الافتتاحية
على أعتاب العام الثاني عشر
[واقع البيان وبيان الواقع]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على خاتم الأنبياء
والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فنحمد الله المستحق للحمد، ونشكره (تعالى) على ما هدانا إليه من نعمة
الإسلام والتوفيق لقول كلمة الحق، ونشر منهج الصدق، والتحذير من سبل الباطل: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [الأنعام: ١٥٣] .
فبهذا العدد (١١٣) تدخل مجلة البيان سنتها (الثانية عشرة) وهي عاقدة العزم
على الاستمرار فيما انطلقت منه، بالعض بالنواجذ على ما دعت إليه منذ عددها
الأول الصادر في غرة ذي الحجة ١٤٠٦هـ، والذي أكدت فيه إشعار إخواننا في
الدين وأشقائنا في الهدف إلى أن هذه المجلة قد قامت على أسس راسخة ومنطلقات
ثابتة، ونؤكد على الخطوط العريضة لها المتمثلة فيما يلي:
-أننا دعاة إلى الله، نحرص على اتباع الوحيين، ونعمل جاهدين على السير
وفق نهج سلفنا الصالح في القرون المفضلة ومن تبعهم بإحسان.
-نتبنى عقيدة أهل السنة والجماعة ونسير على منهجهم في التلقي، بعيداً عن
غلو الغالين وانحراف المبطلين.
- نتلمس هموم الأمة ومشكلاتها في المشرق والمغرب، ونسعى لتعريف
الناس بها ومعالجتها قدر الطاقة بعمق واتزان.
- نحرص على معالجة انحرافات الأمة من منظور شرعي راسخ، ونتجنب
التهويل والتهوين.
- ندعو إلى الشمول في طرح الإسلام المتكامل عقيدة وعبادة ومنهج حياة.
- نضع أيدينا في أيدي كل المخلصين العاملين في سلك الدعوة إلى الله على
بصيرة، فلسنا لسان حزب أو دعاة طائفية أو إقليمية.
- نمقت العمل الارتجالي والنهج الفوضوي، ونرى في السيرة النبوية ومنهج
الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) أسلوباً أمثل لتوصيل رسالة الإسلام للناس كافة.
وربما نقصر أو نخطئ.. ولكننا نفتح قلوبنا لتقبل النصح والتوجيه
والتصحيح، وقد وضعنا استبانة في عدد سابق للمساعدة في تحقيق هذا الهدف.
وقفة مهمة:
حقيقة ثابتة يجب أن نعيها ونعلمها علم اليقين: أن الإعلام الإسلامي اليوم لم
يواكب النهضة الحضارية التي نعاصرها وينبغي أن تمر بها جل ديار الإسلام، ولا
نكون مغالين لو قلنا إن تخلفنا الإعلامي هو نتيجة طبيعية لتخلف واقعنا الحضاري.. بل هو ثمرة للتناقض المرير الذي نعيشه في كثير من ديار الإسلام بين ما تدعيه
دساتيرها من اعتبارها دولاً مسلمة وأن الإسلام فيها (مصدر من مصادر التشريع!!) ، بين ذلك والواقع البائس لها نتيجة تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، حتى
لم يبق منها سوى (أطلال الأحوال الشخصية) التي تتعرض بين وقت وآخر
لموجات التطوير والمسخ والتحريف، لمواكبة الغرب والشرق في اتجاهاتهم المادية
والليبرالية، حتى إنه على سبيل المثال لا الحصر شُرِّع منع تعدد الزوجات في
دستور إحدى الدول العربية، ويجرّم من يفعل ذلك، في الوقت الذي يعتبر الزنا
الصريح برضا الطرفين حرية شخصية، فأي تناقض أكبر من هذا؟ ، (إنا لله وإنا
إليه راجعون) .
ومن صور التناقض العجيب الذي نلمسه ونشاهده: تقنين منع الاتجاه
الإسلامي بوصفه أحد المنطلقات الفاعلة في المجتمعات المسلمة بدعاوى غريبة
وعجيبة، مثل: الادعاء بأن الاتجاه الإسلامي للجميع وليس لفئة دون غيرها،
فضلاً عما ينسب للاتجاهات الإسلامية من ضلوع في التطرف والإرهاب، نعم..
قد تحصل من بعض المنتسبين للتيار الإسلامي مخالفات ومآخذ، لكن ليس من
العدل تعميم ذلك على كل منتمٍ لهذا التيار، فهذا ظلم ولا يصح لمن يتحرى العدل أن
يقع فيه، فلماذا يباح الرأي لفئات معينة من المجتمع دون غيرها؟ .
لكن الهدف معروف سلفاً، وهو الضرب على وتر خاص، والتأكيد على نهج
بعينه، ثم تكرار القول حياله حتى ولو بالباطل إلى أن يصبح حقيقة مقررة في
النفوس، وهذا ما علمهم إياه كبيرهم الذي علمهم الإفك، حينما قال: (اكذب..
اكذب حتى يصدقك الناس) .
ويُرَد على هذه الادعاءات الباطلة والدعاوى الكاذبة بأن الاتجاهات المقبولة
لديهم بكافة منطلقاتها ليست حكراً على أهلها وذويها دون غيرهم، لكن الهدف
المقصود لم يعد خافياً على أي متابع، وهو مصادرة الإسلام ذاته، وتجريم دعاته،
وتحجيم تأثيره في المجتمع؛ ليبقى الحاكمون بأمرهم هم السادة والممسكون بأزِمّة
الأمور، فعلى أمتنا بكافة فعالياتها معرفة تلك المؤامرة وكشفها للجميع.
ومما يؤسف له: أن دعاة الإسلام في جل ديارهم لم يستطيعوا استغلال
الإعلام استغلالاً صحيحاً، ولم يستفيدوا من معطياته الاستفادة المرجوة؛ لأسباب،
منها:
* ضعف الإمكانات البشرية والتقنية، مما ينعكس سلباً على الأداء الإعلامي
لديهم؛ الذي لم يعد له مجال سوى ما هو مقروء فقط، وتبعاً لحدود معينة؛ مما أفقد
الدعاة إلى الله أساليب فاعلة في إيصال دعوتهم ومنهجهم إلى الناس كافة.
* النزعات الحزبية الضيقة التي ترى في نفسها أنها نسيج وحدها وما عداها
لا قيمة له، لمجرد مخالفتها في الاتجاه.
* ويتبع ذلك: الانغلاق على الذات والعمل في المحيط الإقليمي، والترفع
عن المحاسبة والنقد الهادف، مما جعلها لا تستفيد من تصويبات الآخرين، وبالتالي: السقوط في عقدة التعالي والترفع عن مراجعة الخطأ، وهذا هو الخطأ بعينه.
* محاولة هدم جهود الآخرين والوصول إلى الطعن في النيات بدعاوى ما
أنزل الله بها من سلطان، ومنها: تصنيف الناس والادعاء عليهم بالزور والبهتان
لمجرد الخلاف معهم في الرأي، إلى أن يصل الأمر إلى البحث عن الزلات وتتبع
العثرات، بينما الكفار والمبتدعة بمنجاة عن تتبعهم وكشف أخطائهم، فهذا والله أمر
عجيب، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها الأحبة: كم نحن بحاجة ماسة إلى وقفة محاسبة لنا معشر العاملين في
حقل الإعلام الإسلامي، والتعاون على وضع ما يمكن تسميته (ميثاق شرف) ؛
لتأصيل منهجنا الإعلامي في الحياة، وبيان السبل الصحيحة لإيصال الدعوة
الإسلامية للناس كافة، طبقاً للآداب الإسلامية والأخلاق الربانية، بعيداً عن
النزعات الفئوية والمناهج الحزبية والتوجهات الطائفية، بل انطلاقاً من مثل قوله
(تعالى) : [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ] [النحل: ١٢٥] .
نعم.. طرحت رؤى وأفكار في هذا الباب، سواء في أطاريح رسمية أو
دراسات علمية، لكنها لا تخلو من مآخذ وسلبيات.. والميثاق الذي ندعو إليه
بالإضافة إلى الأسس المنهجية الشرعية التي أومأنا إلى شيء منها يلزم أن تتجلى
فيه السمات التالية:
أن يكون منهاج دعوة إلى الأخوة الإسلامية التي تربط المسلمين بعقيدتهم
الصحيحة، لقوله (تعالى) : [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] [الحجرات: ١٠] ، والتحذير
من كل الاتجاهات المنحرفة من التغريب الاجتماعي والعلمنة الفكرية والانحرافات
العقدية والغلو الديني.
لا خلاف فيما ورد فيه نص شرعي محكم، والخلاف وارد في المسائل
الفرعية، ولذا: ندعو إلى جمع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الاختلاف وما ينطوي
عليه من حقد وكراهية وبغضاء.
لا يمكن بحال من الأحوال الشماتة بإخواننا في العقيدة ومناصرة أعدائهم
لمجرد الخلاف في الرأي..
إننا بهذه المناسبة الطيبة ندعو أصحاب الفضيلة مشايخنا العلماء وإخواننا
الدعاة والمفكرين.. إلى مشاركة (البيان) في إيصال دعوة الحق للناس ونشر
الفضائل ونبذ الرذائل، والعمل على المزيد من التواصل لكشف مخططات أعداء
الإسلام وتعريف الناس بالإسلام كله.
والله نسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه،
ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.