المسلمون والعالم
[انطباعات عائد من اليمن]
أيمن بن سعيد
تمهيد:
رصدت مجلة البيان أحداث اليمن الأخيرة أولاً بأول متوخية في ذلك العدل
والإنصاف داعية أبناءها إلى نبذ الخلاف وضرورة تعاونهم على البر والتقوى،
للخروج من دائرة تلك الفتنة التي مرت بهم وببلدهم وبعد أن وضعت الحرب
أوزارها، كانت البيان ترغب في رصد الواقع الفعلي بعد الحرب بنظرة موضوعية، كما عودنا قراءنا وطالبنا بعض المهتمين بمتابعة ذلك الحدث وبعد لأي وصلتنا
هذه المقالة من الكاتب الذي سبقت مشاركته بالكتابة للمجلة شاكرين له ولكل كتاب
المجلة تواصلهم معنا.
- البيان -
تأسرك اليمن بخضرتها، وجمال هوائها، واعتدال درجة حرارة أغلب
مناطقها، ووعورة وارتفاع جبالها وامتداد وجمال سواحلها، واختلاف مناخاتها،
وغزارة أمطارها، وتنوع محاصيلها، ومع أن ذلك موضوع يستحق الحديث عنه
من وجهة نظري إلا أني سأضرب الذكر عنه صفحاً، وأتوجه إلى تناول انطباعاتي
حول القضايا التي أظن أنها تهم قارئ (البيان) الغراء.
الوضع الاقتصادي:
تحسن الوضع الاقتصادي قليلاً عما كان عليه في الأيام الأخيرة للحرب وذلك
من ناحية تحسن قيمة صرف الريال مقابل الدولار، وانخفاض الأسعار، وتوافر
فرص العمل نسبياً، إلا أن الوضع ما يزال أكثر من سيء على كل حال فعلى سبيل
المثال:
بالنسبة للقيمة الشرائية للريال ما يزال سعر صرفه مقابل الدولار متدهوراً،
حيث تبلغ قيمة الدولار الآن ٩٥ ريالاً بينما كانت قد بلغت أثناء الحرب ١٥٠ ريالاً.
وبالنسبة للبطالة فما تزال متضخمة وبخاصة بعد شبه التوقف العمراني في
محافظتي عدن والمكلا، وإن وجدت حركة عمرانية خفيفة في سائر المحافظات،
مما قلل بالتالي فرص العمل.
أما بالنسبة للغلاء الفاحش ومعاناة الناس من ذلك فما تزال السلع الأساسية
مرتفعة الأسعار جداً بالنسبة لعامة الناس مع الانخفاض الذي حصل لها بعد الأيام
الأخيرة للحرب حيث تبلغ الأسعار لدى التجار لبعض السلع - بالريال اليمني -
كالتالي: القمح ٦٥٠، والسكر ٢٤٠٠، والأرز التايلندي ٢٢٠٠، الكيلو الجرام
من اللحم البقري: ٣٠٠ ريال، الدجاجة الواحدة ٢٢٠ ريال.
ولابد من الإشارة إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار يصاحبه ضعف في
مدخولات عامة الناس فباستثناء التجار وأصحاب الحرف الآلية يبلغ متوسط رواتب
موظفي الدولة من جند وغيرهم ٣٥٠٠ ريال: بينما غالبية الشعب إما مشتغلون
بالزراعة وهي لا تكفي لتوفير السلع الأساسية، وإما عاطلون عن العمل وهم الأكثر
وبخاصة في المدن والمحافظات الفقيرة نسبياً كالمهرة وحجة والحديدة.
ولقد جعل ضعف المدخول الكثير من أفراد المجتمع يلهث جاهداً في تحصيل
لقمة العيش وتوفير متطلبات الحياة، مما أعطى التفكيرالمادي وحسابات الربح
والخسارة دوراً كبيراً في التأثير على التعامل بين أفراد المجتمع.
الوضع الاجتماعي:
المجتمع اليمني مجتمع محافظ في الجملة تحكمه القبلية وبالأخص في
المحافظات الشمالية في أحيان كثيرة، ويبدو أن القبلية في الجنوب - بعد زوال
نفوذ الحزب الاشتراكي مهيأة للعب دور كبير وبالأخص في حضرموت وشبوة
وأبين ويافع، وما يوجد من ضعف في المحافظة في بعض المدن كعدن على وجه
الخصوص فمرده إلى كون هذه المدينة كانت عاصمة الاحتلال الانجليزي، ثم
عاصمة دولة الحزب الاشتراكي، ويوجد فيها الكثير من القوميات الوافدة كالهندية
والصومالية.. إلخ وبأعداد كبيرة.
ويليها في ذلك مدينة تعز، وسبب ذلك يعود إلى ضعف الكيان القبلي فيها
ومجاورتها لمحافظة عدن وكون جل أفراد وقيادات الحزب الاشتراكي في
المحافظات الشمالية منها.
ومع وجود التزام ومحافظة في المجتمع اليمني بشكل عام إلا أنه التزام
ومحافظة تقليدية - بخاصة في جانب المرأة - ومالم يبادر الدعاة والمصلحون وعلى
وجه السرعة إلى إعطائها بعداً عقدياً إسلامياً عن طريق نشر العلم الشرعي وإذكاء
روح المراقبة لله تعالى والخوف منه سبحانه واستغلال الفرص المتاحة نسبياً في
وسائل الإعلام المختلفة وتكثيف الدروس والمحاضرات الشرعية في المساجد
والمدارس للرجال والنساء على السواء، وتوزيع الكتاب والشريط الإسلامي بشكل
كبير فإنها معرضة للضعف بشكل سيكون ملحوظاً وبسرعة كبيرة وذلك عن طريق
الكثير من المؤثرات ومنها:
أ- التحول الكبير في المجتمع اليمني من ناحية التعليم وهذه إيجابية كبيرة
حيث يتوقع أن يتم القضاء على الأمية في اليمن والتي تبلغ نسبتها الآن أكثر من
٦٠% بشكل كبير جداً في أوساط الجيل القادم إلا أنه ما لم يصحب التعليم تربية
للجيل على المراقبة لله تعالى والخوف منه ورجاء ثوابه كما تبين فإن ذلك قد يعني
جعله عرضة لتلقي ثقافات مختلفة مخالفة للشرع عن طريق القراءة للصحف
والمجلات والكتب المختلفة والتي تحمل فكراً منحرفاً وتشجع على السلوكيات السيئة، وعن طريق الاحتكاك بالمدرسين والطلبة ذوي التوجهات المنحرفة.
ب- عن طريق وسائل الإعلام والاتصالات المختلفة - حيث انتشرت أجهزة
التلفاز والراديو بل والفيديو في جل المنازل تقريباً ومما عمت به البلوى أن صحون
استقبال البث المباشر أصبحت ظاهرة متفشية في كثير من المدن بالإضافة إلى أن
الصحف والمجلات التي تروج للسموم الفكرية والسلوكية تباع في كل المدن تقريباً
وبأسعار زهيدة نسبياً، بالإضافة إلى أنه من الميسور على المراهقين والشباب في
جل المدن اليمنية من الذكور الذهاب إلى دورالسينما أو المقاهي التي تعرض فيها
أفلام سيئة من خلال الفيديو.
ج- الدور الخطير الذي يقوم به أصدقاء وصديقات السوء المنتمون إلى
الأندية الفاسدة أو الأحزاب والمنظمات العلمانية وهي كثيرة في اليمن.
د- الوضع الاقتصادي المتردي الذي يدفع بعض الشباب ذكوراً وإناثاً إلى فعل
كل ما يمكن فعله في سبيل الحصول على المال بغض النظر عن كونه خيراً أو شراً.
ومع أن المجتمع اليمني يمتلك عاطفة دينية جيدة، وتنتشر في أوساطه صحوة
إسلامية مباركة إلا أن هذه الصحوة تنتشر انتشاراً أفقياً أكثر من انتشارها انتشاراً
رأسياً بمعنى أن جل أفرادها يحملون ولاءً عاماً للإسلام وطموحاً قوياً لتطبيقه
واستعداداً لدى الكثيرين للدفاع عنه إلا أن حصيلتهم الشرعية ضعيفة ولذا نجد الكثير
من المخالفات الشرعية في أوساط الكثير من أفراد وقيادات الصحوة من مثل ضعف
الالتزام الذاتي بأحكام الإسلام، وتقديم العقل أو المصلحة على النص، والولاء
للأفراد والجماعات على حساب الولاء للدين.. إلخ.
وكذلك يوجد من بين أفراد الصحوة من لديه علم شرعي لا بأس به لكن لديه
ضعفاً ظاهراً في فقه الواقع، ولذا لا يتمكن من إنزال أحكام الدين على الواقع
وتطبيقها تطبيقاً صحيحاً، كما أنه قد يوجد فريق يحمل فكراً نظرياً صحيحاً لكنه
أبعد ما يكون عن الالتزام والتقيد بأخلاقيات الدين وآدابه سواءً أثناء عرضه للدين
أو تحاوره مع الآخرين.
ولذا فإن الصحوة الإسلامية هناك مهددة من داخلها وخارجها، فمن داخلها هي
مهددة بالتنازع بين فصائلها، وبأخذ كل فصيل ببعض النصوص دون الأخرى،
وبسهولة اختراقها من بعض من يعاديها عن طريق رفعه لشعاراتها نتيجة حرصها
على الكم دون الكيف، كما أنها مهددة من الداخل بمثالية بعض الفصائل وعدم الفقه
لطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى عدم إدراك بعضهم للموقف
الشرعي الصحيح الذي يجب التعامل على ضوئه في هذه المرحلة الحرجة، وكذلك
وجود عقليات ضيقة - تعد الآخرين قصاراً وتريد فرض الوصاية عليهم ومصادرة
آرائهم، ولا تقبل الخلاف في مسائل الاجتهاد وترى أن من لم يكن عصرياً في
جميع آرائها فهو ضدها.. إلخ.
أما التهديد الخارجي الذي ينتظر الصحوة الإسلامية في المجتمع اليمني فيتمثل
في التيار العلماني بشتى فصائله الاشتراكية واللبرالية والقومية من بعثية وناصرية
.. الخ، كما يتمثل في التيار البدعي الذي يوجد أفراد منه داخل بعض فصائل العمل
الإسلامي وهو يشترك مع التيار الإسلامي في رفع شعار الدين إلا أن طروحاته
مغايرة للفكر الإسلامي النقي مع قيامه بمحاربة أصحاب الاتجاه الصحيح بزعم عدم
معرفتهم بالدين وبدعوى ترويجهم لأفكار قادمة من خارج اليمن (كالوهابية) ! كما
يزعمون.
ويتمثل أولئك المبتدعة في اليمن في التيارين الصوفي والرافضي اللذين
يتلقيان دعماً مالياً ومعنوياً كبيراً من بعض الدول والجهات والأفراد من خارج اليمن.
هذا بالإضافة إلى الضغوط الكبيرة التي تقوم بها دول وجهات أجنبية عدة على
الرئيس اليمني لمنع الإسلاميين من الانتشار، وتطالبه بتقديم قيادات الصحوة
وشبابها في اليمن كبش فداء لنيل رضاها وكسب دعمها.
ولذا فإنه مالم يتداعى عقلاء قيادات الصحوة الإسلامية اليمن من شتى
الفصائل لإصلاح الخلل في طريق تحكيم النص وإنزاله على مجريات الواقع بعد
فقهه فقهاً صحيحاً بالإضافة إلى الاهتمام بالعلم الشرعي وتبني العقيدة الصحيحة
والعمل على نشر ذلك، والقيام بتربية شباب الصحوة والمنتسبين لها تربية عميقة
مع أخذ الأهبة وإعداد العدة ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، فإن مستقبل
الصحوة الإسلامية في اليمن في السنوات القادمة قد لا يفرح.
الوضع السياسي:
حدثت مؤخراً بعد التطورات السياسة المهمة في الساحة اليمنية من أبرزها:
١- التعديلات الدستورية: تم إقرار التعديلات الدستورية من قبل مجلس
النواب، ليتم تعديل المادة الثالثة في الدستور التي ثار حولها جدلاً كبيراً إلى:
«الشريعة الإسلامية مصدر التشريع» وذلك بعد أن كانت: «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع» كما تم تحقيق رغبة الإسلاميين في الكثير من المواد الرئيسة في الدستور التي تشير إلى توجهات الدولة.
كما تم إلغاء مجلس الرئاسة في الدستور واكتفي بدلاً منه برئيس منتخب يختار
نائباً له، ومع أن التعديلات الدستورية في الجملة تعد مكسباً للإسلاميين وضربة
للعلمانيين إلا أنها ستبقى حبراً على ورق مالم تترجم إلى واقع ملموس من خلال
ممارسات وسلوكيات الدولة ومسؤوليها في المرحلة المقبلة.
كما أن الإسلاميين في حال عدم تنفيذ تلك التعديلات على أرض الواقع
وسكوتهم أمام الشعب عن ذلك يكونون قد أعطوا النظام القائم الشرعية التي يحكم بها
مع استمراره في ممارساته وسلوكياته المخالفة للشرع.
ويجب على الإسلاميين الذين بادروا إلى الإعلان عن زوال العلمانية في اليمن
وقيام دولة الإسلام بمجرد التعديلات الدستورية ودخول بعض الإسلاميين في
الحكومة أن يعرفوا أنّ أمامهم تحديات كبيرة قادمة حتى يتحقق لهم ما أعلنوا عنه،
وتتمثل في المخالفات الضخمة للشريعة داخل الدولة التي لابد من إزالتها والقيام
بتعديل الواقع على ضوء الشرع ومن صور تلك المنكرات:
* الأحزاب العلمانية الكثيرة كالحزب الاشتراكي والتجمع الوحدوي وحزب
البعث والأحزاب الناصرية وحزب الأحرار.. إلخ، بالإضافة إلى تنفذ بعض
العلمانيين في الدولة وسيطرتهم على ما تسمى بوزارات المفاصل والكثير من
المواقع المهمة وذلك باسم المؤتمر الشعبي أو المستقلين.
* كما أن من تلك المنكرات الانحراف الكبير عن الشرع في مجالات الاقتصاد
والإعلام والتعليم الجامعي والعلاقات الدولية.
* بالإضافة إلى صور الشرك الأكبر المتواجدة في المجتمع اليمني بكثرة
بإقرار من الدولة من مثل دعاء الأموات وطلب شفاعتهم، ورجاء النفع ودفع الضر
منهم، وتقديم القرابيين والنذر لهم.. الخ، (وما أحداث الأضرحة الأخيرة في عدن
وموقف الدولة وبعض الإسلاميين منها ببعيد) ، إنه مالم يكن هناك إصلاح جذري
في التطبيق لمثل هذه المخالفات وغيرها كثير فإن الشعار يبقى شعاراً مجرداً عن
القيمة، وربما قام بدور كبيرفي مخادعة أفراد الشعب المسلم ودغدغة عواطفه
بالإضافة إلى كونه مع تصريحات بعض المسؤولين وتبريرات بعض الإسلاميين
غير المنضبطين بالنص سيفاً مصلتاً على رقاب الغيورين ودعاة العقيدة الصحيحة
فيما نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً.
٢- انتخاب رئيس للجمهورية: بعد التعديلات الدستورية تم حل مجلس
الرئاسة وانتخاب رئيس للبلاد عن طريق مجلس النواب فاز بها المرشح الوحيد
علي عبد الله صالح ليكون بذلك الرجل الأول في كامل البلاد بعد هروب نائبه
السابق علي سالم البيض إلى الخارج بعد هزيمة حزبه في الحرب الأخيرة،
ولتتكرس بيده الكثير من الصلاحيات المهمة.
وفور انتخابه أصدر قراراً جمهورياً مفاجئاً للكثيرين بتعين وزير الدفاع عبد
ربه هادي - من أبناء محافظة أبين الجنوبية - نائباً له وقد فسر هذا القرار من
كثير من المراقبين بأنه خطوة نحو رفع يديه عن وزارة الدفاع بما يشبه التكريم،
وليتخلص بأسلوب ذكي من إيكال رئاسة الحكومة لشخص تعود أصوله إلى
المحافظات الجنوبية والشرقية خشية عدم ولائه التام للرئيس.
٣- تشكيل الحكومة: أصدر الرئيس اليمني قراراً جمهورياً بتكليف عبد
العزيز عبد الغني (عضو مجلس الرئاسة السابق والرجل الذي سبق له تشكيل ثلاث
حكومات سابقة) برئاسة الحكومة وتشكيلها وقد قام المذكور بتشكيل حكومة ائتلافية
من شركاء النصر على الحزب الاشتراكي - حزب المؤتمر اشعبي العام، والتجمع
اليمني للإصلاح - بنسبة (٢: ١) اثنين للمؤتمر وواحد للإصلاح وذلك حسب
نسبة التمثيل في مجلس النواب، وقد حصل التجمع اليمني للإصلاح، في ضوء
ذلك على ثمان وزارات هي التربية والعدل، والأوقاف، والتجارة والتموين،
والصحة، والثروة السمكية، والإدارة المحلية، والماء والكهرباء، بالإضافة إلى
منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ويلاحظ من خلال تلك الوزارات أن
التجمع اليمني للإصلاح لم يحصل على وزارة من وزارات المفاصل المهمة، وفور
إعلان تشكيل الحكومة وتحديد من يتولى كل وزارة أبدى كثير من اليمنيين عدم
ارتياحهم لهذا التشكيل نظراً لتطلعهم إلى أسماء جديدة ووجوه شابة لم يعرف عنها
حماية الفساد أو التستر عليه.
ولقد بادرت الحكومة إلى رفع شعار (معالجة التدهور الاقتصادي ومحاربة
الفساد الإداري) ويبدو أن الفرصة مواتية لها لتحقيق ذلك نتيجة سقوط قوة الحزب
الاشتراكي وكبار قياداته التي كانت تصر على وجود ازدواجية في المهام ووجود
جهازين في الدولة إلا أنها ستواجه صعوبات كبيرة جداً في ذلك نتيجة ارتباط كثير
من التجار بكبار المسؤولين وامتلاك بؤر الفساد في الدولة لمراكز اجتماعية أو
حزبية مرموقة، وليس أدل على ذلك من تنحية وزير التجارة والتموين السابق عبد
الرحمن بأفضل الذي استطاع إيصال السلع الأساسية إلى المواطنين في كافة أنحاء
الجمهوية بأسعار معقولة جداً من نسبة ٣٠% فقط المعطاة له من الواردات نظراً
لعدم ارتياح التجار له نتيجة كشفه لكثير من حيلهم وألاعيبهم على الشعب.
وبتشكيل الائتلاف من ثنائي المؤتمر والإصلاح يكون الحزب الاشتراكي قد
خرج إلى المعارضة لأول مرة منذ قيامه إلا أن ذلك لا يعني انتهاءه سياسياً أو أنه
لن يعود إلى الحكومة في حال حاجة القيادة اليمنية إليه لمواجهة الإسلاميين وبخاصة
في ظل الضغوط الخارجية المتوالية على الرئيس اليمني لإرجاع الاشتراكيين إلى
الحكومة ليتم إحداث نوع من التوازن بينهم وبين الإسلاميين داخلها.
كما أن خروج الحزب الاشتراكي من الحكومة ودخول الإسلاميين الائتلاف
الحاكم بنسبة أكبر من ذي قبل لا يعني أن التشكيلة الأخيرة للحكومة اليمنية قد خلت
من أصحاب التوجهات العلمانية المعادية للتوجه الإسلامي ودعاته أو أن أعداء
الصحوة الإسلامية على اختلاف مشاربهم وأحزابهم سيتوقفون عن الكيد للحركة
الإسلامية ومحاولة إحراق المنتسبين إليها شعبياً وسياسياً على السواء في آن واحد،
وكل ما نأمله أن يكون الإسلاميون على مستوى الحدث وأن يكونوا قد أعدوا العدة
لذلك.
الوضع الإداري:
ما إن تجلس مع مجموعة من اليمنين في أي محافظة إلا ويشتكون من الوضع
الإداري، ففي المحافظات الشمالية كثيراً ما تسمع عن صور الفساد الإداري مثل:
تعيين الرجل لقرابته من صاحب القرار، إلى وضعه في مكان لا يستحقه لوجاهته
الاجتماعية، إلى شراء المناصب، إلى عدم الانتظام من قبل الموظفين في الدوام
حضوراً وانصرافاً، إلى الروتين العقيم، إلى الرشاوي وعدم القدرة على إنجاز
المواطن لمعاملاته بدونها، إلى محاربة أصحاب الذمم النظيفة من صغار الموظفين
والتضييق عليهم، إلى عدم قدرة أصحاب الغيرة من كبار المسؤولين على إحداث
التغيير المطلوب، إلى السرقة والاختلاس للمال العام، إلى بيع الرتب العسكرية..
إلخ من الأمور المخجلة والمبكية في آن واحد.
أما إذا انتقلت إلى المحافظات الجنوبية والشرقية فستجد أن الوضع فيها أكثر
سوءاً حيث تعاني بالإضافة إلى بعض ما هو موجود في المحافظات الشمالية من
فوضى إدارية كبيرة نتيجة التغيير الذي حصل بعد الحرب لجل الكوادر القيادية في
الأجهزة الحكومية الذي اضطرت إليه الحكومة نظراً لأن الحزب الاشتراكي كان
يقصرها على كوادره القيادية والمنتسبين إليه فقط.
هذا بالإضافة إلى رداءة مقار تلك الأجهزة وصغر مساحاتها (الفارق العمراني
بين ما كان يعرف باليمن الشمالي والجنوبي - باستثناء البناء الحديث من قبل
المواطنين بعد الوحدة - كالفارق بين اليمن الشمالي والدول الغنية في الخليج) .
ومما زاد الأمر سوء ما حصل من نهب وعبث بأثات ومحتويات تلك الدوائر
فور انتهاء الحرب بالإضافة إلى الإحراق المتعمد لسجلات الموظفين وملفات بعض
المحاكم من قبل قيادات الحزب الاشتراكي قبل خروجها كما حدث في عدن وغيل
باوزير في حضرموت، ولذا فإن إرث الحكومة الجديدة بعد الحرب ثقيل،
وبالأخص الإسلاميين فيها والذين أوكلت لهم أهم وأبرز وزارات الخدمات التي
تحتك بالمواطن وتلبي له احتياجاته كالتجارة والتموين والصحة والماء والكهرباء
والعدل والتربية.. الخ، وما لم يعدوا العدة اللازمة لذلك وتعطى لهم الميزانيات
والصلاحيات الكافية لتغيير أعمدة الفساد الذين شاخ بعضهم في المناصب وتلبية
احتياجات وزاراتهم وبالأخص في المحافظات الجنوبية والشرقية، فإن أوراقهم قد
تحترق في الساحة، وقد يعدهم كثير من أبناء الشعب اليمني جزء من أصحاب
الفساد وحماته.
الحرب والخسائر:
كنت أتصور من خلال متابعات وسائل الإعلام الخارجية بأنواعها أن حجم
الدمار والخراب الذي وقع من جراء الحرب كبير جداً، والواقع أن الأمر ليس كذلك
فباستثناء الدمار الذي حصل لمحطات البترول بجوار قاعدة العند الشهيرة،
والطلقات التي أصابت أبنية قريتي صبر والوهط نتيجة الكر والفر بين الجانبين
فيهما، وحي دار سعد وبعض الطلقات المعدودة في أحياء الشيخ عثمان والممدارة
والمنصورة وخور مكسر هذا في عدن بالإضافة إلى تدمير بعض المنازل في بروم
والطلقات التي أصابت بعض الأبنية في فوّة.. مدخل المكلا.. في حضرموت،
فتكاد تنحصر الخسائر في الدمار الذي لحق بالعتاد العسكري وحالات العبث والنهب
الكثيرة والإحراق المتعمدة للدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام وعلى وجه
الخصوص في مدينة عدن.
هذا بالإضافة إلى ما لحق بمطار عدن ومصفاتها في البريقة، ومحطات ضخ
النفط في مأرب وخزانات وقود الكهرباء في المخا من إصابات مؤثرة، بالإضافة
إلى الخسائر التي لحقت بالبلاد من جراء شل الحركة التجارية وتوقف وهروب
الكثير من المشاريع العمرانية والاستثمارية.
ولقد تفاوتت تصريحات المسؤولين اليمنيين في تحديد قيمة الخسائر للبلاد بين
ثلاثة وثمانية مليارات من الدولارات ويبدو أن الرقم الأخير مبالغ فيه جداً وبخاصة
إذا كان المراد الخسائر التي لحقت الدولة اليمنية فقط.
ولكن الخسائر الكبيرة التي حدثت والتي لا يمكن تقديرها بثمن هي آلاف
القتلى والجرحى من الجانبين.
مواقف عامة الناس بعد الحرب:
الناس بعد الحرب في المحافظات الشمالية في الغالب الأعم يكلون ما تحقق من
هزيمة للاشتراكي إلى الله تعالى، ويقولون: هذا نصر من الله سبحانه، وتجد من
عامة الناس من يحدثك عن كرامات يذكر أنها حصلت - كما يقال - لجند الحكومة، كما أنهم وقفوا وقفة رجل واحد أثناء الحرب وبعدها مع الرئيس اليمني وحكومته
في مواجهة الحزب الاشتراكي ودحره، ويعود ذلك إلى الجهود الكبيرة التي بذلها
الإسلامّيون لإقناع العامة بمخالفة الحزب الاشتراكي للعقيدة الإسلامية التي يدين بها
الشعب، ولإعلان الحزب الاشتراكي للانفصال، ولإثبات وسائل الإعلام اليمنية
ارتباط قياداته بجهات خارجية.
والآن بعد أن أقنعت وسائل الإعلام الشارع اليمني بأن الحزب الاشتراكي كان
السبب المانع لإحداث الكثير من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية لتحسين كفاءة
الدولة واستقرارها ورفع مستوى المعيشة للشعب فإن الحكومة التي تشكلت بعد
الحرب ستوضع على المحك فإن نجحت في القيام ببعض مشاريع البنية الأساسية
وتأمين السلع الأساسية بأسعار معقولة ومحاربة الفساد الإداري فإن الرئيس اليمني
ومن حوله من القيادات التي هزمت الاشتراكي ستتحول إلى قيادات تاريخية لدى
كثير من أبناء المحافظات الشمالية، أما إذا لم تنجح الحكومة في القيام بذلك واستمر
الفساد الإداري والتدهور الاقتصادي على ما هو عليه أو تحسن تحسناً لا يلمسه
المواطن فإن من المتوقع أن يحمل الشارع في المحافظات الشمالية على القيادة
اليمنية ويحملها أخطاء الماضي والحاضر على السواء ويعتبرها تلاعبت بمشاعره
وعواطفه لا غير.
هذا بالنسبة للمحافظات الشمالية أما المحافظات الجنوبية والشرقية فإن الناس
فيها على الغالب الأعم- باستثناء شباب الصحوة الذين سامهم الحزب الاشتراكي
أثناء الحرب وقبلها سوء العذاب - كانوا مع القيادات التي أعلنت الانفصال نظراً
لنجاحها في إعطاء الحرب بعداً مناطقياً وللوعود والأماني المعسولة التي منّت بها
قيادات الانفصال أبناء تلك المناطق.
وأياً كان الموقف أثناء الحرب فقد استقرت البلاد عسكرياً وعملت القيادة
اليمنية على توحيد الجيش وانتزاع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من أيدي الأشخاص
الذين سلمهم إياها الاشتراكيون ويبدو أن نجاح القيادة اليمنية في استمالة قلوب الناس
في تلك المحافظات وزوال ما بثه قادة الانفصال من إشاعات عنها مرتبط بقدرتها
على السيطرة على الأمن ومحاربة الفساد الإداري والقيام بتنفيذ مشاريع البنية
التحتية والمشاريع التنموية التي تحتاجها تلك المحافظات هذا بالإضافة إلى القدرة
على السيطرة على الغلاء الفاحش في المعيشة والقيام بإيكال بعض المناصب القيادية
المهمة في الدولة إلى شخصيات يرتضيها الشارع في تلك المحافظات كوزير النفط
اليمني فيصل بن شملان على سبيل المثال.
وما لم يحدث ذلك فسيستمر الكثير من أبناء تلك المناطق على ولائهم للقيادات
التي أعلنت الانفصال وستستمر الحساسية تجاه أبناء المحافظات الشمالية والتي
أحدثها قادة الانفصال لديهم بدرجة كبيرة.
احتياجات اليمن:
الحديث عن احتياجات اليمن يطول وسأكتفي هنا بذكر احتياجين يعدان من
أهم الاحتياجات وأبرزها من وجهة نظر الكثيرين من اليمنيين الذين قابلتهم:
١- الاحتياج الدعوي: بزوال هيمنة الحزب الاشتراكي على الجنوب اليمني
وبتحسن سمعة الإسلاميين في الشارع اليمني وبوصول الإسلاميين إلى الحكم على
مستوى الوزراء ووكلائهم والمحافظين ومدراء العموم.. الخ، فإن أبواباً كثيرة
أصبحت مشرعة أمام الدعاة هناك بعد أن كانت مغلقة ولفترات طويلة، ولكنها
أبواب تحتاج إلى من يدخلها لينشر من خلالها العلم الشرعي النقي والعقيدة الإسلامية
الصافية بأسلوب حسن حكيم وإلا فإن مجرد فتحها لا يكفي.
ونظراً لقلة طلبة العلم الشرعي وعدم قدرة الموجود منهم على تلبية احتياجات
جميع المناطق فإنه يتعين على أبناء اليمن في الخارج والذين رزقهم الله تعالى علماً
شرعياً طيباً، وفهما جيداً للمرحلة التي تمر بها اليمن أن يبادروا إلى العودة إلى
بلدانهم للقيام بجزء من واجبهم تجاه دينهم وأمتهم، في مثل هذه الفرصة المتاحة قبل
أن تتغير الأحوال وتتبدل الأمور.
كما أن على القادرين من المسلمين أفراداً وجماعات أن يزودوا إخوانهم الدعاة
في اليمن بما يحتاجون من نصح وخبرة ودعم لتلافي الأخطاء التي يقع فيها شباب
الصحوة هناك، ولتحقيق أفضل النتائج في خدمة هذا الدين والدعوة إليه.
بالإضافة إلى أن من واجب أهل الخير من اليمنيين في الخارج - من غير
طلبة العلم - أن يبادروا إلى تزويد قراهم ومدنهم بما يمكن من المصاحف والكتب
والأشرطة الإسلامية المناسبة، كما أن عليهم أن يبادروا إلى كفالة الدعاة ومدرسي
تحفيظ القرآن الكريم وأن يقوموا بالتنسيق بينهم لتحقيق أفضل النتائج في ذلك.
٢- الدعم الاقتصادي: جاءت الحرب اليمنية لتقضي على ما تبقى من مظاهر
الحركة وبوادر الأمل في انتعاش الاقتصاد اليمني بعد التأثر الكبير الذي أصابه
نتيجة إفرازات حرب الخليج الثانية.
ولذا فإن المواطن اليمني يعاني معاناة كبيرة سواء أكانت من ناحية الغلاء
وارتفاع أسعار المواد أو من ناحية قلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة مع
الضعف الكبير في مدخولات العاملين فكيف بالعاطلين؟ ولذا فإن الاحتياجات التي
يمكن أن تقدم لدعم هذا الجانب هي:
- مبادرة المهاجرين اليمنيين في الخارج وغيرهم من القادرين إلى استثمار
جزء من أموالهم في اليمن نظراً للمستقبل الواعد الذي يبشر به الوضع هناك ومن
أجل المساهمة في إيجاد فرص عمل لكثير من أفراد الشعب.
- قيام المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم بتحويل جزء من مشاريعها
الخيرية والاستثمارية إلى اليمن ومبادرتها إلى دعم الأجهزة الحكومية التي تولاها
الإسلاميون مثل وزارات التموين والتجارة والصحة والماء والكهرباء والتربية،
حتى يخدموا إخوانهم أبناء الشعب وينجحوا في المهام الموكلة إليهم، ويخيب الله
ظن من يتربص بهم الدوائر من أعدائهم.
والله نسأل أن ينصر أولياءه وأن يخذل أعداءه.. والله من وراء القصد.