيوعيين على المناصب الإعلامية والثقافية في مصر) ؟ !
أما في الجانب السياسي فإننا نرى محاولات متعددة من أجل تلميع الناصرية
والتجربة الناصرية من خلال المقالات والندوات والكتب، وقد أجمع المراقبون على
أن إنشاء الحزب الناصري وإعطاءه ترخيصاً على ذلك إنما هو من أجل مواجهة
الأصولية المزعومة وبالذات على صعيد الفكر والأيديولوجيا. ويحاول هذا الحزب
ركوب الموجة (الإسلامية) رغم البون الشاسع بين الطريقين؟ ! لما سئل الأمين
العام المؤقت (ضياء الدين داود) عن خلاف الناصريين القديم مع التيارات الإسلامية قال: (لا أعتقد أن هناك حزباً يعارض تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن لكل اجتهاده. ولا مجال للحديث عن حزب علماني في المجتمع الإسلامي) [١] .
(١) الحياة ١٢/١١/١٤١٢هـ.