لمحات في طرق نقل التقنية
والتخلف التقني في العالم الإسلامي
د. عبد الله بن صالح الضويان
أية تكنولوجيا نريد:
مسألتان متعلقتان بنقل التكنولوجيا من حضارة إلى أخرى وهما:
١- ما يتعلق بالقوانين العلمية والتكنولوجيا التطبيقية.
٢- ما يتعلق بالأهداف والمبادئ التي تجري تحت مظلتها وباتجاهها عمليات
البحث العلمي والتكنولوجيا، وتشكل هذه الأهداف جزاً لا يتجزء من موضوع العلم
والتكنولوجيا، مما يجعل عملية النقل عملية خطيرة وحساسة تحتاج إلى تمحيص
وتدقيق.
إن التقدم التكنولوجي المنشود ليس أحد المصنوعات الحديثة التي تشترى
بالبترول، وإنما هو حركة أمة تفاعلت مع واقعها ورفضت التواكل والخنوع
وتهيأت له أفكار نابعة من عقيدتها، اليوم ترى أحدث الآلات تباع في الأسواق
الاستهلاكية ولا يزيد ذلك الدول الإسلامية (النامية) إلا فقراً وتخلفاً واستعماراً أشد
وطأة. أمام هذا الوضع لا بد من الوعي بمشاكل الإنسان المسلم حتى يمكنه تقديم
البدائل الإيجابية المنطلقة من عقيدته.
إن التكنولوجيا الغربية بشقيها الشرقي والغربي ليس فيها حل لمشكلة الإنسان
لأن الفكر الغربي (الماركسي والرأسمالي) يتعامل مع الإنسان على أنه عالم أعداد
وأرقام، ولكن المسألة تختلف عندنا فعقيدتنا تنظر للإنسان على أنه خليفة في
الأرض وأن كل ما في الكون مسخر له.
في الوقت الراهن غالباً ما يحسم الأمر بالنسبة للاستفادة من التكنولوجيا
المعاصرة هو الاعتبارات السياسية لقادة الحكومات الإسلامية، مثلاً إجهاد بلادهم
بعملية التسليح للحفاظ على الكراسي، أو الميل إلى مشاريع تعطيهم الاعتزاز
والافتخار كمشاريع السدود والمطارات والمباني الضخمة التي يستهلك فيها رأس
المال وتدار من قبل شركات غير مسلمة مثلاً.
أو إشغال الشعوب بتكنولوجيا تزيد من تخلف المسلمين فمثلاً لقد أصبح بإمكان
الشباب المسلم مشاهدة مباراة كرة قدم تنقل إليه لحظياً من أوربا أو أمريكا بواسطة
قمر صناعي مصنوع من ألفه إلى يائه في الغرب، بينما في نفس الوقت لا يستطيع
أن يجري مكالمة هاتفية مع كثير من بقاع العالم الإسلامي ولكن يستطيع أي مواطن
مسلم في تونس أن يتابع قنوات التلفزيون الفرنسي.
ومما ينبغي ذكره أن حيازة نوع من التكنولوجيا في مجتمعاتنا لا يعني
بالضرورة التقدم بجميع جوانبه، ولتقريب هذا المفهوم، فإن المواطن العادي يفضل
مثلاً ساعة ثمينة لأنها لا تخطئ إلا ثواني قليلة كل ألف ساعة في الوقت الذي لا
يقاس الزمن الإجرائي أو زمن الإنجاز في بلداننا إلا بالأيام والأسابيع.
التكنولوجيا الملائمة:
إن ملائمة التكنولوجيا هي أهم المعايير في عملية النقل والمقصود ملاءمة
التكنولوجيا لظروف الدول النامية وينبغي النظر إلى الأمة الإسلامية كوحدة واحدة
(وإن كان هذا فيه شيء من المثالية) يغطي بعضها جوانب النقص عند البعض
الآخر، والملائمة تشمل ثلاثة معان.
ا- الملائمة الهندسية والفنية:
وهي الأساليب الفنية والميكانيكية المستخدمة في عمل لإتمامه بأعلى درجة
ممكنة من الدقة وبأقل قدر ممكن من هدر الموارد وبسرعة جيدة، فمثلاً لا يعتبر
المحراث الخشبي (الآن) تكنولوجياً ملائماً لحراثة الأرض مع أن ملائمة الأسلوب لا
تعين بالضرورة عدم قدرته على إتمام الأمر.
ب - الملائمة مع الظروف الجغرافية والبيئية:
من أهم أسباب نجاح الحضارة هو قدرتها على التكيف مع ظروف البيئة
المحلية، فمثلاً كان إنسان الجزيرة العربية متكيفاً مع البيئة عند استخدام بيوت
الطين المكيفة ذاتياً، في البيرو مثلاً أدى استخدام المبيدات الحشرية إلى ظهور
حشرات ضخمة قضت على جزء هام من إنتاج القطن، وقس على ذلك مثلاً مشكلة
السد العالي.
ج - الملائمة الاقتصادية:
كما أنه يتوجب على الدول المتقدمة (ذات رأس المال) أن تختار الأساليب
التكنولوجية التي تتطلب رأس مال كبير من أجل مستوى معين من الإنتاج
والخدمات، فإن نفس المنطق يدعو الدول النامية إلى استخدام تكنولوجيا كثيفة
العمالة نظراً لفائض عنصر العمل في الكثير من الدول النامية (تذكر أن عدد
المسلمين يبلغ المليار) .
ولكن الدول النامية (وخاصة الإسلامية) تواجه وضعاً اقتصادياً صعباً يجعلها
عاجزة عن الاستخدام الأمثل للأساليب التكنولوجية، لهذا يجب الأخذ بعين الاعتبار
عدة أمور مثل مدى توفر النقد الأجنبي عند هذه الدولة (أو الدول) ، مستوى التطور
الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي الذي بلغته الدولة التي تحاول إيجاد
التكنولوجيا الملائمة لظروفها.
إن التكنولوجيا الملائمة هي التي تعمل على إشراك أكبر قدر ممكن من الفنيين
والمهندسين والأيدي العاملة المدربة وغيرهم من أهل الاختصاص في المشاريع
بحيث تساهم في إبقاء هؤلاء في أوطانهم بدل أن ينضموا إلى العقول المهاجرة
وحدوث ما يسمى بـ (النقل المعاكس للتكنولوجيا) .
مظاهر التخلف التكنولوجي:
إن مظاهر التخلف التكنولوجي في مختلف البلدان الإسلامية متشابهة ويمكن
إدراج سمات وخصائص هذه البلدان وواقعها تجاه العلم والتطوير التكنولوجي بما
يلي:
١- تفشي الأمية إلى حد كبير بحيث أن كثيراً من الطاقات معطلة.
٢- عدم الربط المباشر بين السياسات التعليمية والتربوية بسياسات التنمية
الشاملة في العالم الإسلامي ككل وعدم اعتبار أن الإنماء الكامل للفرد يحتل مركز
الصدارة في عملية التغيير المنشودة.
٣- عدم وجود قاعدة صناعية وخاصة الصناعات الحديدية الثقيلة.
٤- عدم وجود مؤسسات وأجهزة معنية بالتخطيط مركزياً لعملية نقل
التكنولوجيا وتوطينها.
٥- عدم وجود أجهزة علمية للبحث العلمي وإن وجدت فليس هناك اهتمام
كبير بها (مالياً وبشرياً) وربطها بالأجهزة الأخرى في العالم الإسلامي.
٦- عدم اشتراك العلميين والتقنيين وعلماء الاجتماع المسلمين اشتركاً علمياً
في إعداد الخطط.
٧- لا تتوفر إحصائيات ومسوحات دقيقة لكافة الطاقات الإسلامية البشرية في
مختلف المجالات.
٨- لا توجد سياسة واضحة للإعلام العلمي والتكنولوجي والجماهيري.
٩- لا توجد علاقة بين المؤسسات العلمية (معاهد، جامعات) وبين تحديد
احتياجات التطور الصناعي والتقني.
١٠- لا يوجد برنامج واضح حول سبل تدفق المطبوعات العلمية والتقنية من
مختلف أنحاء العالم.
١١- الاتجاه لتعريب العلوم والتكنولوجيا غير جاد.
١٢- عدم الاهتمام بتشجيع عقد الدورات والندوات التنشيطية في مختلف
مجالات العلم والتكنولوجيا.
١٣- عدم الجدية في الحد من عملية النقل المعاكس للتكنولوجيا المتمثلة بهجرة
الكفاءات والعقول المسلمة خارج بلادهم.
إن المؤسسات والحكومات مسؤولة مسؤولية كبرى تجاه هذا الوضع المتدني،
وهذا طبيعي طالما حركتها شهواتها ولم تحركها عقيدتها.
ومما ينبغي ملاحظته أنه مع تقدم الزمن فإن الدول الإسلامية تزداد تخلفاً
تكنولوجياً على نقيض الدول المتقدمة، من ذلك ما تدل عليه إحصائية من كتاب ألفه
مجموعة من الخبراء [١] أنه ارتفعت جملة صادرات الدول الصناعية إلى نحو
خمس عشرة دولة إسلامية في الشرق الأوسط في مجال الآلات من خمسة ونصف
بليون دولار عام ١٩٨٥ إلى حوالي ١٠٠ بليون دولار عام ١٩٨٢، ويوافق هذا
الارتفاع زيادة بلغت ثمانية أضعاف بمقياس الدولارات، وارتفعت فيما بعد أهمية
الصادرات الخدماتية وخاصة في المجالات التقنية والتسييرية وإدارة المشاريع.
(١) لمزيد من التفصيل انظر مجلة الفيصل١٠٣ محرم ١٤٠٦هـ ص٦٧.