أغير الله اتخذ ولياً
محمد صالح المنجد
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فولاية المسلم لربه هي مسألة المسائل وأصل الأصول التي تتشعب عنها
التصورات، وتنطلق منها المواقف.
وتزداد الحاجة للتركيز على هذا الأصل في غمرة الخلط الحاصل اليوم في
ولاءات المسلمين، وفي غيابة فقدان هذا الأصل عند من أمسكوا بشيء من الأزمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وهذا مقام مسافر فيه عرض لبعض مقتضيات هذه المسألة:
١ - إفراد الله بالولاية:
ويدل عليه قوله تعالى: [قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ ولِياً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ] ويربي القرآن المسلم على تحديد هذا الأمر بينه وبين نفسه وأمام الآخرين
بوضوح وجلاء.
[إنَّ ولِيِّيَ اللَّهُ الَذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ] [الأعراف: ١٩٦] .
وولاية المسلم للرسل وللمؤمنين نابعة من هذه الولاية وهذه الولاية متبادلة بين
العبد وربه، ولاء العبد لله وتولى الله لعبده؛ [اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا] . ...
إذن فولاء المسلم لا يصح أن يتجزأ شيء لله وشيء لغير الله.
٢ - إفراد الله بالعبادة:
[قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ] . والانصهار فيها حتى يصل العبد إلى الدرجة المبينة في حديث «. فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي
يمشى بها.. [
٣-توحيد مصدر التلقي:
عن الله وحده الذي يقول:] وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ. [ويقول محذراً:] اتَّبِعُوا ... مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ. [فمصدر التلقي إذن هو
الوحي فقط وليس القوانين الكافرة أو عادات القبائل أو أعراف المجتمعات أو بيوت
الأزياء. وحق التحليل والتحريم لله وحده وليس لأحد بعده سبحانه.
٤ - التحاكم إلى الله وحده:
القاعدة:] إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ. [والاستفهام القرآني قوي إنكاري] أَفَغَيْرَ اللَّهِ
أَبْتَغِي حَكَماً [والقرآن يحدد موقف المخالفين لهذه المسألة في آية] يُرِيدُونَ أَن
يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ. [فكيف إذاً صار المبدأ عند
البعض الاعتراض على أحكام الله؟ وكيف إذا آل أمر الآخرين إلى أن كرهوا ما
أنزل الله، فأحبط أعمالهم؟ !
٥-توحيد الانتماء إلى حزب الله (أهل السنة والجماعة) :
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة إذا
رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد
التوحيد وإن أنكر ذلك اكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله: لا
شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله
بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون
على الجمر حقاً، وأكثر الناس - بل كلهم - لائم لهم) .
وتوحيد هذا الانتماء يفيد كثيرا في تجميع الجهود وتوجيهها؛ لرفع شأن أهل
الحق وصد كيد أهل الباطل.
٦ - استبدال ولاية الله بالولاءات الجاهلية:
كثيرون أولئك الذين لا يزالون يمتون بصلات وولاءات لأعداء الله بشكل
جزئي أو كلي، قد يأخذ صوراً مادية أو معنوية. على هؤلاء إن أرادوا النجاة من
نار جهنم أن يستدبروا أهل الباطل ويولوا وجوههم لأهل الحق، وتبني دين الله عز
وجل، وأن يقوم العزم في أنفسهم على عدم وصل حبال الكفار مرة أخر ى.
كانت الولاءات في الجاهلية تتعدد بتعدد القبائل والعصبيات فلما جاء الإسلام
أزالها وأبدلها بولاية الله، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حريصاً كل
الحرص على عدم تجديد وإحياء شعارات الجاهلية وولاءاتها في نفوس المسلمين.
روى البخاري رحمه الله تعالى تحت باب: ما ينهى من دعوى الجاهلية: عن
جابر رضى الله عنه قال: غزونا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد ثاب معه
ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعّاب (يلعب بالحراب)
فكسع أنصارياً، فغضب الأنصاري غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاري:
يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقال:» ما بال دعوى أهل الجاهلية، ثم قال: دعوها فإنها خبيثة «.
ونظرة تقويمية للواقع تخبرنا أن ولاء كثير من العجائز في قعر بيوتهن خير
وأحب إلى الله من كثير ممن ابتليت بهم الدعوة الإسلامية والذين تنازعتهم الولاءات
للجاهلية من كل جانب] ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً
لرجل هل يستويان مثلاً الحمد. لله بل أكثرهم لا يعلمون [.
٧- محبة أولياء الله وفي مقدمتهم محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم-:
في الصحيح المسند من أسباب النزول، من رواية الطبراني في الصغير عن
عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك
لأحب إلى من نفسي وإنك لأحب إلى من أهلي ومالي وأحب إلى من ولدي، وإني
لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي
وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت
ألا أراك فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل عليه
السلام بهذه الآية:] ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله [.
وهذا يقوي الأواصر والروابط بين أفراد المسلمين وخلاياهم في المجتمع
الإسلامي الكبير، ويقضي على دخائل النفس الخبيثة التي تنحرف بالمحبة في الله
إلى أغراض أخرى، وذلك إذا والى كل مسلم أخاه، بحسب حاله من الإيمان
والعمل الصالح.