الافتتاحية
الداء.. والدواء
لم تكن الدعوة الإسلامية بحاجة إلى الوحدة والتعاون والالتقاء على أهداف
واضحة كحاجتها في هذه الأيام، فالتحديات كبيرة وماكرة وخاصة بعد قيام ما سمي
بالنظام العالمي الجديد، فالغرب بعد انهيار الشيوعية كان لا بد له من عدو مشترك
يكتل حوله شعوبه ويشعرهم بالتحدي، ولم يجد أمامه سوى الإسلام الذي جعلوه
(فزاعة) يخوفون به الشعوب الأوربية الساذجة، ويكتلون حولهم من يستطيعون من
الدول والأمم.
أمام هذه التحديات نجد التفرق والتشرذم يفتك بالعمل الإسلامي وبالمسلمين
بشكل عام، وما يصاحب هذا التفرق عادة من حسد وبغضاء وعصبية، والأمثلة
واضحة أمامنا في كل أنحاء العالم الإسلامي، ولا نحتاج إلى عناء كبير لاكتشاف
هذه الظاهرة وما أدت إليه من الضعف.
إن عدم وحدة العمل الإسلامي في الجهاد الأفغاني كان من أكبر العوامل في
تأخير النصر، وهذا لا يخفى على الأخوة المخلصين هناك، ولكن عوامل التفرقة
راسخة وتحتاج إلى عمل كبير وتضحيات وتنازلات، وقد سمعنا أخيراً تصريح أحد
زعماء الجهاد بدعوته للاندماج الفوري في المؤسسات العاملة وخاصة الجبهة
العسكرية.
ومثال ثان من مصر حيث تكثر التجمعات الإسلامية ويكثر الجدل النظري
حول مسألة أو مسألتين، وتذهب السنوات ولم يتفق عليها.
ومثال ثالث موقف بعض الإسلاميين من أحداث الجزائر الأخيرة، فالذي
حدث في هذا البلد كان كارثة بكل معنى الكلمة، حدث لا يمكن أن يهمل أو ينسى،
فقد ضربت الدعوة هناك جهاراً نهاراً دون أن تقوم بأي عمل استفزازي للسلطة،
وليست القضية فقط قضية جبهة الإنقاذ، فقد ضرب الإسلام في مصر في
الخمسينات والستينات ثم عاد والحمد لله، وضرب في مناطق أخرى وعاد أقوى مما
كان، فنحن لا نخشى على الشباب المسلم هناك، ولكن المأساة هي أنه لا يزال
يعيش بين ظهرانينا أناس يتكلمون بلغتنا وعندهم الاستعداد لأن يخربوا البلاد
ويشردوا العباد، ويحطموا مستقبل الأمة في شبابها المتعلم المتدين ذي الأخلاق
العالية.
ما هو موقف بعض الإسلاميين تجاه حدث كبير كهذا، لقد تكلموا في الصحف
والمؤتمرات بكلام أقل ما يقال فيه أنه جهل بمرامي الإسلام الكبرى في وحدة
المسلمين وخاصة عندما يكون الصراع مع أعدائهم، ففي مقابلة مع جريدة الحياة
(٦ /٣/١٩٩٢) قال أحدهم:
(الذي حصل هو نوع من التقهقر لجبهة الإنقاذ، أجريت الانتخابات بطريقة
لا يمكن أن يتحقق من ورائها الاستقرار، لا بد أن نفتح حواراً مع السلطة التي
جاءت وفرضت الأمر الواقع، ممكن للدولة أن تقلم أظافر أما كم الأفواه فلا) .
هذا رأي من لا يعرف حقوق الأخوة ولا يفقه في سياسة الناس شيئاً، وصنف
آخر انتقد الجبهة لأنها تعمل في السياسة، وتدافع عن نفسها، وأن الذي في الجزائر
الآن هو مجرد عاطفة وليس هناك أي تربية. ونقول لهؤلاء الإخوة: أهذا وقت
اللوم والنقد وإخوانكم في السجون والمعتقلات في الصحراء، أم وقت النصرة
والتأييد، وللنقد البناء والمناصحة والمشورة وقت آخر، ألم يخرج ابن تيمية مع كل
مشايخ دمشق - وفيهم الكثير من خصومه وحساده الذين أساؤوا إليه وكادوا له -
لمقابلة ملك التتر (قازان) وحتى يكون الموقف موجزاً، ألم ينضم علماء السنة
لحركة أبي يزيد الخارجي في قتاله للعبيديين الباطنيين وقالوا: نكون مع أهل القبلة
ضد أهل الكفر، وإذا كنا ننعى على التعصب المذهبي فلماذا لا ننعى على التعصب
الحزبي والإقليمي. أو ما شئت من أصناف التفرق الذي جاءت النصوص بالنهي
عنه والتحذير منه والعقلاء من الأمم يدركون أخطاره.
وفي ندوة أحد المؤتمرات الإسلامية انتقدت الجبهة الإسلامية من قبل أحد
المتباكين على الديمقراطية ولا ينتقد النظام الذي يزج بالآلاف في السجون..
إن ما ينقصنا هو فقه السياسة الشرعية في الوحدة ووسائل الوصول إليها،
والقرآن والسنة طافحان بالدعوة إليها ونبذ التفرق، أم ننتظر ليأتينا كاتب
غربي [١] ليقول: (إن سبب صعوبة حسم الخلاف بين المسلمين عدم وجود مؤسسة مركزية تصدر توجيهات لكل المسلمين..) .
(١) في مقال نشر في مجلة دير شبيغل الألمانية للكاتب اودو شتاينباغ.