للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام لعصرنا

[أديمقراطية هذه.. أم أمريطانية؟]

أ. د. جعفر شيخ إدريس [*]

[email protected]

الديمقراطية وتُنطق بالإنجليزية: دموكراسي يقول مؤرخوها الغربيون إنها

تتكون من كلمتين يونانيتين هما «ديموس» أي الشعب، و «كراتوس» أي

الحكم. أما الرئيس القذافي فله رأي آخر.. الديمقراطية في رأيه تتكون من كلمتين

عربيتين هما: ديمة، وكرسي؛ أي إن الديمقراطية هي النظام الذي يكون فيه

الحاكم دائماً على الكرسي.

أما الأمريطانية ونسميها بالإنجليزية أميريتانسي فلك أن تفسرها تفسيراً

غربياً؛ فتقول إنها تتكون من ثلاث كلمات هي أمريكا وبريطانيا والحكم. أو

تفسرها تفسيراً قذافياً فتقول إنها تتكون من ثلاث كلمات هي أمريكا وبريطانيا

والكرسي؛ أي إن أمريكا أولاً ثم بريطانيا تريدان أن تكونا دائماً على كرسي الحكم.

يتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في الديمقراطية التي تقولان إنهما تريدانها للعراقيين..

وكذلك الحرية.

فالإدارة الأمريكية، وأحياناً المسؤولون البريطانيون، يصرحون، وأحياناً

يعبِّرون بلسان الحال عن أنه بعد أن تخلَّص العراقيون من حكم صدَّام الدكتاتوري قد

صاروا أحراراً يختارون لبلدهم ما يشاؤون بالطرق الديمقراطية، فلهم أن يختاروا

الدستور الذي يرتضونه لبلادهم، لكنه يجب أن يكون دستوراً يفصل الدين عن

الدولة كما هو الحال في الدستور الأمريكي، بل يجب أن يكون العراقيون وسائر

العرب والمسلمون أكثر تطوراً من الغرب في مجال العلمانية، فدستور الولايات

المتحدة مثلاً قد اكتفى بفصل الدين عن الدولة؛ بمعنى أنه ليس للدولة أن تؤسس أو

تتبنى ديناً من الأديان، ولا أن ترعى المؤسسات الدينية، لكنه لا يمنع من أن تكون

الدوافع السياسية دينية، كما هو الحال في الموقف من (إسرائيل) .

أما العراقيون وسائر العرب والمسلمين فيجب أن يذهبوا أبعد من ذلك، يجب

أن يمنعوا حتى الدوافع الدينية، ويعاقبوا كل مسؤول أو حزب يُظهر مثل هذه

الدوافع في أقواله أو أعماله، ويجب أن لا يكتفوا كما اكتفت أمريكا بعدم تبني

المؤسسات الدينية وتركها حرة تتصرف كيف شاءت في حدود القانون، بل يجب

أن تتأكد من أنها لا تعمل عملاً ينمي مثل تلك الدوافع الدينية التي تقود في النهاية

إلى العمليات الإرهابية ولا سيما ضد (إسرائيل) .

ويجب تبعاً لذلك أن لا تكون الحكومة حكومة دينية، ولا أن يسيطر عليها أو

يؤثر فيها رجال الدين!!

للعراقيين أن يسنُّوا من القوانين ما شاؤوا، لكن بما أنهم عاشوا زماناً تحت

وطأة قوانين غير ديمقراطية؛ فسنتولى نحن لهم سن قوانين تتيح لهم الحرية ولا

سيما حرية الممارسات الجنسية، فلا يُمنع مسلم، ذكراً كان أم أنثى، من أن يختار

الصديق أو الزوج الذي يناسبه سواء كان من جنسه أو من الجنس الآخر، وسواء

كان من دينه أو من دين آخر، بل لا تُمنع الممارسات الجنسية بين المتراضين،

متزوجين كانا أم غير متزوجين كما هو الحال عندنا!!

سننشئ للعراق قضاء عادلاً يضمن رعاية كل هذه الحريات، ويتولى كذلك

محاكمة من ساموا العراقيين الخسف إبان حكم صدَّام.

وللعراقيين أن يختاروا حكومتهم بالطريقة الديمقراطية شريطة أن يكون الحاكم

الأعلى للبلاد رجلاً (أو امرأة) تختاره الولايات المتحدة ليعلمهم، ويتدرج بهم في

سُلّم ممارسة الديمقراطية التي غابوا عنها سنين طويلة. كيف لا يكون للولايات

المتحدة هذا الحق وهي التي أنفقت أموالها وضحَّت برجالها في سبيل تحرير الشعب

العراقي من الحكم الصدَّامي الاستبدادي؟

والعراقيون أحرار في أن يقيموا من العلاقات الدولية ما شاؤوا، لكن دولتهم

يجب أن تكون دولة موالية للولايات المتحدة، كما يجب أن لا تكون معادية للدولة

الإسرائيلية، كيف لا وقد كان من دوافع شن الحرب على العراق الخوف من أن

يكون نظامه مهدِّداً لإسرائيل؟ أليس هذا بعض ما يقتضيه رد الجميل الذي أسدته

أمريكا للعراق؟

ولهم أن يتصرفوا في ثروتهم البترولية كيف شاؤوا، لكن الولايات المتحدة قد

تعاقدت قبل اختيارهم لحكومتهم مع بعض الشركات الأمريكية، وأوكلت إليها

الإشراف على إنتاج البترول العراقي وتسويقه، فيجب أن يقروا ما اختاره لهم

محرروهم!!

ولهم أن يشرفوا على إعادة تعمير بلادهم التي اقتضت حرب تحريرهم

تدميرها، ولكن الولايات المتحدة قد اختارت لهم حتى قبل بدء الحرب شركات

أمريكية مؤتمنة على أداء هذه المهمة، فيجب أن تستمر هي الأخرى في أداء عملها

حتى بعد أن يختار العراقيون حكومتهم الديمقراطية!!

وسيكون العراقيون أحراراً في اختيار المناهج التربوية التي يرونها مناسبة

وصالحة لأولادهم، كما ستكون لهم حرية اختيار الفلسفة التربوية التي تناسبهم،

لكن الولايات المتحدة قد كفتهم مؤونة هذا التعب، وستتولى هي إعداد هذه المناهج

كما فعلت بالنسبة لأفغانستان، وستضمن لها أن تكون مبنية على فلسفة تزرع

العلمانية في قلوب الدارسين، وتقيهم شر الفتن الطائفية والاختلافات الدينية،

وستضمن لهم أن يتخرجوا بقلوب لا كراهية فيها ولا غضب على الغرب ولا على

(إسرائيل) ، فإن الكراهية حتى لمن تعده عدواً لها هي شر ما تبتلى به أمة، اللهم

إلا إذا كانت كراهية لدينها وتاريخها وتقاليدها التي كانت كلها سبباً في تأخرها!!

ما أروع أن نرى الآلاف من العراقيين يتظاهرون في الشوارع في حرية

كاملة لم تكن مكفولة لهم إبان الحكم الدكتاتوري، نعم إن الكثيرين منهم يهتفون ضد

الاحتلال، لكنهم ما كانوا ليستطيعوا أن يهتفوا مثل هذا الهتاف لولا ما أسموه

بالاحتلال، ولذلك فسنعمل على استمرار هذا الذي هتفوا ضده ليتمكنوا من مثل هذا

الهتاف!!

ستكون الدولة العراقية الديمقراطية مثالاً يحتذى لبقية الدول العربية؛ لأنها

ستنفق أموالها على رفاهية شعبها فتعطي الأولوية لتوفير المواد الاستهلاكية، ولا

تبعثر ثروة البلاد في إعداد علماء، ولا في إقامة صناعات، ولا في امتلاك أسلحة

تدمير شامل أو غير شامل، إلا ما كان ضرورياً لمحاربة الإرهابيين الإسلاميين.

وستكون بذلك دولة محبوبة لا خطر منها على جيرانها ولا على من كانوا بالأمس

القريب أعداء لها. نعم إن (إسرائيل) تملك أسلحة يمكن تصنيفها بأسلحة دمار

شامل، لكنها محقة في امتلاك مثل هذه الأسلحة لأنها تعيش بين قوم أشرار، ودول

مارقة لا تألوا جهداً في تهديدها، أما هي فدولة متحضرة مسالمة، ولا تملك على

كل حال إلا أكثر من مئة قنبلة نووية!!

مرحى مرحى للديمقراطية وللحرية!! وما أروعهما حين يكونان تحت سيطرة

أمريكية بريطانية!!

[يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي

قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ] (البقرة: ٩-

١٠) .

[فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا

دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ

نَادِمِينَ] (المائدة: ٥٢) .


(*) رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة.