للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التنكيل بالمسلمين في الهند

.. إلى متى؟ !

شهدت الأحياء المسلمة في مدينة ميروت الهندية التي توصف عادة بأنها

المدينة التاريخية للإسلام في الهند، في الأسبوع الثالث من شهر مايو مذبحة دامية،

ضمن مخطط الإبادة الذي يتعرض له مسلمو الهند، حيث بلغ عدد الضحايا فيها ما

يزيد على الـ ١٠٠ قتيل حسبما أوردته وكالات الأنباء. قُتل غالبيتهم برصاص

قوات الشرطة المؤلفة في معظمها من الهندوس الذين فتحوا نيران أسلحتهم على

المسلمين دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال.

كما دوهمت منازل المسلمين، ونهبت متاجرهم، وأحرق العديد من ممتلكاتهم، وفرض حظر التجول على أحيائهم في هذه المدينة التي تبعد حوا لي ٨٠ كيلو متراً شمالي شرقي دلهي، التي تعرض فيها أيضاً الحي القديم، الذي يقطنه المسلمون لمداهمات الشرطة وفرض حظر التجول.

ولقد قامت قوات الشرطة بانتهاك حرمة مساجد المسلمين، وأزالت مكبرات

الصوت فيها بحجة أنها تستخدم في بث الكراهية الدينية والتحريض على العنف

وذلك إشارة إلى النداءات التي أطلقها المسلمون لحض إخوانهم على الدفاع عن دينهم

والوقوف في وجه الاعتداءات الهندوسية. هذه الاعتداءات التي بلغت حداً من

الوحشية وصفت بعض أحداثه مجلة النيوزويك الأمريكية في عددها الصادر في

٨ / يونيو /١٩٨٧ بقولها:

«.. اندفعت جموع الهندوس الهائجة تجوس خلال ماليانا [إحدى القرى

المجاورة لميروت] فساداً، تنهب وتحرق منازل ومتاجر المسلمين ثم تحولت هذه

الجموع لتهاجم المسلمين أنفسهم وتعتدي على الرجال والنساء والأطفال على السواء، لتشعل النار في بعضهم، ثم تطلق عليهم الرصاص، أو تضربهم بالفؤوس،

بينما كانوا يولون مذعورين من هول الآلام التي أصابتهم.

وقد عثرت قوات الشرطة على عشر جثث لأفراد عائلة كُدست في إحدى

الآبار. كما وُجدت بعض الجثث التي امتلأت بطلقات الرصاص طافية على بعد

أميال في مصب إحدى قنوات الري» .

كما تطرقت مجلة الإيكونومست البريطانية في عددها الصادر في

٣٠/٥/ ١٩٨٧م إلى الأحداث الأخيرة في مدينة ميروت فقالت:

«إن المسلمين في الهند يعانون من الغبن الاقتصادي فبينما هم يشكلون ١٢% من مجموع سكان الهند إلا أنهم لا يحصلون سوى على نسبة ضئيلة من الدخل

ولا يملكون من الثروة إلا أقلها.

وفي مدينة ميروت التي تشتهر بصناعة المقصات والصناعات اليدوية

والحلويات نجد أنه بينما يقوم المسلمين بتصنيع هذه السلع فإن الهندوس هم الذين

يملأون جيوبهم من أرباح المتاجرة بهذه السلع.

ولا يُمثل المسلمون تمثيلاً عادلاً في وظائف الطبقة الوسطى التي تشمل

القضاء ووظائف الخدمة المدنية العالية وشركات القطاع الخاص الكبيرة بالإضافة

إلى الشرطة.

وغالب من أُرسل لإخماد الاضطرابات من المتعصبين ضد المسلمين. فقد

تصرفت قوات الأمن بشكل مقيت في ميروت إذ ساهمت في إذكاء أعمال العنف

والاضطرابات بدلاً من أن تعمل على إخمادها. وطبقاً لأقوال سكان المدينة فإن

قوات الأمن ساهمت في تحريض هياج سكان إحدى القرى مما أدى إلى مقتل ٩٠

شخصاً» .

يقف وراء الكثير من هذه المذابح مسؤولون ينتمون إلى الطوائف الهندوكية

المتطرفة كمنظمة آر. أس. أس. وغيرها التي تتربص بالمسلمين الشر. حيث

تقوم هذه المنظمة المعادية للإسلام بإثارة القلاقل والفتن، وتحاول اغتصاب أوقاف

المسلمين والسيطرة على مساجدهم ومقابرهم بشتى الطرق والوسائل، كما يعمدون

إلى قتل المسلمين ونهب أموالهم وإحراق أطفالهم ونسائهم.

ثم إن الأمر لا يقتصر على الطوائف الهندوكية فحسب، بل إن الحكومة

الهندية تدأب منذ سنوات على إدخال التغييرات والتعديلات على قانون الأحوال

الشخصية للمسلمين، كالإرث والنكاح والطلاق، وذلك تمهيداً لتنفيذ القانون المدني

العام في الهند الذي يفرض على كل الديانات والطوائف نظاماً واحداً يخالف

نصوص الإسلام.

كما أن هناك الكثير من المساجد (ما يزيد على الأربعين مسجداً) تضع

الحكومة الهندية يدها عليها بحجة أنها آثار من العصر المغولي وتمنع الصلاة فيها.

ولم تكتف بذلك بل إنها ساندت قرار مصادرة مسجد بابري الذي أنشئ منذ ما يزيد

على أربعة قرون في عهد الملك المغولي بابر وتسليمه للهندوس وهو ما فجر غضب

المسلمين وزاد من إشعال فتيل أعمال العنف.

هذا التعصب الهندوسي أشارت إليه جريدة الواشنطن بوست في عددها

الصادر في ٢٧ / مايو / ١٩٨٧, حين قالت:

«إنه من الواضح أن الحكومة الهندية تستميل الهندوس وتحابيهم، وقد أدت تلك التصرفات إلى تعزيز آراء الأقليات المختلفة بأن زعامة حزب

المؤتمر الحاكم تشجع التعصب الهندوسي» .

ولكن هذا التعصب الهندوسي ضد المسلمين يتخذ أبعاداً أكبر، فهم يواجهون

حرب إبادة تشبه تلك التي نفذها النصارى تجاه مسلمي الأندلس. وهذه الحرب لا

تنتهي عند حد، فهي مستمرة منذ تقسيم الهند في الأربعينات، بل وتزداد حملات

التنكيل وفرض الردة عن الإسلام على المسلمين يوماً بعد يوم.

لا نريد هنا أن نسكب الدمع وننوح على إخواننا في الهند كلما حاقت بهم

كارثة، ولكن علينا أن نذكر بهؤلاء الذين لا بواكي لهم في العالم العربي بل وفي

العالم الإسلامي.

وما يثير الاستغراب حقاً هو هذا التعتيم الإعلامي الذي تمارسه أجهزة الإعلام

والصحافة بخاصة في العالم العربي على أحداث المسلمين في الهند لكأن هؤلاء

المسلمين لا يستحقون عشر معشار ما ينشر عن أخبار النصارى واليهود، أو لكأن

هؤلاء المسلمين ليسوا من سكان هذا الكوكب.

ولعل ما يفتقده المسلمون في الهند هو تلك القيادات التي تعرف كيف تقود

جموع المسلمين الضائعة، وتردهم إلى هدي الله وتصهر قواهم وجهودهم في بوتقة

واحدة تستطيع معها أن تدفع شر الهندوس وغيرهم، وأن ترد لهم الصاع صاعين -

بإذن الله تعالى-، وترفع الذل والهوان عن المسلمين في الهند بدلاً من الزعامات

السياسية التي أصبحت أذناباً للهندوس وغيرهم يتكسبون باسم الإسلام وهو برئ

منهم.

ويبقى واجباً على العلماء المخلصين العاملين في الهند من أمثال الشيخ أبي

الحسن الندوي وأمير الجماعة الإسلامية وأمير الجماعة السلفية وغيرهم أن يبادروا

بتقديم صورة واضحة وشاملة عما يلحق بالمسلمين من صنوف القهر والتنكيل ليطلع

المسلمون والعالم على ما يجري في الهند، ويكونوا على بينة من أحوال المسلمين

هناك.

كما ينبغي على المسلمين في شتى بقاع العالم المبادرة لمساندة إخوانهم في

الهند، وتقديم العون المادي والأدبي لهم، وأن يتخلوا عن هذا التقاعس، وعدم

البذل حتى في أقل القليل لنصرة إخوان لهم في الدين.

فإلى متى هذا التقاعس والذل والهوان؛ وإخواننا يئنون ويصرخون ولا مجيب! نداء نطلقه إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.