نص شعري
[فارس المنبر]
شعر: عبد الله الزهراني
في هذا العام ١٤١٧هـ انتقل إلى رحمة الله عالمٌ جليل من علماء الإسلام ...
قضى حياته في الدعوة إلى الله، وفي الصّدْع بكلمة الحق، وفي الذّبِّ عن حياض
الإسلام، تخيّر طريق الدعوة إلى الله بأسلوبه الخاص المؤثر، وعانى في سبيل الله
من حَسَدِ الحُسّاد، وعداوة العلمانيين، حتى أُوقف عن الخطابة، فصَبَرَ واحْتَسَبَ؛
وعمل جاهداً على تفسير القرآن حتى أنجزه، ثم لقي ربّه بما قدّم، نسألُ الله له
الرحمة والمغفرة، ذاكم هو فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله) ، وفي رثائه
قلتُ هذه الأبيات:
بَكَى الْحِجَازُ، وَضَجّتْ مِصْرُ مِنْ أَلَمِ وأَجْرَتِ الدّمْعَ كالْهَطّالِ فِي الدِّيَمِ
لِفَقْدِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشّهْمِ حِينَ ثَوَى فَمَوتُهُ ثُلْمَةٌ لِلْخَيرِ وَاًلقِيمِ
لَمّا سَمِعْتُ بموت الشيخ أَفْزَعَنِي كأنّ قَلْبي بسَهْمِ الْحَاسِدينَ رُمِى
كَتّمْتُ حُزْنِي، وَنَارُ الصّبِّ تَحْرِقُني جُرْحُ الْحَبيبِ بِقَلْبِي لَيسَ ذَا أَلَمِ
الله يَعْلَمُ مَا طافَتْ بِذَاكِرَتِي ذِكْرَاكَ إِلاّ سَكَبْتُ الدّمْعَ مِنْ سَقَمِ
مَا زِلْتَ حَيّاً، فَكَمْ مِنْ مَيِّتٍ ذكرت آثاره بينَ أهْلِ الْعِلْمِ والأُمَمِ
لِكنّ فِي أُمّةِ الإسْلامِ طَائفَةً مِنْ نَهْرِ طه تَغَذّتْ أَفْضَلَ الْحِكَمِ
قُلَوبُهُمْ كَقُلُوبِ الطّيرِ لَيِنَةٍ فِي جَانبِ الْخَيرِ، وَالأَحْلاَمُ كَالْعَلَمِ
عَبْدَ الْحَمِيدِ: جَزَاكَ الله مَكْرُمَةً فِي جَنّةِ الْخُلْدِ مَعْصُوماً مِنَ التّهَمِ
أَخْلَصْتَ سَعْيَكَ لِلإِسْلامِ مُجْتَهداً حَتّى رَفَعْتَ شِعَارَ الدِّينِ لِلْقِمَمِ
شَيّدْتَ لِلدِّينَ أَسْوَاراً وَأَبْنِيَةً ولِلْفَضِيلَةِ رُكْناً غَيرَ مُنْهَدِمِ
فِي كُلِّ بَيتٍ يُدَوِّى صُوُتُكُمْ لَهَجاً بِالْحَقِّ يَسْرِى مَسِيرَ النّورِ فِي الظّلَمِ
لَمْ تُؤْثِرِ الصّمْتَ حَتّى اهْتَزّ مِنْبَرُكُمْ كالسّيفِ فِي وَجْهِ أَهْلِ البّغْيِ وَالْجُرُمِ
كَلامُكُمْ فِي رُبُوعِ الأَرْضِ طَارَ بِهِ إِخْلاَصُكُمْ حِينَ صُغْتُمْ حَرْفَهُ بِدَمِ
تَرَكْتَ ذِكْراً لكُمْ في الأَرضِ ينْشُرُهُ فِي الْخَافِقَينِ إِلَهُ البيتِ وَالْحَرَمِ
وَالذِّكْرُ عُمْرٌ جَدِيدٌ لَيسَ يُغْفِلُهُ مَنْ كانَ ذَا هِمّةٍ كَالسّيلِ مُحْتَدِمِ
عُمِرْتَ دَهْراً فَمَا شَابَتْ عَزَائِمُكُمْ والشّيبُ فِي الرّاًسِ غَيرُ الشّيبِ فِي الْهِمَمِ
أَمْسَكْتَ بِالْعُرْوَةِ الْوْثقَى فَمَا سَمِعَتْ أُذْنَاكَ عَنْ لَومِ مَاًفُونٍ وَلا قَزَمِ
غَرَفْتَ مِنْ نَهْرِ فَارُوقٍ وَحِكْمَتِهِ وَمِنْ خِصَالِ عَليٍّ أَفْضَلَ الشِيَمِ
تَرَكْتَ فَارُوقَ مِصْرٍ أَو خُدِيوِيَهَا وكُلّ أَرْعَنَ جَبّارٍ وُمُنْتَقِمِ
لا شَمْسُ بَدْران أَو بَسْيُونِي أَرْهَبَكُمْ فَأَنْتَ ليثٌ، وهُمْ أَدْنى مِنَ الرّخَمِ
مَا رَاعَكُمْ سَوطُ جَلادٍ وَشِدّتُهُ وَلاَ عَزَائِمُكُمْ خَارَتْ مِنَ الأَلَمِ
فِي سِجْنِ يُوسُفَ عِشتَ الْعُمْرَ مُحْتَسِباً وَالسِجْنُ مَدْرَسَةُ الأَبْطالِ والْبُهَمِ
سَوَادُ عَينَيكَ زَادَ الْقَلْبَ فَاجْتَمَعَا عَلَى الْعُلُومِ بِعَزْمٍ غَيرِ مُنْصَرِمِ
عَبْدَ الْحَمِيدِ سَأَلْتُ الله مَسْأَلةً أَنْ يَجْعَلَ المُلْتَقى فِي جنّةِ النّعَمِ
مَعَ النّبِيِّينَ وَالأَخْيارِ قُدْوَتِنَا مَعَ الرّسُولِ أبي الأيتَامِ وَالْكَرَمِ
مَعَ الصّحَابَةِ لا حُزْنٌ وَلا سَقَمٌ وَلا هُمُومٌ، وَلا نَشْكُو مِنَ الْهَرَمِ
بَينِي وبَينَكَ دِينُ الله يَجْمَعُنَا مَا جَمّعَتْنَا عُرَى الأَنسَابِ وَاللّحَمِ