للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

الصحوة الإسلامية

بين وعد الله.. وكيد العبيد

التحرير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد:

لم تكن بدايات نهضة أمتنا هي (الحملة الفرنسية) على مصر كما يزعم ذلك

تلامذة التغريب من كتاب التاريخ المعاصر.

إنما كانت تلك حملةً صليبية تهدف إلى ضرب الأمة في الصميم يوم صبت

جام غيظها وحقدها على رمز أصالة الأمة ومعقل قيادتها، حينما دخلت خيلهم

الأزهر تغتال وتستبيح حرمة المسجد، وتنتهك دماء الأبرياء، وكانت ثورات

الشعب المصري الوطنية ذات منطلقات إسلامية، وإن فشلت في المقاومة لأسباب

معروفة لا يتسع المجال لذكرها، ولم يلبث أن قام الاستعمار الإنجليزي على أنقاض

الاستعمار الفرنسي، ليؤدي رسالته الصليبية في التغريب التي لاتزال مصر إلى

الآن تعاني من آثارها العلمانية الخطيرة في التعليم والإعلام والاقتصاد والسياسة..

ومع أن الدعوة السلفية في الجزيرة العربية التي هي مصدر من مصادر

النهضة الإسلامية المعاصرة قد أوقف مدها (محمد علي والي مصر) لأسباب سياسية

بحتة، إلا أنها تركت بصماتها وآثارها الإيجابية على كل الحركات الإسلامية فيما

بعد في جل ديار الإسلام، عودة إلى الله واعتزازاً بالإسلام منهاج حياة، مما ساهم

في بزوغ ما اصطلح عليه بالصحوة الإسلامية. وهذه الصحوة ليست على مستوى

الشباب فحسب كما يتوهم الكثيرون وإنما عمت فئات الأمة كلها.

* تأثير الصحوة الإسلامية في أعيان من الأمة ومن ذوي الشأن فيها.

*نشوء الجماعات والحركات الإسلامية في جل البلدان.

*التزام الشباب في المدارس والجامعات واعتزازهم بالهدي النبوي.

*هداية نفر من كبار الكُتّاب والمفكرين والصحفيين ممن عُرِفَ بالإلحاد

والانحراف.

*نشوء الجمعيات والمراكز الدعوية الإسلامية في داخل العالم الإسلامي

وخارجه.

*إسلام كثير من العلماء والمفكرين الأجانب.

*الدعوة إلى أسلمة المعرفة والانعتاق من هيمنة الفكر الوافد.

*كسب الإسلاميين ثقة العاملين في النقابات وجمعيات النفع العام وتسنم قيادتها

من خلال ترشيح أعضاء النقابات لهم.

ومع هذه المعطيات الكبيرة للصحوة التي أظهرت عزة المسلمين، وبينت مدى

قوتهم بالانتماء لدينهم وموالاتهم لإخوانهم ومفاصلتهم لأعدائهم، انكشفت للأمة

جمعاء حقيقة دعاة التغريب والتبعية، وظهروا أقزاماً وبانوا أذناباً لا تهمهم سوى

مصالحهم الذاتية، ولا يعنيهم سوى تنفيذ مخططات أسيادهم، فخسروا مكانتهم وهم

الذين طالما خدعوا الأمة بدعاويهم وشعاراتهم.

كل ذلك قذف الرعب في قلوب الذين كفروا فكانت حملاتهم ضد الصحوة

وضد الشباب الإسلامي، وقامت وسائل الإعلام الأجنبية بحملات غريبة متهمة

الإسلاميين بالتعصب والجمود والإرهاب والكراهية ... حتى قالوا: (إن الخطر

على الغرب ليس من الشيوعية بل من المسلمين المتعصبين الذين تعاظم نشاطهم

بشكل مذهل رغم كل ما أوقع بهم في المنطقة من محن وتنكيل) ، وقام تلامذتهم

المستغربون والأذناب في الصحافة العربية بحملات إجرامية ضد الإسلاميين تقوم

على الكذب والتزوير وترديد مقولات المستشرقين والمبشرين، وتمثلت تلك الحملة

الظالمة في عدة محاور:

أولا: الإيحاء للحكام في المنطقة الإسلامية بخطر موهوم وراء كل تحرك

إسلامي، ودعوى أن دافع أي تجمع للإصلاح إنما وراءه أهداف بعيدة أول ما تنال

نفوذ ذوي النفوذ.

ثانيا: إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بدعاة الفكرة الإسلامية بدون استثناء.

ثالثا: التعتيم على الحركة الإسلامية وادعاء أنها ردود أفعال متشنجة

وشعارات جوفاء ليس إلا، كما يزعم ذلك أمثال (محمد أركون) و (فؤاد زكريا)

و (زكي نجيب محمود) وأضرابهم.

وقامت وسائل الإعلام المسموع منها والمرئي والمقروء بالضرب على تلك

الأوتار من أجل تحقيق الأهداف التالية:

١- ضرب كل توجه إسلامي في البلاد العربية والإسلامية، مما يؤدي إلى

ردود أفعال يائسة يكون ضحيتها الكثيرين كما هو مشاهد ومعلوم.

٢- أن تعيش الدول الإسلامية بعامة والعربية بخاصة أجواء مضطربة حينما

تنزع الثقة بين الحكام والمحكومين مما يجعل أولئك الحكام في حاجة ماسة للأجنبي.

٣- فقدان الدول الإسلامية للطاقات العلمية والإصلاحية القادرة ذات التوجه

الإسلامي لاضطرارها للهجرة ومغادرة ديار الإسلام.

٤- تشجيع التيارات العلمانية ليكون رموزها هم المقربين من المتنفذين

وصناع القرار ليكون أول قراراتهم ضرب أي توجه إسلامي مهما كان انتماؤه

ومنطلقاته.

الغريب أن تلك الأجواء المضطربة التي يشجعها أولئك الأعداء لا نجدها إلا

في العالم العربي والإسلامي، بينما نجد بلدان الغرب تعيش ديمقراطية نسبية حتى

اضطر كثير من الإسلاميين للهجرة إليها اضطراراً أمام كبت الحاكمين بأمرهم

ومضايقتهم لهم، أما إذا اضطهد أو أوذي أي ملحد أو علماني فإننا نجد وسائل

إعلامهم تشنع على ما يحصل ضد أولئك، بينما تصاب بالصمم والخرس حينما

يضهد ويعدم وينكل بدعاة الإسلام، وربما حصل احتجاج لطيف من جمعيات ما

يسمى بحقوق الإنسان التي نسيت أو تناست حقوقاً أهدرت لشعوب بأكملها في

البوسنة والهرسك، وكوسوفو، والسنجق، والهند والفلبين، وكشمير، وفلسطين،

وغيرها.

ورعب الغرب وخوفه من التوجه الإسلامي والصحوة الإسلامية للشعوب ناتج

من اعتبارهم الإسلام والمسلمين العدو الحقيقي الذي إن مكن له وفتحت الأبواب

أمامه ستسقط إزاءه كل الأصنام وكل الحاكمين بغير ما أنزل الله، وحينها لن يكون

للغرب ولا للشرق عملاء في المنطقة يحركونهم كقطع الشطرنج، وهذا مصدر

خوفهم.

إننا بحمد الله نعلم أنهم أعداؤنا كما يصفهم الله تعالى: [ولن ترضى عنك

اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم] (البقرة: ١٢٠) ، وقوله تعالى:

[ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا] (البقرة: ٢١٧) فهذه حقيقة نعلمها ونعيها. وعزاؤنا أن ما يتعرض له التيار الإسلامي من مصادرة لفكره واستباحة لأعراضه وقتل وسجن وتشريد.. إنما هو ضريبة الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.

إننا نذكرالمناوئين للتيار الإسلامي بأن الله متم أمره لأن الله تعالى يقول:

[هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون] (الصف: ٩) ، فاحذروا.. ثم احذروا.. وإلا فالموعد الله وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..