[وللحزن مدى]
محمد بن عبد الله عبد الباري
أيُ شمسٍ آذنتنا بالمغيبِ
أيُ جرحٍ والحنايا مثقلات
أيُ حزنٍ أطلق الآلام فينا
هذه الدنيا التي ما فتئت
نحنُ فيها للمنايا هدفٌ
عمر الإنسان كالشمس التي
كيف مات الشيخ؟ وارتد الصدى
إنه للعلم نبعّ ليس يفنى
إنه الطهرُ تسامى ورعاً
إنه الزهدُ تناءى ورعاً
حين جاء النعي غصت بالشجى
ما يقول الشعرُ يا شيخ الهدى
هذه ذكراكمُ يا (ابن قعود)
سرتمُ للمجدِ في أكرمِ وفد
آهِ! يا شيخُ وفي قلبي نمت
كيف أبكيت وروحي أُترعت
كيف أبكيك وقد كنت لنا
كنت للمحتاج عوناً ويداً
لم يزل يبكيك فينا منبرٌ
فلكم ألقيت منه خطباً
كنت تذكي جذوة الإخلاص فينا
كنت للقلب طبيباً يا لقلب
كنت بالدمع تربي أمة
في دروب العلم أزجيت الخطى
وزرعت الخيرَ في عمر الصبا
وسكبت العمر علماً وتقى
في حنايا الليل أشعلت الهدى
هذه الظلماءُ كم زينتها
غبت يا شيخُ وللحزن مدى
حسبنا أنك حي في قلوب
وانعمن بالخلد واهنأ بالمنى
وتوارت خلف أسوار الغيوبِ
والمآقي جدن بالدمع السكيبِ
ورمانا بين أنياب الخطوبِ
تبتلينا كل يومٍ في حبيبِ
وشراكُ الموتِ في كلِ الدروبِ
سافرت بين شروقٍ وغروبِ
في فضاءٍ من رؤى الحزن مهيبِ
لا ولا يعرفُ معنى للنضوبِ
كغمامٍ مرّ في الأفق الرحيبِ
عن ملذاتِ وعن عيشٍ كذوبِ
أحرفُ الشعر وهمّت بالهروبِ
وحروفي أُلْبستْ ثوبَ الشحوبِ؟
عنبر فينا وطيبٌ أيُ طيبِ
وركبتم للعلا أسمى ركوبِ
نبتةُ الأشواق والحبِ العجيبِ؟
بالأسى والقلبُ مخنوقُ الوجيبِ؟
كالزلال العذب في عصر جديبِ
تبذلُ الخير وسلوى للغريبِ
هزه التذكارُ شوقاً للخطيبِ
سكنتْ أصداؤها عمقَ القلوبِ
وتسوق الوعظَ في وقعِ رهيبِ
لم يزل يهفو إلى كفٍ الطبيبِ
سافرت في درب غي وذنوبِ
شامخ الهمة محمود الدؤوبِ
فحصدت الفضل في وقت المشيبِ
وجهاداً للجحودِ المستريبِ
قبساً يهزأ بالليل الكئيبِ
بدعاء ورجاءٍ ونحيبِ
أبحرت فيه تباريحُ الأديبِ
شفّها الشوقُ إلى لقيا الحبيبِ
في جوار الله علاَّمِ الغيوبِ