استمرار أعمال العنف المسلح في السعودية والمغرب والجزائر، لا يدل على انحراف اتجاه البوصلة فحسب، بل يدل مع ذلك على خلل في التفكير واضطراب في المنهج وغياب للهدف.
إن القصور في بناء الرؤية الشرعية وغياب الهدف يدفع بعض الشباب إلى تقحُّم تلك المرتقيات الوعرة التي أدخلتهم في دوامة الصراع الفوضوي، لقد سقطوا في مستنقع الدماء، وغارت أقدامهم فيه، وراحوا يخوضون في أنحائه بجرأة شديدة دون ورع أو تثبت أو تقدير لعواقب الأمور ومآلاتها.
نعم! غاب الهدف، وأصبح مجرد شعار تائه قلق لا معنى له، ثم اختزل مشروعهم في طلقات عبثية طائشة تثير الرعب والقلق هنا وهناك، لكنها في حقيقتها، تهدم ولا تصلح، وتنفِّر ولا تبشر.
إنها أزمة حقيقية أوقعت أولئك الشباب في دائرة مفرغة، وأوصلتهم إلى طريق مسدود، لم يحصدوا من أرضه إلا الحنظل.
فهل يدرك أولئك المتساهلون في أمر الدماء، المسعِّرون للهيب الفتن، أنهم بأعمالهم المتشنجة غير المسؤولة يسيئون للدعوة الإسلامية ويحاصرونها، ويهيئون المناخ الخصب للاتجاهات العلمانية واليسارية للهجوم على الإسلام ودعاته ومؤسساته؟!
بالتأكيد هي خلايا معزولة محدودة الانتشار في أوساط الشباب، تجد النكير من العلماء الربانيين والدعاة المخلصين ومن مختلف القطاعات الإسلامية، لكن أعمالهم المستفزة تعكس انطباعات سيئة عن العمل الإسلامي برمته.
إننا نخاطب هؤلاء الشباب بكل إشفاق عليهم وعلى أمتهم، ونقول لهم: إن استمرار الفتنة لا يخدم بأي حال من الأحوال أي طرف من الأطراف، بل نراه يعصف بالجميع؛ فهلاّ وقفوا بحكمة واستمعوا إلى علماء الأمة ومصلحيها!
إن هذا الشرخ الغائر يحتاج إلى حوار هادئ وعلاج فكري أصيل، يستحضر واقع المجتمعات الإسلامية من جهة، وواقع أولئك الشباب من جهة أخرى، وعلى العلماء والمصلحين مسؤولية كبيرة في بيان المنهج الشرعي بدليله، وفي حوار تلك الأعداد المحدودة من أبناء الإسلام، ولا يكفي أن يعلنوا نكيرهم لتلك التصرفات غير المحمودة، لكن من واجبهم أن يجدُّوا في بيان الحق ومدافعة الباطل، وأن يقدموا البديل العلمي الناضج، ويبنوا رؤية عملية واعية تتسع من خلالها آفاق وآليات التغيير المطلوب، ويؤصلوا المنهج التربوي المتوازن، الذي يحتوي تلك الطاقات الشبابية.. حوارٍ يوظف غيرتهم بطريقة فاعلة ومؤثرة، ويرشدها ويزيدها فقهاً وبصيرة في أصول الدين ومقاصد الشريعة، ويحميها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين.