تأملات دعوية
[الأحداث ومشكلة التفكير]
محمد بن عبد الله الدويش
www. dweesh. com
الأحداث تثير النفوس وتكشف كوامن وخبايا فيها، وهي فرصة لاكتشاف
أمراض نعاني منها، أو تقرير معان تربوية غائبة؛ وعلى سبيل المثال كان لحادث
الإفك أثر في تقرير معان شرعية وبنائها في النفوس ما كانت لتتقرر بالقدر نفسه لو
جاء الحديث عنها ابتداءاً.
ولعل قراءة سريعة في الأحداث الأخيرة تكشف لنا عن بعض الثغرات في
طريقة تفكير بعضنا، ومنها:
* الإصرار على التعامل مع الموضوع جملة واحدة دون فصل عناصره،
وثمة فرق بين حادث الاعتداء، وبين الحرب والصراع، وبين التحالف ضد ما
يسمى بالإرهاب، والموقف منه وأسلوب التعامل معه.
* لا تزال العاطفة تؤثر كثيراً في أحكامنا ومواقفنا؛ فمع أهمية العواطف،
وعدم إهمالها، بل قسوة من يفتقدونها، وربما ضعف إيمانهم، مع ذلك كله ينبغي
أن تكون أحكامنا ومواقفنا تستند إلى النصوص الشرعية، والمعايير الموضوعية.
* النظرة القريبة والآنية للأحداث في التعامل معها، وفي قياس آثارها
وتقويمها، والذين يفقدون العمق في التعامل مع الأحداث سيفقدونه في نظرتهم
للمستقبل وتخطيطهم له، وحين نضيف ذلك إلى زيادة مساحة تأثير العاطفة لدينا
يتولد من هذا مواقف متعجلة ومتسرعة يدفعها ضغط الواقع والتبرم به إلى مواقف
وأعمال ضررها أكثر من نفعها.
* الغلو في الآراء والتطرف فيها؛ فكثير ممن يبدي رأيه في الموقف
والحادث يبالغ في الحماس له وفي تقريره، وعبارة: هذا الرأي أرجح في وجهة
نظري من غيره، أو هذا الرأي يمكن أن يقبل بنسبة معينة ... وغيرها، هذه
العبارات التي تدل على نسبية الرأي عبارات نادرة في حوارنا وحتى في كتاباتنا.
* لا نزال نعاني من عدم استيعاب الاجتهاد المخالف والرأي الآخر؛ فثمة
جوانب في الحدث يمكن بل لا بد من أن تختلف فيها الآراء؛ ومع ذلك فثمة من
يضيق عطنه بالرأي الذي يخالف ما يراه هو، بل يتجاوز الأمر في ذلك إلى تكوين
مواقف من الأشخاص نتيجة آرائهم. وإذا كان هذا المسلك في التعامل مع موقف
فكيف به في التعامل مع آراء واجتهادات أخرى؟ وهل نعتقد أننا سنصل إلى حال
نتفق فيها على جميع المسائل الاجتهادية والمسائل النسبية؟
* لا تزال نظرية المؤامرة تسهم إلى حد كبير في التأثير على تفكيرنا؛
فنفترض أن الحدث مؤامرة حيكت خيوطها بدقة بالغة، وأن التحركات التي أعقبت
الحدث هي الأخرى لها أهداف.. إلخ، إننا لا ننكر أن هناك مؤامرات تحاك في
الظلام، وكم كشف التاريخ عن تفسير لبعض الأحداث كان غائباً عن معاصريه،
لكن لا بد من الاعتدال والنظرة الموضوعية للأحداث مع اعتبار احتمال المؤامرة
في حدث من الأحداث فرضاً ضمن الفروض يجري اختباره وفحصه على ضوء
أدلة موضوعية.
* نعاني من فقد النقد والتمحيص الموضوعي للأخبار والروايات؛ فثمة أخبار
وروايات تلقى رواجاً ويعتمد عليها؛ مع أنها تبدو غير منطقية حين نُخضعها
للمحاكمة العقلية المنطقية.
* في تعاملنا مع الأخبار نميل إلى الحماس للأخبار التي تتفق مع إطارنا
المرجعي، ونحرص على أن تكون النتيجة كما نريد أكثر من حرصنا على
الوصول للحقيقة بغض النظر عن موقفنا منها.